fbpx

سجون الحوثي: من يعارض أو ينتقد يلقى الإعدام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هذه الميليشيات حاولت إيصال رسالة واضحة بأنها لا تهتم بحقوق الإنسان ولا حرية التعبير ولا للمجتمع الدولي ولا لأي أعراف أو قوانين دولية أو التزامات…”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بين “يونيو الأسود” 2015، تاريخ اعتقال قوات الأمن الموالية لـ”جماعة أنصار الله” (الحوثيين) 9 صحافيين معارضين للجماعة، ونيسان/ أبريل 2020، تاريخ صدور الحكم الذي وُصف بـ”الجنوني” ضد أربعة منهم بالإعدام ومعاقبة الآخرين بالسجن، قصص سنوات من السجن والإخفاء والانتهاكات. فالمعتقلون وجهت لهم الجماعة تهم نشر البيانات والأخبار والشائعات “المغرضة”، ورفضت مئات المناشدات والمطالبات المحلية والدولية على امتداد سنوات بإخلاء سبيلهم.

وشملت الأحكام الصادرة عن “المحكمة الجزائية المتخصصة” بصنعاء، في 11 نيسان 2020، الإعدام بحق كلٍ من عبدالخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث صالح حميد وتوفيق المنصوري، ومعاقبة هشام طرموم وهشام اليوسفي وهيثم الشهاب وعصام بلغيث وحسن عناب وصلاح القاعدي بالسجن ووضعهم تحت الرقابة ثلاث سنوات.

الصحافيون الأربعة

من الاعتقال إلى المحاكمة

تبدأ قصة الاختطاف/ الاعتقال، في 9 حزيران/ يونيو 2019، عندما كان الصحافيون التسعة في  فندق “قصر الأحلام” في العاصمة صنعاء، والذي كان بمثابة مقر عمل موقت لهم، في الأشهر الأولى من الحرب التي أعقبت تدشين عمليات التحالف بقيادة السعودية، حيث حوصر الفندق وتمت مداهمته ومصادرة كل ما كان في حوزتهم، وانضم إليهم الصحافي العاشر صلاح القاعدي في 28 آب/ أغسطس من العام نفسه.

أمل عبدالرحمن، القيادية والعضوة في فريق التنسيق والاتصال لرابطة أمهات المختطفين (الجمعية التي تتابع أوضاع المعتقلين على مدى الأعوام الماضية)، أوضحت لـ”درج” أن الجماعة أخفت الصحافيين الأربعة (المحكومين بالإعدام) مرات عدة، فبعد الاختطاف تم إخفاؤهم 6 أشهر، وأعلنوا الإضراب عن الطعام في التاسع من أيار/ مايو 2016، للمطالبة بإطلاق سراحهم، وعوقبوا بالنقل بعد 15 يوماً إلى جهة مجهولة، وبعد بحث مستمر لثلاثة أشهر في سجون صنعاء، تمكنت عائلاتهم من معرفة مكان احتجازهم وهو سجن الأمن السياسي في صنعاء.

الحكم جاء “تتويجاً للجرائم التي ارتكبت في حق الصحافيين ابتداءً من الاختطاف والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب الصحافيين منذ 5 سنوات ومنعهم من الطبابة والعلاج ووضعهم في أماكن غير صالحة للاستخدام وغيرها من الانتهاكات”

وتضيف إن الصحافيين “تعرضوا للتعذيب الجسدي الشديد وخلال فترة اختطافهم الطويلة وفي جميع السجون التي احتجزوا فيها. كما تعرضوا للضرب الشديد بأدوات غليظة وأعقاب البنادق حتى سالت الدماء منها، والتعليق من أيديهم لساعات طويلة حتى يفقدوا الإحساس بها، وتم عزلهم في زنازين انفرادية”. هذا إضافة إلى مصادرة ملابسهم وأدويتهم، وتعرّضهم بشكل مستمر لـ”التعذيب النفسي سواء بحرمانهم من زيارة عائلاتهم، ونعتهم بألفاظ نابية، وتهديدهم بإيذاء عائلاتهم. وكذلك تم التحقيق معهم أمام عدسات الكاميرا وأُجبروا تحت التعذيب على قول ما يمليه عليهم المحققون، وتم “ابتزازهم مالياً”، إذ دفع أهاليهم مبالغ مالية كبيرة لوساطات من جماعة الحوثي مقابل إطلاق سراحهم ولم يتم ذلك، وصولاً إلى حرمانهم الرعاية الطبية”.

الإعدام لأربعة والسجن للآخرين

وعلى رغم أن ظروف الاحتجاز والاعتقال، استهدفت الصحافيين العشرة، إلا أن الأحكام جاءت مشددة بحق أربعة، وعلى رأسهم، الصحافي عبدالخالق عمران، الذي كان رئيساً لتحرير موقع “الإصلاح أون لاين”، التابع لحزب الإصلاح، وهو من مواليد عام 1985، وخريج كلية الإعلام في جامعة صنعاء.

تقول عائلة عمران إنه يعاني من انزلاق في العمود الفقري، جراء ضربه وركله بالأقدام “في ظهره” لفترات طويلة، خلال السجن. ولوالدته التي تعاني هي الأخرى من أمراض وتمشي بـ”بعكاز”، قصص معاناة على أبواب السجون بحثاً عن ابنها، إذ بحسب شهادة إحدى رفيقاتها في “رابطة أمهات المختطفين”، فإنه لم يكن أمامها سوى “البكاء”، عندما لم تستطع مواصلة الطريق إلى “سجن الأمن السياسي” الذي يحتجز فيه ابنها.

وشمل الحكم أيضاً، توفيق المنصوري من مواليد عام 1986، وهو مصمم غرافيك، حاصل على ديبلوم صحافة وإعلام وفنون وإخراج صحافي، وكان يعمل مخرجاً فنياً في صحيفة “المصدر” اليومية (هي متوقفة حالياً)، وقالت عائلته إنه يعاني من مرض في القلب.

ويسرد عبدالله المنصوري شقيق توفيق لـ”درج”، قصة اعتقاله واقتياده مع زملائه، وكيف أنهم مُنعوا لأشهر من زيارته من دون إبداء أي أسباب، وإنه “تعرض لتعذيب وحشي وصحته سيئة وهو جريح من شدة التعذيب الجسدي”. كما يشير إلى أن شقيقه وزملاءه ممن كانوا معه في الزنزانة ذاتها، يعانون من تدهور في حالتهم الصحية وأمراض عدة “نتيجة المعاملة القاسية والممارسات اللاإنسانية”. ويقول إن جماعة الحوثي ترفض من حين إلى آخر نقل المعتقلين إلى طبيب مختص ومن فترة إلى أخرى تمنع أهاليهم من إدخال أدوية لهم. 

أما الصحافيان الآخران، فهما أكرم الوليدي مواليد 1984 وحارث حُميد مواليد 1989، وهما طالبان في كلية الإعلام في جامعة صنعاء، وينشطان في مركز “صنعاء الحقوقي”، والاثنان يعانيان من مضاعفات صحية تشمل القولون العصبي والبواسير وضعف البصر والصداع المزمن.

المحاكمة في أربع جلسات

بعد سنوات من الاعتقال، وعلى رغم المطالبات والاعتصامات التي نظمها أقارب للمعتقلين في صنعاء، بدأت الجهات الأمنية التابعة للحوثيين في صنعاء، عقد أول جلسة لمحاكمتهم في أيلول/ سبتمبر 2019، واتهمتهم النيابة بـ”إذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة ودعايات مثيرة”، بقصد “إضعاف قوة الدفاع عن الوطن وقوة الروح المعنوية في الشعب وتكدير الأمن العام”، وبأنهم أنشأوا مواقع وصفحات على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وأداروها “خِفية”، ونشروا فيها بيانات وأخباراً مؤيدة للتحالف بقيادة السعودية أو ما وصفته بـ”العدوان السعودي مع حلفائه”.

ويقول محامي الصحفيين العشرة عبدالمجيد صبرة لـ”درج”، إنه في الجلسة الأولى “تمت مواجهة الصحافيين بقرار الاتهام بدون حضورنا وانكروه جملةً وتفصيلاً ثم حضرنا أثناء مواجهتهم بقائمة الأدلة واحالوا الإجابة علينا وطلبنا رد القاضي عن نظر القضية لكنه رفض إثباته ثم طلبنا صورة من الملف لتقديم دفوعنا وأوجه دفاعنا عنهم”. أما الجلسة الثانية في 27 كانون الثاني/ يناير 2020 “لم يُتّخذ فيها أي إجراء وطردنا القاضي محمد مفلح من قاعة الجلسة وأصدر قراراً بمنعنا من الترافع أمامه بسبب تقديمنا طلب تنحٍ ورد من نظر القضية”، أما الثالثة فعُقدت في 9 آذار/ مارس من دون علم وحضور محامي الدفاع، وأخيراً الجلسة الرابعة في 11 نيسان/ أبريل 2020، ونطق خلالها بالحكم.

النقابة ترفض جملة وتفصيلاً

عقب الإعلان عن الحكم، أصدرت منظمات عدة بيانات شديدة اللهجة ترفض الإجراءات التعسفية بحق المعتقلين، وتوعد الاتحاد الدولي للصحافيين في بيان منسوب إلى الأمين العام باسم الاتحاد أنطوني بيلانجي، بمحاكمة المسؤولين عن قتل الصحافيين. وقال: “نرفض هذا الحكم الذي يخالف القانون الدولي. سينال قتلة الصحافيين جزاءهم أمام المحكمة الجنائية الدولية”. وقالت منظمة “مراسلون بلا حدود” إنه “يجب إلغاء هذا الحكم في أقرب وقت ممكن باعتباره حكماً غير مقبول ويعيد إلى الأذهان ممارسات عصور غابرة”.

وفي تصريح لـ”درج”، يقول رئيس لجنة التدريب والتأهيل في نقابة الصحافيين، نبيل الأسيدي: “نرفض هذا القرار وهذا الحكم جملة وتفصيلاً ولا نعترف لا بإجراءات المحكمة ولا بمثول أي صحافي أمام محكمة متخصصة بقضايا الإرهاب. هذه محكمة تديرها سلطة غير شرعية وميليشيات، وبالتالي أحكامها باطلة ولا تستند إلى أي أساس قانوني أو دستوري”.

ويرى الأسيدي أن الحكم جاء “تتويجاً للجرائم التي ارتكبت في حق الصحافيين ابتداءً من الاختطاف والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب الصحافيين منذ 5 سنوات ومنعهم من الطبابة والعلاج ووضعهم في أماكن غير صالحة للاستخدام وغيرها من الانتهاكات”، ويضيف “هذا وضع مؤسف جداً والقرار بالإعدام قرار خطير”. ويتابع: “هذه الميليشيات حاولت إيصال رسالة واضحة بأنها لا تهتم بحقوق الإنسان ولا حرية التعبير ولا للمجتمع الدولي ولا لأي أعراف أو قوانين دولية أو التزامات، وهي توصل رسالة إلى الصحافيين بأن كل من سيعارض هذه الجماعة سيكون مصيره الاعتقال والإخفاء ومن ثم أحكام الإعدام”.