fbpx

كوسوفو جنة المثليين وبلد الإسلام المختلف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا قارنا ما تتعرض له الجماعات المثلية التي تحاول الاحتفال بهذا اليوم، ولو بأفراد يتجرأون على الظهور بعلمهم، في بلدان العالم الإسلامي لأدركنا فعلا خصوصية “الإسلام الألباني”، أو خصوصية كوسوفو باعتبارها “جنة المثليين” في الدول المسلمة.    

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من المصادفات أن يأتي اليوم العالمي للمثليين في اليوم اللاحق لبدء شهر رمضان، وهذه مصادفة جرى رصدها في كوسوفو أكثر من غيرها من الدول. ففي حين أن بدء رمضان ترافق مع تهنئة كبار المسؤولين في الدولة (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة) للمسلمين في كوسوفو، وهي التهنئة التي تنشر عادة في الصحف عشية اليوم الأول في شهر رمضان، كان الاحتفال بـ”اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية” حكومياً بامتياز أيضاً. فقد أصدرت الحكومة بياناً بالمناسبة شددت فيه على حرصها على ممارسة المثليين حقوقهم بكل حرية في كوسوفو، ولم تكتف بذلك، بل لوّنت كل مبنى الحكومة في قلب العاصمة بريشتينا بألوان قوس قزح وهو شعار الجماعات المثلية.

وإذا قارنا ما تتعرض له الجماعات المثلية التي تحاول الاحتفال بهذا اليوم، ولو بأفراد يتجرأون على الظهور بعلمهم، في بلدان العالم الإسلامي لأدركنا فعلا خصوصية “الإسلام الألباني”، أو خصوصية كوسوفو باعتبارها “جنة المثليين” في الدول المسلمة.        

يشكّل فهم وتعامل الألبان مع الإسلام خصوصية قد لا نجدها في أي مكان في العالم. فقد كان الألبان حتى القرن الرابع عشر ينقسمون إلى كاثوليك في الشمال وأرثوذكس في الجنوب نظراً إلى أن خط الفصل بين الكنيستين الشرقية والغربية كان يمرّ  في أراضيهم. ولكن مع الفتح العثماني واستمرار الحكم العثماني لهم نحو 550 سنة أصبح معظم الألبان مسلمين. صحيح أن الألبان برزوا كقوة عسكرية في الجيش العثماني واحتلوا أعلى المناصب (كان منهم 33 صدراً أعظم) وبرزت مراكز للثقافة الإسلامية في بلادهم، ولكن طبيعة الألبان المتسامحة والبراغماتيكية، والتجارب السياسية التي مروا فيها بعد الحكم العثماني (العلمانية والفاشية والشيوعية والديموقراطية الجديدة أخيراً) ، تجعل

تمثل الألبان للإسلام أو تعاطي المسلمين منهم مع دينهم “حالة خاصة” في العالم الإسلامي.

صحيح أن الألبان يتفقون في الاعتزاز بهويتهم الأوربية، إذ يعتزون بانحدارهم من الإليريين الذين كانوا مجاورين لليونان القديمة، ولكنهم يتوزعون ويختلفون في الدول الخمس المجاورة (ألبانيا وكوسوفو ومكدونيا وصربيا والجبل الأسود) التي يعيشون فيها أغلبيات وأقليات حول “الهوية الإسلامية” لهم، وهو ما يبدو في الدولة التي تمثل أعلى نسبة للألبان والمسلمين (95 في المئة) في أوروبا: كوسوفو.

 

وإذا قارنا ما تتعرض له الجماعات المثلية التي تحاول الاحتفال بهذا اليوم، ولو بأفراد يتجرأون على الظهور بعلمهم، في بلدان العالم الإسلامي لأدركنا فعلا خصوصية “الإسلام الألباني”، أو خصوصية كوسوفو باعتبارها “جنة المثليين” في الدول المسلمة.    

 

هذه “الحالة الخاصة” للمسلمين في كوسوفو تبدو في كل مناسبة، وبخاصة في الشهر الحالي الذي تجمعت فيه المناسبات المختلفة من انعقاد الاجتماع الدوري الـ45 لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي وبدء شهر رمضان واليوم العالمي للمثليين وغير ذلك.

ففي 5 الجاري بدأت الدورة الـ45 لوزراء خارجية دول “منظمة التعاون الإسلامي” في داكا، التي شارك فيها بدعوة خاصة وزير الخارجية الكوسوفي بهجت باتسولي (وهو الوزير الوحيد الذي لا يخفي ممارسته للشعائر الإسلامية)، حيث طالب في كلمته وفي لقائه مع الأمين العامة للمنظمة يوسف العثيمين بالموافقة على قبول كوسوفو بصفة “دولة مراقب” مثلها مثل صربيا المجاورة التي لا يصل عدد المسلمين فيها إلى 5 في المئة. ومع أن باتسولي لم يطالب بعضوية كاملة إلا أن “القيامة” قامت عليه قبل عودته إلى بريشتينا من قبل نائبه جيرج ديدا الذي صرّح بأن كوسوفو لا يجب أن تنضم إلى “منظمة التعاون الإسلامي”، بل اعتبر ذلك “خطوة متسرّعة تضرّ بالتوجه الأوروأطلسي لكوسوفو” (جريدة “اكسبرس” 5/5/2018).

وفي هذا الشهر جاء شهر رمضان مبكرا في 16 الجاري، على حين أن معظم الدول العربية صامت في اليوم التالي، حيث أثيرت من جديد مسألة الالتزام بالصيام. صحيح أن رئيس الجمهورية هاشم ثاتشي ورئيس البرلمان  قدري فيصلي ورئيس الحكومة راموش خير الدين (وكلهم جاؤوا من “جيش تحرير كوسوفو” ذي الخلفية الماركسية اللينينية)، يوجهون التهنئة للمسلمين في كوسوفو بمناسبة شهر رمضان، إلا أنهم لا يصومون ولا يخفون ذلك خلال الاجتماعات والجلسات التي يقدم فيها الماء والقهوة إلخ. وقد كشفت جريدة “زيري” التي تناولت هذا لموضوع، أن وزير الخارجية بهجت باتسولي هو الوزير الوحيد الذي يصوم ولا يخفي ذلك منذ أن بدأ يصوم قبل سنوات عدة (جريدة “زيري” عدد 17/5/2018).

وربما يربط بعض المراقبين ذلك بأسباب سياسية لاجتذاب أصوات المتدينين إلى حزبه الصغير (التحالف لأجل كوسوفو جديدة) الذي له ثلاثة مقاعد في البرلمان. فمنذ تسلّمه هذا المنصب في أيلول/ سبتمبر الماضي أخذ باتسولي في توجيه رسائل تدل على إسلامه. فقد حرص أولاً على تعيين رفيقة ترنافا ابنة مفتي كوسوفو الشيخ نعيم ترنافا مستشارة له، بعد أن فشلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على قائمة حزبه. وبعد أسابيع على تسلمه هذا المنصب أراد الوزير باتسولي أن يسحب السفير الكوسوفي في لندن ليريم غرتشفيتسي، لأنه كتب في مقالة له أن “ذنبنا يكمن في أننا أصبحنا جزءاً من الامبراطورية العثمانية وتحوّلنا إلى الإسلام” (جريدة “زيري” 30/11/2017).

 ومع الأخذ بالاعتبار الفارق بين “دولة إسلامية” و”دولة مسلمة”، فإن أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة بريشتينا بليريم لطيفي قال في برنامج تلفزيوني معروف يوم 14 الجاري أنه لم يعد يقبل حتى بـتعبير “مجتمع بغالبية مسلمة”، لأن الثقافة السائدة في كوسوفو (ومن ذلك هذا القبول بجماعة المثليين وغير ذلك) لا تدل على وجود “مجتمع بغالبية مسلمة” بالمفهوم الشائع في العالم الإسلامي (جريدة “إكسبرس” 14/5/2018) .

الصورة: مبنى حكومة كوسوفو تحتفي باليوم العالمي للمثليين