fbpx

الإيزيديات في عفرين… قصص خطف واعتقال وتعذيب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يوثّق هذا التحقيق 6 قصص لفتيات إيزيديات منهن من اعتقلت وأطلق سراحها، وأخريات ما زلن قيد الاعتقال، وأخرى كان الموت أقرب إليها، إذ اختطفت وقتلت في اليوم ذاته…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نعم… حدث الكثير للإيزيديين ولشنكال”، عنوان مقال كتبته قبل نحو عام في موقع “درج”، تعليقاً على سؤال طفل إيزيدي محرر من تنظيم “داعش” الإرهابي، اليوم يبدو أنه بات علي أن أضيف عفرين أيضاً إلى عنوان المقال، فبعدما حدث الكثير للإيزيديين ولشنكال في كردستان العراق، يطارد شبح التهجير والقتل وتدمير المعابد في عفرين، المدينة الكردية السورية أيضاً.

فقد دعت اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية USCIRF، في تقريرها السنوي الذي صدر في 28 نيسان/ أبريل المنصرم، الإدارة الأميركية إلى ممارسة ما وصفته بالضغط الكبير على تركيا لتحديد جدول زمني لانسحاب قواتها من سوريا، ومنع أنقرة من توسيع عملياتها العسكرية في سوريا، متهمة أنقرة بأن علمياتها العسكرية أثرت في الأقليات الدينية من المسيحيين والإيزيديين، وتسببت بتهجيرهم، وتدمير دور العبادة الخاصة بهم، وهذا ليس التقرير الوحيد للجنة الأميركية بخصوص الانتهاكات بحق الإيزيديين في عفرين وليست اللجنة الجهة الوحيدة التي نشرت تقارير حول وضع الإيزيديين في عفرين. 

قتل وطلب فدية…

لم يكن إنجاز هذا التحقيق سهلاً، وذلك بسبب حالة الخوف وعدم الثقة بأي غريب يسأل الناس عن قصصهم، فجلّ من تحدثنا إليهم أكدوا أن قصة تعرضهم للانتهاك صحيحة، لكنهم رفضوا سرد التفاصيل، أو حتى نشرها على لسانهم، وهذا ما دفعنا للبحث عن متحدثين عارفين بتفاصيل الحكاية لتكتمل الصورة لدينا، ونستطيع تقديمها. استطعنا رصد 6 قصص لفتيات إيزيديات منهن من اعتقلت وأطلق سراحها، وهناك أخريات ما زلن قيد الاعتقال، وأخرى كان الموت أقرب إليها، إذ اختطفت وقتلت في اليوم ذاته…

نوروز (اسم مستعار) فتاة إيزيدية (19 سنة) من قرية كيمار ومقيمة في مدينة عفرين، رفضت أيضاً الحديث معنا ما دفعنا للبحث عن وسيط، يسرد لنا قصتها.
قصة نوروز كانت في بداية نيسان/ أبريل 2020، بحسب الوسيط. ويتابع: “داهمت دورية من الشرطة العسكرية منزل نوروز وقامت باعتقالها ووالدتها، من دون ذكر سبب الاعتقال، وفي مقر الشرطة العسكرية تم فصلها عن أمها، ولم تلتقِ بها إلا بعد خروجها من المعتقل الذي بقيت فيه أكثر من أسبوع”.
وبحسب الوسيط الذي سرد لنا حكاية نوروز: “في البداية لم توجه لها أي تهمة، فقط أسئلة عامة طرحها عليها المحقق عن مكان السكن وعمرها وبعض المعلومات العامة، ثم قام بتفتيش هاتفها، ومن ثم وضعت في غرفة الحجز”.
يؤكد الوسيط أن نوروز لم تتعرض للتعذيب الجسدي في الحجز، لكن التعذيب النفسي كان أشد وطأة عليها، فالشتائم والتهديدات المستمرة كانت كافية لتنهار، بخاصة أنهم كانوا يوجهون إليها إهانات لأنها إيزيدية. في ما بعد تم توجيه اتهام إليها بأنها على علاقة مع “حزب الاتحاد الديموقراطي”، وحقيقة لم يكن لها يوماً لا هي ولا أي فرد من عائلتها علاقة بأي تنظيم سياسي أو عسكري، وبعد أكثر من أسبوع، وبسبب الضغوط وتدخل جهات، أُطلِق سراحها”.
ويردف: “في ما بعد وعند وصولها إلى المنزل اكتشفت السبب الرئيس لاعتقالها، ففي حديث دار بين المحقق ووالدتها التي خرجت في اليوم ذاته، عرض المحقق على الأم اعتناق الإسلام، وحين رفضت استشاط المحقق غضباً وطلب منها العودة إلى المنزل بلا ابنتها”.

آرين حسن فتاة إيزيدية تم اعتقالها في 27 شباط/ فبراير 2020 من قرية كميار في ريف عفرين، ولم يطلق سراحها حتى الآن.

يقول كوران (اسم مستعار) وهو من عائلة آرين، فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي وصلة القرابة خشية تعرضه للانتقام، “منذ اعتقال آرين لم نتواصل معها ولا نعرف شيئاً عن مصيرها، ويطالبوننا بمبلغ ثلاثة آلاف دولار، ونحن واثقون أننا حتى لو دفعنا هذا المبلغ لن يطلقوا سراحها، وهي ليست الحالة الوحيدة، فهناك من نعرفهم قامت الفصائل باعتقالهم ودفعوا فدية، ثم جاء فصيل آخر واعتقل الشخص ذاته وطلبوا من أهله فدية، هدفهم فقط تهجير الكرد سكان عفرين الأصليين من المدينة فليكن الله بعون الناس”.

ويضيف كوران لـ”درج”، “من اعتقل ابنتنا قيادي في فرقة الحمزة يلقب بأبو شاهر، وقد اقتادوها من المنزل، من قرية كميار في ريف عفرين، وأبو شاهر مسؤول منطقتنا في فرقة الحمزة، وهذه الفرقة قامت بتهجير عائلات كثيرة من منازلها، بغية بيع المنازل لمستوطنين من الغوطة وبقية المناطق، هم يريدوننا أن نفرغ قرانا لهم، وحاولنا التواصل مع الجيش الوطني للاستفسار عن وضع ابنتنا، وكل ما يقال لنا إنها لديهم في عفرين، نريد معرفة سبب اعتقالها، وأين هي، نحن لا علاقة لنا بأي طرف سياسي أو عسكري، هل لأننا كرد وأيزيديون يكون علينا أن نتعرض لهذا الظلم كله؟”.

تمكن “درج” من التواصل مع أحد أقرباء الفتاة الإيزيدية نرجس دادو (24 سنة) التي خُطفت وقُتلت في مدينة عفرين بتاريخ 17/11/2019، وقال: “خرجت ابنتنا في فترة الظهيرة لشراء بعد احتياجاتها من السوق، وكالعادة كانت على تواصل مستمر مع والدتها طوال الوقت، وهذه عادة بتنا نتبعها بعد احتلال تركيا عفرين، لأننا لم نعد نأمن على أنفسنا من الاعتقال أو الاختطاف، لكن فجأة انقطع التواصل معها، وبدأ البحث عنها، لكن من دون جدوى، وبعد مرور نحو خمس ساعات تواصل معنا مسؤولون من الجيش التركي ليبلغونا أنهم لقوا جثتها في منطقة تبعد 40 كلم من عفرين، وسجلوا الحادثة ضد مجهول”.

ويكمل قريب نرجس حديثه: “ليس لدينا أدنى شك بأن لاحتلال التركي ومرتزقته يد في قتل ابنتنا، فأولاً كيف تختطف الفتاة في وضح النهار وتنقل لمسافة 40 كلم وسط كل هذه الحواجز المكثفة داخل المدينة وفي محيطها وخارجها، أيضاً ما يؤكد شكوكنا أنه كيف للجيش التركي أن يستطيع الوصول إلى جثتها بعد ساعات فقط، وإن كانوا بهذه القدرات الكبيرة، لما لا يسخرونها لكشف الجاني، أو منع هكذا جرائم؟ وأود أن أشير إلى نقطة، نحن نتهم الاحتلال لسبب آخر، فالحي الذي كانت تعيش فيه نرجس وعائلتها فيه مستوطنون، والعائلة الكردية والإيزيدية الوحيدة في الحي هي عائلة نرجس، وهذا دليل على أن الغاية هي دفع العائلة لتهجر منزلها، كحال الكثير من العائلات الكردية”.

الغاية سياسية لا مادية

“نتيجة متابعة فريق الرصد الذي يعمل داخل عفرين لمؤسسة إيزدينا، تلقينا معلومات تؤكد أن هناك أوامر رسمية تلقتها الفصائل السورية المتطرفة التي تعرف باسم الجيش الوطني السوري، مفادها اختطاف الفتيات الكرديات في عفرين من دون الرجوع إلى مذكرات قضائية رسمية. آلية اختيار الفتيات لا تكون من خلال وشاية أو نتيجة شكوك حيال الانتماء إلى الأحزاب الكردية بل وفق آلية عشوائية”، يقول علي عيسو مدير مؤسسة “إيزدينا” المهتمة برصد الانتهاكات في عفرين وبقية مناطق سيطرة الجيش الوطني، وتوثيقها.

وينفي عيسو أن تكون الغاية مادية بحتة وراء ما يتعرض له الإيزديون في عفرين فيقول لـ”درج”: “الغاية من هذه العمليات الممنهجة هي استهداف كرامة المجتمع الكردي من خلال ابتزازه بعمليات الخطف والتعذيب النفسي والجسدي ضد الفتيات، وأيضاً لإرهاب المجتمع الكردي وتهجيره عن عفرين وبالتالي سرقة ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها ومنحها لأقرباء المسلحين المتشددين من المستوطنين”.

لم تتعرض نوروز للتعذيب الجسدي في الحجز، لكن التعذيب النفسي كان أشد وطأة عليها، فالشتائم والتهديدات المستمرة كانت كافية لتنهار.

ويؤكد عيسو أن “كثيرات من الفتيات الايزيديات وقعن ضحايا عملية غصن الزيتون العسكرية التي شاركت فيها قوى سورية متطرفة معارضة للنظام السوري إلى جانب الجيش التركي، حيث قُتلت 5 نساء ايزيديات بينهن اثنتان قُتلتا لدوافع دينية متطرفة وفقًا لشهادات ذوي الضحايا، إحداهما قام المسلحون برمي قنبلة على منزلها والأخرى قاموا باستهدافها بعشرات الرصاصات”.

الصحافي نورهات حسن وهو من عفرين وخرج منها بعد سيطرة الجيش التركي على المدينة، يقول: “المجموعات التي دخلت إلى عفرين مع الاحتلال التركي هي مجموعات راديكالية إسلامية، وهؤلاء يكرهون الإيزديين، ويصفونهم بالخنازير، في قرية قسطل جندو على سبيل المثال، وهي قرية إيزدية، افتتحوا جامعاً، وأجبروا عدداً من أهالي القرية على اعتناق الإسلام، وأيضاً في بقية القرى الإيزيدية تم تهجير الغالبية من الإيزيديين، وأسكنوا مستوطنين من ريف دمشق ودرعا، كمعظم أهل عفرين، يتعرض الإيزيديون في عفرين للاضطهاد لسببين، الأول لأنهم كرد وهذا سبب استهداف الاحتلال التركي لهم، والسبب الثاني أنهم إيزيديون وهذا سبب كره المجموعات الراديكالية لهم”.

ونفى الناطق العسكري باسم الجيش الوطني الرائد يوسف حمود وجود دوافع دينية أو إثنية للاعتقالات، وقال لـ”درج”: “أما بالنسبة إلى الاعتقالات، فهي ليست من منطلق ديني أو إثني أو طائفي أو مذهبي. الجيش الوطني موجود ومؤسساته موجودة، المنطقة خرجت من حالة حرب مع إرهاب النظام السوري، ومع داعش وحزب PYD ولذلك حين يتم أي اعتقال سواء أكان كردياً أم لا، فلا يكون على أساس قومي، وهناك اعتقالات لمنتمين لداعش ومتعاونين مع النظام، وهناك خلايا نعتبرها إرهابية ما زالت تتعاون مع هذه الأطراف وتقدم لها خدمات كبيرة. الاعتقالات تطاول الطوائف كافة، وغايتها أمنية، لإجراء التحقيقات والحصول على المعلومات، ودفع العملية الأمنية في المنطقة، وهي تدخل ضمن السياسة والعمل الأمني العام، ولا تحمل أي أبعاد مذهبية أو إثنية أو طائفية”.

استهداف مزارات دينية


“في قرية باصوفان الإيزيدية دمر المرتزقة مزار الشيخ علي بعد النبش فيه بحثاً عن كنوز، إضافة إلى 8 مزارات أخرى في عفرين، وهي مزار الشيخ بركات على قمة جبل الشيخ بركات جنوب قلعة سمعان، مزار الشيخ حميد في قرية قسطل جندو، بارسا خاتون في قرية قسطل أيضاً، مزار ملك آدي في قرية قيبار، مزار قرة جرنة قرب ميدانكي، مزار الشيخ جنيد في قرية فقيرا، مزار الشيخ ركاب في قرية شادير، وأيضاً مزار قرية سينكا، إذ هناك استهداف ممنهج للكرد الإيزيديين في عفرين”، يقول نورهات.

وهذا ما يؤكده علي عيسو مدير مؤسسة “إيزدينا”، قائلاً: “في قرية قيبار ذات الأغلبية الإيزيدية لا تزال مئات القبور العائدة لل‘يزيديين مدمرة بشكل شبه كامل، والأمر ذاته في قرية قسطل جندو وهي من القرى الأولى التي سيطر عليها المتطرفون وقاموا بتصوير أنفسهم وهم يصفون أصحاب المحال التجارية الإيزيديين بـ”الخنازير”.

ويتابع عيسو: “أما في قرية بافلون الإيزيدية، لا يزال مزار الشيخ شرفدين مدمراً وفي داخله قنبلة لم تنفجر بعد، حيث على رغم من مرور عامين على الاحتلال التركي لهذه المنطقةـ، لم تقم السلطات التركية وحتى المعارضة السورية المسيطرة على مدينة عفرين، بترميم المزار وإزالة مخلفات الحرب. وهذا التجاهل خطوة استفزازية تهدف إلى ابتزاز الإيزيديين، وتم توثيق تدمير 9 مزارات عبر مقطع فيديو مصور وسلمنا نسخاً منه لمنظمات حقوقية ومنها لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة”.

وأوضح عيسو أن هناك تصرفات استفزازية ومهينة بحق المزارات، “في قرية باصوفان الإيزيدية لا يزال مزار الشيخ علي مدمراً بشكل شبه كامل بعدما قامت الفصائل بتدميره من الداخل أيضاً، إذ يرمي مسلحون أوساخاً داخل المزار وخارجه في خطوة استفزازية أخرى تحاول النيل من معتقدات الأقلية الدينية الإيزيدية والسخرية منها وبالتالي دفع الإيزيديين إلى الهروب والتهجير عن قراهم”.

نفى الرائد يوسف حمود الناطق العسكري باسم الجيش الوطني الاتهامات ودعى إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق حيادية للوقوف على الواقع في عفرين، قائلاً: “التقارير التي يتم إعدادها من خارج مدينة عفرين من جهات خارجية، هي دائماً تسعى إلى تشويه سمعة الجيش الوطني، وإعطاء مفهوم أن الجيش الوطني يحارب الأقليات ويعمل على عملية تغيير ديموغرافي للمنطقة، نحن في الجيش الوطني نرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً. المدينة موجودة، المدنيون الإيزيديون بالتحديد موجودون في المنطقة، ومزاراتهم موجودة، ونحن لن نعطي مبررات من عندنا وندفع هذه الاتهامات عبر تصريحات، بل نستطيع السماح لأي لجنة تقصي للحقائق بالدخول إلى المدينة، لترى كيف يعيش الإيزيديون ويمارسون طقوسهم الدينية بحرية”.
ويتابع حمود: “لا توجد أي ضغوط عليهم، وأماكن العبادة الخاصة بهم متاحة لهم، مزاراتهم موجودة، ويمكن للجنة تقصي محايدة أن تتواصل مع الإيزيديين لتطلع على الحقيقة، وتكتب تقريرها بحيادية. أما بالنسبة إلينا فنرفض هذه الاتهمات جملة وتفصيلاً، لأن لا شيء من هذا القبيل على أرض الواقع”.

في المقابل، يؤكد عيسو أن هناك سياسة ممنهجة تستهدف الإيزيديين في عفرين قائلاً: “هناك حملات دينية ممنهجة تسهدف الايزيديين وتحديداً الأطفال منهم، فهناك عشرات الجمعيات التي تعرف عن نفسها بأنها خيرية أو تنتمي إلى منظمات المجتمع المدني، ولكنها في الحقيقة جمعيات دينية إسلاموية تمولها فصائل متطرفة وكذلك الائتلاف الوطني السوري والقسم الأكبر منها تموله الحكومة التركية. ومهمة هذه الجمعيات إنشاء فعاليات دينية بطابع ثقافي تستهدف فئة الأطفال في الأغلب وتحاول من خلال برامجها استدراج أطفال الإيزيديين وتعليمهم مبادئ الشريعة الإسلامية وهذا ما رصدناه في مؤسسة ايزيدينا، وجميع الانتهاكات التي ذكرناها تأتي بعلم السلطات الحكومية التركية، وفي بعض الحالات تكون بإدارة مباشرة من الجانب التركي ووفقاً لأوامرها تتحرك هذه الفصائل المتطرفة التي تسمى فراخ داعش”.