fbpx

“الفردوس” : غيتو عسكري مصري لا يحمي من العنف المنزلي والوشايات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حوادث العنف المنزلي المفضي إلى القتل تكررت في مصر، لكن واقعتين داخل مجمّع سكني تابع للجيش، فرضتا ستاراً من الصمت…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في منطقة حدائق الأهرام بالقرب من منطقة أكتوبر، يمكنك أن ترى الأهرامات من داخل “مدينة الفردوس” للقوات المسلحة، المشروع الذي نفذه جهاز المشروعات في القوات المسلحة، لمنح وحدات سكنية لألوية وضباط يعملون في المؤسسة العسكرية المصرية. 

هي مدينة بمساحات خضراء، ومربعات للعب الأطفال وممارسة الرياضة، مخصصة للعاملين في الجيش – ليسوا عساكر بالطبع- من ألوية وغير ذلك، وعائلاتهم، مع حراسة وضوابط وتفتيش دائم للزائرين والوافدين إلى “الفردوس”.

 وبناء “فردوس” الجيش بالقرب من الأهرامات، يجبرك على التفكير في الدلالة العفوية للرغبة في منح أبناء الجيش مسحة تقديرية خاصة، وكأنهم امتداد لأجدادهم العسكر من الفراعنة؛ ممن بنيت لهم مقابر بالقرب من الأهرامات، لكن المفارقة أن “فردوس” الجيش اقترب بالفعل من وصفه بالمقبرة أو المدينة الجنائزية، بعدما استيقظ سكانها في رمضان 2020 على حادثتي قتل، وبين الجريمة الأولى والثانية عشرة أيام فقط. أما الضحيتان فهما زوجتان لقيتا مصرعهما نتيجة العنف المنزلي.

خرجت نانسي (32 سنة) من “فردوس” الجيش محمولة على خشبة أموات، تذرف دماء غزيرة بعدما وجه لها زوجها 12 طعنة أمام ابنتيها الصغيرتين، إثر مشاداة كلامية وضرب متواصل، حتى سحب الزوج سكيناً من المطبخ، مزّق به جسدها. تقول إحدى الجارات لـ”درج”، “سمعت قبل موعد السحور صوت صراخ مدو. خرجنا بسرعة أنا وزوجي إلى الشرفة، كان صوت امرأة تستغيث وبدأ الصوت يخفت وعاد الصمت مرة أخرى، علمت بعد وقت قصير أن جارتنا نانسي قُتلت على يد زوجها، لم أستطع نسيان صوتها حتى الآن. الغريب أن الحراس في المدينة لم ينتبهوا ولم يتدخلوا. حاول جار واحد التدخل ومنع الزوج من الهرب لكنه أصيب هو الآخر بطعنة في بطنه ودخل إلى العناية المشددة”.

تضيف س. ح: “بعد عرض القاتل على النيابة علمنا أنه قال في أسباب إقدامه على قتل زوجته أنه بدأ يشك في سلوكها الأخلاقي وهو الدفاع المتوقع في كل جرائم القتل بعد العنف الأسري، فالقانون يخفف العقوبة على الزوج وقد يحصل على البراءة ما دامت قضية تحت بند القتل دفاعاً عن الشرف”.

هي مدن  معزولة عن بقية المجتمع المصري الموصوم من وجهة نظرهم ربما بالعنف والعشوائية، لكن ما يتم كتمه داخل هذه المدن، يجعل مسألة إحاطتها بأسوار حماية أمراً متخماً بالسخرية.

هـ. ع. من سكان مجمّع الفردوس قال إن “الجميع هنا يعرفون أن نانسي “ست جدعة”، تتولّى مهمة توصيل أبنائنا إلى الحضانة يومياً، كي تساعد زوجها في مصاريف البيت، ونحن نستأمنها على أبنائنا لثقتنا فيها “ست شقيانة ومنضبطة”، وبعد أزمة كورونا فقدت هذا الدخل وبدأ الزوج يغضب، لاحتياجه إلى دخل إضافي، بعدما انقطع دخل زوجته، فبدأ يعنّفها ويضربها، حتى قتلها”.

ويضيف الجار: “لم نتوقع أن ينال سمعة زوجته في النيابة لينجو بعدما أعالته لسنوات ولم يفكر في مصير بنتين فقدتا والدتهما وستلاحقهما الأكاذيب. نانسي كانت تكافح مع زوجها في سبيل استقرار حياة أسرتها، حدثت بينهما مشادة كلامية قبل السحور وطفلتهما عمرها 6 سنوات شهدت واقعة القتل. نانسي قصة مؤثرة وأحزنت سكان اكتوبر، زوجها اتبلي عليها عشان تطلع جريمة شرف عشان ياخد عقوبة مخففة بدافع الشك، كانت هي السبب في استقرار البيت وفي النهاية قتلها”.

انتقلت ابنتا نانسي للعيش مع جدتهما، لكن ما حدث بعد أسبوع من مقتل والدتها، جعل المأساة تكتمل، فالزوج حاول الانتحار داخل السجن وبعد نقله إلى المستشفى فارق الحياة. سألنا الجار: “هل يعمل زوج نانسي في القوات المسلحة؟”، فأجاب: “لا. ألوية الجيش يؤجرون هذه الشقق لمواطنين لكن  بعد تحريات دقيقة، وعادة لا يتم بيع الشقق إلا لمن يعملون في القوات المسلحة. أحياناً تباع لمهندسين وأطباء لكن يمنع بيعها تقريباً لصحافيين، على رغم أن هذه الشقق مطلوبة بشكل كبير من الصحافيين لقربها من مدينة الإنتاج الإعلامي. بعد أزمة كورونا طالبنا جهاز المدينة بتخفيض الإيجارات على السكان من خارج القوات المسلحة ورفض ملاك الشقق. كما طرأت زيادات على الإيجارات، ما جعل الكثير من المستأجرين يخرجون عن السيطرة وحصلت خلافات داخل الأسر بسبب الضائقة المالية”.

مأساة أخرى

بعد أقل من عشرة أيام على مقتل نانسي، شهدت المدينة حادثة مروعة أخرى بعد الإفطار، فقد سمع الجيران أصواتاً داخل إحدى البنايات وبعدها سقطت سيدة من الطبقة الخامسة صريعة أمام عمارتها. وكشفت تحقيقات النيابة أن الضحية انتحرت، ولا جريمة قتل، لكنها لم تنفِ أن الضحية كانت تتشاجر مع زوجها، فألقت نفسها من الشرفة لتتخلص من حياتها.

اللافت بعد هاتين الحادثتين حالة التكتم على حقيقتهما في الإعلام المصري، ربما لأن حوادث العنف المنزلي المفضي إلى القتل صارت أمراً عادياً، وربما لأن الواقعتين حدثتا داخل مجمّع “الفردوس” للجيش، حتى أن الحديث مع سكان مدينة الفردوس، صعب وحذِر. وفي محاولة لمعرفة ما يحدث بشكل يومي داخل هذا المجمّع، انضممتُ إلى مجموعة لسكّانه. بدايةً، طلبتُ شهوداً على الحادثة أو أرقام ذوي الضحيتين لتقرير صحافي، فانهالت عليّ رسائل تحرش وسب وتهديد بتبليغ الجيش والأمن الوطني، بحجة أنني أريد الإساءة إلى “الفردوس”. ومع تجاهل هذه الرسائل ومتابعة المجموعة بشكل يومي، تبيّن أن هناك قاطنين ينشرون يومياً “بوستات” وشاية أمنية ببعضهم بعضاً، فهناك سكان في المجمّع يراقبون حسابات “فايسبوك” الخاصة بجيرانهم. ولفتني منشور “سكرين شوت” (صورة لمحادثة) لأحد السكان الذي كتب رأياً سلبياً في مسلسل “الاختيار” الذي يمجد الجيش.

لاقى المنشور تفاعلاً كبيراً، ومطالبات بالقبض على الشخص الذي أبدى هذا الرأي المرفوض، ومقاطعته وتبليغ جهاز المدينة والألوية المختصين، وبالفعل في اليوم التالي كُتِب منشور بالقبض على هذا الشخص (وهو من سكان المجمّع)، الذي يعمل مدرساً وتم اتهامه بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين.

مع تصاعد حضور ونفوذ الجيش في الحياة المصرية أمنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصاديا بل وحتى فنياً، يبدو أن الحاشية الاجتماعية اللصيقة والمستفيدة من الجيش تمارس وسائل احترازية مختلفة لتصفية وابعاد المخالفين. المفارقة أن هذه المقاربة الأمنية الحريصة على اقصاء من ينتقد الجيش او يخالف سياسته لا تمارس الحرص نفسه في ملاحقة جرائم العنف المنزلي التي وصلت في مرات عدة إلى القتل.

تُذكِّر “مدينة الفردوس” السكنية بشريحة من المدن الجديدة التي تُبنى بشكل تجمعات معزولة وترافق بنائها بروباغندا إعلامية وأسماء حالمة عن حياة مثالية ومجتمع رياضي صحي خالي من الجرائم. هي مدن  معزولة عن بقية المجتمع المصري الموصوم من وجهة نظرهم ربما بالعنف والعشوائية، لكن ما يتم كتمه داخل هذه المدن، يجعل مسألة إحاطتها بأسوار حماية أمراً متخماً بالسخرية.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.