fbpx

رمضان في ظل “كورونا” كما لم يألفه المسلمون من قبل …

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العالم العربي بفئاته كافة محجور، خوفاً من الفايروس المستجد. لا صلاة في المساجد، وبخاصة صلاة التراويح. لن يشهد رمضان تجمعات عائلية كبيرة على مائدة الإفطار، فأزمة “كورونا” فرضت التباعد فرضاً، ولم تترك خياراً آخر.

“المحلات كانت تسترزق في هذا الشهر، الأفران، المقاهي، محلات الثياب… لكن للأسف وكأن الدورة الاقتصادية كلها توقفت”، يقول أبو صالح الرجل الستيني صاحب متجر عطارة (بهارات، وأعشاب، ومونة، وغيرها…) في سوق صور التجاري، في جنوب لبنان. 

وفيما كان أبو صالح يروي معاناته، دخلت زوجته، سمعت حديثنا، ثم قالت: “المال مقدور عليه بيروح وبيجي… ابني الصغير كان واعدني يجي من ألمانيا عأول رمضان، نصوم ونعيّد سوا، بس يا حسرة ما زبطت معو بسبب كورونا… صرلو 3 سنين غايب ومحروم من الجمعة معنا”. قالت ذلك قبل أن تمتلئ عيناها بالدموع. وتضيف: “يختلف الوضع من بيت إلى آخر، إلا أن الأيام القاسية تمر على الجميع بلا استثناء”. 

مع حلول رمضان، يقف العالم أمام مفارقة جديدة صنعتها جائحة “كورونا”، لتكون بداية شهر هادئة على غير العادة.

الجمعات اللي معودين عليها من الإفطار للسحور رح ننحرم منها، وولادي وأحفادي ما رح يشاركونا السفرة هالسنة

لا مظاهر للحياة الاجتماعية، فالعالم العربي بفئاته كافة محجور، خوفاً من الفايروس المستجد. لا صلاة في المساجد، وبخاصة صلاة التراويح. لن يشهد رمضان تجمعات عائلية كبيرة على مائدة الإفطار، فأزمة “كورونا” فرضت التباعد فرضاً، ولم تترك خياراً آخر. حتى أن خيم الإفطارات الخيرية ستغيب عن المناطق والأحياء…

سهرات السحور المتأخرة في المقاهي والمطاعم ستتحول إلى وجبات محدودة داخل المنزل. الإقبال على محلات الحلويات قد يتلاشى تماماً هذا العام مع حظر التجول المفروض، من دون أن ننسى الزينة الرمضانية التي غابت تماماً عن الطرق. 

أسواق ضواحي بيروت التي تشهد محلاتها عادةً إقبالاً كثيفاً مع اقتراب شهر رمضان عادة، أتى “كورونا” هذا العام بتداعيات كارثية عليها بسبب القيود والإغلاقات، فالشهر الذي كان يعتبر مصدراً لازدهار تجارة صغار الباعة وأصحاب بسطات التمر والعصائر والفواكه المجففة، كذلك الحلويات من قطايف وكلاج… حلّ كما لا تشتهيه السفن. 

يقول أحمد (26 سنة) صاحب إحدى البسطات الرمضانية: “كل سنة قبل شهر رمضان بأسبوع ببلش حضّر للموسم… ببيع عصير ليمون، وليموناضة، وجلاب. بطلع مصروفي هالشهر، بس هالسنة انضرب الموسم”، إذ منعت هذه البسطات، لتخسر الشوارع أيضاً مظهراً آخر من مظاهر شهر رمضان وأجوائه.

الحال هذه تنطبق أيضاً على أصحاب المطاعم والمقاهي ومحال الألبسة والمواد الغذائية من حلويات وغيرها التي كانت تنتظر الموسم بفارغ الصبر لتعويض خسائر السنة في ظل وضع اقتصادي سيئ يمر على العالم.

لا تراويح في ظل “كورونا” 

“هيئة كبار العلماء في السعودية”، حثت المسلمين في أنحاء العالم على أداء صلوات الفريضة والتراويح في منازلهم خلال شهر رمضان، كذلك الأمر في الأردن والبحرين والكويت وفلسطين ولبنان وتونس والمغرب. 

في العراق، قررت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية العراقية رفع حظر التجول خلال شهر رمضان، من السادسة صباحاً حتى السابعة مساءً، باستثناء مناطق لم تفصح عنها، يأتي ذلك فيما بدأت العاصمة العراقية تشهد حركة ملحوظة للمارة والمتسوقين والسيارات. 

أما في إيران، فسمحت السلطات باستئناف الأنشطة “منخفضة المخاطر” على غرار المتاجر والشركات الصغيرة. كما دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الشعب إلى الصلاة في المنازل خلال شهر رمضان للحد من تفشي فايروس “كورونا” في إيران.

“منظمة الصحة العالمية” أصدرت عدداً من الإرشادات المتعلقة بصيام شهر رمضان والمناسك المتعلقة به، منها إلغاء المحافل الاجتماعية والدينية. وقدمت المنظمة نصائح للوقاية من “كورونا” خلال رمضان، من بينها، التدريب على التباعد الجسدي من طريق الالتزام الصارم بترك مسافة لا تقل عن متر واحد بين الأشخاص فى جميع الأوقات، واستخدام التحية المقبولة ثقافياً ودينياً التي تستبعد الملامسة، ومنع تجمع أعداد كبیرة من الأشخاص فى الأماكن المرتبطة بالأنشطة الرمضانية، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحلات التجارية.

وتطرقت المنظمة إلى ضرورة تطبيق عدد من التدابير على أي تجمع للناس خلال شهر رمضان، كالصلاة وزيارة الأماكن المقدسة والإفطارات الجماعية أو الولائم.

وفي السياق ذاته، أكدت “منظمة الصحة العالمية”، أنه لم تجرَ أي دراسات بشأن الصيام ومخاطر الإصابة بعدوى كوفید-19، ومن المفترض أن یكون الأشخاص الأصحاء قادرين على الصيام خلال شهر رمضان، كما في السنوات السابقة، فى حین يجدر بالمرضى المصابين التفكير في الحصول على رخصة شرعية لإفطار شهر رمضان بالتشاور مع أطبائهم، كما هو الحال مع أي مرض. 

أيام أشبه بزمن الاحتلال الإسرائيلي

تقول نسرين (58 سنة) التي عايشت فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان إن الوضع اليوم أعادها بالذاكرة إلى تلك الأيام. “كنا عالساعة 6 نفوت عالبيت وما نضهر منو قبل تاني يوم الصبح… رمضان مرق علينا متل ما رح يمرق هالسنة بالضبط… لا إفطارات عائلية ولا حتى جمعات”، مستثنيةً بذلك صلاة العيد التي كانت تقام ضمن وقت محدد أيام الاحتلال. 

“هيدي السنة رح نستقبل رمضان بطقوس جديدة… الجمعات اللي معودين عليها من الإفطار للسحور رح ننحرم منها، وولادي وأحفادي ما رح يشاركونا السفرة هالسنة… حتى عالعيد يمكن ما نلتقي… القصة مش سهلة خاصة على أم معودة إنه ما يمرق يوم وولد من ولادها مش عم يفطر عندها”. 

“المائدة التي كنا نحضّرها، ستكون ناقصة بسبب الغلاء الفاحش، ومحلات الحلويات ستكون مقفلة، وربما سيكون علينا أن نتولّى مهمة تحضير الحلوى”، تقول نسرين. 

باحثون في التاريخ وفق روايات متداولة أكدوا أنه مرت على المسلمين جائحتان في شهر رمضان، الطاعون في العصر الأموي في مدينة البصرة في العراق عام 747، وما سمي “الوباء العظيم”، الذي وقع في بلاد الشام عام 1348، وانتقل إلى مصر.

إلا أنه وعلى رغم ذلك لم تغلق المساجد بقرارات من الحاكم، بل إن الناس كانوا يبادرون إلى الابتعاد من المساجد، ويلجأون إلى الجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء.

مسلسلات رمضان والفعاليات الرياضية 

لن يشهد شهر رمضان أعمالاً فنية بالحجم المعتاد، بسبب توقف تصوير الكثير من المسلسلات بسبب “كورونا”، ما دفع منتجي تلك الأعمال إلى تأجيل تصويرها.

الممثلة اللبنانية نادين نسيب نجيم، أعلنت خروج مسلسلها “2020” من سباق دراما رمضان 2020. وغردت عبر حسابها على موقع “تويتر”: “مع الأسف العمل تأجل إلى بعد رمضان، ولكن الحماس والطاقة الإيجابية موجودين، والتفاؤل بالنجاح والأمل، أن كل شيء راجع متل الأول إن شاء الله، هل أزمة على الكل ورح تعدّي أهم شيء سلامة الناس وصحتنا ونرجع نشتغل، رح اشتقلكم كتير كتير”.

وكانت الفنانة التونسية هند صبري، أعلنت توقف تصوير مسلسلها التلفزيوني، “هجمة مرتدة”، بسبب تفشي فايروس “كورونا”. وتابعت خلال مداخلة عبر “فيديو كونفرانس”، على فضائية “فرانس 24”: “لن نستطيع أن نكون جاهزين لشهر رمضان، وهناك خسارة كبيرة للمنتجين وللعمال”.

وكان شهر رمضان يشهد عدداً من البطولات الرياضية، التي تقام عادة بعد الإفطار ويطلق عليها اسم “البطولات الرمضانية”، بين فرق كرة قدم شعبية في المناطق والقرى، إلا أن فايروس “كورونا” سيحول دون ذلك. 

العالم العربي يستقبل موسماً رمضانياً شبه “كئيب” مع غياب طقوس كثيرة تميز بها هذا الشهر على مر عقود خلت، قبل أن يجتاحنا “كورونا”.