fbpx

عزلة “كورونا” سبيلاً إلى عالم المرأة البهي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التعرّف إلى عالم المرأة طرح عليّ مجموعة من الأسئلة، وأكثرها إلحاحاً، لماذا على النساء الاهتمام بمظهرهن الخارجي للحصول على القبول، فيما الرجل مقبول كيفما كان؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


لا تخضع علاقتي بزوجتي كشريكيّ حياة، لمفهوم توزيع الأدوار على أساس فصل مهمات المرأة عن مهمات الرجل، بحيث لا يجوز أن يقترب الواحد من مهمات الآخر.

فأنا لم أستحِ من أن أقوم بتحميم طفلنا، ولا بتغيير حفاضه، ولا بتجهيز وجبة طعام له، أيضاً لا أستحي ولا أجد في الأمر غرابة حين أقوم بجلي الصحون، تحضير الطعام، تنظيف المنزل. أيضاً لم أجد غضاضة حين قمت في السوق بربط رباط خفافة زوجتي الحامل في شهرها التاسع، وغير القادرة على الانحناء، كل هذا كان من بديهيات علاقتنا، لم نخطط، ولم نضع قوانين ناظمة لهذه الأمور.

كما أن زواجنا في غربة عن بلدنا وأهلنا، أثر في طبيعة العلاقة، فكنا صديقين ونديمين ووالدين لبعضنا بعضاً، كما أن أساس الزواج كان الحب، وما زلنا معاً ننظر إلى الحياة، باعتبارها رقصة في شارع مكتظ ليس أكثر.

هذه التفاصيل شكلت لدي قناعة بأنني أقرب ما يمكن إلى زوجتي وأنني جزء من عالمها الخاص، وأنني عالم بكل تفاصيل حياتها، وما عدت بحاجة إلى التعمق أكثر لأكون شريكها الفعلي في كل شيء، كما كنت أود دوماً.

لكن الصدمة كانت، بعدما حل “كورونا” ضيفاً ثقيلاً على العالم، وضيفاً مربكاً على حياتنا الخاصة، كعائلة مستجدة في فرنسا، تسير وتيرة حياتنا وكأي لاجئين جدد يحاولون تجاوز عقبة اللغة والاندماج مع المجتمع.

فجأة توقف كل شيء، والمنزل الذي كنا نتناوب على الجلوس فيه أنا وزوجتي، كوننا تقاسمنا ساعات الخروج والعودة إليه، للاعتناء بطفلنا، ولم يعتد على كلينا معاً إلا ونحن مرهقين نحاول أن نصرف ما تبقى من طاقة في التواصل مع الأهل والأصدقاء، استفاق علينا جليسين فيه لساعات طويلة، تدور نقاشات جديدة بيننا، مصطلحات غريبة تسمعها جدرانه للمرة الأولى، طبعاً إلى جانب مصطلحي “الحجر الصحي، و”كورونا”.

هو عالم ساحر بالفعل، لم أكن أعلم أن تلك الخزانة التي لم أكترث لها ولمحتوياتها يوماً، مهمّة بالفعل، وهي جزء من عالم شريكتي.

خلال أيام الحجر الصحي الأولى في فرنسا، خططنا لأمور عدة، منها الاهتمام أكثر بطفلنا، ومنحه مساحة أكبر، وتعويضه عن ساعات غيابنا اليومية، وخططنا لاستكمال تعلم اللغة الفرنسية كوننا انقطعنا عن الدراسة، وخططت لمجموعة من المواد الصحافية التي لم أكن أجد متسعاً من الوقت لكتابتها، وغيرها من الأمور التي لم تسمح الأشهر السابقة لي بإنجازها.

لكن، الصدمة كانت حين قررت أن أحلق شعري بعد أيام من الحجر الصحي من باب التغيير، إذ أيقنت أنّ العمر مرّ من هنا، وقد زاد الشعر الأبيض، كما خف الشعر في ناصيتي بشكل ملحوظ، كما أن الحالة النفسية أثرت حتى في إفرازات جسمي، فقد ظهرت بعض البذور في وجهي، كل هذا لم يكن مشكلة كبيرة لي.

إلا أن إحدى القنوات التلفزيونية دعتني إلى المشاركة في مقابلة عبر خدمة “سكايب”، لأن الذهاب إلى مكتب القناة صعب في هذه الظروف. بطبيعة الحال تختلف الإضاءة ويختلف المظهر عبر كاميرا “الموبايل” عن الاستديو المجهز للمداخلات التلفزيونية، وهنا اكتشفت أن عيوبي التي لم أكترث لها، تظهر بشكل أوضح عبر الشاشة، وشاركت هذه التفصيلة مع زوجتي.

بضحكة هادئة، قالت: “لا تهتم الأمر بسيط جداً”، جاءت ببعض المساحيق وفراشي المكياج التي لم أدخل في تفاصيل مهماتها يوماً، وانهمكت بالعمل، ومن ثم قالت، “انظر الآن في الكاميرا”، حقاً لم تعد تلك العيوب موجودة!

هو عالم ليس بالسخف الذي نظنّه نحن معشر الرجال، ونستخف بالنساء اللاتي يعشن لحظات من البهاء حين يرتكِنَّ إلى زاويتهن أمام المرآة.

بعد ذلك، قادني الفضول إلى خزانة المكياج الخاصة بزوجتي، وبدأت أسألها عن مهمة كل علبة وكل مسحوق، وبدأت تشرح بالتفصيل، وصرت أعرف مهمات كل من “الكونسيلر”، قلم الحمرة، “الفاونديشن”، “الهايلايتر”، “الآيلاينر”، “الآي شادو”، “الدراي شامبو”، المسكرة، “البلاشر”، “البرايمر”، “الكونتور”… وغير ذلك، هذا عداك عن ماركات الماكياج التي بت أعرف مزايا منتجات كل منها.

هو عالم ساحر بالفعل، لم أكن أعلم أن تلك الخزانة التي لم أكترث لها ولمحتوياتها يوماً، مهمّة بالفعل، وهي جزء من عالم شريكتي، تأخّرت كثيراً في اكتشافه.

وهو عالم ليس بالسخف الذي نظنّه نحن معشر الرجال، ونستخف بالنساء اللاتي يعشن لحظات من البهاء حين يرتكِنَّ إلى زاويتهن أمام المرآة ويعشن لحظاتهنَّ الخاصة، تحضيراً لحفلة ما، أو قبل الخروج من المنزل لأي سبب آخر، وللصراحة المطلقة لم أتذمر يوماً من الوقت التي تخصصه زوجتي لتعيش في عالمها ذاك.

اليوم لم تعد تضحكني المقاطع التي تمر في فيلم أو مسلسل فيه مجموعة من الرجال يتناولون فسحة النساء مع علبة المكياج والمرآة كنكتة أو موضوعاً محل سخرية.

هو عالم جميل بهي، فيه الكثير من الألوان والروائح العطرة، عالم غير معقد وبسيط، باستثناء أسماء مواد التجميل التي أحتاج إلى جلسات قليلة مع زوجتي لأفصّلها وألفظها بالطريقة الصحيحة.

اليوم سأهتم حين أمر أمام محل لبيع الماكياج، وسأعرف كيف أنتقي هدية تسعد شريكة حياتي، سيكون لتلك الهدية معنى أجمل.

هذه القصة طرحت عليّ مجموعة من الأسئلة، وأكثرها إلحاحاً، لماذا على النساء الاهتمام بمظهرهن الخارجي للحصول على القبول، فيما الرجل مقبول كيفما كان، أليس لهن علينا حق أن نهتم نحن أيضاً بمظهرنا لنليق بهنّ؟
أيضاً لماذا نعيب على النساء إن استعنّ بهذه المساحيق لتصلن إلى حالة من الراحة النفسية يجدنها في تلك الدقائق أمام المرآة؟ نعم لدي كل الإيمان بأن الأنثى جميلة كيفما كانت، لكن ما الضير وما العيب إن كانت راحتها النفسية في هذا الأمر، وبطبيعة الحال ليس القصد الوصول إلى درجة الهوس حيث تتحول المرأة إلى أسيرة شركات مواد التجميل، والإعلانات وأن تفرض هذه الشركات شكلاً معيناً عليها، وهذا موضوع آخر.

 أنا اليوم مدين لفايروس “كورونا”، الذي أتاح لي فرصة التعرف إلى هذا العالم، ومدين لزوجتي لأنها سمحت لي بأن أشاركها هذا العالم الخاص البهي، لكن في معرض التعرف إلى عالم زوجتي الخاص اكتشفت سقطة أخرى وهي أنني لا أتابع حسابها على “إنستاغرام”، حيث تسجل لحظات جميلة في حياتنا العائلية.