fbpx

البحث عن عالم ما بعد “كورونا”… اجترار وعموميات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سيخلق “كورونا” نظاماً عالمياً جديداً، ويعيد صياغة العلاقات بين الدول ويزلزل فكرة العولمة ويبدل طبيعة العلاقات بين البشر، فـ”العالم بعد ظاهرة الوباء هو عالم آخر غير الذي سبقه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تستسهل كتابات صحافية في صفحات الرأي والتعليق، انتقالنا إلى عالم ما بعد “كورونا”، جازمة وقاطعة أن ما بعد الفايروس ليس كما قبله. فـ”كورونا”، على ما توضح الكتابات، سيخلق نظاماً عالمياً جديداً، ويعيد صياغة العلاقات بين الدول ويزلزل فكرة العولمة ويبدل طبيعة العلاقات بين البشر، فـ”العالم بعد ظاهرة الوباء هو عالم آخر غير الذي سبقه، وهو عالم يطرح أسئلة كثيرة عن معنى الحدود ودور الدولة، وعن العولمة مقابل الانغلاق”.  وعلى رغم أن “من غير المعلوم كيف سيكون عليه الشكل الجديد للنظام العالمي”، “لكنه بالتأكيد سيكون مختلفاً عما كنا معتادين عليه في السابق، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين الدول، مع ظهور بوادر انهيار الاتحادات”. فـ”جائحة كورونا اليوم تغير شكل الحياة بالمجمل، ويمكن أن تكون مؤسساً لمرحلة تاريخية جديدة، كما كانت الحربان العالميتان مؤسستين لأنظمة عالمية جديدة، فما بعد ظهور كورونا من المؤكّد أنه لن يكون كما قبله”.

والكتابات تلك، إذ تصدر عن صحافيين مختلفين في انتماءاتهم الأيديولوجية وميولهم السياسية، فهي تتوحد على عمومية تتجنب التحديد بحجة أن “من غير المعلوم” شكل النظام العالمي الجديد، مسقطة عدداً من الاحتمالات، كانهيار العولمة والاقتصادات الموحدة وتبدل عاداتنا اليومية. وحين ذهب كاتب من هؤلاء إلى إعطاء مثال حول طبيعة النظام الما بعد كورونا، كتب: “شخص عنده كورونا عطس في غزة أو رام الله، فهل تحمي القبة الحديدية أو حتى الدعم الأميركي إسرائيل من الوباء؟ كورونا قد يجعل دولة كإسرائيل تفكر مرة ثانية أو تعيد النظر في فكرة الحدود وحل الدولتين وعلاقتها بالشعب الفلسطيني. الفلسطينيون أيضاً سيعيدون التفكير، فأي المستشفيات أقرب إليهم وأكثر جدية في علاج الأوبئة، هل هي في مصر والأردن أم في إسرائيل؟”.

ولعل المثال الكاريكاتوري الذي سجله الكاتب، لو وُضع أمام خلطة الاحتمالات الممكنة لتغير العالم سيكشف زيف الأخيرة والتي تستخدم لخلق سيناريو توقعياً إذا ما اختبر على أرض الواقع سينتج المثال الذي سبق ذكره. عدا عن أن الاحتمالات التي يستند إليها الكتاب قابلة للتحقق من دون “كورونا” فـ”صعود الصين”، توازياً مع “الأحزاب اليمنية في أوروبا”، حصل فعلاً، ويتواصل قبل انتشار “الفيروس” وخلاله.

جائحة “كورونا” اليوم تغير شكل الحياة بالمجمل، ويمكن أن تكون مؤسساً لمرحلة تاريخية جديدة.

الأرجح أن استعجال البحث عن عالم ما بعد “كورونا”، هو هروب من الحدث نفسه، بمعنى ضعف أدوات التعامل معه، ليغدو الحل القفز إلى احتمالات معروفة ومتداولة مثل العولمة والحدود والعلاقات بين الدول. والمفارقة، أن هذه الاحتمالات كانت ترد بشكل يومي في الكتابات الصحافية مع كل حدث وواقعة، ما يجعل نص الاستشراف، الذي يتسابق الكتاب على تدبيجه، فعل اجترار لما اعتادت عقولنا على تلقيه.

ثمة هروب إذاً من الحدث لاستشراف ما سينتجه من تغيرات، لكن باحتمالات سابقة عايشنا الكثير من تفاصيلها من دون وجود الفايروس. والبقاء مع الحدث لتلمس تأثيره الحالي من دون تنبؤات، ربما، يسير بالضد من توقعات التغيير الشامل، فالعالم بكل قواه ظهر بشكل مستوٍ بلا تمايزات، ذاك أن الدول بمختلف توجهاتها وطبيعة الأنظمة فيها اتخذت ذات الإجراءات ضد “كورونا”، من حجر وإغلاق ومنع تجوال وسط تسابق على انتاج اللقاح والبحث عن علاج يخفف وقع الكارثة. استواء العالم في التعاطي مع المستجد الفايروسي ينفي احتمال تبّدله أو أقله تبّدل مراكز القوى الفاعلة فيه. صحيح أن هذه الأخيرة ضعفت وأصابها الوهن، فتعطلت السياسة وحركة الاقتصاد وتنقل البشر، لكن هذا أصاب الجميع، والخروج منه يقتضي بالضرورة تعاون الجميع. بمعنى آخر، القوى التي تضررت ستترسخ أكثر وتتشابك لتجاوز تداعيات ما حصل على جميع المستويات.

والبقاء مع الحدث كذلك، يظهر أن تداعيات الأزمة لا تسير باتجاه واحد، بل باتجاهات متضاربة، فالعولمة مثلاً انتهت بحسب وقائع التخلي والأنانية بين الدول، واستمرت بحسب وقائع التعاون وتقديم المساعدات بين دول أخرى. كذلك “نجاح” الصين التوتاليتارية في احتواء الفايروس، قابله نجاح كوريا الجنوبية الديموقراطية. بمعنى أن ما يحصل قد ينتج توتراً في العالم من دون أن يصل إلى حدّ التبدل، على ما تجزم الكتابات التي أصبحت موضة في الصحافة العربية.