fbpx

ما وقع الحجر على النساء والرجال المثليّين والعابرين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا أزوركم لأنّي أريد أن أحميكم وأحمي نفسي”. يشرح “ورد” لأهله سبب غيابه عنهم. صحيح أنّ في هذا السبب شيئاً من الحقيقة، لكنه يظل مدعوماً برغبة “ورد” بتفادي عناء سماع أهله وهم ينادونه باسمه القديم، أو يعيّرونه بكل ما يتّصل بمثليّته…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين غادر “ورد” منزل أهله قبل عامين ليستقل ويعيش حياته بحرّية مع شريكه، لم يكن يعلم أنّه سيأتي يومٌ يوفّر فيه وباءٌ عالمي اسمه كورونا الحجّة الأقوى لاجتناب الزيارات العائليّة المُرهِقة.

“لا أزوركم لأنّي أريد أن أحميكم وأحمي نفسي من احتمال الإصابة بالعدوى”. بهذه الكلمات، يشرح “ورد” لأهله سبب غيابه عنهم. صحيح أنّ في هذا السبب شيئاً من الحقيقة، لكنّه يظلّ مدعوماً برغبة “ورد” بتفادي عناء سماع أهله وهم ينادونه باسمه القديم، أو يعيّرونه بشكله وطول شعره وطريقة مشيه، وبعدم رغبته إطلاقاً بالتزام سلوكيّات المراعاة التي تقيه شرّ النظرات الغريبة والشكوك والنقاشات العقيمة. فكان الاستمرار في العيش بعيداً من البيت العائلي، برأيه، أسهل الحلول.

قصّة “ورد” واحدة من عشرات القصص للبنانيّين/ات ولاجئين/ات وأجانب التي استمعنا إليها، ونعرض منها تجارب “سايمون”، وآدم وخالد، و”علي”، و”ديانا” في هذا التحقيق الذي يلقي الضوء على بعض جوانب حياة مَن قُدّر لهم تلقّي بدل الصاع صاعين، لتُضاف الكلفة التي يدفعونها بسبب هويّتهم الجندريّة والسياسيّة والطبقيّة وميولهم الجنسيّة، إلى أثمان الأزمات الصحيّة والاقتصاديّة التي تلقي بثقلها على الجميع.

يتناول التحقيق أيضاً استعدادات فرق الاستجابة والجمعيّات لحاجاتٍ إنسانيّة تقترب شيئاً فشيئاً من الانفجار، غير أنّها، حتّى الساعة، لم تستدعِ اهتمام الجهات الرسميّة أو تلقَ ولو ذكراً في صفحات خطط الدولة الخاصّة بهذه المرحلة المفصليّة.

العابرون أو الترانس: “سنعبُر” بما أوتينا من أدوات

حين اجتاح كورونا العالم، اجتاح معه القلق نفوسَ الكثيرين والكثيرات ممّن رذلتهم منازلهم أو عاقبتهم أو قيّدتهم بسبب تعبيرهم الجندري أو ميلهم الجنسي، مع الإقرار بتنوّع التجارب واختلاف آثارها مع تبدّل الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة لكلّ فرد.

منهم مَن اضطرّوا إلى التزام الحجر المنزلي في بيوت غير متقبّلة لحقيقتهم وخياراتهم، كما هي حال “سايمون”، ذات الـ18 ربيعاً. ومنهم مَن تمكّنوا من السكن وحيدين أو مع شريك عاطفي أو “العائلة المُختارة”، أي الأصدقاء، ومواجهة الضائقة الاقتصاديّة معاً بما تيسّر من موارد، كآدم وخالد. ومنهم من حُجروا مع أُسرٍ داعمة ومسالمة، وأخرى متأرجحة بين جولات المهادنة والمشاكسة، أو أُسرٍ غارقة في حالات نكرانٍ طريفة، فأخذوا يطوّرون أو يرجعون إلى كنوز طفولتهم الثمينة، أو ما يُعرف بآليّات التكيّف.

“سايمون”: السكن مع الأهل هدنةٌ تُجدّد كلّ يوم

“سايمون” “ترانس-مان”، أي رجل عابر. يقطن مع أبيه في بيروت، ويمضي وقته منتظراً اتّضاح مصير عامه الدراسي الأخير المتعثّر. يخبر “درج” أن “لا حياة طبيعية للترانس أصلاً في مجتمعٍ لا يتقبّل وجودنا، وبلادٍ لا توفّر لنا فرصاً للعمل والسكن المستقلّ وتأمين المعيشة الكريمة. لكن لا شكّ أنّ أوضاعنا تزداد سوءاً اليوم بفعل استحالة تواجدنا مع أصدقاء يحبّوننا ويعرفوننا على حقيقتنا.”

“سايمون” وهواية السيراميك

“سايمون” محجور مع والده، “لكنّ والدي أيضاً محجورٌ معي، وكلانا متضايق من الحجر ومن بعضنا!”، يقول لـ”درج”.

يتطلّع “سايمون” إلى اليوم الذي يلتحق فيه بجامعة توصله إلى اختصاص الأحلام: الطبّ الجنائي. ولكن، قبل أن يحقّق هذا الحلم، يعرف تمام المعرفة أن له حلماً هو في الشكل بسيط، لكنّه في الواقع أكثر تعقيداً ممّا يبدو: أن يكفّ الأهل عن مناداته باسمه الأنثوي القديم، واعترافهم بـ”سايمون”.

أمّا “ورد”، الشاب الذي يفضّل الحياد الجندري في تعريفه عن ذاته، فأصبح اليوم مسؤول قسم التواصل في جمعيّة “حلم” المعنيّة بدعم أفراد “الميم” والمناصرة من أجل إلغاء الممارسات والسياسات التمييزيّة ضدّهم، أي ضدّ العابرين/ات أو المتحوّلين/ات والمثليّين/ات ومزدوجي/ات الميل الجنسي والأشخاص الكوير.

فهِمَ وزملاؤه وزميلاتُه في الجمعيّة وطأة فقدان هؤلاء الأفراد لشبكات الدعم التي كانوا ينسجونها باستمرار ويلجأون إليها في المركز الاجتماعي التابع لـ”حلم” الذي أُقفل بعد الإعلان عن التعبئة العامة. فبادروا إلى نقلها إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة حتّى لا يُحرَم مَن هم بحاجة إليها من الإحساس بشكل من أشكال الصلة مع الآخرين، عسى أن يخفّف الأمر من حدّة عزلتهم التي يفاقمها تباعدٌ جسدي أُضيف في حالة الكثيرين منهم إلى تباعدٍ ورفضٍ اجتماعيَّين وأُسريَّين، وإلى قائمة مديدة من ممارسات التنمّر والاستغلال.

سجّلت المنظّمات ارتفاعاً ملحوظاً في عدد اللبنانيّين المتّصلين بها لطلب الدعم، بالمقارنة مع مرحلة ما قبل كورونا

“ورد” وزميلتُه “مارغو” التي تدير المركز الاجتماعي في “حلم” كانوا وراء إطلاق حملة “سنعبُر” الإلكترونيّة التي تتوجّه بشكل أساسي إلى الأشخاص الترانس أو العابرين/ات المقيمين مع أهلهم خلال فترة الحجر المنزلي، بخاصّة أولئك الذين لا يتقبّلهم أفراد عائلتهم فيُدفَعون مُكرَهين إلى إخفاء تعبيرهم الجندري الفعلي والمحسوس.

الهدف من الحملة، كما شرحه الناشطان في الجمعيّة في حديثٍ مع “درج”، هو تمكين الأفراد الترانس الواحد للآخر والواحدة للأخرى عبر إنتاج مواد نصيّة وبصريّة يخلقونها وينشرونها بأنفسهم، ويخاطبون بها بعضهم لدعم الأكثر تهميشاً بينهم، ويتشاركون فيها تجاربهم وطرائق خلّاقة لتمضية النهار، عسى أن تقلّص تلك الأفكار والآليّات، ومُساهمات “شاهيناز” و”ماما جاد”، معاناةَ غيرهم من العابرين/ات المجهولين المتروكين لوحدتهم أو اكتئابهم أو لامرئيّتهم، بخاصّة الأشخاص العاجزين حتّى الآن عن إشهار ذواتهم خوفاً على أمنهم الشخصي أو من تفاقم الاضطهاد الذي قد يصل إلى التشرّد نتيجة التصادم مع العائلة أو الشركاء أو البيئات المُحيطة بهم.

انعدام الأمن السكني إلى تصاعد

إذا كان بعض أفراد “الميم” لا يزالون يسكنون مع عائلات غير داعمة لهم، فقد وجد بعضهم الآخر نفسه مُشرّداً من دون مسكن، متنقّلاً من سقف إلى آخر ومن صديق إلى التالي. قد يبيت لياليه في الشارع، أو يقيم في شقق أو غرف تكتظّ بمَن حالُه كحالِه، مع ما ينسحب على ذلك من خرق محتمل لقواعد الوقاية المنشودة، وعلى رأسها التباعد الجسدي وتفادي الاختلاط.

دفع هذا الواقع بمعظم المنظّمات الحقوقيّة المعنيّة إلى التفكير بإطلاق برامج طارئة تقتضي نقل الموارد المتوفّرة وطلب تمويل وتبرّعات إضافيّة تكون مُخصّصة للمساعدات الإنسانيّة المباشرة والموجّهة إلى الأكثر تضرّراً ممّن لم يعد لديهم مداخيل أو قدرة على تأمين بدلات الإيجار والمأكل والدواء. مع العلم أنّ معظم هؤلاء كانوا يعانون في الأساس من استبعادٍ مُتعمَّد من سوق العمل، واحتقار الكثير من مالكي الشقق لهم، واقتصار خياراتهم على العمالة غير النظاميّة في قطاعات المطاعم والفنادق والخدمات.

إذا كان بعض أفراد “الميم” لا يزالون يسكنون مع عائلات غير داعمة لهم، فقد وجد بعضهم الآخر نفسه مُشرّداً من دون مسكن

في هذا الإطار، يؤكّد ربال معتوق، مدير برامج في منظّمة “موازاييك” اللبنانيّة التي تقدّم الدعم الاجتماعي والنفسي للأكثر تهميشاً، زيادة نسبة طلبات الدعم الجديدة ذات الطبيعة الماديّة والسكنيّة، مشيراً إلى تسجيل المنظّمة “ارتفاعاً ملحوظاً في عدد اللبنانيّين المتّصلين في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى المتّصلين السوريّين والعراقيّين والمصريّين الذين كانوا يتّصلون بنا عادةً”.

تُذكّر هذه الملاحظة بنتائج مشابهة توصّلت إليها منظّمات نسائيّة في تقاريرها الشهريّة الأخيرة، حول ارتفاع عدد اللبنانيّات المتّصلات بالخطوط الساخنة بالمقارنة مع عدد اللاجئات مثلاً.

وكما النساء العالقات في دوائر عنفيّة، وعاملات المنازل المحكومات بنظام الكفالة، كذلك أفراد “الميم”، يواجهون العراقيل المنزليّة والأسريّة التي تحول دون تمكّنهم من الاتّصال بحريّة بالجهات الداعمة، ممّا يضطرّهم في الكثير من الأحيان إلى التحجّج بضرورة الذهاب إلى الدكّان أو الصيدليّة في كلّ مرّة يحتاجون إلى إجراء اتّصال هامّ.

آدم وخالد: “لا حلّ سوى بدعم بعضنا بعضاً”

آدم وخالد

آدم شاب لبناني يبلغ 22 عاماً من العمر. حبيبُه خالد الذي يصغره بعامٍ واحد، لجأ من سوريا إلى لبنان لجملة من الأسباب، أهمّها بالنسبة إليه كان تهديد أهله له فور علمهم بعلاقته بآدم.

مرّ آدم بالمحنة نفسها حين اكتشفت أسرته حبّه لخالد وهدّده شقيقُه بالسلاح، فأُجبر على الانتقال من منزله الكائن في بلدة نائية في الشمال اللّبناني إلى ضواحي العاصمة بيروت.

ينتظر خالد اليوم أن تبتّ المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين بملفّه ليسافر بعيداً ويتبعه آدم إلى حيث يُحترم حقّهما في العيش بحريّة وكرامة وأمان. أمّا القلق المباشر الآن، فهو من “توقّف المفوّضية عن الموافقة على المساعدات وتجديد البطاقات لعددٍ كبير من المسجّلين لديها”، وهو ما سيترك لاجئين كثر، من بينهم خالد، في حالة من العوز المضاعف.

ولكن على رغم قتامة المشهد، لم يستسلم خالد وآدم، ولم يفكّرا بمصيبتهما فقط، بل بادرا إلى فتح أبواب شقّتهما أمام أكثر من 6 أشخاص كانوا مهدّدين بالتشرّد، وهم من الجنسيّة اللبنانيّة والسوريّة والمصريّة. اثنان منهم طردَهما مالكُ الشقّة التي كانا يستأجرانها في بيروت لعدم قدرتهما على الاستمرار في تسديد الإيجار، وانتقلا فيما بعد إلى مكانٍ آخر، و4 بقوا مع آدم وخالد في المنزل نفسه ليشكّلوا معاً نموذج العائلة البديلة التي لطالما حلموا بها، بحسب ما روى “آدم” لـ “درج”. غير أنّ همَّ تأمين بدل الإيجار يشغل بالهم جميعاً، نظراً إلى أنّهم محرومون من العمل والأجر، باستثناء واحد منهم يعمل حاليّاً في مجال التنظيفات.

“يدعمون دوماً العائلات، لا الأفراد”

هم اليوم في رحلة بحث، مع الجمعيّات التي يتعاونون معها، عن حلول لأوضاعهم وأوضاع سواهم ممّن هم أقلّ حظّاً منهم. ويرون في إيجاد مراكز آمنة تستقبل المشرّدين أولويّةً قصوى يتمنّون أن توليها المؤسّسات المدنيّة والرسميّة والجهات المانحة أهميّةً أكبر.  

في الآونة الأخيرة، استوقف “آدم” مشهداً اختبره مع عددٍ من الجمعيّات الإنسانيّة التي زارها ولاحظ كم أنّ شروط الدعم الذي تقدّمه ضيّقة. “يدعمون دوماً العائلات، لا الأفراد”، يخبرنا “آدم”.

“قوبلتُ بالرفض مراراً، لأنّني فرد، “سينغل”، على حدّ تعبيره. وكأن الإنسان لا يمكن أن يكون موجوداً إلا ضمن إطارٍ عائلي ينطلق منه ويحدّد له شكل وجوده وعلاقته بالعالم من حوله.

إذاً، لا بيوت آمنة للجميع، ولا وظائف ولا بدلات إيجار متوفّرة لمقيمين كثر على الأراضي اللبنانيّة، خصوصاً أفراد “الميم” المُغيَّبين عن النقاش العام وعن برامج الإغاثة التي يبدو أنّها مصمّمة بشكل شبه حصري “للعائلات”.

ماذا عن الذين علموا بتعايشهم مع فايروس يتطلّب عناية خاصّة قبل أيّام من انتشار كورونا؟

ميلاد أبو جودة، الأستاذ الجامعي والمعالج النفسي مع مركز “مرسى” للصحّة الجنسيّة، يؤكّد لـ”درج” أن أكثر الفئات المتضرّرة اليوم هم الأفراد الذين يقاسون من البداية أوضاعاً هشّة وممارسات تمييزيّة. هم أكثر من تزيدهم الأزمة هشاشةً، إذ لا مسكن لائق ولا عمل ثابت أو آمن للكثيرين منهم. وأكثر ما يقلقه راهناً، وضع الأشخاص الذين علموا قبل الإعلان عن الجائحة والتزام المنازل بفترة وجيزة أنّهم متعايشون مع فايروس نقص المناعة البشري.

“قد يبدو الأمر بسيطاً لبعض الناس، لكنّه في الحقيقة عمليّة شاقّة جدّاً: بدءاً من تحضير الملفّ والأوراق، إلى إرسال المعاملات إلى وزارة الصحّة، مروراً بجلب الدواء من منطقة الكرنتينا، وانتظار “سرفيس” لمن لا يملكون سيّارة، فضلاً عن تحمّل المراحل الأولى من اكتشاف الفايروس في الجسم، والضغط الناشئ عن الأزمة الحاليّة… هذا ما يعاني منه عددٌ من الذين أتابع أوضاعهم اليوم بعدما أُخبروا بأنّ نتائج فحوص الـHIV إيجابيّة”.

الدعم النفسي مستمرّ عبر الهاتف

أبو جودة، وغيره من المعالجين النفسيّين والعاملين الاجتماعيّين، يحاولون قدر المستطاع المتابعة عن بعد من خلال تقديم المشورة لمُلتمسي الدعم عبر الهاتف، وبانتظام، للإبقاء على شيء من “الإطار التنظيمي”، وإحياء “روتين” معيّن، والتشجيع على المواظبة على أنشطة خلّاقة تساعد في التقليص من الشعور بالغربة والتيه والاكتئاب.

يلفت أبو جودة إلى العناية الخاصّة التي يجب أن تُولى لصغار السنّ الذين ما زالوا في طور اكتشافهم لذواتهم، وهويّتهم، وميلهم، ووجدوا أنفسهم فجأة مفصولين عن مسارات التشبيك والدعم والتواصل، أو عالقين مع أهل يستفيدون من الوضع الحالي لبسط المزيد من السيطرة على أولادهم وخياراتهم.

لـ”علي” مكان مفضّل يلجأ إليه

“علي”: الجنوب كوكب آخر

يختلف وضع “علي” نسبياً عن أوضاع آدم وخالد و”سايمون” والأشخاص المتعايشين مع فايروس نقص المناعة البشري، لكنّهم جميعهم متضرّرون، بشكلٍ أو بآخر، من تبعات الحدّ من التجوّل والحركة، ومن الحرمان الطويل من رفقة الأصدقاء الذين لا يُرغَمون معهم على ارتداء الأقنعة أو تأدية الأدوار النمطيّة المتوقَّعة منهم.

يقيم “علي” البالغ 21 عاماً من العمر في بلدةٍ في الجنوب اللّبناني مع عائلة لا يمكن أن تتقبّل انجذابه الجنسي  للرجال، فيعيش ميله بشكل سرّي، ويزاول مهنةً يمارسها الرجال حصراً، ممّا يساعد في تبديد الشكوك حوله ويسهّل عمليّة تأقلمه مع محيطه وإبعاد النزاعات “ووجعة الراس”.

أكثر ما يشتاق إليه “علي” هو بيروت ورفاقه الذين يعرفونه على حقيقته، بالإضافة إلى نعمة التنقّل بحريّة والتنفّس بعد يوم عملٍ طويل. يصف الحال قائلاً، “المجتمع هنا لا يتقبّل كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالـ LGBTIQ (مجتمع الميم). حتّى الأهل “المنفتحون”، ينبت “بلوك” في رأسهم عندما يُناقَش الموضوع أمامهم، ولو أتى الحديث عنه من باب دعم حقّ هؤلاء بالوجود والتعبير. فكيف بالحريّ الاعتراف بكونك واحداً منهم؟”

“ديانا”: من أكثر ما يضايقها اضطرارها إلى التعايش مع نظام الكفالة في منزل أهلها

يؤكّد المعالج النفسي ميلاد أبو جودة والنشطاء في جمعيّة “حلم” أنّ غالبيّة المتّصلين خلال الأسابيع القليلة المنصرمة كانوا حتّى الساعة من الذكور، وهو ما يدفع بمجموعاتٍ حقوقيّة عدّة إلى تعزيز البرامج الموجّهة إلى النساء حصراً للحدّ من طغيان سرديّات الرجال والذكورة على الخطابات والنقاشات الخاصّة بأفراد “الميم” وأوضاعهم المتقاطعة مع القضايا الحياتيّة الأخرى.

بين آدم و”علي” و”سايمون” وغيرهم، كان لنا حديث مع “ديانا” التي لا تعاني بالضرورة من جهل أبيها بحقيقة انجذاباتها العاطفيّة والجنسيّة، أو من تعليقات الأقارب الكارهة للمثليّين/ات، بقدر ما تربكها العودة إلى الحياة العائليّة المعياريّة التي باتت العمالة المنزليّة أحد ثوابتها وتجلّياتها وعنصراً حاسماً في تشكّلها. والمفارقة أنّ “ديانا” هي إحدى الناشطات اللواتي يخضن مع رفيقاتهنّ في أوقاتهنّ “العاديّة” نضالاتٍ يوميّة شاقّة من أجل إلغاء نظام الكفالة واجتثاث الثقافة الأبويّة من جذورها.

بعد 10 سنوات من الاستقلاليّة، عادت “ديانا” إلى ديار العائلة في إحدى بلدات محافظة جبل لبنان، في انتظار السفر مجدّداً لاستكمال حياتها وتعليمها.

ترى في الحديقة مساحةً حيويّة للتنفّس حيناً والاختلاط بالأقارب حيناً آخر. صارت “ديانا” تتقصّد هذا الاختلاط، إذ ترى فيه فرصةً لإعادة اكتشاف العائلة وشقّ دروب تواصل جديدة مع مَن لم تربطها بهم أواصر حميمة من قبل، أو عادات التحاور والتعبير السلس.

“لم نختلف أو نتصارع أهلي وأنا، لكنّنا في الوقت نفسه لم نكن مقرّبين جدّاً من بعضنا”، تشرح “ديانا” لـ”درج”. وتفيدنا بأنّ محاولات التقارب لا تُكلَّل دائماً بالنجاح. فطاقتها تنفد أحياناً، “لأنّني لا أتحمّل الجو في البيت طيلة الوقت”. فتنشط في آنٍ بين خطّ توطيد العلاقة وجبهة الهروب منها.   

الكتابة، إلى جانب ارتياد الحديقة والتواصل مع الصديقات، أكثر ما يريحها، من دون أن يعني ذلك إهمالها لمشروعها الجديد بالتعرّف أكثر إلى عائلتها انطلاقاً من شخصيّتها “الراشدة” التي غدت أكثر استقلاليّةً ووضوحاً.

“أتعامل معهم على هذا المستوى. فأنا لم أعد أريد لعلاقتي بهم أن تقوم على أساس أنّني أنا الطفلة وهم الأهل”.

بهذه الجملة، تلخّص “ديانا” حاجة جميع مَن تحدّثنا إليهم تقريباً.

جلّ ما يريدونه اليوم هو أن يكفّ مجتمعٌ يخال نفسه “أباً وأمّاً” عن التعامل معهم “كأطفال”، وأطفال “معطوبين”، وأن يعترف، مرّةً وإلى الأبد، بأن لهم في الوجود، والعمل، والمسكن حقوقاً لا يمكن أن تُجزّأ.  

– ما أوّل شيء تريد القيام به لحظة الإعلان عن انتهاء الحجر يا “سايمون”؟”

– “بدّي إطلع من البيت”

لمشاركة قصّتكم مع آثار العزلة وفايروس كورونا، راسلوا info@daraj.media   

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.