fbpx

السوريون عُراة في مواجهة الفايروس القادم مع الزوار والمقاتلين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أم رشيد لا تخشى فيروس كورونا المرعب بل تبتسم بخجل من حزنها وهي تحاول لفظ اسمه بصعوبة، متذكرة كيف صرخ أحدهم بالمتجمهرين أمام باب الفرن باعلى صوته “الكورونا وصل عالمهاجرين”.”الجميع ابتسموا وهم يوجهون أنظارهم جهة القصر”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع بدء حظر التجول الليلي يتوقف الزمن في دمشق، وتستلقي البيوت على أوجاعها. رنين اشعارات الهواتف المحمولة يتسارع مع استرخاء الملل على مساحة ليل طويل، فيديوهات، رسائل صوتية، صور تدور في فلك تفكيك طلاسم فايروس غامض ينتشر خفية عبر رذاذ السعال والعطاس والمخاطبة الحارة والمصافحة الودودة وحتى المجاملة.

 لابد من عزل منافذ الجسد واعتزال منافذ الحياة، في اعتقال مستجد تتشارك فيه البشرية جمعاء. لكن في سورية التي تمرست في مختلف صنوف الاعتقال والتخويف والارهاب ما زال هذا الفيروس واقعاً افتراضياً، فالعائلة التي ستجتمع عند تمام الساعة عبر الانترنت ستناقش كيفية مساعدة الوالدة المسنة القابعة في دمشق بعد تعرضها لكسر في الساق، ولن تتطرق الى ضرورة عزلها خشية إصابتها بالوباء.  

“الأوضاع سيئة جداً وذاهبة إلى المجهول” قالت الإبنة اللاجئة في فرنسا. الشقيقة اللاجئة في السويد ردت “بعد توقف النقل الداخلي أم أحمد لم تعد قادرة على المجيء من الدحاديل جنوب دمشق الى بيت الوالدة في قلب العاصمة.. ولا يمكنها دفع ألفي ليرة للتاكسي”. أم أحمد كانت تساعد الأم في أعمال المنزل قبل أن تكسر ساقها وتتولى رعايتها لعدة ساعات يومياً. الشقيق المغترب في الولايات المتحدة الأميركية، اقترح البحث عن ممرضة تبقى مع الأم طوال الوقت وهو سيغطي التكاليف، لكن الشقيق الباقي في دمشق نبّه الى أن البلد مشلول في مواجهة تفشي وباء كورونا، وكل المقترحات صعبة بل عصية على التنفيذ والوالدة بحاجة لمساعدة عاجلة. انتهى النقاش بتسليم الأمر لله فهو كفيل بالتيسير. 

أغرقت الأسواق بمواد طبية ومعقمات غير فعالة، إذ يتم التلاعب بنسبة الكحول الايتيلي التي يجب أن تتجاوز 60% للتخلص من فايروس كورونا المستجد، بينما المتوفر في معظم الصيدليات بالكاد تصل نسبته الى 20%

التيسير المنتظر من السماء تعرقله حرب مضى على نشوبها تسع سنوات، تشتت خلالها شمل السوريين في كل الأصقاع ومن بقي منهم هبط الى قاع الفقر الاسود في بلد محتل ومدمر يحكمه  نظام عسكري يستنزف دم الشعب لتثبيت كرسيه المتآكل. لتأتي جائحة الوباء العالمي ولم يبق للسوريين غير الله لمواجهة فيروس غامض هزّ أركان أعتى الانظمة الصحية العالمية. 

 أم رشيد التي تعيل زوج مقعد وخمسة أولاد من عملها بتطريز العبايات في سوق مدحت باشا، بكت حتى تجمرت عينيها، حزناً على ما آل إليه حالها في الحرب، وخوفاً من أيام قادمة لا تبشر بالخير. تقول إن صاحب المحل أكرمها بنصف أجر قبل أن يبلغها بإغلاق المحل، و”تحنن” عليها بكرتونة غذائية تكفي عشرة أيام، لكن ماذا ستفعل بعدها اذا استمر الإغلاق:” إذا لم أعمل سأموت وعائلتي من الجوع” أم رشيد لا تخشى فيروس كورونا المرعب بل تبتسم بخجل من حزنها وهي تحاول لفظ اسمه بصعوبة، متذكرة كيف صرخ أحدهم بالمتجمهرين أمام باب الفرن باعلى صوته “الكورونا وصل عالمهاجرين” .. “الجميع ابتسموا وهم يوجهون أنظارهم جهة القصر”.  

السوريون المسحوقون عموماً يجدون صعوبة في تقدير حجم خطورة  فيروس كورونا المستجد رغم حالة الهلع العام التي تسببت بها المبالغات والشائعات والأكاذيب والارشادات الوقائية الفاسدة المتدفقة دون ضوابط عبر السوشيال ميديا، بالتزامن مع أنباء عن توسع انتشار الوباء في العالم ودول الجوار قبل الإعلان رسمياً عن وصوله الى سوريا. 

ويمكن القول إن الهلع هيأ البيئة الاجتماعية لتصديق كل ما ينشر أو يذاع ما عدا بيانات وزارة الصحة، ليس فقط لإنعدام الثقة بالنظام بل لأن هناك قناعة مضمرة بأن النظام الذي قتل مئات الآف من أبناء شعبه وشرّد أكثر من نصفهم ودمّر حواضرهم الكبرى لن يهتز إذ حصد وباء مستجد مئات الآلاف منهم. 

كثر من السوريين يعتبرون أن الاجراءات الاحترازية التي تتخذها حكومة النظام لن تحدّ من انتشار الوباء المنتشر اساساً، سيما وقد بدأتها متأخرة جداً قياسا الى لبنان البلد المجاور ومعبر دمشق الأساسي الى الخارج، الذي بدأ اجراءاته في شهر شباط/فبراير بينما بدأتها سوريا في منتصف آذار الجاري، وخلال فترة التأخر ظلت وفود الحجيج تتدفق من إيران والعراق بدون فحص طبي في المطارات والنقاط الحدودية، وتنتشر في أسواق دمشق وعدة مناطق سورية أخرى رغم اعتبار إيران بؤرة انتشار للفايروس، ناهيك عن استمرار دخول عناصر الميلشيات الايرانية والحرس الثوري من معبر البوكمال لغاية 27 آذار/مارس الجاري رغم إعلان إغلاق الحدود حسب تأكيدات المرصد السوري لحقوق الإنسان. 

وفي الوقت الذي منع فيه التنقل بين الريف والمدن، بعد أيام من تطبيق حظر تجول جزئي ليلي من السابعة مساء لغاية السادسة صباحا، زادت التجمعات على أبواب المؤسسات الاستهلاكية والأفران ومحال الأغذية، كما أن ضبط إيقاع الحركة على ساعة حظر التجول، يزيد الازدحام في الشوارع نهاراً ليبلغ ذروته مع اقتراب الساعة من السابعة مساء. مشهد اختزلته جملة تهكمية سرت على الألسن: “بدنا نلحق قبل ما ينتشر الفايروس عالسبعة”. 

غياث الدمشقي الستيني الذي بدا سعيداً بإغلاق مقاهي ومطاعم “غسل الأموال” التي انتشرت أثناء الحرب واحتلت الأرصفة وخنقت المدينة بروائح الأراكيل، أكد جازماً أن الحكومة لم تقرر إغلاق أماكن التجمعات إلا بعد أن “استفحل الوباء”، متوقعاً أن تكشف في الأيام القليلة القادمة عن “أرقام صادمة” لدعم سعي النظام الى كسر عزلته، و”تم له ذلك إذ سارعت دولة الامارات لنجدته، بزعم نجدة الشعب السوري” .

مصادر طبية اختلفت مع هذا الطرح، و قالت إن هناك اتجاه في قطاع العاملين بالصحة بترجيح احتمال انتشار الوباء المستجد في سوريا قبل إعلان الصين عن اكتشافه، واكتسب السوريون مناعة القطيع مشيرة الى أن “حالات انفلونزا قاسية وغير معتادة تعرض لها مئات السوريين خلال الشتاء الماضي، وأدت الى حدوث وفيات دون معرفة الفايروس المسبب لذلك”. وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها، أن القطاع الصحي يأمل أن يكون هذا الاحتمال صحيحاً، ويجنب السوريين تطبيق حظر التجول الكامل الذي ستكون نتائجه كارثية ويصعب على النظام والشعب تحمل تبعاته”. 

مرح ناشطة إغاثية، انخرطت في الفترة الأخيرة بحملات التوعية الصحية، بدت واثقة وهي تتحدث عن عدم جدوى حملات التوعية إذا لم ترفق بمساعدات صحية، لأن أول المهددين بانتشار الفايروس هم الفقراء الذين تتجاوز نسبتهم الـ 80%، غالبيتهم ليس لديها قدرة شرائية للحصول على أدوات الوقاية والعزل : كمامات وقفازات ومعقمات. وتؤكد مرح أن هناك من يغسل الكمامات والقفازات ويعيد استخدامها، فعلبة الكمامات (خمسين قطعة) قفز سعرها من 1500 ليرة، الى 15 الف ليرة، خلال شهرين، و سعر الكحول والمعقمات تضاعف “. وتضيف أن الحكومة والجمعيات الأهلية ليست فقط عاجزة عن توزيع هذه اللوازم مجاناً، بل تتغاضى عن الاتجار اللاأخلاقي بها، فقد نشطت ورشات الخياطة في إنتاج كمامات غير صحية، لافتة الى أن أحد الصناعيين السوريين سارع لدى الحديث عن احتمال انتشار وباء كورونا في منطقة الشرق الأوسط، الى الدعوة عبر اذاعة محلية الى انتهاز”فرصة التهافت على شراء الكمامات الطبية لتشغيل القطاع النسيجي المدمر وجلب القطع الأجنبي”. ومع دعوات انتهاز الفرص أغرقت الأسواق بمواد طبية ومعقمات غير فعالة، إذ يتم التلاعب بنسبة الكحول الايتيلي التي يجب أن تتجاوز 60% للتخلص من فايروس كورونا المستجد، بينما المتوفر في معظم الصيدليات بالكاد تصل نسبته الى 20% في حين دُوّن على العلبة أن النسبة 95% علماً أنها نسبة مرتفعة ولا تطرح للاستخدام الشخصي.

وتقول مرح أنه اتيح لها من خلال عملها الاطلاع على واقع مراكز الحجر التي تجهز في المحافظات لحجر المصابين بفايروس كورونا، وأن الاهتمام بها زاد بعد فضيحة فيديو مركز حجر الدوير المخصص لحجر المشتبه باصابتهم من القادمين من خارج البلاد، اذ أظهر الفيديو أن المحجر يفتقر لأبسط متطلبات النظافة والتعقيم. حصل ذلك بعد تصريح ممثل منظمة الصحة العالمية في سوريا، نعمة سعيد عبد، للتلفزيون الرسمي بأن الإجراءات الصحية المتخذة في سوريا “كبيرة جداً وممتازة جداً”!!  وتقول مرح أن : “تجهيزات مراكز الحجر وبعد الاهتمام أقل بكثير من المطلوب توفره لمواجهة جائحة كورونا المستجد”.