fbpx

“كورونا” سوريا: مخيّم “الركبان” بعد 6 سنوات من حجرٍ “غير صحي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ماذا يعني تفشّي فايروس “كورونا” في منطقة لا لصاقات جروح طبّية فيها ولا معقّمات أو حتّى أدوية خافضة للحرارة؟ هذا السؤال ليس محض افتراض أو تخيّل، بل هو حقيقة يعيشها أكثر من 10 آلاف مدني في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش سواء البشري أو الحيواني أو النباتي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعيش أسعد، وهو نازح سوري من تدمر مع زوجته وثلاثة من أولاده داخل مخيّم الركبان منذ تأسيسه على الحدود الأردنية السورية عام 2014. اثنان من أبنائه وُلدا داخل المخيّم، وهما لا يعرفان شيئاً عن العالم الخارجي، المباني الشاهقة أو السيارات الحديثة أو الشوارع والمطاعم والفنادق والمدارس وغيرها، كونهما لم يخرجا من هذا المخيّم في قلب الصحراء.

عندما وضعت زوجة أسعد ابنها الأصغر، كان الحصار في أشدّه على مخيّم الركبان عام 2018، وهناك اختبرت كل أنواع الحصار والعذاب داخل، ولكنّها وزوجها اليوم لديهما تخوّف من نوعٍ آخر.

مخيم الركبان

خلال مكوثه في المخيم الصحراوي طيلة هذه السنوات، أصيب أسعد بالربو وتفاقمت حالته الصحّية لعدم وجود رعاية ومتابعة طبّية، وفي كل مرّة يسمع أسعد أن مرضى الربو هم الأكثر عرضة للموت في حال أصيبوا بفايروس “كورونا”، تنتابه موجة اكتئاب. يقول: “لا أخاف على نفسي بقدر خوفي على مصير زوجتي وأولادي وكيف يمكن أن يبقوا هنا وحدهم في هذه الصحراء القاحلة من دون أي مساعدة”.

مذ وصلت إلى المخيّم أخبار انتشار الجائحة من الصين إلى بقية أقطار العالم، استبق أسعد الأمر ببعض الإجراءات الوقائية، إذ منع استقبال الضيوف داخل منزله الطيني الذي شيّده في المخيّم، إضافةً إلى ضبط حركة أولاده داخل المخيّم إذ لا يخرجون إلا تحت نظره، مع محاولة عدم الاحتكاك مع الآخرين. ولكن في حال أراد أحدهم القيام بالتعقيم فإن هذا غير متاح داخل مخيّم الركبان بسبب عدم وجود أدوات لذلك.

 “نضطر للمشي نحو نصف ساعة للحصول على مياه هي أصلاً غير نظيفة ولا يمكن استخدامها في التنظيف والتعقيم”

على رغم محاولات أم أحمد المستمرّة لتعقيم الحوائج التي تدخل غرفتها، إلا أنها فشلت بذلك، فالصابون غير متوفر بما يكفي وسعره مرتفع جدّاً وهناك مشكلة أكبر وهي المياه.

تقول أم أحمد: “نضطر للمشي نحو نصف ساعة للحصول على مياه هي أصلاً غير نظيفة ولا يمكن استخدامها في التنظيف والتعقيم”.

وتتابع: “ما موقف أكثر من 10 آلاف مدني هنا في هذا المخيّم عندما يسمعون بتوصية الصحّة العالمية بضرورة غسل الأيدي بالماء والصابون؟ وهل تعلم منظمة الصحّة العالمية أن هناك أناساً لا يملكون مياهاً وصابوناً على رغم أن جيوش الدول الكبرى (أميركا وروسيا) تحيط بهم شرقاً وغرباً ولكن ما من أحدٍ يساعدهم؟”.

كورونا في الركبان؟

ماذا يعني تفشّي فايروس “كورونا” في منطقة لا لصاقات جروح طبّية فيها ولا معقّمات أو حتّى أدوية خافضة للحرارة؟ هذا السؤال ليس محض افتراض أو تخيّل، بل هو حقيقة يعيشها أكثر من 10 آلاف مدني في منطقة تفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش سواء البشري أو الحيواني أو النباتي.

في البادية السورية، جنوب شرقي البلاد بمحاذاة الحدود مع الأردن، يقع مخيّم الركبان. النازحون السوريون هناك معزولون تماماً عن العالم، يعيشون حجراً، إنما غير صحّي منذ 6 سنوات، وهو لا يشبه الحجر الذي نعيشه اليوم في منازلنا على أريكات مريحة وأمام شاشات ذكيّة تعرض أحدث أفلام “نتفلكس”.

خلال سنوات وجود المدنيين هناك، تعرّض المخيم الذي انشأ عام 2014لأكثر من 25 موجة حصار أدّت إلى مجاعات بسبب نقص الأغذية ووفيات بسبب نقص الأجهزة الطبّية، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض عدد النازحين هناك من 85 ألفاً إلى 11 ألفاً، معظمهم فرّوا إلى “المعابر الإنسانية” الروسية، من دون ضمانات واضحة على حياتهم. ويخضع المخيم لحصار مستمر بعد إغلاق المنفذ الذي يربط بالأردن بضغط روسي.

ينحدر غالبية سكان المخيم من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة، وتديره فصائل معارضة مدعومة من التحالف الدولي.

مخاوف “كورونا”

اليوم بالتزامن مع تفشّي “كورونا” عالمياً، فإن انعزال المخيّم عن العالم طيلة هذه السنوات لا يعني أن ذلك يقِيه خطر تفشّي الوباء هناك، وذلك بسبب استمرار دخول التجّار الذين يقومون بإيصال كميات محدودة من الأغذية بأسعارٍ تصل إلى عشرة أضعاف سعرها النظامي.

معظم من بقي حتّى اليوم في المخيّم، يعيشون خوفاً مضاعفاً من الفايروس، ذلك أن المخيّم يفتقر إلى المعدّات الطبّية أو الأدوية الضرورية لمواجهة الفايروس، وفي حال تسلّل “كورونا” إلى الركبان، فإنّ الحجر سيصير حجرين، وسيواصل العالم إدارة ظهره لما يحصل داخل المخيم.

بالتزامن مع ظهور الفايروس، نظمت مجموعة من الشباب المتطوّعين ندوات في شوارع المخيّم للشرح للقاطنين أعراض الفايروس وأساليب الوقاية المتاحة داخل المخيّم، والتي لا تشبه وسائل الوقاية في أماكن أخرى من العالم. وتركّزت النصائح على ضرورة عدم الدخول إلى المخيم والخروج منه، إضافةً إلى تخفيف الزيارات والتباعد الجسماني، لأنه في حال وقوع إصابات فإن المرضى قد لا يجدون حبوباً خافضة للحرارة أو حتّى “باراسيتامول”.

إغلاق النقطة الطبّية الوحيدة

أغلق الأردن النقطة الطبية الوحيدة التي كانت تقدم الإسعافات الأولية وتستقبل حالات الولادة الحرجة، كما أغلق الحدود ضمن إجراءات للحد من انتشار فايروس “كورونا”.

يقول محمد درباس رئيس المجلس المحلي في الركبان لـ”درج”: “النقطة كانت تقع على بعد 400 متر داخل الأراضي الأردنية وكانت تُنقل إليها الحالات الحرجة والولادات، ولكن تم إغلاقها خوفاً من تفشّي كورونا”.

ويُشير درباس إلى أن هناك نساء حوامل يحتجنَ إلى عمليات قيصرية اضطررنَ إلى تخطّي المعابر الروسية والانتقال لإجراء العمل الجراحي في دمشق، على رغم المخاوف على حيواتهنَّ.

كما يوضح درباس، أن سكّان المخيّم لا يعرفون شيئاً عن المعقّمات أو الأقنعة الطبية (الكمامات) أو حتّى أعراض الفايروس.

“هيئة العلاقات العامة والسياسية في البادية السورية” ناشدت الحكومة الأميركية، لتقديم المساعدة الفورية والإسعافية عن طريق قوات التحالف الدولي بمنطقة 55 وإنقاذ حياة الأمهات وأطفالهن.

ولكن رد الأردن كان حاسماً في هذا الصدد، إذ أعلن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي، أن بلاده لن تسمح بدخول أي مساعدات إلى مخيم الركبان من أراضيها، كما لن تسمح بدخول أي شخص من المخيم إلى الأراضي الأردنية.

وقال الصفدي في اتصالٍ مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون: “إن حماية المواطنين من جائحة كورونا تشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى الأردن”، موضحاً أن مسؤولية مخيم الركبان، أممية – سورية، كونه يضم مواطنين سوريين على أرض سورية”.

وأوضح أن أي مساعدات إنسانية أو طبية يحتاجها المخيم يجب أن تأتي من الداخل السوري، مؤكّداً ضرورة تكاتف الجهود الدولية لتحقيق الحل السياسي في سوريا.

أسوأ موجات الحصار

على رغم أن الحصار لم يعد جديداً على سكّان مخيم الركبان، ولكن يبدو أن هذه الموجة التي اشتدّت مع حلول رمضان هي الأقسى على الإطلاق.

يقول درباس لـ”درج”: “الآن حالة مخيّم الركبان سيئة جداً لأنه محاصر من كلّ الجهات بعد إغلاق الأردن حدوده في وجهه وإقفال النقطة الطبّية”.

وأشار إلى أن هناك تجّاراً يأتون إلى المخيّم ومعهم كميات محدودة من البضائع الأساسية والتي يتم بيعها إلى 10 في المئة فقط من السكّان الراغبين بالشراء بعشرة أضعاف سعرها، لأن التجّار يدفعون الكثير من الأموال للحواجز ليتمكّنوا من الوصول إلى المخيّم.

وفي كل يوم يصطف مئات المدنيين بانتظار أي سيارة أغذية ليشتروا شيئاً يسدّون به رمقهم، إنما تحول أسعار السلع المرتفعة دون ذلك في أحيان كثيرة.

أحمد محمد الهيال، رئيس مجلس عشائر تدمر والبادية السورية الذي يعيش في المخيّم: “لا توجد حبّة طحين في المخيّم منذ أكثر من أسبوع، وعليه لا يوجد خبز أيضاً”، موضحاً أن المدنيين في حيرة حول ماذا سيطعمون أولادهم.

يرى الهيال أن الحصار قاسٍ جدّاً وغير مسبوق حتّى أن معظم سكّان المخيّم يكادون ينسون شكل الخضار والفواكه، إضافةً إلى الشح الكبير في الأدوية والمسلتزمات الطبّية.

داخل المخيّم، هناك نقطتان طبّيتان، إلا أنهما عاجزتان عن تقديم العلاج أو الإسعافات الأوّلية، إذ تعانيان من نقصٍ حاد في الأدوات الطبّية الأساسية.

الأمم المتحدة: خطابات فارغة

لم يختلف تفاعل الأمم المتحدة إزاء ما يحدث في مخيّم الركبان حالياً، مع تعاطيها إزاء قضاياه في السنوات الماضية، إذ اكتفت على لسان ديفيد سوانسون من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بالإعراب عن قلقها البالغ إزاء الوضع في مخيم “الركبان” للاجئين في سوريا، بسبب نقص الغذاء والمساعدة الطبية.

وقال سوانسون: “لا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء الوضع الإنساني في مخيم الركبان، حيث تعيش العائلات في خيم وتتعرض لظروف جوية قاسية، والوقود محدود، وغالباً ما تلجأ العائلات إلى حرق المواد غير الآمنة مثل القمامة للحصول على التدفئة وهناك نقص حاد في الغذاء، والخدمات الطبية غير كافية”.

وأوضح المسؤول الأممي، أن نزلاء المخيم، لا يزالون يحصلون على إمدادات المياه المقدمة بمساعدة الأمم المتحدة.

وأضاف سوانسون، أنه لم يعد يمكن الوصول إلى العيادة الطبية التي تدعمها الأمم المتحدة على الجانب الأردني من الحدود، بعد إغلاق الحدود في آذار/ مارس، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية لمكافحة “كورونا”. وأكد أنه حتى الآن لم تسجل إصابات جديدة بالفايروس في المخيم.

وتابع: “طالما بقي مدنيون في المخيم، ستواصل الأمم المتحدة الدعوة إلى تقديم المساعدة الإنسانية المنتظمة لهم، وتقديم الضمانات الأمنية اللازمة للعاملين في المجال الإنساني هناك”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.