fbpx

“كورونا”: مسنون يدفعون الأثمان والمؤسسات الرعائية صامتة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شح مخيف بالمعلومات عن الإجراءات المتخذة في دور الرعاية المؤسساتية للوقاية من انتشار العدوى. مخاوف حقيقية تنسحب على ما يمكن أن يحدث خلف أسوار الدور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

31 مسناً يعيشون في دار للمسنين في مونتريال لقوا حتفهم بسبب فايروس “كورونا”. هذا هو الخبر الذي أعاد رئيس وزراء كيبيك فرانسوا لوغو من عطلة الفصح التي ارتآها متنفساً بعد مؤتمرات صحافية يومية منذ إعلان كندا عموماً وكيبيك خصوصاً خطة الطوارئ الصحية. وكان لوغو اعتاد أن يعقد مؤتمراً صحافياً عند الساعة الواحدة من كل يوم ليعرض الحصيلة اليومية للإصابات، والوفيات، وإجراءات السلامة. كما اعتاد لوغو على تأكيد أولاً واجب كيبيك تجاه كبار السن، لأنهم من أسس هذه المقاطعة وبناها. بفخر يشوبه القليل من التعالي، كان لوغو يتباهى بعادات الكنديين في احترام كبار السن وحمايتهم.

 أما خلال مؤتمره الصحافي ليوم 11 نيسان/ أبريل 2020، فقد أشاح لوغو نظره وأخفى خجله من فضيحة أن داراً للمسنين، هجرها الطاقم العامل وتُرك الكبار لمصيرهم بعدما تعمدت إدارة الدار إخفاء معلومات عن حالة النزلاء فيه.

شح مخيف بالمعلومات عن الإجراءات المتخذة في دور الرعاية المؤسساتية للوقاية من انتشار العدوى، تضاف إليه تقارير عالمية ومحلية عن ارتفاع حالات العنف صد النساء والأطفال نتيجة الحظر.

لم تكن هذه الكارثة وليدة كورونا فقط، لكن الفايروس الذي وجد في المسنين فريسة سهلة، ساهم ومن حيث لا يدري بتكشف خبايا دور المسنين. فلقد أشارت شهادات أهالي النزلاء إلى مشكلات إدارية إضافة إلى سوء المعاملة التي كان يتعرض لها المسنون/ات في الدار، وصولاً إلى حد الإهمال المميت. 

فضيحة مدوية، ومن ثم توالت التقارير التي شهدت على أن عدداً كبيراً من دور الرعاية الخاصة بكبار السن تواجه مشكلات خطيرة من ناحية نوعية الخدمة وخبرات الفريق العامل، في ظل عوائق أساسية على مستوى المتابعة والتقييم الحكومي لأداء هذه الدور. وانسحبت هذه الخشية على مراكز الرعاية الداخلية بأشكالها كافة. هذه المعطيات دفعت الحكومة المحلية إلى إطلاق أوسع عملية تحقق حول الخدمات الرعائية في مقاطعة كيبيك.

لا بد من الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها كندا على انتكاسة كبرى مرتبطة بالرعاية المؤسساتية. فالدولة ما زالت تنوء تحت وطأة الفضائح المتكررة، لا سيما في منتصف التسعينات، والمتمحورة حول إساءة المعاملة وصولاً إلى التسبب بالوفاة نتيجة الإهمال ومروراً بالانتهاكات الجنسية التي تعرض لها نزلاء المؤسسات الرعائية (أطفال، كبار السن، ذوي الإعاقات). وتشير الدراسات التي أجريت على 80000 من قدامى النظام المؤسساتي في كندا إلى أنهم تعرضوا لانتهاكات متعددة بقيت قيد الكتمان حتى عام 1990، بعد مسيرة انتقال تدريجي في مسؤولية الرعاية المؤسساتية من يد السلطة الدينية إلى الحكومة المدنية.

وهنا لا بد من التذكير بأن نمط الرعاية المؤسساتية تأسس في كندا مع وصول البعثات الإرسالية عام 1831 حيث تم فصل أطفال السكان الأصليين عن عائلاتهم ومجتمعاتهم كوسيلة لإبادتهم. ومن ثم انسحب هذا النمط المؤسساتي ليشمل ذوي الإعاقات (لا سيما الإعاقات الذهنية) ومن ثم المسنين. كانت سياسة الفصل مبنية على الأجندة السياسية والاقتصادية ذاتها: حجر كل مختلف وأقل قدرة على الإنتاج.
إذاً فهي كارثة إنسانية مدوية في مونتريال وفي المقابل صمت يطبق على حال الرعاية الداخلية في لبنان بعد ضجيج الضائقة المادية التي عبرت عنها المؤسسات الرعائية خلال ثورة 17 تشرين. في حينها، أعلنت مؤسسات رعائية كثيرة عن عدم قدرتها على الاستمرار في توفير الخدمة للمستفيدين بعدما تخلفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن دفع المستحقات الموجبة لتلك المؤسسات. وهكذا أُخرِج الأطفال والكبار إلى الشوارع ليعترضوا على التقصير المالي. كان التركيز وقتذاك على الرعاية الخاصة بذوي الإعاقات علماً أن دور المسنين/ات ودور الأيتام في لبنان تواجه التحديات المادية نفسها. 

والسؤال يطرح نفسه الآن: ما هو الواقع الراهن للرعاية المؤسساتية في لبنان، وما هو وقع شح الأموال عليها، وكيف أثّرت حالة التعبئة العامة المفروضة في البلد لا سيما من ناحية إجراءات منع التجول وظاهرة المفرد\مجوز للسيارات. 

شح مخيف بالمعلومات عن الإجراءات المتخذة في دور الرعاية المؤسساتية للوقاية من انتشار العدوى، تضاف إليه تقارير عالمية ومحلية عن ارتفاع حالات العنف صد النساء والأطفال نتيجة الحظر. هي مخاوف حقيقية تنسحب على ما يمكن أن يحدث خلف أسوار الدور.

وهنا لا بد من طرح أسئلة مباشرة على وزارة الشؤون الاجتماعية وعبرها على المؤسسات الرعائية:

-ما هي إجراءات السلامة المتخذة في الدور؟

– هل هناك إصابات بالفايروس بين النزلاء؟

– كيف يتم التعامل مع هذه الحالات؟

– هل هناك إجراءات إضافية لضمان وصول العاملين والعاملات إلى دور الرعاية؟

– ما هي سياسات الحماية الطارئة والمشددة التي استُحدثت للوقاية من تعرض النزلاء إلى العنف وسوء المعاملة؟

في مقابلة لوزير الداخلية على إحدى المحطات التلفزيونية، سأله المذيع عن استثناءات منع التجول على الطرقات لموظفي/ات الجمعيات الأهلية، رد الوزير حمل ما حمله من مقاربة ملتبسة لدور هذه الهيئات فقال:

  • شو يعني جمعيات؟ يعني شو بيشتغلو؟

تلعثم المذيع ثم سأل الوزير عن استثناءات قد تطاول العاملين والعاملات في دور الأيتام ومراكز المسنين/ات. 

  • منشوف.

هكذا أتى جواب وزير الداخلية مختصراً، ومبهماً، ويحمل الكثير من التقويل. وفي المقلب الآخر، ليس هناك ما يشير إلى أي خطة طوارئ رعائية.

الكارثة المأساوية في مونتريال أطلقت ناقوس الخطر وحضت على فتح تحقيقات قضائية قد تصل بالمرتكبين إلى عقوبات جزائية إلى حد القتل المتعمد. فهل نتعلم الدرس في لبنان؟