fbpx

“كورونا”: وصمة عار مضاعفة على النساء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يملك العقل العربي قدرة خارقة على تحويل كل شيء إلى عار. وآخر إبداعاته كان اعتبار الإصابة بفايروس “كورونا” عيباً… هذا العار يتضاعف، كما غيره، على المرأة في المجتمعات العربية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يملك العقل العربي قدرة خارقة على تحويل كل شيء إلى عار. وآخر إبداعاته كان اعتبار الإصابة بفايروس “كورونا” عيباً، وإلحاق المُصاب بوصمة عار، قد ترافقه حتى بعد استعادة عافيته، وربما حتى بعد انتهاء الأزمة الصحية العالمية.

وشم “العار” الذي يصاحب كل مُصاب، نشهده في معظم الدول العربية. فنرى المصابين يُنبذون اجتماعياً، باعتبارهم “خاطفي أرواح”. مقابل رد فعل خلقه هذا النبذ لدى المُصاب، الذي بات أحياناً يخفي حقيقة إصابته، أو يتردد في المجاهرة بإجرائه فحصاً طبياً لـ”كورونا”، حتى وإن كانت النتيجة سلبية.

صحيح أن الفايروس سريع الانتشار والإصابة به سهلة وسريعة، إلا أن هذا يستدعي حجر المُصاب وتلقيه العلاج اللازم حتى يُشفى. ولا يتطلّب فعلياً التعاطي معه على أنه رمز للموت. لكن بعض العرب سبق أن تعاملوا مع حاملي فايروس “الأيدز” بالطريقة نفسها. فاعتبروه “نكرة”، كون إحدى طرائق نقل العدوى من شخص إلى آخر هي العلاقة الجنسية، التي تعيّبها المجتمعات العربية. لكن فايروس “كورونا” ينتقل ببساطة في الهواء، أو عبر لمس الأسطح التي يركد عليها. أي أنه قد يصيب شخصاً لمس تفاحةً يقضمها وهو يستلقي على الكنبة في بيته، لمجرد أنّ مصاباً لمسها قبله في متجر البقالة.

       

هذا العار يتضاعف، كما غيره، على المرأة في المجتمعات العربية. فانتشر أخيراً خبر منع بعض العراقيين السلطات من فرض حَجر صحي على الفتيات والنساء المصابات بفايروس “كورونا”، باعتبار أن مبيت المرأة خارج منزل ذويها “معيب”.
فأجبرت إحدى النساء العراقيات، التي أثبتت نتائج الفحوص المختبرية إصابتها بـ”كورونا، على العودة إلى بيتها والمبيت مع أفراد أسرتها في بيت واحد. بعدما تشاجر ذووها مع الكوادر الطبية في المستشفى ورفضوا حجرها، لأنه “مغاير لعادات عشيرتهم وتقاليدها” التي لا تسمح للنساء المبيت في أماكن بعيدة من الأهل من دون مرافق.

وهنا يبدو أننا أمام جائحتين. الأولى هي “كورونا”، والثانية هي الجهل، الذي لا يقدّر حجم هذا الوباء، إذ لا يسلم الفايروس من معتقدات المجتمع البالية.

من جهة أخرى، فإن الحَجر المنزلي، الذي يتذمّر منه الآلاف، هو حياة بعض النساء الطبيعة. فالنساء في دول خليجية مثلاً، وتحديداً في السعودية، عشن في الحَجر حتى قبل وصول “كورونا”، بسبب نظام الولاية المطبّق في بلادهن، أو بسبب الاعتقال التعسفي لناشطات وحقوقيات.

وبينما يشارك الناس حول العالم تجاربهم مع الحجر المنزلي على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها حالة غريبة وغير مسبوقة، وجدوا أنفسهم فيها فجأة، هناك من اعتدن هذه الحياة، ولم تكن ظروف العزل غريبة عليهن، وقد تصطحب أحياناً عنفاً أسرياً. ففي لبنان مثلاً، ارتفعت نسبة التبليغ عن العنف الأسري خلال شهر آذار/ مارس 2020 بنسبة 100% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وسجّل الخط الساخن أكثر من 88 شكوى خلال شهر واحد!

من جهة أخرى، شغل نقاش الحجر المنزلي مواقع التواصل الاجتماعي السعودية في الأيام الأخيرة، بعدما غرّد أحد الرجال على “تويتر” على سبيل النكتة قائلاً، “البنات صاحوا بالمساواة لحد ما جلسنا بالبيت كلنا”. إلا أن التغريدة لاقت انتشاراً واسعاً، وتحوّلت إلى سجال حقوقي- نسوي شارك فيه رجال ونساء في السعودية وغيرها من دول الخليج.   

https://twitter.com/iholyotp/status/1242896897645346817
https://twitter.com/Mrs_Shakespare/status/1242059564939382785

وعلى رغم الجهود المبذولة في السعودية لمحاربة فايروس “كورونا”، لا تبدي الدولة أي اهتمام بالفئات الضعيفة، كالمعتقلين والمعتقلات مثلاً. فالكثير من الحقوقيات يقبعن في السجون بتهمة المطالبة بحقوق المرأة السعودية، منهن الناشطة لجين الهذلول، المعتقلة منذ سنتين، التي نشطت لمدة طويلة ضد الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة المرأة السعودية السيارة. 

جهود كبيرة يبذلها المجتمع الدولي، كما الناشطون والناشطات الحقوقيات للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي، خوفاً من انتشار الوباء داخل السجون، فأطلقت حملة #قبل_الكارثة التي تهدف إلى الضغط على الجهات المعنية لإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات تعسفياً.

إذاً، بينما نستلقي على كنباتنا في البيوت، نحصي عدد الوجبات التي أكلناها يومياً ونتذمّر من ملل الحَجر المنزلي. هناك نساء يعشن هذه الحياة قبل انتشار الفايروس، وما “كورونا” إلا ضيفاً ثقيلاً عليهن، يصحب معه ضغطاً نفسياً إضافياً، أو حتى عنفاً أسرياً. أما في حال الإصابة، فسيزيدهن الوباء “عاراً”.