fbpx

“كورونا” فرض استراحة في تونس والجزائر من الاحتجاجات فهل ستطول؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مرحلة ما بعد “كورونا” لن تكون نفسها في كلا البلدين. فقد تستطيع السلطات في الجزائر كبح جماح جماهيرها بالقوة فيما لن تنجو الحكومة في تونس من موجات الغضب الشعبية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أربك “كورونا” سياسيي الجزائر وتونس، كما في الدول الأخرى، وأجبرهما على اتخاذ إجراءات صارمة للحد من سرعة انتشاره في ظل بنية صحية غير مؤهلة لمواجهة السيناريوات القصوى. لكن في المقابل يمكن القول إن هذه الأزمة منحت حكّام البلدين استراحة من الاحتجاجات والتحركات الشعبية المعارضة للسياسات المعتمدة. فالسلطة الجزائرية المستفيد الأكبر، جنّبها “كورونا” ضغط الحراك الشعبي الذي استمر بلا توقف أكثر من سنة، ومنحها الفرصة للسيطرة على الوضع عبر بسط يدها على نشطاء الحراك وتضييق مساحة حرية التعبير تمهيداً لفترة ما بعد الحجر الصحي.

في تونس يبدو الوضع أكثر تعقيداً، فالحكومة التي باشرت مهماتها راهناً في ظل وضع اقتصادي صعب واجتماعي على وشك الانفجار، قد تكون تجنبت المواجهة الحتمية مع احتجاجات التونسيين الذين سئموا الحلول الترقيعية التي لم تؤدِ إلا إلى مزيد من تضييق واقعهم المعيشي. لكنها لن تنجو من هذه المواجهة، في حال طالت فترة الحجر الصحي أو انتهت بسبب ما آلت إليه ظروف الطبقتين الوسطى والفقيرة. يضاعف من ذلك القرارات الاستثنائية المرتقبة من الحكومة لإنقاذ الاقتصاد والتي ستستهدف كما دائماً جيوب ذوي الدخل المحدود، ما يرجّح اشتعال الشارع من جديد.

معطيات مشتركة

تشترك الدولتان في معطيات عدة، أولها محدودية عدد الإصابات قياساً بما تم تسجيله في أوروبا التي تقع على أطرافهما، فحتى الآن لم تتجاوز الجزائر الـ3000 إصابة، فيما لم تتجاوز تونس الألف إصابة. ثانياً تلتقي الدولتان في مسألة التحرك السريع واتخاذ إجراءات صارمة في التعامل مع الوباء، نظراً إلى  هشاشة نظمهما الصحية التي لا تحتمل تفاقم الوضع وارتفاع عدد المصابين. ففيما يقتضي المعدل العالمي 2.7 سرير لكل ألف شخص ثمة في الجزائر 1.9 سرير فقط في المستشفيات لكل 1000 شخص، أما تونس والتي تعد الأقرب في منطقة المغرب العربي إلى المعدل العالمي فإن العدد فيها لا يتجاوز 2.3 لكل ألف شخص في مختلف مستشفياتها.

الحكومة الجزائرية هي الأكثر استفادة من “كورنا”، قياساً بشقيقتيها تونس والمغرب، فمع انتشار هذا الوباء وارتفاع عدد المصابين دعت قيادات الحراك إلى وقف الاحتجاجات

وثالثاً ولعلها النقطة الأهم، من المرجح أن يواجه البلدان تداعيات خطيرة لفايروس “كورونا” على اقتصاديهما. فالجزائر التي يعتمد اقتصادها كلياً على الطاقة ستخرج من هذه الأزمة بنتائج وخيمة لا سيما في ظل تهاوي أسعار النفط لمستويات قياسية. أما تونس، التي يعاني اقتصادها أساساً صعوبات كبيرة، فستخرج منهكة بعد انهيار قطاع السياحة الحيوي الذي يساهم بنحو 16 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي الخام.

وعلى رغم هذا الالتقاء في هذه المعطيات، فإن مرحلة ما بعد “كورونا” لن تكون نفسها في كلا البلدين. فقد تستطيع السلطات في الجزائر كبح جماح جماهيرها مستقبلاً بالقوة بعدما مهدت لذلك في فترة الحجر الصحي الشامل، فيما لن تنجو الحكومة في تونس من موجات الغضب الشعبية ولن يكون بوسعها استخدام الذراع القمعية كما في الجزائر، فيما تروج نفسها كدولة ديموقراطية تحترم حق الشعب في التظاهر، لذلك ستكون المواجهة في غاية التعقيد.

الجزائر: التمهيد لمستقبل بلا حراك

الحكومة الجزائرية هي الأكثر استفادة من “كورنا”، قياساً بشقيقتيها تونس والمغرب، فمع انتشار هذا الوباء وارتفاع عدد المصابين دعت قيادات الحراك إلى وقف الاحتجاجات التي استمرت 13 شهراً. دعوة استجابت لها الجماهير منذ 13 آذار/ مارس، ومنحت بذلك السلطات الجزائرية الفرصة لاسترداد أنفاسها بعدما ظلت تحت ضغط الاحتجاجات منذ شباط/ فبراير 2019. 

ويبدو أن السلطات في الجزائر تعي جيداً قيمة هذه الاستراحة التي تنالها الآن، ولهذا تحاول تدريجاً القيام ببعض الإجراءات الكفيلة بتجميد الحراك وتجريده من فاعليته والحد من تأثيره، عبر إطلاق القبضة الحديدية على الإعلام والمجتمع المدني، مستغلة استحالة لجوء الناس إلى الشارع في هذه الفترة الدقيقة، للاحتجاج على ما يحدث. 

قد تتوقع السلطات الجزائرية أن القبضة الحديدية والقمع كفيلان بإعادة الأمور تحت سيطرتها وإخماد صوت الشباب الثائر من أجل الإصلاح، لكنها بهذا تكون قد أساءت فهم ما حدث. فشباب الحراك الذين لم تزعزع التنازلات السياسية الكبيرة كاستقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في نيسان/ أبريل 2019 تحت ضغط الجيش، ولا المناورات المتتالية التي قامت بها أطراف سياسية، صمودهم 57 أسبوعاً، لن يكافئوا سياسييهم بالصمت بمجرد انحسار “كورونا”. 

يضاعف من ذلك أن التداعيات الاقتصادية التي ستلقي بظلالها حتماً على الجزائيين ستكون هي الأخرى عاملاً مهماً في إثارة غضبهم وربما عودتهم بقوة إلى الشارع. ولن تتجنب السلطات الجزائرية هذا السيناريو إلا إذا توجهت للقيام بإصلاحات كبرى، تلبي طلبات الحراك وهي خطوة يصعب إنجازها. 

تقول المحللة السياسية الجزائرية لويزة آيت حمداش: “لقد قرر الحراك بعد نقاش حاد تعليق المسيرات لحماية صحة المواطنين. ومن بين المعطيات التي تمت مناقشتها أن هذه الهدنة ستعطي نوعاً من الراحة للسلطة الحاكمة. وهذا ما وقع بالفعل لأن المسيرات كانت تمثل وسيلة ضغط كبيرة في ظل إغلاق فضاءات التعبير الأخرى، فالإعلام تحت الرقابة والاجتماعات غير مرخصة”.

وتؤكد حمداش أن وتيرة الاعتقالات والمضايقات والاستدعاءات التي تستهدف مناضلين سياسيين ومدونين ومعارضين لم تتوقف، وإن كانت هذه الإجراءات سبقت فترة الحجر الصحي بكثير، إلا أن السلطة اغتنمت الفرصة من أجل تصعيد انتهاكها حقوق التعبير والحريات.

وتقر المحللة السياسية بأن الأزمة الصحية الراهنة فاقمت التحديات الاقتصادية في الجزائر وعززت الشكوك بشأن قدرة الحكومة على التعاطي الصحيح مع الأزمة في ظل عدم طرحها خطة عمل مقنعة حتى الآن.

“وبالتالي من المتوقع أن تساعد هذه الظروف على تحريك الاحتجاجات مجدداً، ولن يكون من السهل تخفيفها أو إيقافها إلا في حال قررت السلطة الدخول في مشروع إصلاحي توافقي شامل يدمج القوى السياسية المعارضة، لتحقيق التلاحم الوطني الضروري لمواجهة التحديات الاقتصادية المقبلة. فمن الصعب جداً حل أزمة اقتصادية في ظل أزمة سياسبة مستمرة”.

تصاعد الاعتقالات

منذ أواخر شهر آذار 2020، ازدادت الاعتقالات والإدانات والاستدعاءات الرسمية للمعارضين ونشطاء الحراك والصحافيين بهدف التقويض التدريجي لحرية الإعلام وتكميم الأصوات التي تنتقد الحكومة.

ففي 24 آذار أصدرت محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة حكماً بالسجن لمدة عام وغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار جزائري (نحو 405 دولارات)، على الزعيم السياسي المعارض كريم طابو بتهم وصفتها “منظمة العفو الدولية” بالملفقة، تتلعق بـ”التحريض على العنف” و”المساس بالأمن الوطني”، بسبب خطابه في مقاطع فيديو نشرت على “فايسبوك” لحزبه السياسي، حيث انتقد دور الجيش في السياسة.

 السلطة اغتنمت الفرصة من أجل تصعيد انتهاكها حقوق التعبير والحريات.

وفي أواخر آذار، اعتقل مراسل “منظمة مراسلون بلا حدود” خالد درارني في الجزائر العاصمة. ودرارني هو أيضاً مؤسس الموقع الإلكتروني “القصبة تريبون”، ومراسل قناة “تي في 5- موند” الفرنسية، ويغطي الاحتجاجات التي اندلعت في الجزائر منذ أكثر من عام، تم إيقافه وفي 7 آذار بينما كان يغطي في العاصمة الجزائرية تظاهرة للحراك ضد النظام وجهت له تهمة “التحريض على التجمهر والمساس بوحدة الوطن”، لكن أفرج عنه في العاشر من الشهر نفسه، ثم اعتقل مجدداً في 28 من الشهر ذاته. 

وفي السادس من نيسان/ أبريل أصدرت محكمة سيدي امحمد الابتدائية في الجزائر العاصمة حكماً على رئيس جمعية “تجمع حركة شبيبة” (راج) عبد الوهاب فرساوي بسنة سجن نافذة وغرامة مالية قدرها 20000 دينار جزائري. وأدانت السلطات عبد الوهاب فرساوي فقط استناداً إلى ما يكتبه على “فايسبوك” من انتقادات للقمع الممارس ضد الحراك في الجزائر ومشاركته في التظاهرات الداعية إلى الانتقال الديمقراطي في البلاد حسب العفو الدولية. هذا فضلاً عن استدعاء الشرطة القضائية العشرات من ناشطي الحراك واستجوابهم، حول أنشطتهم السياسية.

واعتبرت “منظمة العفو الدولية” أن الأحكام القضائية الصادرة ضد هؤلاء هي رسالة مقصودة ومروعة إلى المتظاهرين، بمن فيهم النشطاء السياسيون ونشطاء المجتمع المدني الآخرون، بأن أي شخص يجرؤ على معارضة الحكومة أو انتقادها سوف يعاقب.

وبهذا تكون السلطات الجزائرية مهدت الطريق لفترة ما بعد الحجر من دون احتجاجات بعدما مررت رسائل قوية لناشطي الحراك مفادها أن العصا الغليظة ستسلط على كل من يعارض خيارات الحكومة والجيش. خطوة اتبعتها لإدراكها أن ارتدادات أزمة “كورونا” ستكون وخيمة جداً، لا سيما على الاقتصاد. وسيكون من الصعب الاستجابة في ظل هذه الظروف لمطالب المحتجين التي من المرجح أن تتعزز في الفترة المقبلة، بسبب عدم تحقيق الأهداف المنتظرة فضلاً عما سيتحمله المواطن الجزائري من صعوبات إضافية بسبب تأثيرات أزمة “كورونا” في اقتصاد بلادهم المتعب سلفاً. زد على ذلك تداعيات النزول القياسي لأسعار الطاقة المحرك الرئيس للاقتصاد الجزائري. وبالتالي فإن القبضة الحديدية ستكون الخيار المرتقب. 

تونس أمام خيارات صعبة

لن تكون الأيام المقبلة سهلة بالنسبة إلى الحكومة التونسية التي ستجد نفسها بين مطرقة معالجة الاقتصاد المنهار باتباع إجراءات صعبة ستضاعف الأعباء على مواطنيها المنهكين أساساً، وسندان نفاد احتياطي الصبر الاجتماعي والتحركات التي قد تنتج عنه.

فقد فاقمت إجراءات الغلق الشامل والحجر الصحي المفروض على البلاد أزمة الاقتصاد التونسي الذي بات يشهد أسوأ ركود منذ الاستقلال عام 1956، لا سيما في ظل الشلل الكلي لقطاع السياحة الذي يعد مصدراً رئيسياً لجلب العملة الأجنبية في تونس. علماً أنها استقبلت العام الماضي للمرة الأولى 9 ملايين سائح وحققت إيرادات وصلت إلى نحو ملياري دولار.

وفي رسالة رسمية من السلطات التونسية إلى صندوق النقد أوضحت أن قطاع السياحة الحيوي مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار) وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات أزمة “كورونا”.

ويتوقع صندوق النقد الدولي، الذي أقرض تونس 745 مليون دولار لمعالجة آثار أزمة “كورونا”، أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 في المئة عام 2020 تحت تأثير أزمة “كورونا”، في أسوأ ركود له منذ عام 1956، ملوحاً باحتمال بدء برنامج تمويل جديد مع تونس في النصف الثاني من العام الحالي.

وفي خضم هذا الوضع الاقتصادي الكارثي تدخل حكومة إلياس الفخفاخ مرحلة جديدة مجهولة العواقب، انطلقت مبدئياً بإصدار جملة قرارات شملت إلغاء وصولات الأكل والنقل للموظفين العموميين، واقتطاع يوم عمل من القطاعين الحكومي والخاص وتعليق الترقيات والانتدابات في الوظيفة العمومية. فضلاً عما يروج من توقعات بأن يتم الترفيع في الأداءات وفق الدخل الشهري والسنوي.

وستتبع هذه الإجراءات الأولية أخرى قريباً، ستمس كالعادة جيب المواطن البسيط والشركات والطبقة المتوسطة، لمواجهة ديون الدولة التي بلغت مستويات قياسية، في غياب حد أدنى من المشاريع التي من شأنها أن تشعر المواطن بجدوى ما يدفعه. وسيواصل الفخفاخ ووزراؤه السير على خطى من سبقوهم باجترار الحلول الترقيعية القائمة على استنزاف جيب المواطن بدل إعلان حرب حقيقية على الفاسدين والمهربين والمحتكرين.

لكن يبدو أن الحكومة التونسية الراهنة التي تحاول ترويج خطاب مغلف بالوطنية قائم على استدرار عاطفة المواطن وحثه على دعم دولته لتجاوز تداعيات هذه الأزمة، لم تنتبه عمداً أو سهواً إلى أن مخزون الصبر لدى التونسيين قد نفد وأن الانفجار بات وشيكاً جداً، وأن استمرار التعاطي مع المواطن بمنطق دولة الجباية سينتهي بغليان شعبي كبير قد يحاكي تلك التحركات التي شهدتها البلاد في فترة الثورة. 

ولن يكون بوسع الحكومة حينها استخدام القوة لمنع الناس من التظاهر لأنها تحت مجهر العالم الذي بدأ يتعاطى مع تونس كدولة تسير على خطى الدول الديموقراطية، وبالتالي فإن الخيارات ستكون محدودة إما القمع وإهدار هذه الصورة أمام العالم، أو الاضطرار إلى تغيير بوصلة التعاطي مع الأزمة بالتوجه جدياً إلى الفاسدين وتطبيق القانون عليهم بدل تحميل المواطن عبء الأزمات. 

وفي تعليقه على الوضع، يرى المحلل السياسي التونسي فريد العليبي أن وباء “كورونا” حدّ موقتاً من الاحتجاجات في أقطار عدة من المغرب العربي للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المتعلقة بتغيير النظم السياسية ومحاسبة الفاسدين وغيرها. لكنه فاقم في المقابل المعاناة المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار وفقدان بعض المواد الغذائية وطرح ملفات حساسة بقوة كهشاشة قطاع الصحة وتورط مسؤولين حكوميين في احتكار السلع وسوء توزيع المعونات ما يهدد باحتجاجات واسعة مستقبلاً.

ويؤكد العليبي أنه “في بلد مثل تونس برز أكثر فأكثر التناقض بين النقابات العمالية والنقابات التي تمثل أصحاب المال والأعمال وستجد الحكومات صعوبة في السيطرة على الأوضاع خلال الأشهر القليلة المقبلة، بخاصة أن الشعب اعتاد على  النزول إلى الشوارع والساحات، ولم يعد يهاب المواجهة بعد الانتفاضات المندلعة خلال السنوات الاخيرة في البلاد العربية. وإذا ما استمر الحجر طويلاً ولم تأت المعونات الموعودة وساءت الحالة الاجتماعية أو في حال انتهى قريباً، وفرضت أداءات جديدة، فإن الاحتجاجات ستبرز إلى السطح أكثر فأكثر وهناك مؤشرات على محاولة استثمارها من قبل قوى سياسية مختلفة بما فيها الجماعات الإرهابية التكفيرية، ما سيضع الحكومات أمام امتحان صعب”.