fbpx

“كورونا” يعمق أزمة الفقراء في تونس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صعوبات مادية كبيرة يواجهها آلاف العمال التونسيين الذين أحالهم الحجر الصحي العام المفروض في البلاد، إلى البطالة القسرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أقدم شاب تونسي من عمال الحضائر (يتقاضون رواتب لا تتعدى 351 ديناراً تونسياً، أي نحو 125 دولاراً من دون غطاء قانوني) على حرق نفسه بالبنزين احتجاجاً على عدم حصوله على المساعدات الاجتماعية الاستثنائية التي رصدتها الدولة للفقراء في تونس لمواجهة جائحة “كورونا”، على رغم حاجته الماسة إليها. حادثة أليمة كشفت النقاب عن الصعوبات المادية الكبيرة التي يواجهها آلاف العمال التونسيين الذين أحالهم الحجر الصحي العام المفروض في البلاد، إلى البطالة القسرية، وتتجه ظروفهم إلى المزيد من التعقيد، وقد تصل إلى حد العجز عن إطعام عائلاتهم.

السلطات التونسية اتخذت إجراءات للحد من تأثيرات “كورونا” في حياة العمال والمؤسسات الاقتصادية، فيما تم تخصيص 300 مليون دينار مساعدات للعمال المعرضين للبطالة، و500 مليون دينار، كخط ائتمان لتمكين المؤسسات من الحصول على قروض جديدة للاستمرار في العمل. إلا أن هذه الخطوة وعلى رغم أهميتها تبقى دون المطلوب لاعتبارات عدة، أولها ضعف الموارد المالية المرصودة لدعم العائلات وثانياً حصرها في فئة معينة من دون مراعاة بقية الفئات من الفقراء الذين فقدوا دخلهم بسبب الحجر الصحي العام.

عبد العزير عجيلي (سيدي بوزيد وسط غربي) عامل بناء وأب لأربعة أطفال يعيش هذه الأيام أوضاعاً صعبة بلغت حد العجز عن توفير الغذاء لأبنائه بعدما توقف عن العمل وأصبح من دون دخل يذكر، لتلبية احتياجاته.

يقول عبد العزيز: “اضطررت للبقاء في المنزل بعدما فرضت الدولة الحجر الصحي العام ومعها فقدت موردي الوحيد الذي أعيل به عائلتي. فأنا ككثيرين في المناطق الداخلية ممن يعملون لدى بعض المقاولين الصغار من دون ضمانة قانونية ونتلقى أجورنا مرة يومياً وأخرى أسبوعياً وأحياناً بشكل شهري، نأكل ونشرب ونلبي حاجات أبنائنا طالما أننا نعمل، ونفقد مورد رزقنا حين نتوقّف عن العمل لأي سبب”.

ويضيف: “استنفدت ذخيرتي القليلة ولم أعد أملك ثمن طعام أبنائي لولا مساعدات الجيران والأهل، حتى أنني لم أجد 5 دنانير (1.8 دولار) للذهاب إلى مركز البريد للحصول على الـ200 دينار التي رصدتها الدولة لمساعدة المحتاجين ولا أعرف ما سيحل بعائلتي إذا استمرت أزمة “كورونا” لوقت أطول”.

ويزيد من أزمة عبد العزيز النقص الحاد في المواد الغذائية في منطقته، لذلك حتى من يقدّم له المساعدة الغذائية، قد يعجز عن ذلك، تحت ضغط شح هذه المواد وعدم قيام الحكومة بخطوات صارمة إزاء المحتكرين وعدم تعاطيها جدياً مع هذه الأزمة بخاصة في المناطق الريفية.

وهناك أعداد كبيرة في تونس من العاملين بأجور يومية أو أسبوعية وهؤلاء يواجهون المتاعب ذاتها. فقرار الحجر الصحي العام يعني أنهم سيحرمون من أي دخل، وسيعجزون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.

هذا الوضع ينطبق أيضاً على روضة سيدة مطلقة معيلة لطفلين، وهي عاملة في حمام شعبي في مدينة القيروان. وجدت نفسها تبذل جهوداً كبيرة وتعرض نفسها لخطر الإصابة بالمرض لتوفير بعض المال لإطعام أبنائها بعدما أغلق الحمام أبوابه تحت ضغط الظرف الراهن.

تم تخصيص 300 مليون دينار مساعدات للعمال المعرضين للبطالة، و500 مليون دينار، كخط ائتمان لتمكين المؤسسات من الحصول على قروض جديدة للاستمرار في العمل.

تقول روضة: “بعد طلاقي من زوجي وتنصله من الإنفاق على طفلينا كرست جهدي للعمل في الحمام، على رغم ضعف الأجر، إلا أنه ساعدني على توفير مصاريفهما بخاصة الدراسية. وبمجرد إعلان الحجر العام أدركت أنني أواجه أزمة كبيرة ما دفعني للتفكير في حلول أخرى فلا مورد ولا دخل لي عدا ما أجنيه عن عملي يومياً، كما أن مدخراتي من الطعام بدأت تنفد”. 

اتصلت روضة ببعض السيدات من زبائنها في الحمام واستفسرت عن إمكان استقدامها لتنظيف بيوتهن خلال فترة الحجر مقابل بعض المال لتوفير الطعام لطفليها. لكن بسبب المخاوف من الفايروس لم تجد تجاوباً كبيراً.

وكانت الحكومة أعلنت ضمن إجراءاتها الاستثنائية عن تأخير سداد قروض الموظفين محدودي الدخل الذين لا تتجاوز أجورهم 340 دولاراً شهرياً لمدة 6 أشهر وتوفير دعم مالي للأسر الفقيرة.

ومن المتوقع أن تعمق أزمة “كورونا” مأساة فقراء تونس، وتتسبب في ارتفاع عددهم في ظل تقديرات بعض التقارير الدولية بإمكان ظهور فقراء جدد ستفرزهم الأزمة الراهنة. وأكد البنك الدولي في تقرير جديد أن فقراء جدداً ينتمون للطبقة الوسطى التي أنهكها التخبط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في البلاد سينضمون للقائمة القديمة. والفقراء الجدد المنتظر ظهورهم هم الطبقة التي تضررت بشدة وخسرت مدخراتها خلال السنوات الماضية وتتكون من صغار الموظفين في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى أصحاب المشاريع الصغرى وعمال المصانع والمهن الحرة.

ومن المرجح أن يكون أصحاب الدخل الضعيف ممن لا تتعدى رواتبهم الشهرية 800 دينار (قرابة 280 دولاراً/ ضعف الأجر الأدنى) هم الأقرب إلى السقوط في دائرة الفقر.

تؤكد البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية أن نسبة الفقر في تونس تقدر حالياً بـ15.2 في المئة. وبحسب المعهد الوطني للإحصاء فإن عدد التونسيين القابعين تحت عتبة الفقر 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون شخص.

“استنفدت ذخيرتي القليلة ولم أعد أملك ثمن طعام أبنائي لولا مساعدات الجيران والأهل”.

ويقول الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي، “نتحدث في تونس عن 623 ألف عائلة محدودة الدخل ستشملها المساعدات، في حين أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من هذه الأرقام المعلنة بخاصة إذا أضفنا العاملين بأجر يومي ممن فقدوا دخلهم هذه الفترة، هؤلاء غير مدرجين كفقراء ولكنهم في ظل هذه الأزمة باتوا في هذه الخانة”. وأكد أن “نسبة الفقر سترتفع بعد نهاية فترة الحجر بسبب تراجع الاستثمارات المرتقبة على مستوى العالم وتضرر الكثير من القطاعات التي تشكل موارد كثيرين”.    

وعلى رغم تثمينه بادرة المساعدات الاجتماعية المرصودة للفئات الضعيفة المقدرة بـ200 دينار للعائلة، إلا أنه يرى أن أهميتها مرتبطة بالفترة الراهنة وأنه في حال استمر الحجر الصحي لفترات أطول، فإن فاعليتها ستكون محدودة وستكون الخسائر كبيرة وقد تشهد تونس احتقاناً اجتماعياً تنظمه الفئات التي ستجد نفسها من دون أي مورد. 

وهناك مخاوف في تونس من تفاقم الوضع والانزلاق إلى الفوضى إذا طالت فترة الحجر. وكانت منطقتا التضامن والمنيهلة التابعتان لمحافظة أريانة (شمال شرقي على أطراف العاصمة) قد شهدتا حالة احتقان واسعة في صفوف الأهالي، على خلفية تأخر توزيع المساعدات الاجتماعية الظرفية التي أقرتها الدولة لفائدة العائلات محدودة الدخل لمساعدتها على مواجهة تبعات إجراءات فايروس “كورونا” المستجد. وخلال هذه الاحتجاجات أقدم عدد من المواطنين على غلق أحد الطرق الرئيسية في المنطقة وحرق العجلات المطاطية، احتجاجاً على عدم تمكينهم من المساعدات الظرفية وحاول البعض اقتحام أحد المقرات الرسمية لولا التدخل الأمني.

ويذكر أن التونسيين واجهوا خلال السنوات الماضية موجات غلاء كبيرة أدت إلى تراجع قدراتهم الشرائية التي تقلصت أكثر من 40 في المئة.

قرار الحجر الصحي العام يعني أنهم سيحرمون من أي دخل، وسيعجزون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.

ومن بين التبعات المرتقبة بحسب الجودي، في هذا الصدد بعد فترة الحجر الصحي، غلاء المعيشة أكثر مما هي عليه الآن وزيادة التضخم المالي الذي سيصل إلى 8 في المئة بعدما تراجع إلى 5.8 في المئة بسبب اختلال التوازن بين الطلب والعرض.

كما يتوقع الجودي أن يكون النمو الاقتصادي التونسي لسنة 2020 سلبياً في حدود اثنين في المئة تحت الصفر (وهو معدل لم تبلغه البلاد منذ 2011)، ما قد يؤدي إلى عجز الدولة عن مجابهة مصاريفها، وقد تلجأ إلى التدين، على رغم أنها خطوة ستؤدي إلى تعميق المديونية البالغة في الوقت الراهن مستويات قصوى (75 في المئة)، كما ستضطر الدولة إلى خلق عجز في الميزانية سيتجاوز الـ5 في المئة، على حد تعبيره.   

 

وكان صندوق النقد الدولي اتخذ قراراً بتعليق صرف القسطين السادس والسابع من القرض الممنوح لتونس المقدر بـ2.8 مليار دولار والممتد على مدى 5 سنوات، من 2016 إلى 2020، مشترطاً التقدم في إنجاح إصلاحات اقتصادية وهيكلية، لم تنجح تونس في تحقيق بعض منها.

ويضيف الخبير الاقتصادي أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة- قاعدة الاقتصاد التونسي- ستكون أبرز المتضررين نظراً لعدم حيازتها احتياطياً مالياً كبيراً ولارتباط مواردها بالعمل والاستثمار. ولهذا وفي حال استمرار هذا الوضع، فمن المرجح أن ينقاد بعضها للإفلاس، على رغم أهمية الإجراءات المتخذة من الحكومة بخاصة المتعلقة بتأخير دفع الضرائب والأداءات والمرونة في التعامل مع القروض المصرفية للمؤسسات.

ويذكر أن الحكومة التونسية أعلنت إجراءات لمساعدة المؤسسات على مواجهة تأثيرات أزمة “كورونا”، من بينها وضع خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار لتمكين المؤسسات من قروض جديدة للتصرف والأشغال، إحداث صناديق استثمارية بمبلغ 700 مليون دينار لهيكلة المؤسسات المتضررة وسملتها، والسماح للشركات المصدرة بترفيع نسبة التسويق في السوق المحلية من 30 إلى 50 في المئة.

وانهيار حركة التصدير والسياحة من أكبر المعضلات التي تهدد الاقتصاد التونسي بعد غلق موانئ وخطوط بحرية وجوية وبرية عدة ضمن محاولات منع انتشار عدوى الفايروس وما نتج عنه من ركود في حركة التصدير والاستيراد.

ويرجح المتابعون أن تتراوح خسائر الاقتصاد التونسي بسبب “كورونا” بين مليارين و6.6 مليار دينار (0.66 إلى 2.2 مليار دولار).