fbpx

“غير ملائم للشرق الأوسط”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعاني الشعوب العربية من رقابة الأنظمة، وأضيف إلى هذه القبضة الحديدية رقيب جديد، كان للحظة يظهر للمتفاعلين على المنصات أنهم سيتفلتون عبره من الرقابة التقليدية، إلى أن ثبت العكس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعاني الشعوب العربية من رقابة الأنظمة، وأضيف إلى هذه القبضة الحديدية رقيب جديد، كان للحظة يظهر للمتفاعلين على المنصات أنهم سيتفلتون عبره من الرقابة التقليدية، إلى أن ثبت العكس.

ازدواجية المعايير بين المنصات العالمية وفروعها في الشرق الاوسط، وقعت في فخاخها فرقة الراحل الكبير الغنائية اللبنانية، بعد أن منعت منصة “آي تيونز” الشرق الأوسط من عرض ست أغانٍ للفرقة، لكنها ما لبثت أن تراجعت عن قرارها لاحقاً بعد تدخل “أي تيونز” العالمية، وبعد أن اعتذرت إلى الفرقة عمّا حصل.

نوع الرقابة الجديد الذي تفرضه منصات عالمية كبرى، يشبه إلى حد بعيد رقابة الأنظمة. ويقول مؤسس فرقة الراحل الكبير خالد صبيح في حديث إلى درج: “ليس مستبعداً أن تتطور هذه الإجراءات العقابية ضد الحريات الفردية النشطة على المنصات، وهذا الشيء إذا ترسخ، فيجب ألّا يسكت عنه، لأن هذه القضية تمس منطقة تنتعش بها الأجهزة الرقابية والبوليسية، لذلك فإن استهدافها بهذا الشكل أمر مرفوض”، كما يقول صبيح.

“غير ملائم للشرق الأوسط”

بدأت الحكاية حين وصل إلى فرقة الراحل الكبير رد من الشركة الوسيطة لـ”آي تيونز” الأميركية قرار بسحب خمس أغانٍ للفرقة عن التدوال على منصتها. قرار السحب أتى مرفقاً بـ”عبارة غير ملائمة للشرق الأوسط”. والأغاني التي شملها الحظر بداية ذات مضمون سياسي ديني ساخر وهذا تماماً ما تذرعت به الشركة الوسيطة في قرار الحظر.

لكن الفرقة وبعد إعلانها قرار الحظر لاقت دعماً وانتشرت القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعمدت مجموعة Smex التي تدافع عن الحريات الرقمية على إطلاق عريضة تضامن وشجب للقرار وأرسلتها لشركة “آي تيونز” العالمية. فوراً أتى اعتذار من الشركة الكبرى التي بررت الأمر بأن الرقابة على أغاني الفرقة مارستها شركة وسيطة، مؤكدة أنه تصرف مرفوض.

لكن ما ليس واضحاً بعد هو ما إذا كانت الشركة الكبرى فعلاً ستبدل تعاملها مع الشركة الوسيطة أم أنها ستنتظر تجاوز الأزمة وتراجع التداول فيها وتبقي الأمور كما هي.

يقول صبيح: “يجب ألا يُسكَت عن الموضوع، لأن ما لدينا من رقابة يكفينا، ولا يجوز أن تشارك منصات في عملية القمع، لدينا رقابة دينية وهيئات تمنع عرض أفلام، وقد منع أكثر من عشرة أفلام من العرض بحجة أنها تسبب فتنة بين الطوائف. 

نحن في الراحل الكبير استهزأنا بالرئيس محمد مرسي، وانتقدنا تنظيم داعش، وانتقدنا التركيبة السلطوية الثلاثية في لبنان. عندما يشاهد حفلاتنا صحافيون أوروبيون يسألوننا من أين أتينا بهذه الشجاعة خصوصاً عندما نغني بمضامين سياسية، نحن نحصل على الشجاعة من الناس”.

 

يقول صبيح: “يجب ألا يُسكَت عن الموضوع، لأن ما لدينا من رقابة يكفينا، ولا يجوز أن تشارك منصات في عملية القمع

 

عن الراحل الكبير وضحايا آخرين 

ما واجهته فرقة الراحل الكبير، ليس الحادث الأول من نوعه في الشرق الأوسط، فأواخر عام 2016 أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قانوناً يتيح زواج المثليين. واحتفاءً بالقرار، قامت شركة “فيسبوك” بتفعيل “وسم” قوس قزح إلى جانب الوجه الضاحك والمندهش، وشعار الحب والوجه الحزين، وكان الهدف من “قوس القزح” تحفيز التفاعل مع المنشورات التي تحتفي بمناسبة تشريع زواج المثليين.

أتيح استخدام قوس القزح في جميع أنحاء العالم، ما عدا في الدول العربية، وبعض دول أفريقيا، وبررت “فيسبوك” حينها أن عدم إتاحة وسم قوس القزح للمستخدمين في كلا المنطقتين، يندرج ضمن إطار عدم ملاءمته قوانين تلك الدول وأعرافها.

اعترض كثيرون على قرار الشركة، ووصفت الخطوة بأنها تواطؤ مباشر مع أنظمة تمارس منذ عقود قمعاً متواصلاً للحريات والخيارات الفردية، وتزامنت الانتقادات مع موجة غضب تستنكر مراقبة “فيسبوك” الحسابات الوهمية التي يتخفى بها أشخاص مثليون، خوفاً من فضح هويتهم الحقيقية. وجاءت إجراءات الشركة عوائق أمام الأفراد المتخفين، ما دفع المجموعات التي تدعم المثليين والمتحولين جنسياً إلى السخرية من منصة عالمية تروج لنفسها بأنها توفر مساحة للأقليات حول العالم.

مشكلة أخرى يواجهها المستخدمون في الشرق الاوسط، وهي أنهم في حال أرادوا مشاركة مقطع موسيقي على صفحاتهم، تنبههم المنصة إلى أن الفيديو سيتوقف بثه في بعض الدول لأنه “غير ملائم”، فيتم حظره نهائياً بعد دقائق.

“يوتيوب” منصة أخرى لديها سجل حافل في سحب أشرطة فيديو، بحجة مكافحة الإرهاب وانتشار مواد “لا تتلائم مع شروط الشركة”، وكان أبرز ضحاياها آلاف الأشرطة المصورة التي حذفت بين ليلة وضحاها، توثق الجرائم المرتكبة على يد النظام السوري.

تحالف ضد الشعوب

لقد شكل الناشطون في الكتابة والترويج للمواد السياسية الناقدة في الشرق الأوسط مشكلة حقيقية لمواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقلب آخر شكل المتفاعلون على المنصات أزمة لأنظمة الشرق الأوسط مجتمعة. 

قبل عام 2010 أدت الكتابات السياسية للمتفاعلين على المواقع الافتراضية إلى الإطاحة بمنصات بعد قرارات حكومية اتخذت عقب أحداث سياسية بارزة. فبعد الثورة الخضراء في إيران حظر استخدام “فيسبوك” و”تويتر” في الجمهورية الإيرانية، وحظرت تركيا استخدام “يوتيوب” عقب صعود أردوغان إلى الحكم، واتخذ المغرب حذوه في حظر منصات التواصل الاجتماعي. 

حظر المنصات العالمية في مجموعة دول بسبب ما اقترفه الناشطون، كبدها خسائر مالية فادحة، ودفعها بعد عام 2010 إلى انتهاج سياسة معاقبة المتفاعلين والناشطين وذلك بحسب تقرير مفصل لموقع Vice news الأميركي، يفند تبدل سلوك الشركات بالتعامل مع المتفاعلين، وبروز سمة تهديدهم بالحظر في حال لم يلتزموا بشروط الشركة.

تواطؤ المنصات العالمية مع الحكومات العربية

كثيراً ما اشتكى المتفاعلون عربياً على منصات التواصل الاجتماعي من إغلاق صفحاتهم بعد إبلاغهم بأنهم ينشرون مواد “غير ملائمة للشرق الأوسط”، وأبرز المتفاعلين الذين وقعوا ضحية الأمر، هم ناشرو المواد الإلحادية التي تناقش في محظورات دينية واجتماعية أو التي تدعو إلى الحرية الجنسية.

وعبر السنوات استطاعت دول في الشرق الأوسط رائدة في عالم التكنولوجيا على رأسها إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة من توطيد علاقتها الحكومية مع منصات التواصل الاجتماعي كـ”فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” و”آي تيونز”. 

ففي شهر أبريل/ نيسان الماضي وقعت الإمارات اتفاقاً مع “فيسبوك”، يفضي إلى مكافحة الأخبار الملفقة والكاذبة، ومن بين ما ينطوي عليه الاتفاق، خلق إطار لمكافحة الأخبار التي تؤذي سمعة الإمارات. وقبل سنة أطلقت الشركة حملة لمكافحة مجموعات مقاطعة إسرائيل وحركات الافتراضية المؤيدة للقضية الفلسطينية لأن المنشورات تحوي على عبارات تبث الكراهية.

العام الماضي نشر الكوميدي البريطاني بات كونديل فيديو يحمل اسم “أهلاً وسهلاً بالسعودي البريطاني”، وتضمن الفيديو مادة ساخرة جداً من مسلمي بريطانيا، وبعد ساعات حذف “يوتيوب” المادة، وأَرسل انذاراً إلى الممثل بأنه في حال تجاوز المحظورات مرة جديدة سيتم حذف قناته بشكل كامل. 

محاصرة مستخدمي المنصات العالمية بما يتوافق مع سياسات الحكومات العربية المتمكنة مالياً، لا تتوقف عند هذا الحد، إذ بدأت المنصات التي تتيح خدمة المراسلات الشخصية فيها من تعقب الرسائل الشخصية، وحذفها تلقائياً، في حال كانت الرسائل تحوي على ألفاظ سياسية تندرج في سياق تصنيفات الدول العربية بأنها الألفاظ ومواد ارهابية.

إنها إذاً مستويات جديدة من الرقابة التي باتت تتسلل إلى الفضاء الإلكتروني وهذا ما يفرض على المستخدمين خصوصاً من لا يجدون مساحات في الإعلام التقليدي، سبل مواجهة جديدة.