fbpx

العونيون وهالا وردي: الأيام الأخيرة لـ… ميشال عون!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

معظم من هاجم خريش ركن إلى غوغل للبحث عن هالا وردي فظهرت النتائج التي تجلد الكاتبة على تجرؤها على الخوض في مسألة حساسة، وأخبار من هنا وهناك عن منع كتابها في بعض الدول الإسلامية بسبب اعتباره مسيئاً للسيرة النبوية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 2010 زار وليد جنبلاط الرابية، مقر اقامة رئيس التيار الوطني الحر آنذاك (رئيس الجمهورية الحالي) ميشال عون. حمل جنبلاط معه هدية إلى عون. الهدية عبارة عن كتاب، والكتاب للروائي جوزيه ساراماغو صاحب نوبل للآداب (نال الجائزة في العام 1998). الهدية كانت كتاب “الإنجيل يرويه المسيح”، وهو كتاب إشكالي تسبب بصدام بين ساراماغو والسلطة الدينية الكنسية، وقد أزعج الكتاب الحكومة البرتغالية حين صدوره في العام 1991 واعتبرته “اهانة بحق الكاثوليك”. بسبب ردود الفعل على هذه الرواية، غادر ساراماغو البرتغال مكسور الخاطر، وانتقل إلى منفاه الاختياريّ في لانثاروتي، إحدى جُزُر الكاناري الإسبانيّة.

الرواية باختصار تطرح سيرة أرضية جديدة للسيد المسيح، تناقض السيرة السماوية المعروفة. وهي بهذا المعنى بمثابة اقتراح إنجيل جديد يروي سيرة محسوسة بديلاً من سيرة مجردة، سيرة إنسانية بديلاً من السيرة الإلهية. ووليد جنبلاط يعرف تماماً الرسائل الكامنة في رواية ساراماغو الجريئة، واختياره لها لتكون هدية إلى ميشال عون ليس عبثياً، ولا استعراضياً. يحاول ان يقول لعون بوضوح إن سيرته الأرضية الواقعية تختلف تماماً عن سيرته المتخيلة عن البطولات وتغيير العالم و”يستطيع العالم سحقي والا يأخذ توقيعي” وسواها من السرديات وبعضها خرج على لسان الشاعر سعيد عقل(من قصر بعبدا في العام 1990) ساهمت في تطويب ميشال عون “مخلّصاً” استثنائياً لا بديل عنه: “انا جايي فتش عانسان ضد الجنرال عون مش عم لاقي، عم فتش على عشبة عحجرة على صخرة عشجرة ضد الجنرال عون بأرض لبنان مش عم لاقي. قولوا معي: الجنرال البطل هو سيد لبنان”. كتاب ساراماغو المهدى من جنبلاط يحاول ان يفكك هذه الكلمات الشعرية المجردة، غير الواقعية، لسعيد عقل. ويحاول أن يوصل إلى ميشال عون الرسالة بشكل ذكي وغير مباشر.

الكاتبة التونسية هالا الوردي وغلاف كتابها “الأيام الأخيرة للنبي محمد”

من هنا تظهر اهمية الرسائل التي يمكن تبادلها بالكتب واقتراحاتها. ولو ان جرأة الكتاب الذي اهداه جنبلاط لعون لم تثر ضجة في حينه، الا ان ردود الفعل كان يمكن ان تكون اكثر اضطراباً في حال وصلت الرسالة بشكل خاطئ، وتسربت إلى عموم الجمهور، وغالبه يقرأ الكتب من عناوينها دون الخوض التفصيلي في مضامينها. وهذا ما حدث فعلياً مع نائبة رئيس التيار الوطني الحر مي خريش التي وضعت على تويتر اقتراحاً لقراءة كتاب للكاتبة التونسية هالا وردي عن “الأيام الأخيرة للنبي محمد”. والكتاب يطرح الفرضيات التي احاطت بموت النبي محمد وما اذا كان قد مات ميتة “طبيعية” أم تعرض للإغتيال. والكتاب يستند إلى خليط من المراجع السنية والشيعية على السواء(تبدو وردي اكثر ميلاً للتأثر بالمرويات الشيعية في هذا السياق)، ويمكن القول إنه مشغول بخفّة منهجية لناحية المصادر والأحداث، ومكتوب باسلوب روائي سلس، لكنه لا علاقة له بمنهجيات كتابة التاريخ. وردي في كتابها تعرض لمحاولات الإغتيال التي تعرض لها الرسول، ولأيامه الأخيرة التي عاشها مهموماً وحزيناً بعد فقدان ولده ابراهيم، قبل حجة الوداع، فضلاً عن شكّه في أقرب الناس إليه.

الكتاب يطرح الفرضيات التي احاطت بموت النبي محمد وما اذا كان قد مات ميتة “طبيعية” أم تعرض للإغتيال.

الكتاب إشكالي لا شكّ، وجريء، يتناول قضية حساسة ومستفزة لمعظم المسلمين، وهو يصوّر نبيهم في أيامه الأخيرة في صورة الضعيف الذي يعيش في الشكّ القاتل، والمتآمرعليه من اقرب المقربين. والكتاب في رمزيته، حينما تقترحه مي خريش عبر تغريدة للناس في الحجر الصحي، يشبه هدية وليد جنبلاط إلى ميشال عون. في اختياره دون غيره رسالة قد تكون مقصودة، وقد لا تكون. ولكن في السياسة، من يتولون مناصب متقدمة، لا يمكن التعاطي مع اقتراحاتهم وهداياهم بتجرّد. الأبعاد التشفيرية دائماً حاضرة لتمرير الرسائل ولإثارة الجدل. والحملة التي تعرضت لها خريش خير دليل على أن الاقتراح وإن كان بريئاً، فإن نتائجه لم تكن كذلك. فالكتاب لم يقرأ في سياقاته المعرفية البحتة من قبل المعترضين، ومعظم من هاجم خريش لم تتسن له قراءة الكتاب. والكتاب بالمناسبة لم يترجم إلى اللغة العربية وهو صادر باللغة الفرنسية في العام 2017 عن دار “آلابان ميشال” الفرنسية. وعلى الغالب معظم من هاجم خريش ركن إلى غوغل للبحث عن هالا وردي فظهرت النتائج التي تجلد الكاتبة على تجرؤها على الخوض في مسألة حساسة، وأخبار من هنا وهناك عن منع كتابها في بعض الدول الإسلامية بسبب اعتباره مسيئاً للسيرة النبوية. وبما أن اقتراح الكتاب جاء من خصم سياسي إشكالي، كالتيار الوطني الحرّ، والتيار له صولاته وجولاته في ازدواجية المعايير بما يتعلق بالحرية والمنع (التيار الوطني الحر قاد حملة لمنع فرقة “مشروع ليلى” من الغناء في جبيل بتهمة اهانة الدين المسيحي)، فإن ردّ الفعل على الإقتراح يصير مفهوماً وإن كان يتطلب استنكاراً حاسماً لجهة عدم السماح لآليات القمع بالتسلسل إلى الحقوق البديهية في القراءة والمعرفة والتسويق للكتب والمنشورات وإقامة الحفلات وممارسة الشعائر وحرية التعبير والنقد وسواها من دون قيد أو شرط.

كان يمكن لأنصار التيار الوطني الحر ان يهاجموا وليد جنبلاط على إهدائه كتاب ساراماغو إلى عون لو ان اللحظة السياسية تطلبت ذلك.

كان يمكن لأنصار التيار الوطني الحر ان يهاجموا وليد جنبلاط على إهدائه كتاب ساراماغو إلى عون لو ان اللحظة السياسية تطلبت ذلك. كان الجيش الالكتروني للعونيين ليتهم جنبلاط بانه يسوق لإهانة السيد المسيح والكاثوليك والموارنة. مرّت الهدية على خير لأن الظرف السياسي كان ملائماً وغير مشحون. كان يمكن ان يحدث سيناريو مشابه للذي حدث مع مي خريش. والسيناريو هذا حدث بالفعل مع الحملة التي خاضها العونيون مع قناة “أو تي في” لإدخال تراب “مقدس” إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي لعلاج مرضى الكورونا بقوة الخرافة في تحدّ وقح للعلم والحقائق. ويمكن أن يحدث ما هو افظع لو قرر أحدهم مثلاً أن ينشر كتاباً عن “الأيام الأخيرة لميشال عون” وعن أجواء الصراع على السلطة داخل عائلة عون وبين اصهرته وبناته وعن المآلات المزرية التي وصل إليها عهده في أيامه الأخيرة. المشكلة كما يتبدى إذاً، ليست في الإقتراح نفسه، بل في صاحبته. كتاب وردي يحتاج إلى نقاش عميق بعد قراءة، أما المسألة العونية وطريقة مقاربتها للأمور، فيمكن الرجوع إلى وليد جنبلاط في هذا السياق لقراءتها بشيء من التنبؤ. فحينما سأله غسان شربل في حوار قديم(في منتصف التسعينات) نشر في كتابه “أين كنت في الحرب؟”(رياض الريس للنشر والتوزيع- 2011) عن رأيه في عودة الجنرال ميشال عون إلى لبنان زعيماً لقوة سياسية أجاب جنبلاط حرفياً(ص 297): “سيخرب البلد… أتصوّر ان لدى اللبنانيين ما يكفي من العقل، أتصوّر أو أظنّ. ظروف حرب التحرير والتظاهرات أمام بعبدا وخطابات سعيد عقل ظهرت نتائجها وعلى الناس ان تتعلم. آمل أن لا نرجع أبداً إلى الجنون الجماعي”. انتهى الإقتباس.

سعيد عقل يضحك في قبره!