fbpx

مولوتوف على ميشال شيحا في طرابلس: الأوليغارشيا تصطدم بالحائط!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تستطع المنظومة الشيحوية بإرثها وحاضرها، والتي كانت تفاخر بالحرية أن تتفادى، بقليل من التعقيد والإعتباطية تدخل الجمركي ولا “الدركي”(الجيش في الحالة الطرابلسية)، وبغياب الأبواب والنوافذ، لم تجد أمامها سوى الإرتطام بالحائط!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عشية الذكرى المئوية لولادة لبنان الكبير، تحيل المواجهة بين أهل طرابلس ومصارفها في مشهديتها إلى الصراع التاريخي الذي يتجاذب عاصمة الشمال قرباً وبعداً عن “الكيان اللبناني” كما نظّر له المصرفي اللبناني الشهير ميشال شيحا. في إحراق المصارف إنتقام متأخر من الشيحوية، وإحراق لآخر مراكبها. وهذه المرة تعيد طرابلس النقاش إلى نواته الأولى وتقلبه رأساً على عقب: فحضور طرابلس كمدماك في الكيان اللبناني بات مسلمّة تاريخية، وأهلها يصارعون عبر انتفاضتهم إلى توكيد هذا الإنتماء، فيما يبدو أن جماعات شيحاوية أو تتقاطع حالياً مع الفكر الشيحوي الآفل، تحاول أن تنفي عن طرابلس لبنانيتها، وتعيدها إلى ما كان يسوّق له مشروع إميل إده “الداعي إلى إعادة المدينة الشمالية إلى سورية من ضمن مشروعه تحجيم لبنان الكبير بقصد تخفيض عدد المسلمين فيه”. سلطات الإنتداب لم تأخذ كما يذكر فواز طرابلسي(“صلات بلا وصل”، رياض الريس، 1999)، بهذا الإقتراح “مخافة ان تستخدم سوريا مرفأ طرابلس بديلاً من مرفأ بيروت”. وبهذا المعنى منعت بيروت آنذاك بدورها التجاري المحوري، الذي كان حجر أساس في المشروع الشيحوي القائم على التجارة والخدمات والمصارف، طرابلس من الانسلاخ عن لبنان والإنضمام إلى سوريا. ومنذ ذلك الحين تبدو المدينة الشمالية كما لو انها متروكة لقدرها، مخافة أن تلعب دوراً يؤثر على الدور المركزي للعاصمة بيروت، ويتم التعامل معها في أحيان كثيرة على أنها سورية، أكثر منها لبنانية. ولم تخل المواجهات الأخيرة من اتهامات مشابهة تقول بمشاركة سوريين بالتظاهرات ضد المصارف اللبنانية!

ميشال شيحا

هذه النظرة الفوقية لطرابلس ضبطها حسام عيتاني(“هويات كثيرة وحيرة واحدة”، دار الساقي، 2007) “بالجرم المشهود” لدى ميشال شيحا عبر نظرته المليئة بالإعجاب للسياسي الطرابلسي المسلم صاحب العينين الزرقاوين عبد الحميد كرامي، والذي يقول في وصفه إن “واحدنا كان إذا طالعه (كرامي) ماثلاً بنظرته اللازوردية وشعره الأشقر الذي أصبح رمادياً قبل الأوان، ومشيته الفتية، إنما يرى فيه رجلاً من شمال الكرة ضلّ الطريق فنزل شطآننا”. فهو إذاً، بحسب شيحا، سياسي لا يشبه أبناء المدينة، وهو بمثابة “الرجل الأبيض” الذي “ضل الطريق” ليصل إلى طرابلس وهذا من حسن حظ المدينة من وجهة نظر شيحا الفوقية والعنصرية. ويقول عيتاني في تحليل هذه النظرة الشيحوية إلى كرامي، إن “واحداً من أسباب إعجاب شيحا بالسياسي المسلم السني الطرابلسي الذي أدى دوراً مهماً في استقلال لبنان، كانت ملامحه الجسدية التي تعطي انطباعاً… بأن كرامي من أرومة غير عربية وهو أشبه ما يكون بزعيم غربي”. هذا فضلاً عن السبب الأبرز المتمثل بإعجاب شيحا بما يعرف بـ”ميثاق عبد الحميد كرامي” الذي يتلخص بنهائية الكيان اللبناني ورفض ضمه كلياً أو جزئياً إلى أي قطر آخر، وجلي ما في هذا الميثاق، كما يقول عيتاني “من نأي عن الخطاب الإسلامي التقليدي الذي واكب نشوء دولة لبنان الكبير، وعلى الأخص ما كان يصدر من عاصمة الشمال اللبناني، والمتعلق بتقديم الإنتماء إلى الشام ورفض الإنسلاخ منها على متطلبات الإندماج في لبنان”. 

شيحا كان يحذّر دائماً من “الإرتطام بالحائط” لأن “بلداً كبلدنا، هذا الذي يقدم، بخاصة، خدمات، لا بد، بكل بداهة، من ان تحكمه الحرية، بأوسع مجالاتها.

من هذه النافذة تطلّ الشيحوية برأسها في طرابلس اليوم. فعبد الحميد كرامي كان يلخص، كما يقول عيتاني، “ما تريده الأيديولوجيا اللبنانية من السياسيين المسلمين: قدرة على السير في عكس تيار رغبات الجمهور، واذا امكن التشبه بالغرب ولو من حيث الشكل”، وهذا بالضبط ما لا يزال ديناصور الشيحوية المنقرض المتمثل اليوم بسحالي الأوليغارشية اللبنانية الحاكمة يريده ويطلبه من السياسيين الطرابلسيين، ومنهم حفيد عبد الحميد كرامي، فيصل: “السير عكس تيار رغبات الجمهور”. والجمهور الطرابلسي هذه المرة “عارف طريقه” جيداً. ولهذا لا ينجو ميشال شيحا الذي “كان يجسد الوطن في شخصه”(كما رثاه شارل حلو) في طرابلس اليوم من شظايا ولهب المولوتوف الذي يرمي به شبان غاضبون على المصارف. 

شيحا كان يحذّر دائماً من “الإرتطام بالحائط” لأن “بلداً كبلدنا، هذا الذي يقدم، بخاصة، خدمات، لا بد، بكل بداهة، من ان تحكمه الحرية، بأوسع مجالاتها. فآراء جيراننا تختلف احياناً عن آرائنا، لأن وضعهم يختلف عن وضعنا. إنهم لا يقدمون خدمات، بل يستهدفون، قبل كل شيء، الانتاج الزراعي، والانتاج الصناعي. أما نحن، فلا بدّ لنا من أبواب ونوافذ، بينما هم ليسوا بحاجة اليها. والفن كله، بما يعنينا، هو ألا نرتطم بالحائط؛ فالحلول الأقل اعتباطاً والأقل تعقيداً، تلك التي بإمكانها ان تجنّبنا تدخل الجمركي وتدخل الدركي، هي الأحسن لنا دوماً”. هذه المقولة، التي تكاد تلخص الفكر الشيحوي، أفرد لها مهدي عامل في كتابه “مدخل إلى نقض الفكر الطائفي” سطوراً من النقد اللاذع الذي لا يخلو من سخرية على كاتبها.

لم تستطع المنظومة الشيحوية بإرثها وحاضرها، والتي كانت تفاخر بالحرية أن تتفادى، بقليل من التعقيد والإعتباطية تدخل الجمركي ولا “الدركي”(الجيش في الحالة الطرابلسية)، وبغياب الأبواب والنوافذ، لم تجد أمامها سوى الإرتطام بالحائط!