fbpx

“كورونا” إيران… أسلمنا الروح للفايروس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك حاجة للشعب الإيراني إلى نظام إنساني، أكثر من حاجته إلى المساعدات الإنسانية، فمن سينجو من كورونا اليوم، سيقتله النظام غداً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحدثني صديقي الإيراني عبر “سكايب” عن حال قلق إنساني يعيشها الشعب الإيراني، ويقول لي: “نحن أسلمنا مصيرنا وأعمارنا لكورونا، وأملنا بالنجاة يتضاءل يوماً بعد يوم، خصوصاً أن انهيار النظام الصحي بات وشيكاً، بسبب العقوبات، وبعد شيوع توقعات تنبئ أن ضحايا الفايروس سوف يتجاوزون عتبة 3 ملايين شخص، أما الإصابات فلا يمكن التنبؤ بحجمها، لكننا قلقون داخلياً، من أن شعوب المنطقة لن تترحم علينا، فلم يترك لنا هذا النظام صديقاً سورياً ولا عراقياً ولا كردياً ولا عربياً ليقرأ الفاتحة على أرواحنا”…

من ناحية أكثر أهمية، يستخف الإيرانيون بخطاب “العتاب” الرسمي، الذي ينتهجه النظام الإسلامي، حيال السلوك الأميركي اللاإنساني، تجاه بلادهم، في أزمة “كورونا”، ويرى معظم الإيرانيين أن حكامهم أشبه ما يكونون بشخص الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فصفات الكذب والعته والحماقة والغطرسة وعداء الإنسانية، التي يطلقونها عليه، تنبطق عليهم أيضاً، فأين هي إنسانيتهم، أو أين كانت حين قرروا اعتقال ذلك العدد الكبير من المواطنين، لحيازتهم جنسية أجنبية، واستغلوا هذه الجنسيات، لتسوية ملفات مالية وسياسية عالقة، مع الدول المانحة لها؟ وعلى صعيد الاعتقال الذي يبرع فيه النظام، ألم يلتفت العالم إلى الخبر الذي أفاد بأن إيران أفرجت عن 70 ألف سجين غير خطير منذ بداية أزمة “كورونا”؟ 70 ألف سجين غير خطير، ألا يكفي هذا الرقم، لنسأل النظام الإيراني ماذا تعني مفردة إنسانية؟

بكل الأحوال، هناك حاجة للشعب الإيراني إلى نظام إنساني، أكثر من حاجته إلى المساعدات الإنسانية، فمن سينجو من كورونا اليوم، سيقتله النظام غداً، وبرغم أن الوقت ليس للاقتصاص من النظام، لأن الحصار سيجعله أكثر شراسة، والشعب الإيراني بكامل أعراقه وقومياته وأديانه، من سيدفع الثمن، لكن، لو أن النظام مهتم فعلياً بشعبه، عليه أن يبرهن صفاء نياته الإنسانية، فلا ضير من تقديم تنازلات، من قبيل الانسحاب من سوريا، من اليمن، من العراق، من الشأن اللبناني من القضية الفلسطينية، في سبيل حماية شعبه.

باكراً طلبت إيران مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي، لتمويل جهودها الطبية في مواجهة فايروس “كورونا”، الذي انفجر بشكل مخيف وسريع في سائر أنحاء البلاد، وذلك عبر منشور كتبه محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي على حسابه على “إنستاغرام”، توجه فيه إلى مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا بأن بلاده، التي “تحتاج إلى دعم اقتصادي، ترغب في الاستفادة من تمويلات الصندوق المخصصة للدول المتضررة من كورونا، وتطالب بالحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار”.

رسالة همتي إلى جورجيفا، كانت بتاريخ 6 آذار/ مارس 2020، أعقبتها بفارق أسبوع تغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أوضح فيها أن بلاده طلبت من صندوق النقد الدولي “تسهيلات مالية لمواجهة فايروس كورونا”.

يوم سارعت إيران، إلى طلب المساعدة المالية من صندوق النقد، في النصف الأول من الشهر الماضي، كان الفايروس أصاب حوالى 10 آلاف مواطن، وقتل 430 آخرين.

كلا الرسالة والتغريدة، أتت بعد انقشاع غبار الانتخابات التشريعية، التي أجريت في 21 شباط/ فبراير الماضي، ذلك أن إيران ظلت حتى هذا التاريخ، متكتمة حول موضوع الفايروس، لتمرير الاستحقاق بالطبع، ثم بدأت الأعداد بالتراكم، اعتباراً من اليوم التالي للانتخابات، وهي في حال صعود حد فقدان السيطرة، إلى اليوم، الانتخابات ساهمت كثيراً في انتشار الفايروس لاحقاً، كذلك، غياب خطة مواجهة مدروسة وواضحة من قبل الحكومة، وتخلف القطاع الصحي أيضاً، على رغم الدعايات التي تدعي عكس ذلك.

يوم سارعت إيران، إلى طلب المساعدة المالية من صندوق النقد، في النصف الأول من الشهر الماضي، كان الفايروس أصاب حوالى 10 آلاف مواطن، وقتل 430 آخرين، بحسب لوائح وزارة الصحة. وحتى الثاني من نيسان/ أبريل، تجاوز عدد المصابين الخمسين ألفاً والضحايا 3160 شخصاً، بحسب وزارة الصحة أيضاً، لأن هناك أضعاف هذه الأرقام بحسب مصادر أخرى، وعلى رغم ذلك، ما زالت إيران تتخبط وحدها، من دون معين، في مواجهة الفايروس، والصندوق الدولي لم يفرج عن المساعدت بعد.

يبدو أن الصندوق الدولي، يراعي حساسية الإدراة الأميركية تجاه النظام الإيراني، لذلك، حتى الساعة، لم يكشف عن نيته الاستجابة للطلب الإنساني، اللهم إلا في حال الحصول على الموافقة الأميركية، والأميركيون، على رغم تصدر بلادهم قائمة الدول الموبوءة، وانشغالهم بخطة تعزيز التصدي للفايروس، يتعاملون مع أزمة “كورونا” في إيران، على أنها فرصة ذهبية، لإنعاش العقوبات، عبر ممارسة سياسة الضغط القصوى على النظام، إما من أجل إسقاطه أو من أجل إصلاحه – هم مختلفون في ذلك- صارفين النظر عن نتائج هذه الضغوط، التي ستحصد في طريقها أرواح الملايين من الشعب الإيراني.

إنسانياً وأخلاقياً، من العار انتهاز هكذا كارثة إنسانية لتصفية حسابات سياسية، فالضحية ستكون الشعوب لا الأنظمة، كما حصل في العراق بعد اجتياح الكويت وفي ليبيا بعد لوكربي، لكن في المقابل، من يضمن أين وكيف سوف تصرف أموال الصندوق، في حال وصلت إلى جيب النظام الإيراني؟

للشعب الإيراني تجربة سيئة مع نظامه في هذا المجال، وهو يعلم أن النظام الإسلامي على المستوى نفسه من المكر والرعونة، من نظيره الأميركي، وسوف يستغل موته (الشعب) ليحقق انتصاراً التفافياً على العقوبات الأميركية باسم الإنسانية.

فليس بعيداً جداً من زمن “كورونا”، عام 2015 وبعد توقيع الاتفاق النووي في جنيف، بين إيران والدول الست، انقض النظام الإسلامي على الأموال القليلة المستعادة، بموجب بنود الاتفاق، وصادرها كلها، كما استفادت عصاباته من الانفتاح الاقتصادي والتجاري الذي أرساه الاتفاق، فاقتنصت مؤسسات الحرس الثوري كل عقود المشاريع والشركات، التي تدفقت إلى السوق المحلي، وبقي الشعب على حاله، جوع وفقر وبطالة وتهميش وقمع واعتقال وقتل.

في زمن آخر قريب، شهدت إيران منذ ما بعد “رخاء” توقيع الاتفاق، ثم بعد عودة العقوبات، أربع انتفاضات شعبية، كان أشهرها “ثورة البنزين” في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، التي ما زالت تداعياتها حية حتى الآن، بالنظر إلى الأعداد الهائلة للمعتقلين، والمجازر الوحشية العلنية التي ارتكبت في الشوراع والساحات، وكان الدافع الأساسي لهذه الانتفاضات، هو تدهور الوضع المعيشي للمواطن الإيراني، إذ انهارت العملة المحلية ولامس سعر صرف الدولار حدود 15 ألف تومان. وعلى مدى أيام هذه الثورات الصغيرة المقموعة، التي اتسمت بالشراسة والدموية، لم يتحرك ضمير النظام الإنساني، ولم يلتفت قليلاً إلى حاجات شعبه، بل على العكس حرك أدوات قتله وقمعه، وسحق المحتجين بلا رحمة، ذنب الشعب الإيراني أنه طالب حينها، بحقه في الاستفادة من ثروات بلاده، بدل أن تقدم كميزانيات لإنعاش أنظمة وتمويل ميليشيات في المنطقة.