fbpx

“كورونا” العراق: أرامل الموصل يواجهن الفقر والوباء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أم عماد واحدة من الاف النساء من سكان الموصل اللواتي وجدن انفسهن بلا معيل وبلا عمل، وهي نفسها فقدت ولدين من ابناءها، إذ مات أولهما انتحاراً حين كان مراهقاً في حين قضى الثاني بنيران داعش خلال معارك القضاء عليه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في حي القادسية عند الجانب الأيسر من مدينة الموصل، كانت تقف قرب شاحنة “بيك آب”، محملة بصناديق الأغذية، يتجمعُ حولها أطفال ونساء، بينما توجه هي من معها من الشباب لتوزيع الصناديق على الناس في المنطقة .

منذ 17 آذار/ مارس 2020، ومع فرض حظر التجوال في المحافظات العراقية، وضمنها مدينة الموصل، اعتادت أم عماد (55 سنة) الخروج يومياً منذ الصباح وحتى وقت الغروب لتوزيع المؤونة على أبناء المدينة، بخاصة في الأحياء الفقيرة منها، “اعتدت فعل ذلك، فأفراد العائلات هنا يعيشون بكسب قوت يومهم، وحظر التجوال هذا تسبب بفقرهم وحرمانهم، والحكومة المحلية في المحافظة لم تحاول تقديم أي مساعداتٍ أو حتى توزيع سلات غذائية، أو مبالغ مالية بسيطة على الأقل”.

مهية إدهام يوسف (ام عماد) تسكنُ في الجانب الأيسر من المدينة في حي التحرير، تملكُ مشروعاً تُشغل فيه أكثر من 24 امرأة من أرامل الموصل، تقول “مشروعي هذا لم يأتِ من فراغ، بعد انتكاستين تعرضت لهما في حياتي….قررت تقديم مساعدات للنساء الأرامل”.

وأم عماد واحدة من الاف النساء من سكان الموصل اللواتي وجدن انفسهن بلا معيل وبلا عمل، وهي نفسها فقدت ولدين من ابناءها، إذ مات أولهما انتحاراً حين كان مراهقاً في حين قضى الثاني بنيران داعش خلال معارك القضاء عليه.

أنشأت أم عماد مشغلاً لصناعة الأطعمة بهوية موصلية، والتي تعدّ جزءاً من تراث المدينة. افتتحت مشروعها بعد مقتل ابنها يقين (17 سنة)، على يد مسلحي “داعش”، “بعد تحرير الموصل وتعبيراً عن فرحنا قُمنا أنا ويقين بتوزيع المساعدات على أهالي المدينة، ومنهم النازحون الذين بدأوا العودة الى منازلهم، وقتها كان (حي التحرير) قد تحرر، إلا أن (حي القادسية) كان لا يزال جزء منه تحت سيطرة إرهاب داعش، وبينما كان يقين يقوم بدوره في مساعدة النازحين، رماه إرهابيون بقنبلة هاون فأصيب في عموده الفقري وسقط”.

رفضت أم عماد الاستسلام لفاجعتها بموت يقين، علماً أنها الفجيعة الثانية بعدما فقدت ابنها أمير أيضاً قبل 15 عاماً. تقول “كان من الصعب عليّ تحمّل ألم فقدان يقين، فقد عشت هذا العذاب، حين أحرق أخوه نفسه أمام عيني ومات منتحراً بسبب عاداتنا في مجتمع يبالغ باسلوبه المحافظ. كان والده يضربه باستمرار إذا خرج مع اصدقائه أو سهر أو شرب سيجارة، لم نكن نتفهم أبناءنا حين يمرون بسنٍ حرجة، وكنا نعاملهم بقسوة وهذا ما دفع أمير للانتحار وكان وقتها يبلغ 17 سنة”.

أنشأت أم عماد مشغلاً لصناعة الأطعمة بهوية موصلية، والتي تعدّ جزءاً من تراث المدينة.

بعد موت أمير، انخرطت أم عماد في منظمات في المجتمع المدني للعمل على إعالة الأسر المحتاجة، واستمرت بعملها هذا حتى رحيل ابنها الثاني يقين. ومع ارتفاع نسبة الأرامل في مدينة الموصل، قررت أم عماد افتتاح مشروعها، وهو مطبخ لصناعة الأطعمة الموصلية وبيعها. تقول “هذا المشغل كان يُطعم 20 عائلة، إلا أنه توقف مع فرض حظر التجوال بسبب انتشار وباء كورونا، وهنا عجزت عن دعم النساء اللاتي كُنت أعيلهن من مشغلي”.

وتضيف: “هنا قررت القيام بحملات توزيع أغذية، إذ أجمع الأطعمة من المقتدرين من أبناء محافظة نينوى، وأوزعها على العائلات الفقيرة، وبعد انتهاء هذه الأزمة سأفتتح مشغلاً آخر في حي الزهور، وسأزيد عدد العاملات”.

ترتفعُ نسبة الفقر والبطالة في محافظة نينوى مع انتشار وباء “كورونا”، وكان آخر عدد أعلنت عنه وزارة التخطيط العراقية عام 2019 هو 112 ألف شخصاً، لا يملكون مقومات العيش، وتتضاعف المشكلة لدى أرامل مسلحي التنظيم وأطفالهن الذين بقوا في المدينة بعد عام 2017.

مشروعُ أم عماد كان واحداً من المشاريع التي أنقذت عائلات فقيرة هناك. أم نور إحدى العاملات في المشروع، وهي أرملة وأم لست بنات تقول لـ”درج”: “لولا أم عماد لما استطعت العيش أنا وبناتي الست، ومع انتشار الوباء وفرض حظر التجوال كدنا نموت جوعاً. أمضينا أياماً بلا طعام، وكنا نحاول تقليص عدد الوجبات اليومية، فضلاً عن عدم قدرتي على دفع إيجار منزلي، بسبب تعطيل مصدر رزقنا”.

في أحد الأزقة الفقيرة في حي القادسية، يقف محمد (16 سنة)، عند سيارة المؤونات الغذائية الخاصة بأم عماد، يقول لـ”درج”، “كُنت أعمل في أحد مطاعم الموصل، أقدّم الأطعمة للزبائن وانظف المطعم، أجرتي اليومية لم تكن تتجاوز الخمسة آلاف دينار عراقي (حوالي 4 دولار أميركي)، غير أنها كانت تعيل عائلي وتؤمن الضروريات، أما الآن فليس لنا سوى الله الذي يرسل لنا بعض الأشخاص لتقديم العون، ومن هؤلاء أم عماد”.

وزارة التخطيط العراقية أعلنت أن كل أسرة عراقية بحاجة إلى قُرابة 500 ألف دينار عراقي (450$) شهرياً لتنال عيشاً كريماً، علماً أن هذا المبلغ يكاد لا يسد حاجات المواطن العراقي الأساسية، بينما لم تخصص الحكومة حتى الآن أي مبالغ لإعالة المواطنين فيما يتهالك الواقع الاقتصادي في البلاد بسبب الوباء وحظر التجوال وقلة فرص العمل.