fbpx

عن الصين ومجتمعات تخشى “نساء فاتهنّ القطار”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعرض فيلم “نساء فاتهن القطار”، الضغوط الكبيرة التي تواجهها الفتيات الصينيات المتعلمات لكي يبحثن عن أزواج.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قالت هوا ماي، “كنت سعيدة قبل أن أتزوج. كان لدي أصدقاء، كنت أذهب إلى الحانات وإلى المسارح. كنت أذهب إلى مراكز اللغات لكي أتعلم اللغة الإنكليزية واللغة الفرنسية. كنت مستمتعة بحياتي. لكنني حين كنت أعود إلى منزل عائلتي لزيارة والديّ، كانا يلحّان عليّ لكي أتزوج”.

لم يكن والداها وحدهما من يفعل ذلك. حتى وقت قريب، كانت تشو إحدى الفتيات الـ”شنغ نو”، أي “اللواتي فاتهن قطار الزواج”، وهو لقب مستهجن تطلقه الحكومة الصينية على الفتيات اللاتي تخطين منتصف العشرينات أو بلغن الثلاثينات من العمر من دون أن يتزوجن.

تعدُّ قصتها القصة الرئيسة في الفيلم الوثائقي الجديد “نساء فاتهن القطار”، الذي عرض في مهرجان “هيومان رايتس ووتش” للأفلام في لندن في 13 و14 آذار/ مارس، ومتاح الآن في الولايات المتحدة على شبكة “بي بي إس”. يعرض الفيلم الضغوط الكبيرة التي تواجهها الفتيات الصينيات المتعلمات لكي يبحثن عن أزواج.

في الصين، يتوقع من الفتيات أن يتزوجن مبكراً. لكن الرؤية التقليدية للأدوار الجنسانية لا تتفق مع نجاح الدولة في تعليم الفتيات، اللاتي أصبحن يطمحن في تحقيق النجاح على الصعيد المهني، بجانب الحياة الأسرية والأعباء المنزلية، أو بدلاً منها.

في “سوق الزواج” في بكين، حيث يبحث الآباء عن زوجات لأبنائهن، تراجعت إحدى الأمهات عن التحدث إلى تشو حين علمت بأنها محامية، خوفاً من أنها قد تقاضي أسرة زوجها. تقول تشو إن الناس يظنون أن المرأة الجامعية “صعبة المراس وغير مطيعة. وربما متسلطة، ولن تطيع أوامر زوجها”.

ليست الصين الدولة الوحيدة التي تعاني من صراع بين زيادة فرص العمل للنساء وبين القلق من انخفاض معدل المواليد. فحول العالم، كلما زادت فرص المرأة في الحصول على التعليم والوظائف، تأخر سن الزواج وقل عدد المواليد.

حتى بعد تساهل الحكومة الصينية في تطبيق سياسة الطفل الواحد، بسبب شيخوخة المجتمع والخوف من عدم وجود العدد الكافي من الشباب للعناية بكبار السن، وجدت مخرجة الفيلم شوش شلام أن الكثير من النساء يترددن في إنجاب أكثر من طفل.

تقول شلام إن “الأمر مكلف للغاية، وتعود المجتمع على وجود طفل واحد في العائلة”، وتضيف أن الأمهات “يضطررن إلى التضحية بمستقبلهن الوظيفي من أجل رعاية الأطفال،” وذلك لقلة الدعم الذي تقدمه الدولة للأمهات.

دور الدولة في إملاء خيارات الإنجاب على النساء من القضايا الخلافية على مستوى العالم. يرى الشعبويون أن انخفاض أعداد المواليد علامة على الافتقار السكاني بين صفوف السكان الأصليين.

قال نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا اليساري، في خطاب يوم الرابع من آذار/ مارس، “على كل امرأة أن تنجب 6 أطفال للبلاد”. (نحو 13 في المئة من أطفال فنزويلا يعانون من سوء التغذية).

“كنت مستمتعة بحياتي. لكنني حين كنت أعود إلى منزل عائلتي لزيارة والديّ، كانا يلحّان عليّ لكي أتزوج”.

وفي العام الماضي، وعد فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري اليميني، بتخفيضات ضريبية للأمهات اللاتي ينجبن أكثر من 4 أطفال. وأضاف، “نحن لا نحتاج إلى مجرد عدد، بل نحتاج إلى أطفال مجريين”، في إشارة إلى زيادة أعداد المهاجرين. في حين تقدم كل من بولندا، وليتوانيا، وصربيا حوافز مالية للأسر الكبيرة.

يدعم وجود السياسات المؤيدة والمضادة للإنجاب أحد أهم أعمدة التحليل النسوي: على مدار التاريخ وعبر الثقافات، اعتبرت أجساد النساء من الموارد العامة التي تنتج “مواطني المستقبل”، ولذلك تسعى الدول إلى التحكم في حياة النساء والتأثير في خياراتهن الإنجابية. في الماضي، كان هذا التحكم في صورة الحد من حصول المرأة على التعليم، أو منعها من العمل في وظائف معينة. اليوم، يظهر في صورة ضغوط اجتماعية عبر فكرة أن تحقيق المرأة لذاتها لا يأتي سوى من طريق الزواج والإنجاب.

يبدأ فيلم “نساء فاتهن القطار” بزيارة تشو وكالة توفيق بين الراغبين في الزواج في بكين. تخبرها الخطّابة أن لديها معايير عالية للرجل الذي ستتزوجه. يجب أن يكون على قدر عالٍ من التعليم، ومستعد للمشاركة في الأعمال المنزلية، ويحترم المرأة. إذا استخدمنا مصطلحات اقتصادية، فيجب أن يكون سوق الزواج في الصين “سوقاً للمشترين”، فالرجال الباحثون عن الحب أكثر بكثير من النساء. لكن هذا ليس ما تراه تشو، وفقاً لتجربتها. قالت الخطابة لها، “آسفة إن كان كلامي صريحاً أكثر من اللازم، فأنت لست جميلة وفقاً للمعايير التقليدية، وكبيرة في السن أيضاً”. هذا نموذج من نماذج الأحكام القاسية التي تواجهها تشو.

سياسة الطفل الواحد التي تبنتها الحكومة الصينية منذ عام 1980 وحتى عام 2016، إضافة إلى المعتقد السائد بأن الطفل الذكر أفضل من الأنثى، أدى إلى الإجهاض الانتقائي بسبب الجنس. واليوم، يزيد عدد الرجال عن عدد النساء بـ30 مليون رجل، كثر منهم لن يتزوجوا أبداً. ترى الدولة أن هذا تهديد للاستقرار القومي. تقول شلام، “الحكومة الصينية لديها رهاب من أي مجموعة قد تشكل تهديداً لها”.

تقول تشو إن اختلال النسبة بين أعداد الذكور وأعداد الإناث “يجعل الرجال يائسين”، ما يساهم في زيادة العنف ضد النساء اللاتي ترفضن الارتباط بالرجال. وأشارت إلى أن هذا أدى إلى زيادة في سياحة الجنس إلى البلاد المجاورة، مثل ميانمار ولاوس.

إضافة إلى إنتاج أفلام كارتون تحث النساء على الزواج، تنظم الحكومة الصينية فعاليات “المواعدة السريعة”. وتعزز رؤية المواطنين الصينيين للنساء غير المتزوجات باعتبارهن تعيسات وناقصات، مثلما يبين ترويجها مفهوم “شنغ نو” الذي يعني حرفياً المرأة المنبوذة. لكن هذه المشاعر لم تخالج تشو. فقد أخبرتني أن “من يسمون بنساء فاتهن القطار هن في الغالب النساء ذوات التعليم العالي وصاحبات الدخل الجيد. لكنهن يخالفن النظام الاجتماعي، لذا على المجتمع محاربتهن لإخضاعهن”.

في الصين، يتوقع من الفتيات أن يتزوجن مبكراً.

بصفتي امرأة بريطانية ثلاثينية، دُهشت خلال مشاهدة الفيلم من أن مشاعر تشو المتضاربة بشأن الزواج تبدو مشاعر متمردة جداً لمن حولها. عندما زارت شلام شركة المحاماة حيث تشو، لاحظت أن المحاميات المتزوجات يعملن في غرف منفصلة عن غير المتزوجات. قالت شلام “يشعرك هذا بأنك في المرتبة الثانية فعلياً. توجد ضغوط في كل مكان”.

تظهر امرأتان أخريان في الفيلم وهما: تشو مين، وهي مذيعة تبلغ من العمر 28 سنة. ترغب تشو مين في الزواج لكنها تكافح من أجل العثور على رجل يفي بمعايير أمها الصارمة. وكاي تشي، وهي أستاذة جامعية مساعدة تبلغ من العمر 36 سنة ومتزوجة من رجلٍ يصغرها في العمر وينتمي لأسرة أقل ثراءً وقد حظيا بطفلٍ بعد فترة قصيرة من الزواج.

ليست الصين الدولة الوحيدة التي تعاني من صراع بين زيادة فرص العمل للنساء وبين القلق من انخفاض معدل المواليد.

لكن أكثر المشاهد قوة في الفيلم تعود إلى تشو، بسبب صراعها المستمر من أجل عيش حياتها بالطريقة التي ترضيها. عندما تعود إلى بلدة والديها، يخبرانها بأن الجيران يسخرون منهما لأنها لم تنجب أطفالاً، وأخبرتها شقيقتها بشكل قاطع أنها من المستحيل أن تكون سعيدة من دون زواج.

انجذبت شلام إلى القصة بعدما سمعت عن اعتقال النسويات الصينيات عام 2015 بسبب احتجاجهن على الاعتداءات الجنسية في المواصلات العامة. في فيلم “نساء فاتهن القطار”، تظهر تشو بشعرٍ قصير، وأخبرتني أنها قصته احتجاجاً على أن جامعات كثيرة تتساهل في شروط انتساب الرجال لبعض الأقسام مقارنة بالحال مع النساء، لأن الدولة تخشى من تخلف الرجال وتقدم النساء عليهم.

تعيش شلام في إسرائيل، حيث تشهد معدلات الإنجاب لدى طائفة اليهود الحريديم المتشددة ارتفاعاً كبيراً للغاية. يتتبع فيلمها “أثمروا وتكاثروا” الصادر عام 2005، حياة نساء الطائفة الحريدية في بروكلين والقدس اللاتي يتوقع منهن أن يكن “ماكينات إنجاب”، على حد قولها. لاحظت شلام أوجه تشابه بين الصين وإسرائيل، بوصفهما من المجتمعات المحافظة التي “يبرز فيها دور المرأة بوضوح”.

قالت شلام إنها عندما عرضت فيلم “أثمروا وتكاثروا” في جامعات ببكين، صُدم المشاهدون الصينيون وتساءلوا، “كيف لها أن تنجب17 طفلاً؟” لكن بعد ذلك قالت واحدة من الجمهور، “وضعنا مماثل لليهوديات من طائفة الحريديم. يُجبَرن على إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال، وأنا أجبر على إنجاب طفل واحد”.

في أحد مشاهد فيلم “نساء فاتهن القطار”، يخبر أحدهم تشو أنه ليس في إمكانها تجميد بويضاتها في الصين، لهذا عليها السفر لفعل ذلك (على رغم سماح الحكومة بوجود بنوك للحيوانات المنوية). في المقابل، تشجع شركات وادي السيليكون الموظفات على تجميد بويضاتهن. في النهاية، كلها محاولات للالتفاف على حقيقة أن معظم النساء تتزامن سنوات الخصوبة لديهن مع أهم مرحلة في مسارهن المهني.

تتعرض النساء الصينيات لضغوط حتى لا يؤجلن الإنجاب، بسبب توجهات البلاد المشجعة على الإنجاب. بينما تُشجع الأميركيات على فعل العكس، لأن هذا قد يعرقل حياتهن المهنية. ولا تُطرح السياسات المراعية لاحتياجات الأسرة للنقاش، مثل إجازة الأمومة مدفوعة الأجر وتوفير دورات تدريبية إضافية للعاملات العائدات وضمان الحماية لمن يأخذن إجازات.

يقدم فيلم “نساء فاتهن القطار” مبررات قوية على أن معظمنا ربما لن يكون بمثل صلابة تشو. تقول شلام: “إذا تزوجت جميع صديقاتك لكنك لا ترغبين في الزواج، فسوف تشعرين بأنك غير طبيعية. بكيت لأكثر من مرة في غرفة التحرير”. قالت تشو إنها أرادت المشاركة في الفيلم لتخفيف إحساس الوحدة عن النساء الأخريات اللاتي في وضعها.

ينتهي الفيلم بمشهد لتشو، البالغة من العمر 34 سنة، وهي تغادر الصين من أجل الدراسة في فرنسا. يكشف مشهد وداع عائلتها عن مدى تعقد وجهات نظر الصينيين المتغيرة حول أدوار النساء، فشقيقة تشو، التي توبخها باستمرار لأنها عزباء، ها هي تعرض عليها المال الآن. أما والدها الذي توقف عن الدراسة بسبب مجاعة الصين الكبرى وأصبح أُميّاً، فيخبرها أنه فخور لأن لديه ابنة متعلمة. 

أخبرتني تشو: “أعتقد أنه فخور بي”. بعد إنهاء دراستها في فرنسا، انتقلت تشو للعيش في ألمانيا وهي متزوجة الآن من رجل ألماني، وليس لديهما أطفال. أعادت تشو النظر في صراعاتها مع عائلتها بعد مشاهدتها الفيلم. وقالت “التقط صناع الفيلم بعض اللحظات الجميلة. حتى في المشاجرات، التي كنت أظن بعد انتهائها أنني خسرت. لكن هذا الفيلم جعلني أرى أنني كنت قوية”.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.