fbpx

“فاسد هو وعشيرته” : ما سرّ الهجوم الروسي على النظام السوري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيما أصبح الاستياء الروسي من الأسد على أغلفة الصحف الروسية والعالمية، وعلى لسان المسؤولين الروس، لم تتفاعل وسائل الإعلام السورية في دمشق إطلاقاً مع هذه التقارير والتحليلات

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لولا تدخّل روسيا لكن نظام الأسد سقط خلال أسبوعين”، هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مطلع عام 2017 بعد أكثر من عامٍ على التدخّل الروسي في الحرب السورية. تبعت ذلك سلسلة مواقف روسية بدا أنّها مدروسة، تعمّدت تحجيم بشار الأسد على نحو مهين، إعلامياً وسياسياً فيما كانت روسيا تدعم نظامه.

“بشار ضعيف على الأرض ولا يملك الإرادة السياسية لمواجهة الفساد”… 

“لن يحصل بشار إلّا على 32 في المئة من أصوات السوريين في الانتخابات المقبلة عام 2021… 

“بشار فاسد هو وعشيرته”… 

“مسؤولو النظام السوري يستغلون المساعدات الروسية لأغراض شخصية”.

هذه مجموعة عناوين نشرتها الصحافة الروسية في الفترة الأخيرة، وتُعتبر هجوماً غير مسبوق ضد الأسد، فعلى رغم تعمّد الإعلام الروسي إحراج الأسد بشكلٍ غير مباشر بين حين وآخر، إلّا أنّه لم يسبق أن شنَّ هجوماً عليه بهذا الشكل المباشر والعنيف.

هذه الحقائق كلها تشير إلى أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون رمضان قاديروف جديداً، والحديث هنا عن الرئيس الشيشاني، الذي يحكم بلاده كمندوب سامٍ روسي، لا يختلف عن المندوب الفرنسي أو الإنكليزي خلال فترة الاستعمار. يبدو أن بشار الأسد لن يحصل على هذه الترقية- المنصب في سوريا.

خلال الأسابيع الفائتة، شنَّ الإعلام الروسي الرسمي هجمات متوالية ومتسارعة وعنيفة ضد بشار الأسد وحاشيته عبر سلسلة أخبار ومقالات وتعليقات تتناول فشله في إدارة البلد. تكشف هذه الهجمات أن تدخّل روسيا في الحرب السورية لم يكن نتيجة تمسك ببشار الأسد نفسه قدر ما كان لتأمين مصالح نجحت روسيا بعد هذه السنوات في تثبيتها.

هجوم قاس

في سياق النقد الروسي لبشار الأسد، عنونت صحيفة ЭКСПЕРТ أن الأسد قد يفقد منصب رئاسة سوريا في انتخابات 2021، في حين اعتبرت صحيفة HAKAHYHERU أن الأسد دمّر الاقتصاد السوري متماهياً مع أهواء عائلته، وكتب موقع Rufox أن الأسد خسر رحمة روسيا، وأخيراً ذكرت بي بي سي الروسية أن بشار الأسد رئيس بالوراثة.

وبدأ الهجوم عندما نشرت “وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية” ثلاث مقالات، وصفت بشار الأسد فيها بأنّه “ضعيف ولا يتحكم في الوضع في البلاد فيما مسؤولوه يعيثون فساداً”.

أما الوكالة الفيدرالية التي يملكها الملياردير الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من فلاديمير بوتين والمعروف باسم “طباخ بوتين”، قالت في تقريرها: “إن الفساد الذي يستشري في الحكومة السورية يعيق التعاون بين موسكو ودمشق”. وأضاف التقرير، أن “الأسد لا يتحكم بالوضع في البلاد وأن المسؤولين يسيطرون ويسرقون عائدات استخراج النفط والغاز” موضحة أن النظام زاد ساعات قطع التيار الكهربائي عن السوريين، وتبريره ذلك بأن حقلي حيان والشاعر توقفا عن العمل بسبب سيطرة الإرهابيين على مدينة السخنة قرب حقول الغاز، لكن هذه الادعاءات “كاذبة” بحسب الوكالة، التي أوضحت أن إغلاق شركات إنتاج الغاز يؤثر سلباً في اقتصاد البلاد الذي ساعدت روسيا في استعادته.

ورأى التقرير أن سبب زيادة الرسوم الجمركية والوضع الاقتصادي المتدهور، هو الفساد في حكومة رئيس الوزراء عماد خميس.

وأكمل: “المسؤولون السوريون يواصلون نقل أموال “النفط” إلى الغرب، الذي يخنق سوريا بعقوباته، وفي ظل هذا يفقد بشار الأسد مكانته، لأنه غير قادر على السيطرة على الوضع”.

هجوم رسمي روسي

بعد مقالات الوكالة الروسية، كتب مستشار المجلس الروسي للشؤون الدولية ألكسندر اكسينيوك مقالاً على موقع “نادي فالداي للحوار”، الذي أسسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هاجم فيه النظام بشكلٍ عنيف. وانتقد الديبلوماسي الروسي “خطاب الانتصار” الذي ينتهجه النظام و”استمرار تلويحه باستكمال أعمال القتال”، معتبراً أنّه يتحدث بلغة منفصلة عن الواقع، قائلاً: “دمشق لا تبدو راغبة في تقديم نهج يتمتع بالمرونة وبعد النظر وتواصل الاعتماد على الحل العسكري القائم على دعم من حلفائها (روسيا) وحصولها على مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة”.

واعتبر أنه “من الصعب تمييز ما إذا كان الأسد يكافح الإرهاب أم يرتكب العنف ضد معارضيه، وهو ما أدّى إلى تصاعد التوتر مرّة أخرى في درعا”، حيث سيطرت روسيا عليها بشكلٍ ديبلوماسي بعد الضغط على المعارضة المسلّحة.

وأوضح مقال اكسينيوك أن الأسد فشل في السيطرة على الوضع الاقتصادي وإيقاف فساد عائلته، المتمثّل في الرشاوى التي تفرض على الشحن التجاري أو عبور الأشخاص، وتحويل القوافل الإنسانية لتذهب إلى قطع الجيش والأمن أو وسطاء تجاريين، ومن يرتبط بهم ويواليهم من كبار رجال الأعمال وأصحاب المشاريع، وهاتان الفئتان ترتبطان بشكل أساسي بعائلة الأسد”، واصفاً الأسد بـ”الضعيف” و”عديم القدرة على السيطرة على الفساد”.

مؤيّدو الأسد يصبّون الزيت على النار

فيما أصبح الاستياء الروسي من الأسد على أغلفة الصحف الروسية والعالمية، وعلى لسان المسؤولين الروس، لم تتفاعل وسائل الإعلام السورية في دمشق إطلاقاً مع هذه التقارير والتحليلات، باستثناء صحيفة “الوطن” المملوكة لرامي مخلوف، والتي اخترعت “مصدراً ديبلوماسياً” مجهولاً، اعتبر أنّه “لا يوجد أي خلافات بين بوتين وبشار الأسد”.

ونقلت الصحيفة عن ما اعتبرت أنه “مصدر ديبلوماسي عربي في موسكو” من دون ذكر نوع ديبلوماسيته أو جنسيته أو أي معلومة عنه، أن “الخلافات الروسية السورية لا أساس لها من الصحة”. وقال: “الحملة التي شنت في عدد من وسائل الإعلام الروسية مصدرها وداعموها من المقربين لتركيا وإسرائيل”.

الأمر الأكثر إثارة تمثّل في ردّ فعل خالد العبود محلّل سياسي موالٍ للأسد وأمين مجلس الشعب، الذي نشر تدوينة مطولة عنوانها “ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟”، اعتبر فيها أن الأسد لم يكن يحتاج إلى بوتين لـ”محاربة الإرهاب” وأن الرئيس الروسي جاء ليحارب في سوريا، بناءً على دراسات بشار الأسد للبيئة السورية ….

https://www.facebook.com/khaledmosaabboud/posts/837013006808388

في المقابل، اعتبر ضابط المخابرات السوري اللواء بهجت سليمان، الذي شغل منصب السفير السوري في الأردن سابقاً، أنّه “لا يحق لأحد أن يملي على سوريا مواقفها السياسية، حتى أولئك الذين وقفوا مع “سوريا الأسد” خلال السنوات الماضية”.

وقال سليمان: “كنا وسنبقى أوفياء لكل من وقفوا مع سوريا الأسد خلال العقد الماضي، حتى لو بالكلمة، ولكن من الخطأ الكبير أن يظن البعض أن من حق بعض هؤلاء أن يُملوا على سوريا مواقفها السياسية، أو أن يحددوا لها من تصادق أو من لا تصادق، أو أن يرسموا لها خارطة طريق تحدد لها مسارها”، موضحاً أنّه “يعني بكلامه أشخاصاً لا دولاً”.

يأتي ذلك فيما يغرق رأس النظام السوري بمشكلات داخلية مندلعة بين ابن خاله رامي مخلوف الذي يملك أكثر من نصف الاقتصاد السوري، وزوجته أسماء الأخرس التي بنت تكتّلاً من تجار الحرب وتريد انتزاع الأموال من آل مخلوف إلى ملكية أولادها الذين تطمح على ما يبدو بأن يدخلوا الحياة السياسية ويكون لهم موقع فيها خصوصاً أن ابنها الأكبر حافظ بشار الأسد بات في عمر يسمح بتحضيره لمثل هذا الدور.

بشار خيّب آمال بوتين

ثمّة أسباب عدة تفسّر الهجوم الرسمي الروسي على بشار الأسد، يأتي على رأسها ما يعرفون بـ”أمراء الحرب” وهم الاقتصاديون الجدد الذين ظهروا خلال سنوات الثورة ومعهم مليارات الدولارات بشكل مفاجئ، مثل سامر الفوز وحسام قاطرجي وغيرهما، والذين ساهم النظام بتسهيل دخولهم الى دورة الاقتصاد من خلال التحكم بمفاصل أساسية ترتبط مباشرة بحياة الناس اليومية.

هؤلاء الاقتصاديون، تمكنت أسماء الأسد خلال السنوات الماضية من تطويعهم الى جانبها ليشكّلوا قوّةً ضاربةً بيدها، وهم الآن ينهكون الدولة الروسية اقتصادياً، فبينما يعمل الروس على دك المدن والبلدات عكسرياً لطرد المعارضة منها، يقوم رجال الأعمال هؤلاء بالسيطرة اقتصادياً على مداخيل الناس وثروات تلك المناطق.

إضافةً إلى ذلك، تشي المعلومات المتداولة بأن الأسد حاول مرات عدة الاتفاق مع القيادة الكردية (الإدارة الذاتية) في شمال شرقي سوريا من دون علم الروس ومن دون تنسيق معهم، وهو ما أثار غضبهم كونهم يتعاملون مع رئيس النظام على أنّهم “أولياء عليه” في كل اتفاق أو تحرّك سياسي، كما أن أي عملية سياسية يجب أن تضمن المصالح والاستثمارات الروسية.

الأمر الآخر الذي أثار حفيظة الروس، هو اتفاق بشار الأسد مع محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، على مهاجمة القوات التركية في إدلب وخرق الهدنة الروسية – التركية، مقابل منح الأسد مبلغ 3 مليارات دولار، وذلك وفقاً لما كشف عنه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مطلع شهر نيسان/ أبريل 2020، موضحاً أن الأسد تلقّى بالفعل دفعة أولى قدرها 250 مليون دولار، لكن عندما علم بوتين بالأمر كان غاضباً وأرسل وزير دفاعه سيرغي شويغر في زيارة غير مبرمجة إلى دمشق لمنع الأسد من إعادة فتح المعركة، بحسب المصدر ذاته.

يُضاف إلى هذه المعطيات، استمرار النظام السوري بالخطاب العدائي ضد تركيا، والتي هي في الوقت نفسه حليفة قوية لموسكو داعمة الأسد.

تشير التحليلات اليوم، إلى أن الروس يركّزون جهودهم في اتجاهٍ واحد، وهو الدفع في الانتهاء من تحضير اللجنة الدستورية وكتابة دستور جديد لسوريا في أسرع وقتٍ ممكن، على أن يضمن هذا الدستور استثماراتها ومنشآتها الاقتصادية في البلاد، وذلك سواء رحل الأسد أم بقي، وتلك في حد ذاتها اشارة الى التحضير الروسي لمستقبل ما في سوريا لن يكون بشار الأسد جزءا منه.