fbpx

لبنان العنصرية في زمن “كورونا”: حظر تجوّل استنسابي وطرد وضرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجديد اليوم هو ذهاب المنطق العنصري إلى أقصاه بحيث يحاول البعض الايحاء بأنّ “السوري” تحديداً اللاجئ مرشّح لحمل المرض أكثر من اللبناني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يحق للسوريين التجوّل بين التاسعة والحادية عشرة صباحاً فقط”، هكذا قال شرطيّ في بلدية عبرين (منطقة في شمال لبنان) لحسين (شاب سوري)، حين أوقفه فيما كان عائداً من بيت أهله إلى بيته. لكنّ الأمر لم يتوقّف عند حظر التجوّل الاستنسابي هذا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير كما يروي حسين الذي يعيش في لبنان منذ عام 2004 ويعمل في إحدى الشركات. يقول حسن لـ”درج”: “عند الثالثة والنصف من بعد ظهر 25 آذار/ مارس، اضطررت إلى التوجه إلى بيت أهلي الذي لا يبعد أكثر من 5 دقائق من بيتي، لأنني احتجت إلى المال، في ظل الظروف الراهنة والتعبئة العامة المفروضة بسبب تفشي “كورونا”. في طريق العودة، أوقفني شرطي البلدية، وسألني أين كنت، وأخبرني أنه يمنع على السوريين التجوّل إلا بين التاسعة والحادية عشرة قبل الظهر. حاولت أن أفسّر له أنني كنت مجبراً على الخروج. لكنه لم يتوقف، بل طلب مني أن أوقف السيارة وطلب أوراقها، وحين اعترضت، ما كان منه إلا أن صفعني بقوّة على وجهي. رفعت زجاج السيارة حتى لا يضربني، فحاول فتح الباب، وحين لم ينجح، كسر المقبض. خفت، فهربت منه، ذهبت إلى البيت وركنت السيارة، وصعدت إلى السطح لأختبئ. فلحق بي، وهدد زوجتي بحرق سيارتي في حال لم أحضر إليه”.

يتابع حسين: “حين نزلت من السطح، انهال عليّ رجال الشرطة وبدأوا يضربونني بشكل عنيف. حاولت أن أشرح لرئيس البلدية أنني هربت إلى السطح حتى لا تكبر المشكلة. فكان نصيبي صفعة إضافية من الشرطي”.

في النتيجة، طُلب من حسين مغادرة بيته وعبرين نهائياً مع عائلته خلال ساعة واحدة، فلجأ إلى أخته التي تعيش مع عائلتها في منزل من غرفة واحدة، ويمكن تخيّل ما قد يعنيه وجود عائلتين (كل عائلة من 6 أفراد) في غرفة واحدة في زمن “كورونا” هذا. حسين الآن بلا مسكن ولا ملجأ، لأنّ شرطياً ما اعتبر أنّ بإمكانه التحكّم بمصائر الناس، وتحديد ساعات تجوّلهم وفق جنسياتهم أو وفق مزاجه. 

يقول أحد جيران حسين في عبرين الذي شاهد الحادثة إنّ ما حصل كان مروّعاً ولا يصدّق، مؤكداً أنّ الشاب “آدمي” ويعيش في المنطقة منذ وقت طويل، ومسالم ولا يزعج أحداً، مستغرباً التعرّض له ولعائلته بهذه الطريقة.

“حين نزلت من السطح، انهال عليّ رجال الشرطة وبدأوا يضربونني بشكل عنيف. حاولت أن أشرح لرئيس البلدية أنني هربت إلى السطح حتى لا تكبر المشكلة. فكان نصيبي صفعة إضافية من الشرطي”.

وبالعودة إلى حظر التجوّل الاستنسابي الذي قرر شرطي البلدية أو ربما بلدية عبرين فرضه عبر مفوّضها السامي (الشرطي)، فهو إجراء في الحد الأدنى عنصري، وهو طبعاً مخالف لقرار مجلس الوزراء الذي سمح للناس بالتنقّل عند الضرورة إلا بين السابعة مساءً والخامسة صباحاً، ولم يضع تحديداً بين سوري ولبناني. فهل تحاشى مجلس الوزراء الاشارة صراحة الى التمييز بين جنسيات العابرين وترك الأمر لسلطات محلية تمارس الخطاب التمييزي الذي تبناه جزء كبير من أهل السلطة بحق اللاجئين؟

إنه نفس المنطق الذي كان سبق أن حمّل اللاجئين مسؤولية تراجع الاقتصاد وخراب البيئة وتدهور الكهرباء وهي طبعا مواقف لا تمت للحقائق والأرقام والوقائع بصلة لكنها خطاب اعتمدته شريحة واسعة من السياسيين للتمترس خلفها لتبرير فشل سياسي واقتصادي انكشف بوضوح في انتفاضة 17 تشرين الأول/اكتوبر الماضي.

الجديد اليوم هو ذهاب المنطق العنصري إلى أقصاه بحيث يحاول البعض الايحاء بأنّ “السوري” تحديداً اللاجئ مرشّح لحمل المرض أكثر من اللبناني. 

يضاف الى المنطق هو التصرف الأمني الخطير بضرب وتهديد وطرد شخص فماهي الصلاحية القانونية الممنوحة لشرطي في إيقاف السيارة وضرب الناس أو تهديدهم في بيوتهم، بمؤازرة من إدارته وأصدقائه.؟؟

يتّجه حسين الآن إلى تقديم شكوى لتحصيل حقه، بعدما ضُرب وأهين وطُرد من منزله مع عائلته، عسى ألا تخضع هذه الشكوى بدورها للمنطق العنصري والاستنسابي ذاته. و”درج” يمتنع عن ذكر اسم حسين الكامل ولا اسم الشرطي حفاظاً على سلامة حسين وحقّه في الادعاء والحصول على العدالة.

ما حصل مع حسين، ربما يحصل في مناطق وأحياء كثيرة أخرى، فهناك من لا يتخلّى عن عنصريته حتى حين تكون حياته وسلامته ومستقبله مهددة بمرض لا يرحم أحداً.

إنه نفس المنطق الذي كان سبق أن حمّل اللاجئين مسؤولية تراجع الاقتصاد وخراب البيئة وتدهور الكهرباء وهي طبعا مواقف لا تمت للحقائق والأرقام والوقائع بصلة

من نافل القول إن من حق الجميع بصرف النظر عن الجنسية أو العرق التنقل والعيش بأمان والحصول على الغذاء و الطبابة، لكن هناك في لبنان من يحاول أن لا يفوّت أي مناسبة من دون التذكير بسلسلة من الاجراءات والمواقف العنصرية التمييزية التي يجري اعتمادها. 

فعلى رغم لا دستوريتها، لا تزال بلديات عدة في لبنان تتبنى قرارات  بحظر تجوّل المقيمين السوريين فيها، وممارسات أخرى كمنعهم من السكن أو العمل بشكل استنسابي ومن دون وجه حق. يفعلون ذلك رغم كل التقارير والاستنكارات الدولية فهم يبدو أنهم ينعمون بتغطية كبرى من قبل جهات أساسية في السلطة تبارك مثل هذه الممارسات.

عن قصة حسين وقصص كثيرة تحدث الآن فيما نحن في حجورنا ننتظر الموت أو النجاة، توضح الباحثة في الشأن اللبناني في “منظمة العفو الدولية” سحر مندور لـ”درج” أنه “في الظروف العادية، قبل زمن “كورونا” كان السوريون وبخاصة اللاجئون منهم يتعرّضون لأشكال عدة من التمييز، إن كان على مستوى الأوراق الرسمية، إضافة إلى مضايقات منها انتهاك حقوقهم عبر الإعادة القسرية إلى سوريا. ومع وصول “كورونا” والهلع الذي يرافقه نرى استسهالاً في التمييز ضد الفئات الأكثر هشاشة والأكثر ضعفاً ولعل اللاجئين السوريين هم الأكثر هشاشة، لا سيما مع وجود عدد كبير منهم في مخيمات وسط ظروف صعبة وغير مجهّزة، فكيف يكون الأمر مع كورونا؟”.

وتطالب مندور في هذا الإطار، المجتمع الدولي بدعم المنظمات لمساعدة السوريين في لبنان ومنحهم حقهم في الطبابة والإقامة الآمنة في هذه الظروف الصعبة، ومناهضة كل أشكال التمييز والكراهية ضدهم التي من بينها منعهم من التجوّل، مؤكدة أن ظروف لبنان الاقتصادية لا تبرر أبداً ما يمكن أن تتعرّض له الفئات الهشة، وعلى الدولة حمايتهم من الانتهاكات، فالمخاوف التي نعيشها بسبب “كورونا” قد تجعل الناس يبررون تصرفات عنفية وعنصرية كثيرة، من باب الخوف أو الهلع أو الإشاعات.