fbpx

تونس تصطاد المدونين في فترة الحجر الصحي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتعرض عدد من المدونين للاعتقال بسبب نشر تدوينة أو فيديو ينتقد أو يفضح بعض التجاوزات أو الإخلالات خلال فترة الحجر الصحي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حين وصلتُ إلى مركز الشرطة دخل رئيس بلدية محافظة منوبة وقام بتعنيفي من دون أن أبدي أي رد فعل فأبعده بعض الأمنيين. عندها قلت لهم، لقد اقتدتموني إلى هنا من دون مبرر واضح وتعرضت للعنف لن أتحرك معكم إلى أي مكان قبل حضور محام، فما كان من الأمنيين إلا جرّي بالقوة، ما تسبب لي ببعض الكدمات فاستسلمت لهم”.  

هكذا تحدث هشام مجدوب (ناشط في المجتمع المدني وعضو منظمة الدفاع عن المستهلك ومهتم بنشاط بلدية محافظة منوبة) عن حادثة اعتقاله بسبب تصوير فيديو لأحد أنشطة أعوان البلدية. 

ويتعرض عدد من المدونين هذه الأيام للاعتقال بسبب نشر تدوينة أو فيديو ينتقد أو يفضح بعض التجاوزات أو الإخلالات خلال فترة الحجر الصحي. 

فبحسب معطيات مرصد “رقابة” و”منظمة مدونون بلا قيود”، هناك حالياً 5 حالات اعتقال لهاجر العوادي من تاجروين (تابعة لمحافظة الكاف شمال غربي البلاد) وعبد الحميد يعقوب من محافظة قبلي (جنوب غربي) وأنيس المبروكي من مدينة طبربة (تابعة لمحافظة منوبة شمال شرقي) ومحمد علي الخماسي من المحمدية (تابعة لمحافظة بن عروس)، وزياد فرج من محافظة زغوان (شمال شرقي)، عدا عمن تم إطلاق سراحهم في انتظار محاكمتهم. هذا عدا الشكاوى التي تصلهم بشأن عمليات تنكيل وتوقيفات وقتية يتعرض لها شباب بسبب احتجاجهم على سلوك السلطات المحلية، بخاصة أثناء توزيع الاعانات.

في 3 نيسان/ أبريل 2020، وأثناء قيامه بزيارة ميدانية في مدينته كما تقتضيه مهمته في إطار خلية الأزمة التابعة لمحافظة منوبة التي تم استحداثها بسبب جائحة “كورونا”، لفت انتباه هشام حرص أعوان البلدية على حضور التلفزيون الرسمي للتصوير عند كل عملية تعقيم يقومون بها للإيهام بأنهم يقومون بدورهم على أكمل وجه. والحال أن هناك مناطق يضطر المواطنون إلى تعقيمها بأنفسهم، على رغم ثبوت وجود حالات إصابة فيها. فقرر تصوير المشهد لإثارة المسألة، لكن هذه الخطوة لم ترق لرئيس لجنة النظافة. وبعد عودته الخاطفة إلى بيته وخروجه مجدداً إلى مواصلة عملية رقابة سير عملية التعقيم المكلف بها، اعتقله رئيس الشرطة البيئية وأحد الأمنيين بحجّة عدم قانونية الترخيص الذي يحمله واقتادوه إلى مركز الشرطة.

“حملة الاعتقالات التي تستهدف المدونين هذه الأيام ممنهجة تفرضها لوبيات فساد لديها غطاء داخل مؤسسات الأمن والقضاء وغيرها”…

“عندما أيقنت أن هناك أمراً ما يحدث، كتبت رسالة نصية لشقيقي وأخبرته أن يلحق بي إلى مركز الشرطة ويأتيني بهاتفي المحمول الثاني، حتى أتصل ببعض المحامين، ولدى دخوله شاهد أحد الأمنيين لشتمي، حاولت تهدئته لكنه عندما غادر تغلب عليه الانفعال وبدأ يصرخ، كيف تفعلون هذا بأخي؟”.

وبعد تدخل عدد من المحامين وتكفلهم بالقضية، تم في مرحلة أولى القضاء بسجن هشام وإطلاق سراح شقيقه، ثم الموافقة على مطلب سراحه هو الآخر بعد يومين من السجن في انتظار موعد محاكمته. ولدى عودته إلى المنزل فوجئ هشام بتعكر حالة شقيقه النفسية بسبب ما حصل، حتى أنه نقل إلى مستشفى الأمراض العقلية “الرازي”، وسط مخاوف من مضاعفات أخرى. 

حرية التعبير وحظر التجوّل  

حرية التعبير والإعلام والنشر مكفولة بمقتضى الفصول 31 و32 و49 من الدستور التونسي، لكن السلطات الأمنية تطبق الحجر الصحي الشامل وحظر التجول بمقتضى الأمر 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. ويمنح هذا الأمر وزير الداخلية صلاحيات استثنائية تشمل حظر تجول الأشخاص والعربات وتحديد إقامة الأشخاص ومنع التجمعات وغلق المحلات ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والتلفزيون والعروض السينمائية والمسرحية من دون وجوب الحصول على أذون قضائية مسبقة. وهو ما سمح بحدوث خروق مماثلة، أقدم عليها أعوان الأمن عند تطبيقهم الإجراءات التي طرحتها رئاسة الدولة والحكومة، وشملت حتى التضييق على الصحافيين والمدونين وترهيبهم بخاصة في الفترة الأخيرة حين تزايد الحديث عن المحتكرين والفاسدين. 

“اختيار المدونين ليس اعتباطياً، فجميعهم أسماء معروفة بقوة تأثيرها داخل جهاتهم واستماتتهم في تتبع ما يحصل وكشف تجاوزات كبيرة”.

وتؤكد المحامية نادية الشواشي التي تتولى إنابة أحد المدونين المعتقلين وهي عضوة في منظمة “مدونون بلا قيود”، “أن “حملة الاعتقالات التي تستهدف المدونين هذه الأيام ممنهجة تفرضها لوبيات فساد لديها غطاء داخل مؤسسات الأمن والقضاء وغيرها، لم تعد تحتمل كشف تجاوزاتها وقررت أن تتحرك من طريق أذرعها لإسكات الأصوات المزعجة بالنسبة إليها”.

ويذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس أحصت 6238 تبليغاً وإشعاراً في الفترة الممتدة بين 20 آذار/ مارس و14 نيسان 2020. وبينت إحصاءات الهيئة أن الإشعارات المتعلقة بالزيادة في الأسعار هي الأعلى بـ33.19 في المئة، تليها الإشعارات المتعلقة بالاحتكار بـ23.57 في المئة من جملة الإشعارات التي تلقتها الهيئة خلال هذه الفترة. وهي التجاوزات التي أثارت جدلاً كبيراً في فترة الحجر الصحي، لا سيما في ظل تورط بعض المسؤولين من عمد ومعتمدين وولاة في بعض الملفات ذات الصلة.

ولا يبدو منطقياً بحسب الشواشي أن تتجه السلطات في تونس للإفراج عن السجناء المتورطين في قضايا المخدرات والجرائم الأخلاقية والاقتصادية بسبب الوباء لتعتقل في المقابل شخصاً ذنبه الوحيد أنه قال لأمني “أنت بوليس بن علي”. 

“اختيار المدونين ليس اعتباطياً، فجميعهم أسماء معروفة بقوة تأثيرها داخل جهاتهم واستماتتهم في تتبع ما يحصل وكشف تجاوزات كبيرة، لا سيما المتعلّقة باحتكار السلع الأساسية والتلاعب بالأسعار في فترة الحجر”.

وتعتزم “منظمة مدونون بلا قيود” التعاون مع مكونات من المجتمع المدني وبعض الأحزاب في تونس وحتى المنظمات العالمية للتحرك بقوة لوقف سيل هذه الاعتقالات والضغط من أجل الإفراج عن المدونين. 

إبراهيم الرحيلي (من محافظة قفصة، في الجنوب الغربي)، يروي لـ”درج” عن اعتقاله بعد أيام قليلة من زواجه، بسبب تدوينة انتقد فيها تقييد الحريات في فترة الحجر الصحي العام، واتهامه بالاعتداء على هيبة الدولة والتحريض على خرق الحجر الصحي العام وتهديد السلم العام والأمن الوطني، وهو ينتظر المحاكمة.

القصة بدأت عندما اعترضت فرقة أمنية طريقه وانهالت عليه بالسب والشتم وأخذت بعض اللوازم الحياتية التي اقتناها له ولزوجته. واضطر في ما بعد إلى محو التدوينة التي عبر فيها عن استيائه من طريقة تطبيق الحجر الصحي ومضى إلى بيته متوقعاً أن الأمر انتهى عند هذا الحد. لكن توقعاته لم تكن في محلها، إذ يتم استدعاؤه من طريق شقيقته التي تعمل في سلك الحرس الوطني بعدما أخبروها أن المسألة ستحل ودياً. وحين ذهب إلى مركز الشرطة قوبل بصراخ رئيس المنطقة وخضع للتحقيق وبقي قيد التوقيف ليلة كاملة ثم أحيل في اليوم التالي أمام أنظار وكيل الجمهورية.

“أعلمت أعوان الأمن أنني أعاني آلاماً في يدي نتيجة كسر خطير تعرضت له جراء حادث، وطلبت أن يضعوا الأصفاد في يدي وهي إلى الأمام لكنهم تجاهلوا حالتي وقيدوا يدي إلى الخلف، على رغم أنني لم أبدِ أي مقاومة بل ذهبت إليهم بإرادتي متوقعاً أن مجرد تدوينة لن تحملني إلى مثل هذا الوضع”.

القصة بدأت عندما اعترضت فرقة أمنية طريقه وانهالت عليه بالسب والشتم وأخذت بعض اللوازم الحياتية التي اقتناها له ولزوجته.

تم إطلاق سراح إبراهيم موقتاً بعد تكفل أحد المحامين بقضيته في انتظار موعد المحاكمة بعدما علم مساعد وكيل الجمهورية أنه حديث الزاوج (8 أيام) بحسب ما أخبره محاميه علماً أن هاتفه المحمول وخاتم زواجه ما يزالان قيد الحجز حتى الآن. 

وتضج مواقع التواصل الاجتماعي في تونس هذه الفترة لا سيما “فايسبوك” بالحديث عن هذه المخالفات التي ثبت تورط بعض المسؤولين فيها، بين النقد والشكوى من استفحالها، ولكن يبدو أن ذلك بات مصدر قلق لبعض الجهات ما أدى إلى تحريك المؤسسة الأمنية لاعتقال الأصوات الأكثر تأثيراً. ولعل هذا ما يفسر حصول اعتقالات في عدد من المدن في مواعيد متقاربة واستهدافها أسماء عرفت بجرأتها في كشف الفساد والمحتكرين في فترة الحجر الصحي. 

وتنتشر حملات على “فايسبوك” تدعو إلى إطلاق سراح المدونين ومن المرتقب أن تتحرك بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية في هذا الاتجاه للضغط باتجاه وقف الاعتقالات التعسفية وإطلاق سراح الموقوفين بسبب تدويناتهم.

عماد الدايمي رئيس مرصد “رقابة”، وصف حملة الاعتقالات التي تستهدف عدداً من المدونين خلال فترة الحجر الصحي بـ”المستغربة والمستهجنة جداً، كونها تحدث في وقت واحد في أكثر من منطقة، ولاستهدافها شباباً لم يتورطوا بأي جريمة تبرر اعتقالهم، لم ينخرطوا في العنف أو الإرهاب، حتى أنهم لم يكسروا الحجر الصحي الشامل. جرم هؤلاء الشباب أنهم كشفوا عملية احتكار وتلاعب بإجراءات مساعدة الأسر الضعيفة وانتقدوا سوء تنظيم عمليات توزيع الإعانات”.

واستنكر تهاون الحكومة وتقصيرها في تتبع المحتكرين والفاسدين الذين ما زالوا يحظون على ما يبدو بحصانة سياسية مقابل الصرامة الكبيرة في التعامل مع هؤلاء الشباب. 

واعتبر الدايمي أن حملة اعتقالات المدونين تعطي إشارات سيئة على نيات الحكومة وتفتح الباب للتنكيل بكل من يحاول التصدي لنفوذ شبكات الاحتكار والفساد والتهريب، وستعيد تونس في تقارير المنظمات الدولية إلى سجل الدولة التي تخرق حرية التعبير وتنتهك الحقوق الأساسية. 

وطالب الحكومة بإصدار تعليماتها للمسؤولين المحليين والجهويين من عمد ومعتمدين وولاة، إضافة إلى الإطارات الأمنية الصغرى والوسطى لتهدئة الأمور والحرص على عدم المس بحرية التعبير، بخاصة في ظل التشنج الحاصل في المجتمع بسبب الحجر الصحي الشامل وما يفرضه على التونسيين من أعباء. 

و”بما أن المجتمع المدني بتعدديته يعد الحارس الفعلي للحريات في تونس لذا وجب التحرك في قضية هؤلاء المدونين المعتقلين من دون أدنى تهاون، لأن السكوت على هذا الانتهاك اليوم يعني فتح المجال لتكراره غداً”.

ريد مطر - صحافية مصرية | 24.04.2024

“لا نعرف مصيرهنّ”: لغط حول مصير ناشطات مصريات اعتُقلن خلال تظاهرة دعم لغزة

"نحن لم نتوقع هذا الترهيب كله، ذهبنا فقط لتسليم بياننا للأمم المتحدة لحثّها على حماية النساء والأطفال في زمن الحروب، وهي المهمة التي تقع على عاتقها كجهة دولية مسؤولة عن ذلك".