fbpx

لبنان وسوريا نفق مظلم واحد… “الواو الكافرة” إذ تهدد الاقتصادين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان لبنان يمثل صمام أمان للكثير من السوريين، وقد انهار هذا الصمام الآن. وتسعى دمشق إلى الاستفادة من علاقاتها القوية مع الحكومة الحالية في بيروت، لكي تضع يدها على بعض نقودها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 
جهاد يازجي – خبير اقتصادي ومؤسس ومحرّر نشرة “ذا سيريا ريبورت”

كان الكاتب اللبناني سعيد تقي الدين يقول إن ما بين لبنان وسوريا “واو كافرة”. واو العطف هذه تجمع البلدين في الرخاء وفي الشدّة. أزمات سوريا تؤثر في لبنان واضطرابات لبنان تؤثر في سوريا. وفي الأشهر الأخيرة تجمع هذه الواو البلدين في أوضاع اقتصادية قاتمة، مع تأزّم الحالة اللبنانية اقتصادياً وسياسياً، وسنّ قانون عقوبات “قيصر” بحق سوريا الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية عام 2019، ثم أتى فايروس “كورونا” ليرفع حرارة الواو الكافرة ويضيّق على نَفَسها بين البلدين. ومن المنظار السوري تؤثر هذه العوامل الثلاثة (الأزمة اللبنانية، قانون قيصر، وكورونا) في الاقتصاد السوري والسوريين عموماً. فيما يبدو أن الأثر التراكمي لهذه الصدمات لم يظهر بعد، لكن على الأقل، فإن استمرار الجهود الإنسانية الدولية وازدياد وتيرتها سيكون مهماً للغاية بالنسبة إلى السوريين في الوطن وبلاد اللجوء، مع أن فايروس “كورونا” ينهك الدول المانحة ويضعف قدرتها على المساعدة.

مصرف واحد في بلدين

شكّل لبنان، ولا سيما قطاعه المصرفي، بوابة سوريا الاقتصادية إلى العالم الخارجي منذ أواسط الخمسينات من القرن العشرين على الأقل، وقد أدت العقوبات الغربية على دمشق بعد بداية الأزمة في آذار/ مارس 2011 إلى تدعيم هذا الدور اللبناني. فقد لجأ رجال الأعمال السوريون إلى المصارف اللبنانية لإيداع مدخراتهم عبر شراء الدولار لاستخدامه في استيراد السلع إلى السوق السورية، وقد غيرت القيود المفروضة من قبل القطاع المصرفي اللبناني، ومعها الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجه هذه الجارة الصغيرة والديناميكية للغاية في نفس الوقت، من قواعد اللعبة.

وما أن بدأت المصارف اللبنانية في تقييد حركة الدولار في آب/ أغسطس 2019، مع منع المودعين من سحب مدخراتهم بتلك العملة، حتى قفز سعر صرف الدولار الأميركي في سوق العملة الصعبة اللبنانية، ثم حدث الأمر نفسه في السوق السورية. الواو الكافرة مجدداً: مع انهيار الليرة اللبنانية، فقدت الليرة السورية أيضاً توازنها. مع نهاية شهر تموز/ يوليو 2019، أصبح ثمن الدولار 606 ليرات سورية في السوق السوداء. ثم ارتفع السعر إلى 635 ليرة بنهاية آب، ليبلغ 1040 ليرة بنهاية كانون الثاني/ يناير 2020. ليست هذه بالظاهرة الجديدة. ففي أواسط الثمانينات من القرن الماضي، كان لانهيار الليرة اللبنانية الأثر نفسه على العملة السورية. 

كانت واردات القمح، ومعه الخبز، وهما عنصران غذائيان مهمان للغاية يهددان الأمن الغذائي لقطاعات كبيرة من سكان سورية، أول ضحايا هذا الاضطراب المالي. في نهاية 2019 ومع بداية 2020، أطلقت الحكومة السورية ثلاث مناقصات لاستيراد نحو 600 ألف طن من القمح، لكنها فشلت في توقيع عقود شراء، لأن الحسابات المصرفية للمستوردين الأساسيين للقمح، وهم من رجال الأعمال المقربين من النظام، كلها عالقة في المصارف اللبنانية. 

فضلاً عن السلع الاستهلاكية الأساسية، التي يتم استيرادها بصورة متزايدة بسبب الدمار الموسع الذي لحق بالاقتصاد السوري، فإن استيراد المواد الخام والمواد الأولية الأخرى قد تأثر. كان للعجز في هذه المواد أثره على العمليات الإنتاجية، وعلى توفر السلع في الأسواق، وأيضاً على سوق العمل. وقد أدى انخفاض سعر العملة إلى تزايد تكاليف السلع المستوردة وزاد من نسبة التضخم، مع خفض القوة الشرائية للسكان. 

ومن التبعات السلبية للأزمة اللبنانية، الانخفاض الحاد في تحويلات السوريين العاملين في لبنان إلى سوريا. على مدار عقود، كان مئات آلاف المزارعين وعمال البناء السوريين في لبنان، يساهمون بنسبة كبيرة في التحويلات الدولارية إلى الاقتصاد السوري. إن أهمية هذه التحويلات النسبية زادت أثناء الاحداث السورية، ليس بسبب تدفقات اللاجئين وحسب، إنما أيضاً بسبب انكماش حجم الاقتصاد السوري ككل. لقد شهدت الأزمة الأخيرة في لبنان بالفعل فقدان الكثير من هؤلاء العمال أعمالهم، في حين تراجع دخل الذين لم يفقدوا عملهم بعد، مع قياس ذلك الدخل بالدولار. وبسبب غياب البيانات الرسمية، فمن الصعب أن نقدّر حجم هذه الخسائر، وإن كانت وبكل وضوح كبيرة للغاية. 

كان لبنان يمثل صمام أمان للكثير من السوريين، وقد انهار هذا الصمام الآن. وتسعى دمشق إلى الاستفادة من علاقاتها القوية، بحسب الزعم، مع الحكومة الحالية في بيروت، لكي تضع يدها على بعض نقودها المحتجزة في القطاع المصرفي اللبناني، لكن فرصها في النجاح محدودة. فالسلطات اللبنانية أمامها أولويات ضاغطة أكثر، وعلى رغم التوقعات والتخمينات، فإن تأثير دمشق في المشهد السياسي اللبناني لا يُقارن بحجمه قبل الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011. 

مع ذلك، قد تكون لبعض جوانب الأزمة اللبنانية آثار إيجابية بعض الشيء على سوريا. فتراجع القوة الشرائية للسكان في لبنان قد يزيد من الطلب على المنتجات السورية، وهي أرخص ثمناً مقارنة بالمنتجات الأخرى التي يستوردها لبنان من بلدان أخرى. وسوف تكون السياحة العلاجية (أي توجّه لبنانيين للرعاية الطبية في سوريا حيث رسوم الرعاية الصحية أقل) خياراً جذاباً لعدد متزايد من اللبنانيين الذين تراجعت قدرتهم الشرائية. 

الـ”قيصر” الأميركي يشدد الخناق الاقتصادي

من جهة ثانية، جاء قانون عقوبات “قيصر” الذي وقعه الرئيس الأميركي في أواخر عام 2019 ليزيد طين الأزمة السورية بلّة، ويرتّب على الاقتصاد السوري تبعات كبيرة على المدى المتوسط والمدى البعيد. القانون حمل الاسم المستعار للمصور العسكري الذي انشق عن النظام عام 2013 وسرّب آلاف الصور لمعتقلين سوريين تعرضوا للتعذيب حتى الموت في سجون النظام. 

السمة الرئيسية لقانون “قيصر” هي فرضه عقوبات على مؤسسات وأفراد من دول عدة بخلاف الولايات المتحدة لها أنشطة اقتصادية مع سوريا، ويُسمى هذا بـ”العقوبات الثانوية”. لذا، بدلاً من استهداف الشركات الأميركية أو أفراد أميركيين لهم علاقات عمل تجارية في سوريا، فقد نص القانون على ملاحقة شركات من روسيا والصين مثلاً، تربطها بالمؤسسات السورية علاقات تجارية. كذلك يطالب القانون وزارة الخزانة الأميركية بتحديد ما إذا كان مصرف سوريا المركزي مؤسسة مالية يُخشى قيامها بغسيل الأموال، وإن كان كذلك، فهو يطالب الوزارة بفرض عقوبة أو أكثر تتسق مع القوانين الأميركية، بما يشمل زيادة حجم الرقابة على عمليات المصرف. أما العقوبات التي يمكن فرضها على الأشخاص الأجانب، فتشمل تجميد أصولهم بالولايات المتحدة، ويمكن أن تصل حدّ منعهم من دخول الولايات المتحدة. كذلك يسمح القانون للرئيس الأميركي بتعليق بعض العقوبات (أو كلها) مع توافر شروط معينة، أبرزها إيقاف العنف ضد المدنيين. 

وبما أن العنف ضد المدنيين هو سمة هذا النظام العامّة، أبّاً عن ابن، يُرجح أن يشهد قانون “قيصر” خلال الشهور المقبلة زيادة في عدد الشركات المدرجة والأفراد المدرجين على القوائم السود الخاصة بالإدارة الأميركية، بسبب نشاطهم في سوريا. على سبيل المثال، هناك شركتان روسيتان وقعتا في أيلول/ سبتمبر 2019 عقوداً بالتنقيب عن النفط والغاز، وهما “ميركوري” و”فيلادا”، وقد تصبح هاتان الشركتان مستهدفتان بالعقوبات بسبب مساهماتهما في الإنتاج النفطي السوري. كما يمكن أن تتضرر من “قيصر” أيضاً الشركات التي تساهم في إعادة إعمار سوريا، ومنها شركات هندسية وإنشائية من روسيا وإيران والإمارات والصين ولبنان. 

لم يؤدّ صدور القانون إلى حالة من الذعر في دمشق، ولم يكن له أثر واضح على قيمة الليرة السورية، على رغم أن أغلب تجار العملة أخذوا صدور القانون في الاعتبار عند تسعيرها. خلال الشهور المقبلة، يرجّح أن يكون للأزمة المالية اللبنانية أثر أكبر على الاقتصاد السوري، مقارنة بالأثر المتوقع لقانون “قيصر”. وفي حين تعد الآثار قصيرة الأجل محدودة، فإن هذا القانون سوف يحدّ من مصالح الشركات والمؤسسات الأجنبية في الاقتصاد السوري في المستقبل الأبعد، ويرجح أن يؤدي القانون إلى وأد الفرص المحدودة المتبقية لإعادة الإعمار على نطاق واسع في سوريا. ولو أن محاولات تطبيع مع النظام من ألدّ أعدائه كانت سبقت هذا القانون، وكانت شركات إماراتية تأمل بترجمة التقارب في العلاقات أخيراً بين دمشق وأبو ظبي إلى فرص أفضل لها، وأجرى رجال أعمال من البلدين زيارات متبادلة. وكانت شركات إنشاءات لبنانية تأمل بالاستفادة من بعض أعمال إعادة الإعمار، وإن كانت محدودة. كثيرون من هؤلاء الأطراف سيعيدون النظر في خططهم الآن. ومن المرجح أن تضعف في المستقبل المصالح الصينية في الاقتصاد السوري، وهي ليست كبيرة في الوقت الحالي في أي حال.

“كورونا” يُضعف المساعدات الإنسانية

يبدو المستقبل القريب مظلماً للغاية بالنسبة إلى المجتمع والاقتصاد في سوريا، إذ إن عواقب الأزمة اللبنانية لم يُشعَر بآثارها الكاملة بعد، وسوف تكون حادة وكبيرة. إلى الآن، يبدو أن الاقتصاد السوري لا بدائل أمامه في ما يتعلق بالحصول على الدولار الأميركي وتوفير الواردات المطلوبة. أما بالنسبة إلى فايروس “كورونا”، فلم تقدم الحكومة بعد أي تقديرات عن آثار الجائحة على الاقتصاد أو على سلامة السوريين وصحّتهم، لكن بناء على الوضع القائم، يبدو الأمر مقلقاً للغاية. هناك عدد كبير للغاية من السوريين عرضة للخطر، والنظام الصحي يبدو غير جاهز أبداً لمواجهة تحديات هذه الجائحة. 

يعاني السوريون من الإجهاد البالغ، ومن تصاعد معدلات الفقر والغضب واليأس، وهي المعدلات التي ستزيد وتترسخ أكثر. وفي حين يستطيع النظام الاعتماد على روسيا وإيران لمساعدته عسكرياً، فليس بوسع هؤلاء الحلفاء الكثير لتقديمه على الصعيد الاقتصادي. وفيما يتوقع البعض أن هذه الصعوبات ستؤدي إلى اضطرابات، تدفع في النهاية نحو اتساع رقعة التظاهر، فهذه مجرد تخمينات، وفي كل حال، فمن غير المرجح أن تكون لها عواقب سياسية تُذكر على النظام. سوف يبقى السكان السوريون مع هذه الأوضاع معتمدين للغاية على الجهود الإنسانية الدولية. ونظراً إلى ضغوط “كورونا” على وضع الدول المانحة الكبرى مالياً، أصبح مستقبل المساعدات الدولية الإنسانية في حد ذاته على المحك.

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…