fbpx

فلاديمير بوتين يخطط ليصبح رئيس روسيا الدائم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سيظل بوتين يُحكم قبضته على السلطة، ليس من خلال خفة اليد أو الخداع الدستوري. بل سيقوم بذلك على نحو أكثر جرأةً ووضوحاً: ببساطة من خلال البقاء في المنصب الذي شغله طيلة عشرين عاماً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

امتهان الكتابة عن روسيا سيُدخِلك لا محالة إلى مجال تحليل أفكار رجل واحد ومكائده وقراراته، هو فلاديمير بوتين؛ وهو الأمر الذي ينتهي حتماً على نحو خاطئ. حصل أخيراً تحول سياسي غيرَ متوقع في روسيا، حين وقفت فالنتينا تيرشكوفا، رائدة الفضاء السوفياتية السابقة وعضوة البرلمان الروسي، في مشهد سياسي هزلي، لتقترحَ تعديل دستور الدولة. كان مشروع المقترح المُقدَّم من تيرشكوفا – التي اتضح تماماً إسناد هذه المهمة لها – بسيطاً وجريئاً، وانطوى على: اعتبار فترات رئاسة بوتين السابقة كأنها لم تكن ومنحه حق الترشح في انتخابات 2024 الرئاسية، مع انتهاء فترة رئاسته الحالية الرابعة. قالت تيرشكوفا “مع سلطته القوية، سيحظى مجتمعنا بالاستقرار”.

ظلّت مسألة انتخابات 2024 عالقةً في الأذهان منذ إعادة انتخاب بوتين عام 2018، إذ تنصّ القيود الحالية الخاصة بفترة الرئاسة على عدم إمكان ترشحه مرة أخرى. مِن ثَمّ كان على بوتين التخطيط للتحايل على هذه القيود. في كانون الثاني/ يناير، ومن دون سابق إنذار، حلّ بوتين حكومته وأعلن ضرورة تعديل الدستور، وهي الخطوة التي اعتبرَها معظم المراقبين بدايةَ عهد سياسي جديد لبوتين في روسيا. كانت موسكو تعجّ بالحديث عن فترة “انتقالية” تلوح في الأفق. ومثلما هو معتاد في سياسة بوتين، ظلّت التفاصيل غامضة، على أن يُبتَّ فيها لاحقاً. لوّح بوتين نفسه بنياته على نحو غامض ومتناقض؛ فكثير من التفاصيل قد يمنح أعداءه ومنافسيه – سواء داخل جدران القصر أو خارجه – فرصةَ الاستعداد لمواجهة ما يُضمِر.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

بدأ الأمر يتّضح؛ إلا أنه كان مُحبِطاً أو مُحزناً لهؤلاء الذين تنبأوا – ومنهم زميلتي ماشا جيسن – منذ أمدٍ طويل بحكم بوتين الدائم والمنيع. أعلن بوتين بعد مقترح تيرشكوفا “المفاجئ” أنه قد يحيل الأمر إلى مجلس الدوما للبتّ فيه. وقال بوتين “من ناحية المبدأ، هذا الخيار مطروح”، وأضاف في تواضع زائف: “إذا طالب الشعب بذلك، فيلكُن”. في غضون بضع ساعات، بدَت السنوات الستة العشر التالية من الحياة السياسة في روسيا مجمّدة.

هنا، اتضح أنني مُخطئ. في منتصف كانون الثاني، وبعد حلّ بوتين الحكومة فجأةً ودعوته إلى تعديل الدستور، كنت في واشنطن العاصمة حين أخبَرتُ مجموعة من الباحثين السياسيين والمسؤولين الحكوميين والديبلوماسيين، أنه مع كون دعوة بوتين لتعديل الدستور الروسي لم تُبشّر بأي ديموقراطية للدولة، فإنّها دلّت على تنبؤ بوتين بدور مختلف يقوم به مستقبلاً؛ لا بصفته رئيساً للدولة ولكن في منصب يُعرَّف لاحقاً. كان لدي شعور منذ أمد طويل أن بوتين حريص على الشرعية -من نوع خاص- وعلى إرثه التاريخي أيضاً؛ ما جعلني أراهن على عدم رغبته في الظهور كديكتاتور أبديّ مخالف للقانون.

لذا، أيقنتُ أنه إذا لم يحظ الحكمُ في روسيا بتغيير حقيقي، فعلى الأقل سيكون هناك تغيير قانوني. فسيظلّ بوتين مهيمناً على جميع الأمور، ولكن على نحو مختلف؛ ما قد يعني ظهور أشخاص ومؤسسات جديدة في المشهد السياسي. قد يتخذ نظام الحكم شكلاً جديداً، مع بقاء المنطق الكامن وراءه كما هو: قد يظل بوتين رمزاً مجسِّداً لسلطة الدولة، شخصاً فوق السياسة، والفيصلَ النهائي في الصراعات الطاحنة بين النخبة.

سيظلّ بوتين مهيمناً على جميع الأمور، ولكن على نحو مختلف؛ ما قد يعني ظهور أشخاص ومؤسسات جديدة في المشهد السياسي.

على مدى الشهرين الماضيين، ركزت المناقشات السياسية في موسكو حول الكيفية التي سيحدد الدستور المعدل من خلالها الدور المحتمل الذي قد يضطلع به بوتين مع تقديم مخطط جديد لهيكل السلطة في الدولة. ومن المقرر إجراء استفتاء حول التعديلات الدستورية المُقترحة في 22 نيسان/ أبريل المُقبل. وفي حين شكل الكرملين لجنة لإدارة الأمر بعناية لتحقيق النتائج المرجوة، يُدرك الجميع أن النص النهائي سوف تكتبه دائرة صغيرة من مستشاري بوتين المقربين الذين يعيشون في معزل عن عامة الناس. وفي الوقت نفسه، تعرض كثر من الوزراء للفصل، وحل مكانهم أشخاص جديدة. ومن بين السيناريوات الأكثر غرابة التي انتشرت هو أن روسيا وبيلاروسيا سوف تندمجان لتشكيل دولة واحدة جديدة، وسيتولى بوتين زعامة هذه الدولة. (بيد أن إحدى الشائعات التي انتشرت في أعقاب ذلك تشير إلى أن ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا القوي، لم يوافق على هذا الدمج).

ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني الماضي، أن “تفسير هذه الأدلة، والتساؤل حول ما إذا كان ينبغي لنا مجرد المحاولة، جعلا الأنشطة الدولية غير النظامية التي يزاولها خبراء الكرملين في مواجهة تنافر يبعث على الارتباك من التكهن والتفسير”. لقد كنت واحداً من أولئك الذين عزفوا عن محاولة فهم حقيقة الأمور، ولكن مع تصاعد التكهنات، صار من الصعب الاستمرار في هذا النهج على المستوى الصحافي. في حين لم يبدُ الرأي العام الروسي، الذي كان محبطاً إلى حد كبير وغير مبالٍ بالسياسة، مهتماً بذلك، بشكل أو بآخر. وفي خطوة تشبه ألاعيب كارل روف، كبير مستشاري رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق -حين دعا روف إلى التصويت على اتخاذ إجراءات حكومية لحظر زواج المثليين، كوسيلة لزيادة نسبة مشاركة الجمهوريين في انتخابات 2004- أعلن بوتين أن الدستور الروسي الجديد لا بد أن يحظر زواج المثليين، على أمل بأن يؤدي هذا النهج الوضيع نحو النزعة المحافظة إلى إحياء الاهتمام بالعملية الانتخابية التي قد تتسم بالرتابة.

فلاديمير بوتين في العشرينات من عمره

لم أكن أتصور قط أن يأذن دستور جديد ببدء عصر من السياسات الديموقراطية النزيهة أو الخاضعة للمساءلة، ولكن مثلي مثل كثيرين من المراقبين الروس، اعتقدت أن بوتين قد يبدل منصبه رسمياً ــ ولنقل على سبيل المثال، شغل منصب رئيس مجلس الدولة، وهو الهيئة التي اتسمت بالغموض فيما مضى، وتستعد الآن لاكتساب أهمية جديدة، وفقاً لما تنص عليه النسخة الجديدة من الدستور. وربما سيجد بوتين سبلاً جديدة لتوزيع السلطة بين مختلف المعسكرات داخل النخبة، فيحافظ بذلك على سلطته من خلال توزيعها في جرعات محسوبة بعناية.

بات من الواضح الآن أن بوتين سيظل يُحكم قبضته على السلطة ليس من خلال خفة اليد أو الخداع الدستوري. بل سيقوم بذلك على نحو أكثر جرأةً ووضوحاً: ببساطة من خلال البقاء في المنصب الذي شغله طيلة عشرين عاماً (من دون احتساب الفترة القصيرة والتي لا تحمل أهمية كبيرة، التي شغل خلالها دميتري ميدفيديف منصب رئيس روسيا) لمدة 15 عاماً أخرى. وإذا ظل رئيساً للبلاد حتى عام 2036، أيّ إلى أن يبلغ 83 سنة، فسوف يفوق ذلك عدد السنوات التي أمضاها جوزيف ستالين في السلطة. (فقد حكم ستالين لمدة 29 سنة، بيد أن بوتين يطمح أن يستمر في السلطة لمدة 36 سنة).

قدِمت للمرة الأولى إلى روسيا خلال السنة الثانية من دراستي الجامعية، في العام الثاني من رئاسة بوتين؛ والآن صرت في أواخر الثلاثينات من العمر، وما زال بوتين، موضوع التحقيق الصحافي الرئيسي الذي يشغلني، وعلى ما يبدو سيستمر ذلك إلى الأبد. فإذا ظل بوتين حياً إلى أن تنتهي مدته الرئاسية الجديدة التي ينص عليها الدستور، سأظل أكتب عنه عندما أصبح في الخامسة والخمسين من عمري. قد تبدو هذه سابقة مبتذلة وتافهة مقارنةً بما يواجهه الروس في مثل عمري: إذ يبدو أنه من المحتم عليهم أن يمضوا سنوات حياتهم الأكثر صحةً وقدرة على الإنتاج نظرياً في ظل حكم بوتين، فضلاً عن أن عائلاتهم، وحياتهم المهنية ومصائرهم تشكلت بفعل دوافع رجل واحد ومخاوفه وقراراته.

إذا ظل رئيساً للبلاد حتى عام 2036، أيّ إلى أن يبلغ 83 سنة، فسوف يفوق ذلك عدد السنوات التي أمضاها جوزيف ستالين في السلطة.

لا ينبغي أن يشعر أحد بالأسف على بوتين، الذي يبدو محاصراً في ظل النظام الذي أسسه. فبعدما جرد القواعد الأخرى للسلطة من أدوارها وركز السلطة على شخصيته وصورته، لم يعد لدى بوتين أي سبيل لتخطي تلك العقبة. وفي توجه نحو إشباع الذات، أقنع بوتين نفسه بأن الوسيلة الوحيدة لاستعادة القوة الروسية وصقلها كانت تجميع السلطة أولاً ثم الإبقاء عليها موحدة لنفسه. والآن، صار أي تحرك من شأنه تقسيم تلك السلطة يمثل خطراً على بوتين. وعلى حد تعبير فياتشيسلاف فولودين، الذي يتولى الآن منصب رئيس مجلس الدوما، الذي قال عام 2014، “ما دام هناك بوتين فهناك روسيا. ففي غياب بوتين، لا توجد روسيا”. صدمني تعليق فولودين آنذاك واعتبرته زلة لسان، لكنه أيضاً يُقدم نظرة فاحصة للكيفية التي يتصور بها بوتين ودائرته دوره في الواقع.

فقد قال بوتين، “أنا على يقين من أن الوقت سيأتي عندما لا تكون السلطة الرئاسية الأعلى في روسيا، كما يقولون، مُشخَّصة إلى هذا الحد، أي ليست مرتبطة إلى حد كبير بشخص واحد بعينه. لكن هذا هو ما وحد تاريخنا الماضي، ولا يمكننا بالطبع تجاهل ذلك”. تتلخص الحجة الضمنية التي حاول بوتين توضيحها -ومن الغريب أنه شعر بأنه مضطر إلى تقديم حجة من الأساس- في أنه، على رغم أن تقديس الحاكم والتملق المفرط لرأس الدولة ليس بالأمر الجيد بكل تأكيد، فإن هذه الأوقات استثنائية، ولا يمكننا بدء محاولة تطبيق نظام جديد الآن.

تبدو الصعوبات التي تشهدها اللحظة الراهنة ملائمة لبقية الأوضاع. ففي الأيام الأخيرة، وبعدما صعدت روسيا حربها النفطية مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة الأوبك، انخفض سعر برميل النفط الخام 30 في المئة، وهو ما يشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي المعتمد على النفط. وخسر الروبل راهناً 10 في المئة من قيمته أمام الدولار. فضلاً عن تفشي فايروس “كورونا” الجديد في البلاد، مثلما يقلب تماماً حياة الناس في مختلف أنحاء العالم. (حتى الآن، لم تعلن روسيا إلا عن إصابة 20 حالة مؤكدة بالفايروس، ولكن من المؤكد أن ذلك نتيجة لعدم إجراء فحوصات كافية). علاوة على ذلك، تبدو احتمالات إعادة انتخاب دونالد ترامب ضعيفة؛ ومن المؤكد أنه ليس من المستحيل أن يخسر الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ونظراً لما شهدته السنوات الماضية من أحداث، فإن وصول إدارة من الحزب الديموقراطي للسلطة في الولايات المتحدة لن يكون متوافقاً على وجه الخصوص مع مصالح بوتين.

من شأن تضافر هذه العوامل أن يشكل مرحلة جيوسياسية دقيقة وحساسة، ولكن إذا كنت زعيماً استبدادياً يبحث عن ظروف طارئة لتبرير قرار ما، فسوف تتمكن دوماً من العثور عليها. والواقع أن بوتين تبنى هذا النهج على وجه التحديد لما يقرب من عشرين عاماً: فالآن ليس الوقت المناسب لإثارة المشكلات، والظروف ليست مُهيأة بعد، وهذه ليست اللحظة الملائمة لإحداث تغييرات ثورية. فهو يزعم أن البلاد تحتاج إلى الاستقرار، ولكن بمرور الوقت، تصل حالة السُبات إلى مرحلة الجمود.

في بعض الأحيان، كنت أتساءل عما إذا كان التمثيل المسرحي والتصرفات المصطنعة التي حصلت راهناً عبارة عن مجرد ستار لإخفاء الحقيقة، وهو ما من شأنه أن يُمكن بوتين من مُفاجأة الجميع -بما في ذلك رجال الحاشية في قصره- على حين غرة، ما يجعلهم غير قادرين على وضع خطط مستقبلية بديلة. وفي هذا السيناريو، بالكاد ترك بوتين الباب مفتوحاً أمام خيار الترشح عام 2024، ولكنه قد لا يسعى إلى تحقيق هذه الغاية في نهاية المطاف؛ بيد أن الخطة الحقيقية لم تتكشف بعد. ولكنني أمضيت بالفعل ما يكفي من السنوات في تقييد نفسي بالعقد التحليلية بينما كنت أحاول فك شفرة مستقبل بوتين السياسي، وسعيت جاهداً لرؤية الأشياء بصورة معقدة، في حين بدت الحقيقة بسيطة إلى حد ما. ولو كان في استطاعتي لأحجمت عن العمل على تحليل عقلية بوتين تماماً. ربما أتمكن من فعل ذلك قبل عيد ميلادي الستين.

هذا المقال مترجم عن newyorker.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.