fbpx

“تحملت نساء الكثير من الألم”:قابلة تنظيم الدولة تعلن ندمها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأزواج في تنظيم “الدولة الاسلامية” كانوا فرضوا قواعد صارمة، إِذْ منعوا سميرة من إعطاء النساء أي مسكنات للألم أو أي أدوية أخرى أثناء المخاض أو الطلق. وقالت إن بعض السيدات استمرت فترة الطلق لديهن لمدة 10 ساعات من دون مسكنات أو أي من أدوية إرخاء العضلات التي اعتادت سميرة على تقديمها للأمهات سابقاً. واستطردت قائلة: “لم يسمحوا لي بإعطاء الأم أي شيء من ذلك. وبالتالي تحملت أولئك النساء الكثير الألم”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على مدار أربعة عقود، ساعدت سميرة النصر على ولادة آلاف الأطفال في مدينة الرقة، لكنها تقول إنها لم تشهد ولادة مثل ما حدث قبل، حين اختيرت لتكون القابلة لدى تنظيم الدولة الإسلامية. وفي مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” تشرح سميرة كيف أنه وبعد لحظات من ولادة طفل لزوجين تركيين– أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وزوجته الشابة – حاولا أن يُلبِسا طفلهما المولود حديثاً زياً عسكرياً صُمِم خصيصاً له. وأعلن الأب بفخر أن طفله سيكبر ليصبح مقاتلاً إسلامياً. استاءت نصر من ذلك. وقالت إنها أقنعت الأب بألا يستخدم الزي، نظراً إلى أن القماش كان خشناً للغاية على جلد الطفل الرقيق.

وتعتبر النصر، التي تبلغ من العمر 66 عاماً، من بين الملايين الذين عاشوا تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية العنيف والمتشدد في سوريا والعراق، إلا أنها شهدت جانباً من حياة المقاتلين ربما لم يستطع أي إنسان خارج دائرة التنظيم أن يعرفه. وقالت إنها أُجبِرت على توليد عدد لا يُحصى من أطفال أسر التنظيم، وكانت حاضرة في أكثر اللحظات حميمية من حياتهم المعزولة، والتي وصفتها بالعادية والمتناقضة بالتناوب.

كُلِفت سميرة من قِبَل التنظيم بتوليد ما يُسمى بـ “أشبال الخلافة” بعد وقت قصير من سيطرة التنظيم على الرقة عام 2014 وإعلان المدينة عاصمة له، وبدأت سميرة النصر تذهب إلى المنازل تلبية لطلبات الولادة. وعلى مدار ثلاث سنوات، كانت تتنقل بسيارات الأجرة برفقة المسلحين إلى منازل أسر تنظيم “داعش”، معظمهم من الأجانب، موضحة أن مشاعرها تباينت بدءاً من الخوف ووصولاً إلى الغضب والعجز، فضلاً عن اختفاء شعورها بالفرح أو الفخر الذي ساعدها على الاستمرار في مهنة القبالة إِذْ إنها قامت بتوليد الأطفال على مدار جيل من أهل الرقة.

وأعربت عن استيائها من المقاتلين وزوجاتهم، قائلة “لم يحترموا المهنة، وكانوا يعتبرونني مساعدة، ولست المسؤولة عن عملية الولادة والرعاية، ولذلك كانوا يخرجونني من المنزل فور انتهاء الولادة مباشرة”.

وكان أطفال “الخلافة” أنفسهم يُعاملون كمساعدين، إِذْ كانوا الشخصيات المحورية في مقاطع الفيديو الدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي عادة ما أظهرت أطفالاً من مختلف الخلفيات الأوروبية والآسيوية والأفريقية أثناء دراستهم تعاليم تنظيم الدولة الإسلامية، أو أثناء اللعب أو التدريب على الأسلحة، فيما أظهرت مقاطع فيديو أخرى أطفالاً في سن المراهقة وهم يعدمون أُناساً لكونهم مرتدين أو أعداء.

وفي حياتهم الخاصة، وجدت سميرة أيضاً في الآباء الدواعش، القسوة الطاغية، واللين في بعض الأحيان.

وفي معظم الأحيان، كانت النساء الشابات يشعرن بالسعادة بعدما أصبحن أمهات، وفي تقليد بدا ينم عن جهل بالنسبة إلى سميرة، لكنه في الواقع يعد من التقاليد الأكثر انتشاراً في الغرب، أصرت جميع الأمهات على حمل المولود وإرضاعه حتى قبل قطع الحبل السُري. وفي الغالب، وعادة ما حرصت الأمهات على الهمس ببعض الأدعية باللغة العربية التي تعظم من دور الأمهات في الإسلام أثناء ضم أطفالهن بشدة إلى صدورهن.

إلا أن الأزواج فرضوا  قواعد صارمة، إِذْ منعوا سميرة من إعطاء النساء أي مسكنات للألم أو أي أدوية أخرى أثناء المخاض أو الطلق. وقالت إن بعض السيدات استمرت فترة الطلق لديهن لمدة 10 ساعات من دون مسكنات أو أي من أدوية إرخاء العضلات التي اعتادت سميرة على تقديمها للأمهات سابقاً.

واستطردت قائلة: “لم يسمحوا لي بإعطاء الأم أي شيء من ذلك. وبالتالي تحملت أولئك النساء الكثير الألم”.

وادعى الأزواج أن الدواء يخالف تعاليمهم الدينية وقدموا حججاً واهية بأن النساء يفزن بثواب أعظم من الله مقابل معاناتهن. ولم تملك الزوجات سوى طاعة أزواجهن والموافقة على رأيهم.

إلا أن سميرة كانت تعرف أن الرجال اختلقوا هذه الأعذار خوفاً من أن تسمم الأدوية نساءهم، وشعرت بالأسف عليهن.

وقالت: “لم يثقوا في الدواء الذي أقدمه للنساء، لأنني دخيلة. لم  يسمحوا لي حتى بتقديم الماء إلا إن سكبه الزوج بنفسه في الكوب”.

عندما تتذكر سميرة النساء الأجنبيات وهن يرددن الأحاديث المبتذلة لأزواجهن عن ثواب الآخرة، تحاول تقليد لغتهن العربية الركيكة بنبرة صوت عالية حتى تمتلئ عيناها الزرقاوان بالدموع من أثر الضحك.

ومع ذلك، غالباً ما تتذكر سميرة تجاربها في توليد أطفال تنظيم الدولة الإسلامية بمشاعر من الاشمئزاز والغضب، إذ شعرت بالإهانة جراء الطريقة التي كانوا يعاملونها بها. تتمتع سميرة بوجه رقيق وتمشي ببطء ومشقة، لكنها امرأة أبية، بارعة في مهنتها التي تعرفها جيداً واعتادت على احترام الآخرين لها. كما أنها تتمتع بلسان حاد واعتادت على إصدار الأوامر والإرشادات – وليس تلقي الأوامر.

وعلى الجدار أمام منزلها، الذي نجا إلى حد كبير من الدمار الذي حلّ بجيرانها، توجد لافتة مُعلقة تعلن عن خدماتها. وتحمل اللافتة الاسم الذي تشتهر به وهو: أم علاء. وتعني “والدة علاء”، وهو لقب اكتسبته بعد أن أنجبت ابنها الذي سيصبح  طبيباً في الرقة. وتشوه اللافتة ثلاث رصاصات، وهي من آثار المعركة الشرسة التي وقعت العام الماضي حين أطاحت القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة بتنظيم الدولة الإسلامية من المدينة.

لقد تركتها هذه المحنة في حال من الإرباك والمرارة، فما زالت تقدر دورها في مساعدة “الخلافة” على تحقيق هدفها المعلن وهو “البقاء والتوسع”.

وقالت سميرة إنها حاولت في البداية مقاومة العمل لمصلحة الأزواج الدواعش، لكن سرعان ما اتضحت لها عواقب عدم تعاونها: وهي السجن أو حتى الإعدام في ميدان عام. وسُجِن زوجها، وهو رجل متوسط البنية عمل مدرس لغة عربية قبل تقاعده، بضعة أيام بعد أن حاول التوسط بين الشرطة الأخلاقية لتنظيم الدولة الإسلامية وجارٍ انتهك أوامر التنظيم الصارمة.

وسألت سميرة: “ما الخيار الذي تبقى أمامي حينها؟ لقد فعلت ذلك رغماً عن إرادتي. وحتى إن كنت خائفة أو مشمئزة، فلم يكن يهم، لقد أُجبرت على مساعدتهم”.

كانت الحكومة السورية تقدم خدمات جناح الولادة مجاناً، إلا أن قيادات “داعش” بدأت فرض رسوم على هذه الخدمات في المستشفى لرفع إيرادات مدينة دولتهم الحديثة، إِذْ حددوا ما يُعادل 20 دولاراً تقريباً للولادة الطبيعية و50 دولاراً لقسم الولادة القيصرية.

ولكن تابعت سميرة قائلة إن المقاتلين واجهوا مشكلة. فلم يثقوا بالأطباء المحليين والممرضات في تولي مهمة توليد زوجاتهم، خوفاً من تسميم الأمهات والمواليد الجدد من قبل طاقم المستشفى المعترض على حكمهم.

ومع توطيد التنظيم سلطته في الرقة أواخر عام 2014، أخبر الجار الكردي سميرة وزوجها أنه طُرِد، ليسكن مكانه رجل كيني وزوجته وثلاثة أبناء وزوجة أحد الأبناء الألمانية. وانتشر الخبر في الحيّ بأن أحد المسؤولين في تنظيم الدولة الإسلامية ويُعرف باسم أبو وليد كان مسؤولاً عن شؤون الأرامل اللاتي قُتِل أزواجهن أثناء القتال.

وبعد فترة قصيرة، قدم أبو وليد نفسه. كان قد لاحظ لافتة تعلن عن خدمات سميرة ودعاها لمقابلته في مقره الذي أطلق عليه “بيت الأرملة”.

ورفضت سميرة، بحجة تقدمها في السن وضعفها قائلة إنها تقاعدت عن المهنة. إلا أن أبو وليد لم يقبل رفضها، وأصر على اصطحابها إلى المنزل الكبير. وهناك وجدت، وفق ما ذكرت سميرة، نساء حبالى من مجموعة كبيرة من البلدان، تونس، السعودية، مصر، اليمن، الصومال، المغرب، إيرلندا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، تركيا، القوقاز، إضافةً إلى دول أفريقية لم تتمكن من تحديدها.

وفوجئت سميرة أيضاً بوجود زوجات سوريات. وكانت الأصغر منهن في سن الـ13 والأكبر لا يزيد سنها على 15 عاماً. وعلى مدار الأعوام الثلاثة التي تلت ذلك، وفق سميرة، لاحظت بأسى أن الزوجات السوريات لن تتجاوز أعمارهن الـ18 عاماً– ما يوضح انتهاك حُكّام الرقة الجدد، ومعظمهم أجانب، أعراض المحليين.

وقالت عن المقاتلين: “لم يكونوا بشراً، بل نوع آخر من المخلوقات”.

 وأضافت سميرة أنها لا تتذكر عدد المواليد الذين ساهدت في إنجابهم أثناء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية، قائلة إنه كان هناك عدد كبير وإنها كانت تتمنى “أن يكون كل مولود هو الأخير”. لكنها تتذكر آخر مولود بوضوح.

وفي الأيام الأخيرة لمعركة طرد مقاتلي “داعش” في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، تم استدعاؤها إلى منزل أحد المقاتلين الصوماليين وزوجته اليمنية. وكانت المرأة بالفعل تعاني من آلام المخاض إضافة إلى إصابة بالرأس. وقال المقاتل لسميرة إنه كان يقود دراجة بخارية بسرعة عالية ليتفادى الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وأن زوجته سقطت من مؤخرة الدراجة.

وقالت سميرة إن الزوج طلب منها توليد زوجته، لكنه منعها من معالجة إصابتها.

وقالت سميرة بينما تجلس في منزلها، المزين بدفء بالوسائد الأرضية الملونة بالكراميل، فضلاً عن السجادة الفارسية المزينة بالدُراق، إنها تفكر بالوقت الذي أمضته قابلةً مفضلة لدى تنظيم الدولة الإسلامية، متخبطة بين المعايير الأخلاقية لتصرفاتها.

فمن ناحية، ترى سميرة أنها كانت مجبرة على العمل لمصلحة التنظيم وأنها تصرفت مثل أي شخص في مكانها. وعلاوة على هذا، شعرت بالتزام أخلاقي لتقديم الرعاية الطبية للأطفال الأبرياء والضعفاء.

ولكن من الناحية الأخرى، أشارت سميرة إلى أن استسلامها للمقاتلين لتفادي العقاب أو الموت، سيُنزل بها عقاباً شديداً من الله.

قبل أيام من بلوغه الأربعين من عمره في تشرين الأول، توجه ابنها علاء إلى المدينة أثناء غارة جوية ليقدم الرعاية الطبية للضحايا. توسلت سميرة إلى ابنها ألا يذهب، لكنه أكد لها أنه “عار بالنسبة إليه كطبيب ألا يساعد أُناساً يحتاجونه”.

وكان علاء يعالج الناجين من غارة جوية سابقة عندما قُصِف المبنى الذي كان فيه. وقُتِل علاء.

وتختتم سميرة حديثها باكية “قلبي أسود من الظلم، وجُرحي عميق”.

*تامر الغباشي

 هذا الموضوع مترجم عن صحيفة واشنطن بوست ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابطالتالي.