fbpx

هل تحمي “خصومة حزب الله” رياض سلامة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إفلاس الناس حقيقة أصلب من أن تُواجه بظلامة مذهبية، وحقيقة أن الرجل مول دولة حزب الله بمدخراتنا تبقى أقوى من حقيقة أن الحزب قرر اليوم الإطاحة به

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قد يصح الاعتقاد بأن النظام اللبناني يريد التخلص من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأن حزب الله يريد توظيف غضب الشارع في معركة الإطاحة بالرجل من دون أن يُسجل على الحكومة اللبنانية أنها استجابت لرغبة الحزب، وأن غضب الناس هو ما أفضى لاسقاط سلامة. لكن ذلك لا يكفي لكي نغض النظر عن الدور الكبير الذي لعبه سلامة في تثبيت نفوذ النظام وفي مده بمدخرات اللبنانيين، وفي تمويل الدولة التي هي في آخر المطاف، وفي أوله، دولة حزب الله. 

فـ”انتحار” رجل المخابرات السوري غازي كنعان مثلاً لم يعف الرجل من تبعات الخدمات التي أداها للنظام في سوريا، والأخير عندما قتل رجله في لبنان رستم غزالة، لم يفضِ ذلك إلى غسل ذنوب القتيل، وفي هذا السياق فإن رغبة حزب الله بالإطاحة برياض سلامة يجب أن لا تعفيه من المسؤولية الكبيرة عن الكارثة المالية التي يعيشها لبنان، وهي كارثة ليست قدرية، على نحو ما هو الوباء قدري، انما جرت بفعل فاعل، وحاكم مصرف لبنان ليس بعيداً من هذا الفعل.

معركة تعويم سلامة خاسرة حتى لو استُحضر فيها حزب الله كقوة مذهبية تستدعي استنفاراً مذهبياً موازياً. إفلاس الناس حقيقة أصلب من أن تُواجه بظلامة مذهبية، وحقيقة أن الرجل مول دولة حزب الله بمدخراتنا تبقى أقوى من حقيقة أن الحزب قرر اليوم الإطاحة به.

رياض سلامة كان على رأس السياسة المالية والمصرفية في لبنان على مدى أكثر من عقدين، وهذه السياسات هي الآلية التي جرت بموجبها السرقة الكبرى. “الهندسة المالية” التي ابتكرها يمكن تلخيصها بأنها استعاضة عن واردات الدولة التي انعدمت بفعل موقع لبنان في الخريطة الإقليمية والدولية، بودائع المواطنين ومدخراتهم. هذه المهمة تولت إطالة عمر دولة لبنان التي صارت في السنوات الثلاث الأخيرة دولة حزب الله. وهذه المهمة تولى سلامة نفسه هندستها. هذا التقاطع بين موقعي الحزب والحاكم يجب عدم التغاضي عنه في المشهد اللبناني اليوم، حتى لو اقتنعنا بأن لدى الحزب رغبة بالإطاحة بسلامة، وهذه قناعة من المرجح أن تكون صائبة.

لكن يبدو أن ثمة من يرغب بخوض معركة الدفاع عن رياض سلامة من موقع خصومة حزب الله، وهذا الميل ينطوي على غض نظر عن سنوات التحالف “الموضوعي” بين الحاكم والحزب، ذاك أن لبنان، أي دولة حزب الله، مفلس منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يُعلن هذا الإفلاس بسبب “الهندسات المالية”، ذاك أن الحاكم قدم إغراءاته التي أصبحت معروفة للمصارف، فأغدقت عليه هذه الأخيرة ودائع الناس مستعينة بجشع لا تحده أخلاق ولا يردعه قانون. المستفيد الأول من هذه المعادلة البائسة كان حزب الله بصفته صاحب الدولة وأم الصبي. الحكومات صارت موظفة في موقعه الإقليمي، وما فزعة أمين عام حزب الله حسن نصرالله في بداية أيام ثورة 17 تشرين، إلا مؤشر واضح على موقع الحزب من النظام. لقد قال نصرالله للمتظاهرين أكثر من مرة بأنه لن يسمح لهم بالإطاحة بالنظام. هل تذكرون ما قاله في خطبه المتلاحقة؟

ثمة محاولة اليوم لإيقاظ نصاب مذهبي يحمي رياض سلامة، لكن في المقابل ثمة حقيقة هائلة تتمثل في أن الإفلاس وانهيار العملة وانكشاف عملية الاحتيال الكبرى حقائق أثقل من أن توقفها غضبة مذهبية. ولن تغسل خصومة حزب الله ذنوب الحاكم الكثيرة، ودوره في إدارة الإفلاس وفي تمرير الصفقة وفي هندستها.

معركة تعويم سلامة خاسرة حتى لو استُحضر فيها حزب الله كقوة مذهبية تستدعي استنفاراً مذهبياً موازياً. إفلاس الناس حقيقة أصلب من أن تُواجه بظلامة مذهبية، وحقيقة أن الرجل مول دولة حزب الله بمدخراتنا تبقى أقوى من حقيقة أن الحزب قرر اليوم الإطاحة به.