fbpx

لماذا المسارعة إلى التعليم عن بعد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد حمل إلينا “كورونا” الرسالة. لكنّنا لم نفهمها. أن نعود إلى هدوئنا. أن ندرك ماهيّته ورسالته قبل أن نهمّ بأداء رسالتنا التّعليميّة. لكن للأسف، نحن المعلّمين، في كثير من الأحيان، لا نفهم الدّرس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“التّعليم عن بعد”. عنوان عريض دخل على عجل إلى مجتمعاتنا. اجتاح مفاهيمنا. تحوّل بسحر وباء إلى وجبة يوميّة في مداولاتنا. لكنْ مهلاً. هكذا ببساطة نقرّر أن ينتقل التعليم من المدرسة والجامعة إلى المنزل؟ فقط لأنّ “كورونا” يهدّدنا وسرعة التّعليم تلاحقنا.” كورونا” يقرّر. “كورونا يأمر”. ونحن علينا أن نطيع. هكذا هي المسألة. زائر خطير يفرض علينا تدابيره حتّى في التربية والتعليم. نعم. هذه هي المسألة.

وباء صغير مفاجئ يمنعنا من مجرّد التفكير. يستعجل فرض إجراءاته علينا. في غضون أيام، نستغني عن حضور المعلِّم ونحوّله إلى ممثّل يؤدّي دوراً على شاشة. في غضون أيّام، نستغني عن نظام تعليميّ لطالما تمسّكنا به ودافعنا عنه على رغم فشله وموته السريريّ. أين الوفاء يا سادة؟ ألا نحتمل التوقّف عن التّعليم شهراً واحداً أو شهرَين للتأمل فقط؟ طبعاً لا. المعرفة لا تنتظر. و”كورونا” لا ينتظر. المهمّ أن يستمرّ التعليم وبسرعة وكثافة. المهمّ أن نحافظ على الرسالة. أن نحافظ على هيبتنا أمام المتعلِّمين. أن نحافظ على صورتنا السلطويّة في اجتراح الأساليب والمعجزات. أن نحافظ على حضورنا أمامهم. ولو كان افتراضيّاً. في المنزل. في غرفة النوم. في الصالون. في المطبخ. لا يهمّ. والوسيلة؟ لا يهمّ أيضاً. عبر الهاتف الذي لطالما شكونا منه، أو عبر الكمبيوتر، لا يهمّ أبداً. ونتيجة هذا الانتقال المفاجئ؟ كيف ستكون؟ محاسنه؟ مساوئه؟ سلبيّاته؟ إيجابيّاته؟ لا يهمّ. وحال المدرِّس؟ كيف هي؟ لا يهمّ. هل مصابٌ بـ”كورونا”؟ أو مصابٌ بالجنون؟ أو بالضغط النفسيّ؟ لا يهمّ. حال الأهل؟ طبقاتهم الاجتماعيّة؟ فقراء أم أغنياء؟ مثقّفون؟ غير مثقّفين؟ لا يهمّ بتاتاً. حال المتعلّمين؟ أوضاعهم؟ أجواؤهم؟ لا يهمّ. المهمّ والأهمّ شيء واحد فقط: رسالة التّعليم وقدسيّة الرسالة.

علّموا علّموا علّموا. تعلَّموا تعلَّموا تعلَّموا. احملوا هواتفكم. أجهزتكم. شاشاتكم. تهيّأوا للمعركة وتعلّموا. كأنّنا نعبر نحو نهاية العالم. كأنّ الموت ينتظرنا غداً أو بعد لحظات. كأنّنا نخاف أن نموت على جهلنا. أو كأنّنا يجب أن نموت متعلّمين. أن نموت مثقفين. أن نموت في ملء المعرفة. نعم. حتّى الموت له أصوله. له جواز سفره: شهادة رسميّة. شهادة في أصول الموت. أقلّه الموت النفسيّ. عار علينا أن نموت قبل أن ننهي درس التّمييز أو درس الحال. عار علينا أن نموت قبل أن يحفظ المتعلِّمون غيباً ظروفَ تشكيل “حكومة بشامون”، وردّ الفعل الشعبيّ على اعتقال رجالات الاستقلال. قبل أن ندرك السبب المباشر لاندلاع الحرب العالميّة الأولى، أن نحفظه غيباً كالأبانا والسّلام في المسيحيّة والفاتحة في الإسلام. فتربوياً، هذا هو مفتاح باب السّماء. كلمة المرور إليها. الـ password. الـmot de passe. يجب ألا نموت قبل أن نفهم أصول المنطق وآلة العلم عند أرسطو كي نحسن الإدراك والفهم والتحليل هناك، في السماء. قبل أن نفهم جميع المسائل في الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والرياضيّات. كأنّ السماء لا تستقبل إلا العلماء والمثقّفين. كأنّ المعرفة حاجة أيضاً في حضرة الإيمان. الآن فقط فهمنا الرسالة، رسالة التعليم: الله لا يريد جهلة في ملكوته. يريدنا جميعًا متعلِّمين. على صورة أطفاله.

“التّعليم عن بعد”. عنوان عريض دخل على عجل إلى مجتمعاتنا. اجتاح مفاهيمنا. تحوّل بسحر وباء إلى وجبة يوميّة في مداولاتنا.

والأهمّ، يجب ألا نموت قبل تقويم أداء المتعلِّمين ووضع العلامات وفق معاييرنا. يجب أن نجد طريقة لذلك. جامعة البلمند وجدت الوسيلة. نعم لقد نجح فريقها في إيجاد وسيلة، وهو جاهز لتزويد المدارس بها، بالبرنامج. الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله. نستطيع الآن أن تختبر المتعلِّمين قبل موعدنا مع الموت. لن نموت من دون علامات أو من دون دفتر العلامات، ولو إلكترونيّاً. من العار أن يدخل “كورونا” إلى جسدٍ جاهلٍ في لبنان. يجب أن يدخل إلى جسدٍ مثقف. أن نعيش في دولة جاهلة، لا مشكلة في ذلك. أن ينهش الفساد مجتماعتنا، أيضاً لا مشكلة في ذلك. أن نتحدّث في مادّة التربية عن قوانين لا تُطبّق، لا بأس في ذلك. عن دستور لا يحترم، لا بأس بتاتاً. عن بيئة ندّعي في كتاب المدرسة أنّنا نحافظ عليها، أين المشكلة؟ عن قيم فقدناها وندّعي أمام الطلاب زوراً أنّنا نطبّقها، هذه قمّة الرّوعة! المهمّ أنّ نظامنا التعليمي القديم المهترئ خطّ أحمر. على وهنه وعلاته. وأن امتحاناتنا الرسميّة وغير الرسميّة خطّ أحمر. وأنّ معايير تقويمنا القديمة خطّ أحمر. وأنّ الفاعل والمفعول به والمفعول فيه خطّ أحمر لا جدال فيه. كطبق يجبُ أن يتناوله المتعلّم بالقوّة والغصب. ولو من دون شهيّة. ولو بقرف. كأنّ هناك من يقول: “أسرعوا. رجاء أسرعوا. الكيمياء والفيزياء والرياضيّات والآداب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والتّربية، ولو كانت بمنهاج قديم، يجب أن تُكتسب معارفها ومفاهيمها”. رأي الطلاب لا يهمّ. رأي المعلّمين لا يهمّ. رأي الأهل لا يهمّ. يهمّنا شيء واحد فقط. أنّنا نعيش في عصر السرعة. ويجب أن نتناغم مع روحيّة هذا العصر. اغتصاب فكريّ مستمرّ منذ عقود. ولا ضيرَ إذا استمرّ في زمن المرض.

لقد حمل إلينا “كورونا” الرسالة. لكنّنا لم نفهمها. لا نريد أن نفهمها. كان يجب أن نتعلّم شيئاً واحداً فقط ربّما جاء من أجله هذا الوباء اللعين. أن نعود إلى هدوئنا. أن نهدأ قليلاً. أن نتروّى. أن نفهم شيئاً من هذا الزّائر المجرم. أن نحاول على الأقلّ. أن نخرج منه بدرسٍ ما. أن ندرك ماهيّته ورسالته قبل أن نهمّ بأداء رسالتنا التّعليميّة. لكن للأسف، نحن المعلّمين، في كثير من الأحيان، لا نفهم الدّرس.