fbpx

دراسة جامعية كندية: إنجاز “كورونا” اللبناني… لماذا يبدو منقوصاً؟!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعدما كانت البوادر الرسمية والصحية والشعبية مبشّرة بتجاوز مخاطر فايروس “كورونا” في لبنان، عادت أرقام الإصابات إلى الارتفاع لتهدد بانفلات الأمور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” وهو يعتمد على ورقة أعدتها الباحثة لمركز المبادرة في باريس …
فاطمة الصياح – باحثة في الصحة العامة في جامعة ألبيرتا الكندية

في هذه الورقة التي أعدّتها باحثة في جامعة ألبيرتا في كندا، والمستندة إلى المعطيات التي كانت متوافرة حتى منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، إشارات إلى ثغرات كثيرة في الاستراتيجية التي اتّبعتها وزارة الصحة اللبنانية، وتحذّر الدراسة من انفلات الأمور وعودة الفايروس إلى التفشّي بعد رفع الحظر، وهو ما يحدث اليوم بالفعل. 

فرضيات كثيرة تقول إن الأرقام التي تصدر لأعداد الإصابات لا يمكن أن تكون واقعية، خصوصاً مع عدد الاختبارات القليل الذي تجريه السلطات اللبنانية. لقد بني التفاؤل اللبناني على “صرح من خيال” مستند إلى نتائج فحوص غير كافية، لا يمكن الركون إليها لتسويق أجواء تفاؤلية، كما حدث. ومع ذلك، هناك من يردّ بسؤال يستحق النقاش: إذا كانت هناك حالات كثيرة غير المعلَنة في لبنان، فلماذا لا تشهد المستشفيات طفرةً في الأعداد الواردة إليها؟  

الإجابات ستتضح تباعاً في هذه الدراسة المستندة إلى تحليل الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية، والتي اعتمدت عليها الوزارة لطمأنة المواطنين، لكنها مع ذلك لم تستطع إخفاء قلقها، كما جاء في تصريحات للوزير ومدير عام الوزارة على السواء، عن أن الاستهتار في تتبع الإجراءات الوقائية قد يذهب بالأمور إلى نتائج لا تحمد عقباها. فهل عملت وزارة الصحة اللبنانية وفق استراتيجية صحيحة و”آمنة”؟

الأمل في الانتصار على الوباء لا يزال ممكناً في لبنان. اجراءات الاحتواء التي اتخذتها الوزارة، إضافة إلى إجراءات أخرى نجحت في إبطاء انتشار الوباء، حتى 14 نيسان، تاريخ إعداد هذه الورقة. وقد بلغ عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفايروس 641 حالة، إضافة إلى 21 حالة وفاة. وتشير هذه الأرقام إلى أن الفايروس ينتشر بالفعل ولكن معدل نموّه أبطأ إذا تُرك من دون تدابير.

يمكن أن لبنان يتبنى نهجاً بديلاً يتمثل في أن يركّز اختباراته على الفئات الأكثر ضعفاً الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، ومن يعانون من أمراض مزمنة على سبيل المثال، والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى ونشر الفايروس، مثل العاملين في مجالات الرعاية الصحية والخدمات الغذائية والنقل.

تدعم “منظمة الصحة العالمية” سياسة إجراء اختبارات واسعة النطاق للمصابين بفايروس “كورونا”، إلا أن بعض البلدان، ومنها لبنان، تتبع استراتيجيات مختلفة تماماً، وفقاً لتوافر الاختبارات وحالة انتشار الوباء في البلد وقدرة السلطات الصحية المحلية على إدارة الاختبارات. وهنا بالضبط تكمن الثغرة الأساسية في بناء شبكة أحجار الدومينو التي رصفتها وزارة الصحة حجراً بحجر، والتي يمكن بنقرة إصبع أن تسقط كلها دفعة واحدة. 

عملت وزارة الصحة مع اكتشاف أول حالة إصابة بفايروس “كورونا” في لبنان في 21 شباط/ فبراير، على تخصيص مستشفى رفيق الحريري الجامعي ليكون المرجع الطبي الرئيسي (والوحيد آنذاك)، لإجراء الاختبار للحالات المشتبه بإصابتها بالفايروس واستقبال المصابين. بعد ذلك، ومع انتشار المرض في غير منطقة لبنانية، تم تخصيص 16 مركزاً لإجراء الاختبارات، وتمكن لبنان من زيادة معدل الاختبارات من 250 اختباراً في اليوم إلى ما يزيد على 500، وسجلت هذه المختبرات بالتنسيق مع وزارة الصحة حتى 14 نيسان إجراء 14007 اختبارات، أجريت بمعظمها في المدن الرئيسية. وقامت الوزارة لاحقاً بعد هذا التاريخ بإجراء بعض الفحوص العشوائية في قرى نائية، ومعظم الاختبارات كانت لأشخاص ظهرت عليهم أعراض أو اشتبه بإصابتهم بالفايروس.

طبعاً كان بإمكان الاختبارات المكثفة للأشخاص الذين يعانون من الأعراض أن تلعب دوراً حاسماً في احتواء الفايروس في مرحلةٍ مبكرة، كما حدث في حالة كوريا الجنوبية، التي نجحت في احتواء الوباء سريعاً، من خلال تطبيق برنامج ضخم ومنظم بشكل جيد للاختبارات، جنباً إلى جنب مع الجهود المكثّفة لعزل المصابين وتتبّع المخالطين لهم وعزلهم. وللأسف، فوّت لبنان، مثل معظم البلدان الأخرى، هذه الفرصة المبكرة، ما رفع معدّل انتقال العدوى بين الأفراد .

تعتمد صحة هذه الاستنتاجات على دقة الأرقام المعلَنة، والتي يرجَّح أن تكون أقل بكثير من الواقع. إذ لا يمكن أبداً حصر العدد الفعلي للحالات، لأن السلطات لا يمكنها إجراء اختبار لجميع السكان. خصوصاً أن كثراً من المصابين لا يظهرون أعراضاً، وفي حالة لبنان، لا تتوافر مراكز اختبار في المناطق الريفية، وقد تثني تكلفة الاختبار العالية الكثير من الناس، في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، عن الإقبال عليه. إحدى الطرائق الممكنة لمحاولة تقدير العدد المحتمل للحالات هي من خلال احتساب نسبة تسبّب الفايروس بالموت (إماتة الحالة)، والذي يمثل نسبة الوفيات، مقارنةً بإجمالي عدد الحالات المؤكدة في فترة معينة. يختلف معدل “إماتة الحالة” بصورة يومية، ومع تغير عدد الحالات والوفيات، لا يمكن أن يستقر إلا بعد أن يتوقف الانتشار. إذا ما طبقنا هذا النهج على عدد الوفيات في لبنان، سنجد أن الأرقام الحالية المعلنة لحالات الوفيات، لا تتناسب مع العدد الفعلي للأشخاص المصابين، بالمقارنة مع نسبة الإماتة المسجلة عالمياً. وهنا يعود السؤال الذي طرحناه في تصدير هذه الورقة: إذا كان هناك الكثير من الحالات غير المعلَنة في لبنان، فلماذا لا تشهد المستشفيات طفرةً في الأعداد الواردة إليها؟ هناك تفسير محتمل لهذا، وهو أن الغالبية العظمى من الحالات في لبنان تنتمي إلى الفئات العمرية الأصغر سناً، والتي غالباً ما تكون إصابتها طفيفة لا تتطلب دخول المستشفى.

الوضع الأمثل هو أن يكثّف لبنان الاختبارات بشكل كبير مع توسيع نطاقها الجغرافي

الوضع الأمثل هو أن يكثّف لبنان الاختبارات بشكل كبير مع توسيع نطاقها الجغرافي، لتشمل المناطق الريفية على وجه الخصوص، لمحاولة تحجيم انتشار الفايروس في البلاد بشكل أكثر فعالية. ومن الأفضل أن يصاحب تكثيف الاختبارات نهج أكثر شمولية لتتبّع المخالطين لأولئك الذين تم تأكيد إصابتهم بالفايروس، وإخضاعهم للحجر الصحي. تلك الإجراءات قد تؤدي إلى عودة الحركة الاقتصادية تدريجياً.

قد يكون هذا النهج جذاباً إذا كانت منظومة الصحة في لبنان قادرة على استيعاب الحالات المكتشَفة كافة ومتابعتها، وإذا كانت الدولة قادرة على رصدها ومراقبتها. تشير بعض الحسابات التقديرية المبدئية إلى أن لبنان لن يتمكّن من وضع تلك السياسة موضع التنفيذ. فحتى إن وجد طريقةً لتكثيف الاختبارات، سرعان ما ستتعرض بنيته التحتية الصحية للضغط الشديد. والحل؟

يمكن أن لبنان يتبنى نهجاً بديلاً يتمثل في أن يركّز اختباراته على الفئات الأكثر ضعفاً الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، ومن يعانون من أمراض مزمنة على سبيل المثال، والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى ونشر الفايروس، مثل العاملين في مجالات الرعاية الصحية والخدمات الغذائية والنقل. وفي الوقت نفسه، ينبغي توسيع نطاق الاختبار ليشمل المناطق الريفية، حيث لا تزال جودة خدمات الرعاية الصحية سيئة والوصول إليها ما زال محدوداً، وذلك حتى يمكن رصد أي حالات من بين الفئات الضعيفة. فضلاً عن خيارات أخرى متاحة وقابلة للتنفيذ في بلدٍ صغير كلبنان، مثل الاختبارات المتنقلة أو التي تجرى للأشخاص داخل السيارات، إذ يتم جمع العيّنات ونقلها إلى مختبر مركزي لتحليلها. يمكن القيام بذلك إلى جانب إخضاع المجموعات التي تشكّل خطراً للحجر الصحي، وفتح الاقتصاد للمجموعات التي لا تشكّل خطراً لفترة من الوقت، حتى تحقيق مناعة القطيع.

يتطلب هذا النهج بالطبع تنسيقاً استثنائياً للجهود المبذولة على جميع المستويات وفي مختلف قطاعات الحكومة، إضافة إلى أقصى قدر من الشفافية التي من شأنها أن تعزز ثقة الجمهور في الحكومة وتعاونه معها.