fbpx

تونسيَّات في الحجر الصحي: “كورونا” وضعنا وجهاً لوجه مع جلاَّدينا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كلما أتذكر موقف الشرطي السلبي أضحك وأبكي في آن واحد! أنا أخبره بأن زوجي طردني وهو يقول لي عودي إلى البيت، كورونا في كل مكان! وهل هناك كورونا أخطر على صحتي من ضربي وحرماني من ابني من دون موجب حق!”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“قلت للشرطيّ أن زوجي ضربني وطردني من البيت وأخذ ابني مني، أجابني بهدوء مستفز، وأين الإشكال هل ابنك مع شخص غريب؟ أليس هو والده عودي إلى بيتك فوراً نحن الآن في حظر تجول!”. 

بهذه الكلمات تروي ابتسام (26 سنة)، ما حدثَ معها عندما تشاجرت مع زوجها لسبب “تافه” كما تقول. فانهالَ عليها ضرباً وأرغمها على الخروج في الحادية عشرة ليلاً من بيتها في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية.

ابتسام ليست الوحيدة التي اضطرت خلال الحجر الصحي إلى المكوث 24 ساعة في اليوم مع جلّادها، ولعلَّ الإشكال الأكبر الذي تشكو منه نساء تحدَّث إليهن “درج” هو عدم التعامل مع شكاويهن بجدية في مخافر الشرطة، أو عدم تحريرها من الأساس.

تؤكد سلوى كنو السبيعي عضوة في جمعية “النساء التونسيات للبحث حول التنمية” لـ”درج” أن “الخط الساخن الأخضر المجاني 1899 الذي وضعته وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة والطفل قد تلقى في يوم واحد أي 1 نيسان/ أبريل الجاري، 11 اتصالاً، للتبليغ عن حالات عنف”.

هذا الرقم خصصته وزارة المرأة والطفولة وكبار السن للتبليغ، وهو متوفر 24 ساعة يومياً على مدى أيام الأسبوع. ويعمل على توفير الاستشارات النفسية والاجتماعية والقانونية، عبر فريق متعدد الاختصاصات (من مختصين نفسيين واجتماعيين وقانونيين) من الإدارة المركزية في وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن ومن الجمعيات الشريكة (الجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي، جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، جمعية التنمية قفصة الجنوبية وجمعية التنمية المستدامة والتعاون الدولي).

“هذه المرة الثانية التي يضربني فيها أثناء الحجر الصحي، لم أفعل شيئاً، كنت فقط على فايسبوك أتصفح الأخبار وأتابع مجموعة عملي عن بعد.”

وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، أسماء السحيري، أطلقت أخيراً صيحة فزع في وسائل إعلام محلية حول تزايد حجم العنف الممارس ضدَّ المرأة خلال الحجر الصحي. وتؤكد السحيري تضاعف عدد الإشعارات بالعنف من قبل نساء خلال الفترة الزمنية نفسها بين سنتي 2019 و2020، 5 مرات أكثر. وتشير إلى تلقي 7 إشعارات فقط خلال الفترة الممتدة بين 23 و24 آذار/ مارس 2019 مقابل 39 إشعاراً من الفترة ذاتها عام 2020.

يتم التبليغ عن حالات العنف عبر الرقم الأخضر المجاني 1899 الذي وضعته الوزارة على ذمة المعنفات في إطار حملة تحسيسية أطلقتها مع شركائها من جمعيات ناشطة في حقل الدفاع عن حقوق المرأة تحت عنوان “ماكش وحدك”، أي لست بمفردك.  وهذا الخط الساخن، سيُدَعم بافتتاح مركز موقت لإيواء النساء المعنفات اثناء الحجر الصحي، في حال احتجن إلى ذلك مع أطفالهن، وفق ما أوضحت كنو لـ”درج”. 

ويضم المركز 10 وحدات سكنية لاستقبال الوافدات الجدد من النساء ضحايا العنف اللاتي لا يملكن مساكن، وسيتمّ وضعهنّ في الحجر الصحي طيلة 14 يوماً، وعزل كل امرأة ضحية عنف في وحدة سكنية بمفردها كإجراء وقائي للتثبت من سلامتهن من فايروس “كورونا” المستجدّ، على أن يتمّ توزيعهنّ في مرحلة ثانية إلى أماكن الإيواء الأخرى. وتشرف على المركز وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن و”جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية”، التي تضطلع بدور مهم في تسيير العمل أثناء فترة الحجر الصحي، بفضل متطوعات ومتطوعين.

“كلما أتذكر موقف الشرطي السلبي أضحك وأبكي في آن واحد! أنا أخبره بأن زوجي طردني وهو يقول لي عودي إلى البيت، كورونا في كل مكان! وهل هناك كورونا أخطر على صحتي من ضربي وحرماني من ابني من دون موجب حق!”.

ابتسام متزوجة منذ سنتين تؤكد أن هذه المرة الثالثة التي تتعرض فيها للعنف الزوجي، لكن هذه المرة قررّت الانفصال عن زوجها، بعدما أكد لها أنه غير راغب فيها وأخرجها بالقوة من البيت، وأجبرها على الابتعاد من ابنها. “ما آلمني أن ابني اليوم يعيش مع والدة زوجي في مكان بعيد من مقر سكننا، أي أن أباه فضل أن يتركه مع جدته على أن يكون معي أو معه في بيت واحد! حتى حين لجأت إلى مركز الشرطة حتى أستعيد ابني لم يحرر الشرطي شكوى ضده وطردني وسخر مني!”.

الفصل 10 من عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 آب/ أغسطس 2017، المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ينص على ضرورة أن تضع وزارتا العدل والداخلية برامج متكاملة لمكافحة العنف ضد المرأة في التدريس والتكوين في المؤسسات الراجعة إليهما بالنظر، وذلك لتطوير طرائق التعاطي مع شكاوى وقضايا العنف ضد المرأة. إلا أن التطبيق ما زال بعيداً كل البعد من التشريع، إذ تؤكد القاضية كلثوم كنو لـ”درج” أن “ما حصل مع ابتسام هو مخالفة قانونية واضحة المعالم وأن عون الأمن كان عليه فتح محضر وتحرير شكوى بالعنف ضد الزوج. كما أن بإمكانها تتبع القضية قانونياً نظراً لإخلاله بواجبه في هذا الخصوص. يذكر أن الفصل 24 من قانون “القضاء على العنف ضد المرأة” المذكور سلفاً يشير إلى إنشاء وحدة مختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة ويجب أن تضمّ بين عناصرها نساء. وذلك في كل منطقة أمن وطني وحرس وطني في كل الولايات يوضع على ذمة الوحدة المختصة سجل مرقم خاص بهذه الجرائم”.


ويجبر الفصل 25 من القانون المذكور أعوان الوحدة المختصة حين يصلهم بلاغ أو إشعار بحالة التلبس بجريمة عنف ضد المرأة على التوجه فوراً إلى عين المكان لمباشرة الأبحاث بعد إعلام وكيل الجمهورية.
كما يعاقب بالسجن من شهر إلى 6 أشهر العون التابع للوحدة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة الذي يتعمد ممارسة ضغط على الضحية أو أي نوع من أنواع الإكراه لحملها على التنازل عن حقوقها أو لتغيير مضمون شكواها أو الرجوع فيها.
ليلى (اسم مستعار،32  سنة) متزوجة منذ سنة، هي الأخرى غادرت مسكن الزوجية قسراً بعدما ضربها زوجها. “هجيت من داري وخليتهالو لأني تعبت”.

 فضّلت المكوث في بيت إحدى صديقاتها موقتاً، خوفاً من تكرار التعنيف.

“هذه المرة الثانية التي يضربني فيها أثناء الحجر الصحي، لم أفعل شيئاً، كنت فقط على فايسبوك أتصفح الأخبار وأتابع مجموعة عملي عن بعد.

 لكنه سرعان ما رفع يده، وانهال علي بأبشع النعوت والشتائم. هو يشك في كل تصرفاتي ويتهمني بالخيانة”.

ولربما ليلى لم تسلك طريق ابتسام إذ خافت من الفضيحة ولم تخبر أفراد عائلتها بما حدث معها. كما أنهم لا يعلمون بمكوثها عند إحدى صديقاتها. علاوة على أنها لم تجرؤ على تقديم شكوى قضائية بحق زوجها لأنه مفتش عنه بسبب قضايا سابقة في إعطاء شيكات من دون رصيد.

“أعيش عيشة مذلة ولا أستطيع التقدم خطوة إلى الأمام، هو اليوم يسعى إلى إرضائي ودعاني إلى العودة لكنني تعبت وأتوقع عنفاً أكبر منه ولا أعرف ماذا أفعل، شكه بي سيدمرنا وسيقضي على زواجنا! أنا لم أشتكه خوفاً من سجنه لكنه لم يقدر كل هذا وماض في إذلالي”.

ارتفاع عدد المعنفات أثناء الحجر الصحي في تونس، وفق إحصاءات وزارة المرأة وشركائها، لربما هو الشجرة التي تخفي الغابة من جهة، فالعدد يبدو أكثر بكثير نظراً لعدم قدرة كثيرات منهن على البوح والشكوى بما يحدث معهن. يذكر أن وزارة العدل التونسية سجلت نحو 40 ألف شكوى تقدمت بها نساء تعرضن للعنف عام 2019 وذلك بموجب القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة.

وهو قانون يكتسب أهمية بالغة، اعتبرت عشرات النائبات في مجلس نواب الشعب يوم المصادقة عليه أنه مكسب تاريخي للمرأة التونسية. لكن السؤال الحارق الذي يتكرر في الأذهان، هل السلطة التنفيذية بأجهزتها تعاضد اليوم السلطة التشريعية في جهودها للقضاء على العنف ضد المرأة أم تبقي قوانينها في هذا الخصوص حبراً على ورق؟!