fbpx

كيف نواجه آثار الحجر المنزلي النفسية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فضلاً عن الإحساس بالوحدة والملل اللذين قد يصيبان الشخص في “عزلته” فإنّ عدداً من العوامل قد تزيد من القلق المزمن وتنعكس في مراحل متقدمة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مضت أسابيع من الحجر المنزلي الذي فرضته الحكومة الفرنسية للتخفيف من انتشار وباء “كورونا” الذي حصد حتى الساعة ما يزيد عن 6000 مواطن، فيما يقبع مثلهم تقريباً في غرف الإنعاش وسط حديث عن إطالة أمد الحجر لأسابيع مقبلة. شأن فرنسا في ذلك شأن عشرات الدول التي تعتمد أساليب مختلفة في تعاطيها مع الأزمة، لكنّ الحجر المنزلي يبقى سيّد الموقف لسببين رئيسيين: الأول هو اللجوء إليه كوسيلة مثلى للوقاية ومنع انتشار العدوى في ظل غياب العلاج، أما الثاني فيتعلّق بنتائجه الإيجابية على المدى القريب أو المتوسّط التي تنعكس تراجعاً في عدد المصابين الجدد. 

لكنّ الحجر ينطوي على كل ما يعني استلاب الأفراد والجماعات من المشاغل اليومية والعادات والهوايات، ويستوي في بادئ الأمر مع فكرة “السجن” لأنّه لا يؤسس للامتناع عن الخروج من المنزل وحسب، بل يضرب في الصميم ماهية العلاقات الأهلية والنسيج الاجتماعي الطبيعي.

نحاول في هذا المقال الحديث عن الآثار النفسية للحجر على الفئات كافة، لا سيما الأطفال وكبار السن وكيفية معالجتها.

قد تبدو حساسية الخوف ضرورية جداً لمواجهة الخطر لكنّها حساسية غير مقوننة وأهميتها ترتبط بشكل أساسي بلحظة معيّنة، إذ يترك الخوف بصمةً فيزيولوجية

 دراسات عدة تم نشرها مع الحجر الذي فرضته دول إثر تفشي وباء “السارس” عام 2003، والإيبولا عام 2009، إضافة إلى جائحة الـH1N1 عام 2010، ارتكزت في معظمها على مقارنة مجموعة خضعت للحجر بمجموعة أخرى لم تكن تحت الحجر وتتبّعت الآثار النفسية التي ظهرت عند الذين التزموا منازلهم لفترة زمنية تعدّت الأسبوعين. ولاحظت تلك الدراسات التي استعادتها مجلة The Lancet (تمكن مراجعة الدراسة على الرابط التالي)، أنّ نسب التوتر والقلق والخوف إضافة إلى الاكتئاب ارتفعت بشكل كبير لدى هؤلاء الأشخاص. وفضلاً عن اضطراب الشخصية الناتج عن “تروما” الحرمان فإنّ 73 في المئة من الأشخاص بدأوا يعانون من سرعة الغضب وعصبيّة زائدة فيما رصدت الدراسة نسبة 57 في المئة تعاني من تبدّل غريب في المزاج. 

من بين الآثار النفسية المهمة التي تظهر على الأشخاص خلال الحجر هي فكرة الخوف من التقاط الفايروس ونقله للأقارب. قد تبدو حساسية الخوف ضرورية جداً لمواجهة الخطر لكنّها حساسية غير مقوننة وأهميتها ترتبط بشكل أساسي بلحظة معيّنة، إذ يترك الخوف بصمةً فيزيولوجية على معدّل ضربات القلب، وانتظام التنفّس ومعدّل السكر في الدم ويحتمل خوفاً مادياً ومعنوياً يمكن اختصاره بثلاثة أنواع: الخوف من الموت (بالفايروس أو مضاعفاته)، الخوف من المستقبل بخاصة إذا كان الشخص يمتلك أطفالاً، والخوف الاقتصادي المتعلّق بتدبير شؤون المنزل لا سيّما لدى الأشخاص الذين يعيشون بمصروف عمل يوميّ. 

فضلاً عن الإحساس بالوحدة والملل اللذين قد يصيبان الشخص في “عزلته” فإنّ عدداً من العوامل قد تزيد من القلق المزمن وتنعكس في مراحل متقدمة كشكل من أشكال إجهاد ما بعد الصدمة (stress post-traumatique). أبرز تلك العوامل التي تؤثر سلباً في نفسية الفرد هي: 

  • غياب الشفافية من السلطات حول تقدّم الوباء وإعطاء أرقام مغلوطة عن عدد المصابين والضحايا.
  • عدم وضوح الرسائل والتعليمات المتعلقة بكيفية الخروج من المنزل (بخاصة لكبار السن) والحالات الاستثنائية التي تتيح التنقّل طيلة فترة الحجر.
  • سوء التنسيق بين مؤسسات الدولة كافة (يبقى الأمر نسبياً بين بلد وآخر) على المستويات الصحية والاجتماعية والأمنية.
  • عدم تأمين المستلزمات اللوجستية الكافية لمواجهة أزمة وبائية كالنقص في الكمامات وأجهزة التنفس ومواد التعقيم.
  • دور الميديا (إذا وجدت) السلبي في عدد من الدول في تعاطيها مع جائحة الكورونا وبثّها أخباراً لا سند ولا صحّة لها وإهمالها الجانب الإرشادي والتوعية الضرورية حول سبل الوقاية (غسل اليدين المتكرر وكيفية فعل ذلك، عدم الخروج الا في حالات ضرورية، الحفاظ على مسافة فاصلة لا تقلّ عن متر). 

ومن الأشياء التي تترك أثراً سلبياً لدى الفرد، لا سيّما بالنسبة إلى المصابين أو العاملين في القطاع الصحي بخاصة الممرضات والممرضون، فعل “الوصم” (stigmatisation)، إذ تصبح تلك الفئة الأكثر تجنّباً من قبل الجميع، إضافة إلى تعرّض هؤلاء لعنف لفظي ولكراهية واضحة لسبب واحد فقط: احتكاكهم مع الوباء بشكل يومي واحتمال التقاطه. وينسحب هذا الرهاب على عنصريّة مغلّفة بالخوف إزاء كل شخص آسيوي، إذ سجلّت عشرات الدول مئات لا بل آلاف حالات العنصرية تجاه الآسيويين عموماً والصينيين خصوصاً، ما حرّك الرأي العام والجمعيات المناهضة للعنصرية ولمكافحة رهاب الأجانب. وكانت لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية أصدرت بياناً في 30 كانون الثاني/ يناير، طالبت فيه جميع البلدان بأن تضع في اعتبارها «مبادئ المادة 3 من اللوائح الصحية العالمية» -والتي تعتبر بحسب منظمة الصحة العالمية إجراءات احترازية من «الأعمال التي تعزز الوصمة أو التعصب»- عند اتخاذ تدابير وطنية استجابة لتفشي المرض.

 كيف يمكننا تجنّب عوارض القلق والتوتّر والخوف؟

 يدعو الباحث في علم النفس الاجتماعي في EM Lyon كريستوفير هاغ، إلى أن يقوم كلّ شخص بتشخيص نفسه في تلك الفترة. لكنّ الأمر لا يبدو سهلاً للجميع، لذلك فهو يضع في متناولنا عبر كتابه “العدوى العاطفية” (la contagion émotionnelle) الصادر عن Albin Michel العام الماضي، حقلاً معجمياً ضخماً وتعريفات للآثار النفسية الناتجة عن فعل الحجر المنزلي. يقول هاغ إنّ العوارض الأساسية للقلق المزمن تتمظهر على شكل عصبية في المزاج، تشاؤم، شعور بالتعب، رغبة في النوم من دون القدرة على ذلك، توتر في العضلات، وجع في الرأس، آلام المعدة، تناوب بين الإمساك والإسهال، شعور بحاجة إلى التحرر من ثقل في الصدر… ولذلك يقترح هاغ عشرات النقاط التي تساعد في مواجهة آثار القلق في الحجر:

  • عدم التسمّر طول الوقت أمام نشرات الأخبار، وتحديد معدّل ساعة لمتابعة الأخبار في النهار.
  • الاستفادة من الحجر لتناول الطعام بشكل صحيّ وتعلّم طهو مأكولات جديدة.
  • التمرين البدني اليومي (بين نصف ساعة وساعة يومياً) ومحاولة الخروج للمشي إذا سمح الأمر.
  • التواصل مع الأقارب والأصدقاء والجيران لكسر الشعور بالعزلة وتأكيد فكرة التعاضد الأهلي.
  • الاهتمام جيداً بالأطفال وتسخير وقت محدد لهم، وعدم خلط ساعات العمل وساعات الاهتمام بهم. وعندما نهتم بأطفالنا نترك الهواتف والتلفزيون وكل شيء ونركّز على اهتمامنا بهم وبطلباتهم والاستماع جيداً إلى ما يقولون وطمأنتهم إلى أنّهم سيعودون للعب مع رفاقهم.
  • أهمية الحيوانات المنزلية طيلة فترة الحجر.
  • ممارسة تمارين يومية للتنفس.
  • استغلال الوقت للقراءة والمعرفة.
  • المحافظة على احتكاك شبه يومي بالطبيعة.
  • الاهتمام بكبار السن الذين يحسون أنفسهم اليوم الهدف الأول للفايروس ويشعرون بخوف متزايد من الموت. تمكن مرافقتهم بشكل يومي والاستماع لطلباتهم ومحاولة استعادة شبابهم عبر فتح ألبومات العائلة اليومية والحديث عن أشياء وحكايا سعيدة تجمعنا بهم في الماضي. كل ذلك يخفف من قلق كبار السن وخوفهم ويؤمن لهم راحة نفسية.