fbpx

“كورونا” فرصة هنغاريا لفرض الدكتاتورية بأموال الاتحاد الأوروبي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل تواجه الديموقراطية وحرية التعبير في العالم تهديداً تفرضه جائحة “كورونا”؟

على هذا السؤال يجيب الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك بتوقعه أن تجلب حالة الطوارئ المعلنة في جميع دول العالم معها حالة استبدادية جديدة، حتى وإن عزّزت الروابط المجتمعية. وعبر جيجيك عن اعتقاده بأن هذه الأزمة ستعطي معنى جديداً للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد من تلك الشيوعية التاريخية، وفق ما ذكر في حوار مع الصحافية الإيطالية آنا لومباردي من صحيفة “لاريبوبليكا”. 

ينشغل خبراء الشؤون الدولية ومراكز البحوث ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية أيضاً بالبحث عن إجابة لهذا السؤال بعدما سارعت الأنظمة الديموقراطية والدكتاتورية إلى فرض حالة الطوارئ، تحت شعار مواجهة “كورونا”، الذي اكتسح الدول المتقدمة والفقيرة على حد سواء، وأصاب الملايين، إضافة إلى آلاف الموتى من مختلف الاجناس والأعراق والأعمار. واعتبر أستاذ التاريخ والسياسة في جامعة غراتس النمساوية فلوريان بيبر في مقال له نشرته مجلة “فورين بوليسي” أن “الوباء وفر للحكومات الدكتاتورية والديموقراطية فرصة للتعسف وإساءة استخدام السلطة وتقليص الحريات المدنية. ورأى بيبر مؤلف كتاب “مناقشة القومية… الانتشار العالمي للأمم”، أن “الإجراءات الحالية قد تنجح في التخفيف من انتشار الفايروس وتفشي الجائحة، لكن العالم سيواجه خطراً من نوع آخر، إذ ستكون بلدان كثيرة أقل ديموقراطية بكثير مما كانت عليه قبل أشهر، حتى بعد تراجع خطر الفايروس”. 

فيكتور اوربان

أوروبا التي تسود فيها قيم الديموقراطية منذ عقود طويلة، ظهرت هي الاخرى غير محصنة ضد هذا الخطر بخاصة بعد قيام رئيس حكومة هنغاريا المعروف بنزعته الفردية وتمرده الدائم على القرارات الأوروبية فيكتور اوربان، باستغلال الأغلبية النيابية التي يمتلكها حزبه “فيدس” لتمرير مرسوم حكومي بفرض حالة الطوارئ في البلاد إلى أجل غير مسمى، وتعليق عمل البرلمان، ومنحه صلاحيات استثنائية للسلطة من خلال مراسيم حكومية، إضافة إلى صلاحية السجن لمن يتهم بالترويج لأخبار كاذبة أو عدم التقيد بالتباعد الاجتماعي. وذلك على رغم رفض الأحزاب المعارضة التي اتهمته بالانقلاب على النظام الدستوري في البلاد، وذلك بعدما رفض بشكل قاطع تحديد مهلة معينة معقولة لحالة الطوارئ. وبرر المتحدث الحكومي القرار بما سماه “العمل للسيطرة على الفايروس”. وأضاف “لا أحد يعرف كم من الوقت سيمضي قبل القضاء على العدوى، ولكن الجميع يجب أن يثق بأن البرلمان سينعقد لاتخاذ قرار بإنهاء الطوارئ والصلاحيات الاستثنائية في اللحظة التي يتم الاعلان عن القضاء على المرض”. إلا أن أستاذة الاجتماع في جامعة برنستون لي كيم لاين شيبيلي، أشارت إلى أن “هذا القانون ليس مصمماً للعمل للأمد القريب”. وأضافت: “قد تكون الأجزاء الأكثر غموضاً من القانون أسوأ، لأن كل ما قام به اوربان وما سيواصل القيام به في ظل حالة الطوارئ ليس مذكوراً في هذا القانون”. أما مديرة الأبحاث في أوروبا وأوارسيا في فريدم هاوس لي زسيليك كساكي فرأت إن “هذا النوع من الإجراءات يحجب الطبيعة الأكثر مكراً لما يخطط له اوربان”. وقالت إن “الأنظمة الدكتاتورية تتخذ إجراءات غير صائبة وغير مفيدة على حد سواء”، ولذا “أشعر بالقلق بشأن الأثر طويل الأمد لهذا الأمر، عوضاً عن نتائجه السلبية المباشرة”. 

أوروبا تحتج

البرلمان الأوروبي وصف قرار اوربان بأنه “يتعارض بشكل قاطع مع القيم الأوروبية للديموقراطية والعدالة”، فيما أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين عن قلقها البالغ من انتهاك اوربان في قراراته القيم الديموقراطية وتجاوزه وبشكل حاد الحدود المعقولة للتصرف في مثل هذه الأزمات، وذلك لأن حالة الطوارئ ينبغي أن تكون مقيدة بفترة محددة، وأن تكون تحت الرقابة الدائمة للمجلس التشريعي”. في هذا السياق، حذر 70 زعيماً وسياسياً أوروبا من تركيز مرفض للسلطة بيد أوربان. ووفقاً لمذكرة أصدروها فإن “البرلمان المجري وافق على مرسوم يمنح حكومة أوروبان حق تعطيل تنفيذ بعض القوانين، ووفرض قوانين استثنائية بمراسيم حكومية لفترة غير محددة من الزمن، وتقييد جديد للحريات الصحافية وحق المجتمع في الحصول على المعلومات”. 

سجلت هنغاريا التي يصل عدد سكانها إلى حوالى 10 ملايين 2300 مصاب بـ”كورونا” حتى كتابة هذا التحقيق، وهو رقم يعد قليلاً جداً مقارنة مع دول أوروبا الغربية وبلدان أوروبا الشرقية المجاورة. وكانت الحكومة أقرت بأن عدد المصابين بالعدوى ربما يكون أكثر بكثير، ولكنها شددت على أن عدد المصابين القليل يعكس واقع أن الإجراءات المتخذة حققت أغراضها. وبحسب بيانات رسمية أن “دولة المجر تحتل الموقع الثاني في المنطقة لناحية قلة عدد الفحوصات الخاصة للكشف عن العدوى في لائحة دول المنطقة”. ويتضح من تقرير لوكلة “فرانس برس” الفرنسية أن المجر تحتل أحد المواقع المتقدمة (10 في المئة) في عدد الموتى بين المصابين بالعدوى.

أوربان الذي يعتلي رأس السلطة في المجر منذ 2010، ويعد صاحب ثاني أطول فترة حكم في أوروبا بعد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، يصف نفسه بأنه “ديموقراطي غير ليبرالي” و”شعبوي جاء بأغلبية انتخابية، منحازٌ لمصالح وتقاليد وثقافة بلاده”. ويعد اوربان المسؤول الأوروبي الأكثر تشدداً في معارضة الهجرة واللاجئين، ويعاني من فوبيا إزاء الإسلام ويعتبره تهديداً للهوية المسيحية الأوروبية، مشيراً إلى رفض المهاجرين المسلمين والعرب في غالبيتهم الاندماج في المجتمعات الاوروبية وتأسيسهم مجتمعات موازية ترفض الخضوع للقانون والدستور في جميع الدول الأوروبية. موقف اوربان من المهاجرين وفر له تأييداً شعبياً واسعاً في بلاده وأوروبا، ودعماً كبيراً من الأحزاب والتيارات الشعبوية والقومية المتشددة في أوروبا. وكانت صحيفة “واشنطن بوست” رأت أن تحدي أوربان الاتحاد الأوروبي يمثل تهديداً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي واجهته أوروبا عام 2016، عندما صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث احتدمت التكهنات وتزايدت التساؤلات عمن سيكون التالي”. 

تعكس ممارسة أوربان وحكومته السياسية سعياً دؤوباً لاستغلال الأزمة الصحية لتأكيد دوره كقوة إقليمية حيوية ومؤثرة

ظل منتقدو أوربان ومعارضوه يرون أنه “مستبد ليّن”، وذلك لأن المجر بتأكيدهم “لم تصل تحت حكمه إلى الديكتاتورية المطلقة”، إلا أن هذا الرأي لم يعد سارياً بعد قرارارته بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ وتركيز السلطة بيده تحت ذريعة مواجهة “كورونا”. ويشير قادة أحزاب المعارضة إلى أنه ساعد على ظهور مجموعة كبيرة من الأوليغارشيين الذين يتعايشون على أموال الصناديق الأوروبية وصفقات وعقود الدولة، ما أتاح لهم فرصة مراكمة المليارات من اليورو والأصول الاخرى، وبذلك تحولوا إلى أدوات يستخدمها لشراء الأتباع وتوزيع الغنائم مقيماً بذلك شبكة واسعة من المستفيدين من المال العام. هؤلاء الأوليغارشيون والأتباع والبيروقراطيين تحولوا إلى سند منيع لتحصين لسلطته، مستخدمين ما أقاموه ورسخوه من إقطاعيات من خلال نهب المال العام والاستحواذ على أموال الصناديق الأوروبية. ويكرر اوربان مراراً أنه الوحيد القادر على التغلب على الفايروس من دون اي مساهمة من المعارضة. ورأى المحلل المجري دانيال هيغيدوس” أن هذا الموقف يمثل سياسة خطيرة لهذا السياسي الشعبوي والقومي المتشددة”. ونبه المحلل في معهد Political Capital، لاسلو روبرت إلى أن “أي فشل محتمل في مواجهة العدوى يعده خطراً ماثلاً على حكمه، ولهذا فهو يحتاج إلى كبش فداء، سيجده حتماً في صفوف مجالس الإدارة المحلية، والمستشارين وأحزاب المعارضة”. 

دكتاتورية ما قبل الجائحة

 حتى قبل الجائحة، تميزت ديموقراطية أوربان باختلاف ادوات الحكم عن تلك التي في الدول الأوروبية، فحكومته فرضت سيطرتها الكاملة على القضاء والإعلام. وأعادت صوغ النظام الانتخابي للبلاد ليكون في خدمته ولو بشكل جزئي، من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تصب في مصلحته، ومنح الجنسية المجرية لذوي الأصول المجرية في الخارج. والذين أصبحوا الآن في معظمهم يعدون من مؤيدي حزبه “فيديس” وناخبيه. 

اتخذت حكومة اوربان قرارات استثنائية، وقامت بتشريع قوانين لتقليص المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني، ولم تتدخر أي جهد في ضرب المنظمات المدنية غير الحكومية، وغيرها من المؤسسات الأخرى التي لا تتفق برامجها أو أعمالها مع سياسات حزبه وحكومته التي حاربت حتى جامعة أوروبا الوسطى التي يمولها الملياردير الليبرالي جورج سورس ومقرها في “بودابست”. هذا دفع صحيفة “بوليتكو” إلى اعتبار فترة حكم أوربان نسخة مماثلة للسلطة الشيوعية التي انتفض ضدها الشعب المجري في الخمسينات من القرن الماضي. وقالت: “عندما يتعلق الأمر بالممارسات العملية للحكم وتأمين الدعم، فإن أوربان ونظراءه البولنديين نشروا منهجاً بملامح حكم أبوية، وقسوة وتسلط، وهوس بالأعداء الخارجيين، وحتى الخطابات الطبقية التي يلقونها، تذكرنا بأسلافهم الشيوعيين المستبدين”. 

 يرى محللون أن أسلوب أوربان السياسي يتقمص شكل حرب ثقافية مسلحة، ترتكز على سردية عاطفية عن التضحية والفداء المجري، فهو يسعى لتشكيل “دولة عظيمة” من جديد، بعد قرون من الخضوع والإذلال على يد العثمانيين، والمنتصرين في الحرب العالمية الأولى، والاتحاد السوفياتي، والقوى العدوانية التي تهدد الغرب في الوقت الراهن، وفق ما يرد في خطاباته. ولسخرية الواقع، فإن أوربان في الوقت الذي يشن فيه أقسى الحملات الانتقادية ضد الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، يواصل من دون حرج الاعتراف بعمق البئر المالية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثل تلقت حكومته مساعدات قدرها 5.5 مليار يورو خلال عام 2016، مقابل مساهمة قدرها 1. 2 مليار يورو فقط. وحصلت المجر على هذه الأموال لتمويل برامج عمل عامة ضخمة، في البنية التحتية والزراعة والتربية الحيوانية، وتخفيض معدلات البطالة، ما صب في مصلحة توطيد وتدعيم نظامه. 

في السياق ذاته، قال المدير التنفيذي لمؤسسة “بوليتيكال كابيتال” للدراسات السياسية، ومقرها بودابست بيتر كريكوى في تصريح لـ”واشنطن بوست: إن “أوربان يشن معركة التحرر ضد الاتحاد الأوروبي بأموال الاتحاد الأوروبي الضخمة”، مُضيفاً: “إذا كان لينين قال: سوف يبيع لنا الرأسماليون الحبل الذي سنشنقهم به، فإن الاتحاد الأوروبي في حالة أوربان لا يبيع شيئًا، إنه يمنحه هذه الحبل دون مقابل”. هذا فيما قال الأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية تشارلز غاتي: “يبدو أن أوربان يقتدي بنموذج نظام ميكلوش هورتي البائد للمجر خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، والذي تميز بدكتاتورية ناعمة تتحدى الأعداء الخارجيين الحقيقيين والمتخيلين للبلاد، والتي استدعت الفخر واستجذبت الأحاسيس الشوفينية مقابل ترك البلاد في ذل ودمار في نهاية الحرب العالمية الثانية”. وقالت كساكي “سيكون من الصعب دق ناقوس الخطر عندما تحدث تغييرات فعلية، وهو ما سيحصل حتماً إذا استمرت أزمة كورونا طويلا”. وبحسب “نيويوركر”، فإن “قانون الطوارئ يعلق جميع الانتخابات الفرعية، وهو أمر غريب على خلفية أن لا انتخابات مقررة حتى عام 2022”. 

تعكس ممارسة أوربان وحكومته السياسية سعياً دؤوباً لاستغلال الأزمة الصحية لتأكيد دوره كقوة إقليمية حيوية ومؤثرة، وتسخيرها لترويج استراتيجيته وسياسته التي يصفها شخصياً بأنها “الديموقراطية غير الليبرالية”. وبدا هذا جلياً بقيامه بتوزيع جزء من المساعدات الطبية التي تلقاها من حليفته الصين إلى دول أخرى مثل ألبانيا وصربيا والبوسنة، إضافة إلى الأقليات الاثنية الهنغارية في الدول المجاورة. وقال وزير الخارجية بيتار سيارتو” أن كل هنغاري أينما وجد يعد ضمن مسؤولية الحكومة المجرية، ولهذا فإنها ستساعد ميلوني اثني مجري يقيمون ويعملون في الخارج”. واعتبر المستشار السياسي للحكومة زلوتان كيسلي أن “هذا بالنسبة إلينا استثمار طويل الأمد”. وبرأي الصحافي الاستقصائي المجري توماش بودوكي أن “أوربان يسعى لزيادة عدد حلفائه وداعميه في الاتحاد الأوروبي، وجذب الدول البلقانية التي تتفاوض الآن لنيل العضوية في الاتحاد إلى سياساته في المستقبل”. وكشف أن “أوربان في إطار هذه الاستراتيجية يقوم الآن بشراء مؤسسات ميديا مؤثرة في سلوفينيا ومقدونيا الشمالية لترويج أفكاره وسياساته المناهضة للاتحاد الأوروبي، وهو النهج الذي مارسه في المجر خلال السنوات الأخيرة”. 

طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 29.09.2023

ثقافة لبنان بين أمين معلوف ومحمد جواد مرتضى

يندرج انتخاب أمين معلوف أميناً عاماً دائماً للأكاديمية الفرنسية في كونه مواطناً فرنسياً طبعاً، لكن ذلك لا يبدد معيار كثيف عن انتمائه إلى لبنان، وبافتراض أن المعايير الفرنسية لانتخابه قد تتخطى انتمائه اللبناني، لكن الرجل بالتأكيد لم يتخطى هذا الانتماء.