fbpx

حرق خيم المعتصمين تحت جنح الوباء : “كورونا” أوليغارشي أيضاً …

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عمدت السلطة الى حرق الخيم وكأنها الوباء، تماماً كما تفعل بعض الدول مع جثامين ضحايا كورونا حيث يسارعون الى حرقها ودفنها من دون جنازة ومن دون محبين. أحرقت السلطة في لبنان ساحات الاحتجاج وحاولت دفنها من دون ضجة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“خلصني منك بقى…”

أكثر جملة علقت في بالي وأنا أتابع فيديوهات من تبقى من معتصمي وسط بيروت وهم يغادرون خيم الاحتجاج مجبرين بفعل الهجوم الذي نفذته القوى الأمنية عليهم فأبعدتهم بالقوة وأحرقت خيمهم وشعاراتهم.

كانت امرأة تسجل ما تبقى من لحظات المغادرة ومن مشاعر الخيبة، قبل أن يتسلل صوت رجال الأمن ينهرون قلّة كانت في الخيم. 

“خلصني منك بقى…” قالها العسكري لمعتصم لم يتبين لي صوته وماذا كان ردّه. وعبارة رجل الأمن هذا هي تماماً لسان حال من يمسكون بقرار البلد المنهار، الذي انحاز وباء كورونا ضدّه ليصطف الى جانب حكامه من سياسيين وحزبيين ومصرفيين أمعنوا في نهشه… 

لم تكن مضت دقائق على بدء سريان قرار الحكومة اللبنانية بحظر التجول بعد السابعة مساء حتى سارعت القوى الأمنية الى اخلاء خيم المعتصمين في وسط بيروت التي نصبت منذ انتفاضة 17 تشرين الأول أكتوبر الماضي.

الحياة في العزل وعن بعد منح السياسيين والمصرفيين والأحزاب الحاكمة فرصة ذهبية لم يتورعوا للحظة عن الاستثمار فيها، فبدأت تتسرب أخبار مشاريع قوانين وقرارات يبدو أنها ستكرس الاختلال الهائل الحاصل لمصلحة هذه القوى على حساب حقوق الناس التي أهدرت.

دخلوها وأحرقوها كاللصوص.

 لم تحصل دعوة للإخلاء ولو كذباً، وفور سريان بدء حظر التجول عمدت السلطة الى حرق الخيم وكأنها الوباء، تماماً كما تفعل بعض الدول مع جثامين ضحايا كورونا حيث يسارعون الى حرقها ودفنها من دون جنازة ومن دون محبين.

أحرقت السلطة في لبنان ساحات الاحتجاج وحاولت دفنها من دون ضجة.
الآن فهمنا كل هذا التلاعب بالنصوص الذي رافق إجراءات الحكومة لجهة التدرج في إعلان حالة الطوارئ التي كانت حال عزلة “طوعي” تارة واجباري تارة أخرى.

لقد “أبدع” الوباء بمضاعفة معاناة اللبنانيين التي كانت وصلت دركاً مأساوياً قبل انتشاره لجهة الانهيار الاقتصادي  والمالي وتفاقم مستوى الفقر، والانقضاض الذي نُفذ على خيام المعتصمين كان المشهد الذي تحضر أطراف الحكم لتأديته متى يحين الوقت، وأتت الجائحة لتوفر اللحظة المنشودة لوأد حركة الاحتجاج التي كان المنتفضون يقدمون عليها رفضاً للرعونة البالغة التي أوصلت البلاد إلى الانهيار الحاصل.

كورونا مستبد أيضاً

في الأيام الماضية بتنا نقترف العيش عن بعد وبحذر وبكثير من الخوف. نتواصل عبر الانترنت والهاتف ونتبادل التحيات محافظين على مساحات الأمان ونتفادى الاحتكاك. لم نكن هكذا قبل أسابيع قليلة، حين كانت الأجساد والمشاعر تتدافع في ساحات الاحتجاج صراخاً وغناء ونقاشاً ولاحقاً غضباً على أبواب المصارف التي نهبت أموال الناس وتحت منازل السياسيين المتورطين في انهيار البلد. 

اليوم، يتم تمزيق النسيج الاجتماعي بطرق غير مسبوقة، بسبب إغلاق المدارس، والتحول الواسع النطاق إلى العمل من المنزل، والإبعاد الاجتماعي. 

تم اختزال العديد منا لنكون أفراداً معزولين نتشارك ترعبنا لقاءات الصدفة.

الحياة في العزل وعن بعد منح السياسيين والمصرفيين والأحزاب الحاكمة فرصة ذهبية لم يتورعوا للحظة عن الاستثمار فيها، فبدأت تتسرب أخبار مشاريع قوانين وقرارات يبدو أنها ستكرس الاختلال الهائل الحاصل لمصلحة هذه القوى على حساب حقوق الناس التي أهدرت.

بالأمس نقل لي زميل أثق به كلاماً سمعه مباشرة من رئيس جمعية المصارف اللبنانية سليم صفير قبيل تفاقم أزمة الوباء، سخر فيه هذا الأخير من “تضحيات” صغار المودعين ومن الخسائر التي لحقت بهم جراء سطو المصارف على مدخراتهم. قال صفير بحسب الزميل أن خسائر كبار المودعين أكبر ممن يملكون بضعة آلاف من الدولارات وأن صفير بدا مستخفاً بحجم مصاب الطبقات الوسطى والدنيا من المودعين. 

يكشف كلام صفير مستوى الجشع الذي بلغته هذه النخب لجهة احتقار الناس وحقوقها، وهذا ما يتكرس اليوم  في ظل العزل الحاصل.

لقد أقصي اللبنانيون كما باقي سكان الكوكب عن المجال العام، وهذه فرصة ذهبية لأصحاب المشاريع الخبيثة لأن يستغلوا لحظات الخوف والمرض ليمرروا خططهم.

فعندما ننكفىء عمليًا إلى منازلنا، ونترك المساحات العامة ونفوض السلطة لشخص أو لجهات فاقدة المصداقية والثقة مسلحة بـ “حال الطوارئ” ، فإننا ننشئ مجتمعًا خاضعاً لسلطة استبدادية، وهذا لن يكون أقل ضرراً من الوباء.

ما نقوم به لتفادي التعرض للقتل بسبب الفيروس يقتلنا أيضًا كمجتمع، وهذا ما يجب أن نجعله أولوية للتفكير والمبادرة تماماً كأولوية النجاة من الفيروس .