fbpx

كورونا وتَحوُّل كل ما هو صلب إلى أثير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عادةً ما تُبقي الطبقات المسيطرة مجتمعاتها هشةً ضعيفة أمام كلِّ تهديدٍ، لكي تجعلها تلجأ إليها وسط الأزمات، وتجعلها تقبل جميع الحلول التي تختارها لها، والموجِعةً في الغالب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحيلنا ظهور فايروس كورونا في الأشهر الأخيرة، وانتشاره وشلِّه العالم، وإظهاره هشاشة النظم التي اتبعتها البشرية في بناء حضارتها إلى الكاتب مارشال بيرمان وكتابه “كل ما هو صلب يتحول إلى أثير”، الذي وجد طريقه إلى العربية في طبعته الأولى باسم “حداثة التخلف” بترجمة فاضل جتكر. ومع (إقفال العالم)، يتثبت لنا، إن كل ما ظنت البشرية أنه صلبٌ صنعته يدها قد بدأ يتحول إلى أثير، بفعل فايروس لا تراه العين. وليس هذا فحسب، فمع ذوبان مآثرها وتبخُّرها، أو مآثر الطبقات المسيطرة فيها، ستستعين هذه الطبقات بالفايروس لتشقَّ طريقاً على جنَبتيه حواجزٌ عاليةٌ وسط بيئةٍ وصروحٍ كانت مزدهرةً فتدمِّرها، مستغلّةً هذه الأزمة لإشادة صروحٍ جديدة على أنقاض السابقة. 

ليس من عادة الطبقات المسيطرة أن ترتدع عن استغلال البشر، وتحويل، حتى أحلامهم، إلى أثير.

مع الحديث عن تفشِّي المرض في أغلب دول العالم بسرعةٍ قياسيةٍ، وعجز حكومات الدول المتقدِّمة والنامية، على السواء، عن مقاومة انتشاره، برز شكٌّ حول مدى صحة ما تدَّعيه الدول المتقدِّمة، حول جدارة أنظمتها الصحية، سواء خلال فترة الراحة أو الطوارئ. كذلك شكٌّ حول مدى صحة ادعائها باهتمامها بمواطنيها وحياتهم، عملاً بنظام مجتمع دولة الرفاه الذي تتبناه وتتباهى به أمام بقية المجتمعات، وهو ما أظهرت سرعة تفشي الفايروس القاتل فيها بطلانه. بل أظهر تفشي الفايروس والعجز أمام مواجهته مدى هشاشة المجتمع الإنساني برمته، بمَشيْداته وأنظمته الصحية والإدارية، والذي لم يقلل تقدّمه العلمي من هذه الهشاشة.

في هذه الأثناء، لن نُفاجَأ إذا استغلت الطبقات البرجوازية المسيطرة في المجتمعات المتقدمة هذا الظرف، لإحداث تغييرٍ في علاقات الإنتاج وأدواته، وبالتالي علاقات المجتمع، عملاً بتشخيص المفكر كارل ماركس الذي استعار بيرمان منه عنوان كتابه، حين قال إنه في ظل سعي تلك الطبقات للتغيير، تجرف معها كل شيءٍ قديمٍ، فنرى كل ما هو صلب ومقدَّس وقد صار يذوب في الهواء. وقد لمس بيرمان ذلك، حين حصل هذا الأمر في بيئة حي (ذا برونكس) في نيويورك الذي كان يقطنه، والتي دمرها الطريق الذي شُقَّ وسطها لخدمة بيئة أخرى. وفي الوقت الحالي، وفي ظل أزمة البشرية مع كورونا، ستكون هذه هي الفرصة المناسبة لتلك الطبقات لإحداث التغيير الذي قد يقوض قدرة المجتمعات على مقاومته، وبالتالي زيادة هشاشتها.

ومن أجل هذا المسعى، عادةً ما تُبقي الطبقات المسيطرة مجتمعاتها هشةً ضعيفة أمام كلِّ تهديدٍ، لكي تجعلها تلجأ إليها وسط الأزمات، وتجعلها تقبل جميع الحلول التي تختارها لها، والموجِعةً في الغالب. حدث ذلك حين فرضت إدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، “قانون باتريوت” بعد هجمات 11 سبتمبر، وتقبَّله الأميركيون على الرغم من تقويضه الحريات الشخصية والعامة، القانون الذي ما زالت تداعياته قائمة حتى الآن. ثم يعيد التاريخ نفسه من جهة استغلال الأزمات لدعم الشركات الكبرى، أساس النظام الرأسمالي؛ إذ مرَّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطة “تحفيز الاقتصاد الأميركي”، لمواجهة تبعات تفشي كورونا. وقضت بتخصيص ترليوني دولار لمنحها على شكل قروضٍ للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وذلك بعد أن أفشلها الديمقراطيون قبل ذلك لأنها لم تلحظ حماية حقوق ملايين العمال في هذه الشركات، ما يزيد من توحُّش الشركات الكبيرة ويعطيها الضوء الأخضر للانقضاض على هذه الحقوق، وذلك بغض النظر عن أن أحد بنود الخطة ينص على تقديم مساعدات مباشرة للأفراد الأميركيين. 

وفي سياق تعزيز سيطرتها، وفي إطار التغيير، وفي الربع الأخير من القرن الماضي، جرى الترويج للنيوليبرالية، على أمل تغيير صورة البرجوازية المتوحشة. لكن تحول البرجوازية إلى نيوليبرالية لم يبعد صورة التوحش عن هذا النظام الذي غيَّرَ قواعد اللعبة فسلَّع حياة البشر، وأصبح يسرق، ليس جهدهم، فحسب، بل خصوصياتهم وذاكرتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُجرِّدهم من مشاعر التعاطف والتلاحم الحقيقية، مقابل إظهار تلك المشاعر افتراضياً، وبالتالي خداع الذات والآخرين. وفي غمرة النجاح الذي حققته المؤسسات صاحبة مواقع التواصل الاجتماعي، وقبلها محركات البحث الضخمة، لم نرها وقد خصصت جزءاً من مداخيلها الخيالية للكوارث أو البحوث الطبية، فهي غير معنية بهذا الأمر، حتى مع تفشي المرض القاتل.

وفي التوازي، في تلك الفترة، وعلى هامش الحرب الباردة التي كانت جارية بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كان هنالك دعاة سلامٍ، ينادون بوقف الحروب ووقف سباق التسلح بين المعسكرين وبنزع السلاح، خصوصاً النووي منه. كان خطاب هؤلاء يركِّز على انتقاد التوظيفات المالية الكبيرة في مجال صناعة السلاح، واستنزاف هذه الصناعة قدرات البشرية المادية والروحية، علاوةً على تحييد العقول عن العمل للصالح العام. كما كان يجري تشريح العقلية البشرية التدميرية التي تقف خلف هذه الصناعة وانتقادها على أمل تغييرها. 

وكما خلال كل أزمة مشابهة، ستخرج من أعلى المستويات نداءات لتغيير البشر سلوكهم، غير أن هذه النداءات لن تكون سوى لحصد أصوات الناخبين. وبعد انقضاء الأزمة سيعود السياسيون والشركات وصنّاع السلاح للتنافس على المكاسب والربح.

ولتدعيم خطابهم، الذي كان يُوصف يومها أنه خشبيٌّ، أجرى دعاة السلام مقارناتٍ كثيرةٍ بين تكاليف صناعة الأسلحة، وبين ما يُنفق على الصحة والتعليم. وكانوا يوردون أمثلة عن تكلفة الطائرة الحربية التي تكفي لبناء مشفى يتسع لمئة سرير، وتكلفة صاروخ عابر للقارات التي تكفي لبناء مدرسة حديثة. وكان الحديث يجري دائماً عن فتوحات العلم في كثير من المجالات الصناعية والعسكرية وتقصيره في المجال الطبي. وطبعاً كان التقصير متعمد، إذ ليس من المعقول لمن وجدت قدراته العلمية سبيلاً لإرسال مركبة فضائية لتحط على متن كوكب المريخ وتبدأ بإجراء بحوثها وإرسال نتائج البحوث إلى الأرض أولاً بأول، أن تعجز عن إيجاد علاج لمرض السرطان الخبيث، كما تعجز حالياً عن إيجاد لقاح أو مصل لعلاج كورونا. 

وكما خلال كل أزمة مشابهة، ستخرج من أعلى المستويات نداءات لتغيير البشر سلوكهم، غير أن هذه النداءات لن تكون سوى لحصد أصوات الناخبين. وبعد انقضاء الأزمة سيعود السياسيون والشركات وصنّاع السلاح للتنافس على المكاسب والربح. وسيعود الخطاب الذي يدعو إلى إيلاء الصحة شيئاً من الاهتمام للظهور، وسيُتَّهم بالخشبية؛ إذ ليس من عادة الطبقات المسيطرة أن ترتدع عن استغلال البشر، وتحويل، حتى أحلامهم، إلى أثير.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!