fbpx

نقاش مع مقال زياد ماجد: “كورونا” والجرح النرجسي الأوروبي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد تكون أزمة الجائحة ما زالت في بدايتها، لكن من المؤكد أن تفاوتاً هائلاً ظهر بين مسارها في الشرق الآسيوي ومسارها الموازي في الغرب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استوقفني في مقال زياد ماجد الأخير في “درج”: “الحداثة إذ تضربها جائحة…”، وأوافق على الكثير مما جاء فيه، غياب الشرق الآسيوي أو الشرق الأقسى (وفق التسمية المتمركزة حول الذات الأوروبية (eurocentric) عن فهمه لما يسميه الحداثة، وفي مواضع أخرى الحداثة الغربية.   تحضر هذه المنطقة في معالجته بوصفها مصدر الفايروس الذي انطلق “من الصين إلى محيطها المباشر، قبل أن يبلغ معاقل الحداثة الغربية، في أوروبا وأميركا الشمالية”. ما يغفله المقال هو أن هذه المنطقة تشكل غرباً رديفاً بكل ما للكلمة من معنى، والمفارقة الكبرى في المشهد الحالي تكمن في الجهوزية والكفاءة اللتين أظهرتهما في التعامل مع الأزمة، في مقابل تخبط الغرب الأصلي الرهيب فيها. أولاً الصين التي انطلق منها الفايروس ليست مجرد سوق “يبلغ فيه مأكل اللحوم الحيواني أقسى احتمالاته”، بل هي أحد مراكز الحداثة الغربية في صيغتها النيوليبرالية المعاصرة. مركز إشكالي ربما، لكنه المركز الصناعي والإنتاجي الأول حالياً، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير سرعة تفشي الوباء وتحوله إلى جائحة عالمية. 

الجائحة ما زالت في بدايتها، لكن من المؤكد أن تفاوتاً هائلاً ظهر بين مسارها في الشرق الآسيوي ومسارها الموازي في الغرب الأوروبي والأميركي، وهو تفاوت يؤسس لجرح نرجسي عميق وتصدّع غير مسبوق في الصورة المتمركزة حول الذات الأوروبية. 

حسناً، دعونا نضع حالة الصين الإشكالية جانباً ولنعاين حالة دولة تستوفي شروط المقارنة كلها، مثل كوريا الجنوبية وهي ثاني دولة انتشر فيها الوباء بعد الصين. تمكنت هذه الديموقراطية البرلمانية من احتواء الوباء ومحاصرته من دون أن تفرض أي إجراءات حجر إلا على المصابين به، بل حتى من دون أن تغلق المطاعم والبارات. وحتى تاريخ 3 نيسان/ أبريل (وفق جدول منظمة الصحة العالمية) لم يحصل فيها إلا 174 حالة وفاة من أصل 10062 مصاباً، أي 1.73 في المئة المئة من مجمل عدد المصابين. أما اليابان التي ظهرت فيها أول إصابة في 22 كانون الثاني/ يناير، فحتى التاريخ نفسه لم تشهد إلا 65 حالة وفاة من أصل 2617 مصاباً، أي 2.48 في المئة من مجموع المصابين، ولم تضطر إلى اتخاذ إجراءات قاسية مشابهة للتي اتخذت في أوروبا وأميركا. ونجد الوضع مشابهاً لدى النمور الآسيوية المتفرعة عن الصين، أي تايوان وسنغافورة (إضافة إلى هونغ كونغ التي ما زالت تتمتع بوضع خاص وإدارة ذاتية). ولا داعي هنا للتذكير بأن حجم الجاليات الصينية في كل الدول المعنية وحجم جالياتها في الصين يفوق بأضعاف الأضعاف ما هو عليه الأمر مع أوروبا وأميركا.

هنا، وإن كانت شبكات النقل الحديثة سهلت انتشار الوباء، فتقنيات الحداثة الرقمية أثبتت فعاليتها في محاصرته، كما تمكنت الحداثة الطبية من تقليل عدد ضحاياه إلى الحد الأدنى، وهذا على الرغم من عدم توفر أي علاج متفق عليه بعد. في المقابل، كشف الوباء في أوروبا حجم الاهتراء الذي بلغته البنى الصحية والخدماتية بسبب سياسات التقشف النيوليبرالية، كما كشف اهتراء لا يقل فداحةً بلغه المستوى السياسي. منذ وقوع الكارثة، لا تنفك تسمع مسؤولين أوروبيين يتذرعون بأن خطورة الفايروس فاقت التوقعات ولا يتورعون، لتبرئة ذمتهم، عن الادعاء بأن ثمة مختصين غامضين كانوا أكدوا لهم أنه بالكاد أخطر من الإنفلونزا العادية! هذا لا يعقل. هل يتوقعون فعلاً من مواطنيهم أن يصدقوا، في عصر العولمة وثورة المعلوماتية، أنه كان على الفايروس أن يبلغ أراضيهم ليتبينوا مدى خطورته؟! ناهيك بأن الدول الأولى التي انتشر فيها الوباء مرتبطة عضوياً بالاقتصاد الغربي، وتكاد تقع فيها على مواطن أوروبي أو أميركي عند زاوية كل شارع! “معهد ووهان لأبحاث الفايروسات” (Institut de virologie de Wuhan) (中国科学院武汉病毒研究所) أُنشأ بالشراكة مع فرنسا عام 2003 على إثر أزمة وباء “السارس”  (يتعلق الأمر بنوع آخر من فايروسات الكورونا) وتربطه علاقات وطيدة بمختبرات فرنسية موازية وبمختبر غالفستون القومي (Laboratoire national Galveston)، في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية.  باختصار، القضية ليست قضية واقع سبق التوقّع، بل واقع جوبه بالنكران ولم يؤخذ على محمل الجد. من الجلي أن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين راهنوا على السيناريوات الأكثر تفاؤلاً وقامروا بحياة مواطنيهم، على غرار البنوك التي قامرت بأموال مودعيها متسببةً بأزمة 2007 2008 الاقتصادية. 

فيما يخص فرنسا، يكفي أن يتابع أن يقرأ المرء مقالة وزيرة البيئة السابقة كورين لوباج (Corinne Lepage) في هوفينغتون بوست (Huffingtonpost) أو يتابع “المسرحية الهزلية” بين وزيرة الصحة 

السابقة أنييس بوزين (Agnès Buzyn) ورئيس الوزراء (Édouard Philippe) حتى يدرك حجم التقصير الذي حصل والدرك الذي بلغته الطبقة السياسية الفرنسية.  

قد تكون أزمة الجائحة ما زالت في بدايتها، لكن من المؤكد أن تفاوتاً هائلاً ظهر بين مسارها في الشرق الآسيوي ومسارها الموازي في الغرب الأوروبي والأميركي، وهو تفاوت يؤسس لجرح نرجسي عميق وتصدّع غير مسبوق في الصورة المتمركزة حول الذات الأوروبية.