fbpx

تصريحات رامي مخلوف تفتح ملف الأموال المنهوبة في سوريا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القضية تتعلق بأموال الشعب السوري التي نهبت وسرقت من جيوب السوريين والدولة السورية، ومواردهم الطبيعية على مدار عقود واستقرت في حسابات رجال الأعمال المقربين من عائلة الأسد وفي مقدمتهم رامي مخلوف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعد ظاهرة الفساد الإداري والمالي في سوريا من أهم العوائق أمام الجهود التي قد تبذل للتخفيف من حدة مؤشرات انهيار المجتمع السوري، والدولة السورية، وعوامل هذا الانهيار كثيرة، أبرزها الفقر، الأمية، سوء الحالة الصحية للمواطنين، خسائر الحرب الكبيرة بشقيها البشري والاقتصادي، دمار البينية التحتية، إضافة إلى تدني مستوى التعليم بين الشباب ومغادرتهم سوريا. رافقت ذلك خطورة نمو ظاهرة نهب الأموال العامة وتداعياتها المتنوعة، مع تزايد حجم الفساد المالي والإداري واتساع مظاهره بعد الثورة السورية عام 2011، وما رافقها من تأثيرات سياسية في الأعوام السابقة.

وهذا يبين أن هناك مشكلة حقيقية تتعلق أولاً بالإرادة السياسية لاستعادة هذه الأموال، وبالتدابير والإجراءات التشريعية والسياسية والإدارية التي تمكن الدولة من استرداد الأموال المنهوبة، التي تحصلت عن سوء استغلال الوظيفة العامة أو الاتجار بها أو استغلال الصلاحيات التي امتلكها بعض كبار المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال المقربين من النظام الحاكم، وكذلك في بعض كيانات المعارضة السورية، والتي مكنتهم من الحصول على مكاسب مالية أضرت باقتصاد الدولة. 

مرتكبو جرائم الفساد والاستيلاء على المال العام في سوريا، نجحوا في ظل تقنيات عصر العولمة وقوة الجريمة الدولية المنظمة، في تهريب المال العام المستولى عليه إلى خارج الدولة، لذا فإن العدالة تقتضي ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد والاستيلاء على المال العام، وعدم تركهم من دون ملاحقة قضائية لاسترداد ما تم الاستيلاء عليه من المال العام. ولهذا السبب فقد اهتمت الدول بالتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة المنهوبة.

عندما تحول رامي إلى ناشط فايسبوكي

على مدار شهر كامل، تابعنا جميعاً مسلسلاً درامياً سورياً جديداً، أبطاله ابن خال بشار الأسد رامي مخلوف وزوجة الأسد أسماء، استمعنا فيه إلى خطب دينية وخطاب وطني إنساني مبتذل، قدمه لنا رامي مخلوف على حلقات عدة، عبر صفحته على “فايسبوك”، محاولاً إظهار نفسه كضحية ورجل أعمال عصامي يعمل تحت سقف القانون. نشاط مخلوف الفايسبوكي قابلته كلمة لبشار الأسد في حضرة وزرائه، نشرتها وسائل الإعلام الحكومية الرسمية، تحدث فيها الأسد عن الفساد وجهود حكومته لمحاربته. وتبعت ذلك مقتطفات من كلمة لأسماء الأسد في اجتماع خاص للجنة دعم جرحى ومصابي جيش الأسد، تحدثت فيه أيضاً عن الإشاعات المغرضة كما سمتها، وعن الفساد وضرورة دعم جرحى ومصابي جيش الأسد، في ظهور إعلامي استثنائي أرادت فيها إثبات أنها السيدة الأولى في سوريا، وأنها المنتصرة في خلافها الأخير مع مخلوف.

هذا الخلاف بين عائلة الأسد- مخلوف كما نعلم جميعاً هو خلاف ضمن ما يسمى النواة الصلبة والضيقة لنظام الأسد، وخطاب مخلوف كان موجهاً تحديداً الى أبناء الطائفة العلوية في سوريا دون غيرهم، في محاولة لكسب ودهم وإظهار التأييد الشعبي له، وزيادة الضغط على بشار الأسد لإجباره تحت هذا الضغط على الوصول الى تسوية ترضي مخلوف. ومن يتابع الوضع السوري يدرك أن رامي نجح في ذلك على المستوى الشعبي لحاضنة نظام الأسد، بخاصة أن جمعية البستان التابعة لمخلوف هي التي تصرف الرواتب والمساعدات المالية والغذائية والطبية لمقاتلي ميليشيات الأسد وقتلاهم وجرحاهم من القوات غير النظامية للجيش السوري وذلك على مدار 9 سنوات متتالية.

وهذا الخلاف المستمر لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه السياسية غير أن نتائجه الاقتصادية واضحة لكل متابع، مع انهيار الليرة السورية، وفقدان القطع الأجنبي ما قد ينذر بإعلان إفلاس المصرف المركزي في سوريا. وعلى المستوى الشعبي نجح رامي مخلوف بتسويق روايته في أوساط العلويين في سوريا بأن الخلاف بينه وبين أسماء الأسد هو خلاف اقتصادي علوي- سني، تحاول فيه أسماء الأخرس السنية الاستئثار بالملف الاقتصادي في سوريا وتجريد العلويين من حقوقهم. وما عزز هذا الشعور لدى مناصري مخلوف، اللقاء الأخير بين رجل الأعمال سامر الفوز المحسوب على أسماء الأسد مع بشار، والرسائل المبطنة التي تضمنها هذا اللقاء بأن سامر الفوز سيحل محل رامي مخلوف في الأيام المقبلة.

موقف السوريين من هذا الخلاف 

على رغم معرفة جميع السوريين أن هذا الخلاف لا يمت لمحاربة الفساد بصلة، فهو تصفية حساب بين أجنحة النظام لا أكثر، إلا أن حالة الاحتقان والكره بين المعارضين السوريين لرامي مخلوف جعلت معظمهم يقفون ضده، وهذا يعني عن غير قصد الوقوف في جانب أسماء الأسد، علماً بأن هذا الخلاف لا يعدو استبدال رجل أعمال فاسد برجل أعمال آخر فاسد مثله.

خطاب مخلوف كان موجهاً تحديداً الى أبناء الطائفة العلوية في سوريا دون غيرهم.

وهذا القصور في الرؤية من قبل الكثير من السوريين بدا واضحاً في مقالاتهم وتحليلاتهم ولقاءاتهم التلفزيونية، وتناولهم القضية بسطحية من باب فضح رامي مخلوف والتشفي به والتندر عليه من دون الاقتراب من جوهر هذه المسألة، والتي نرى أنها تعتبر ثالث أهم ملف في سوريا ومستقبلها، بعد ملفي الانتقال السياسي ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، وهو ملف الأموال المنهوبة في سوريا، منذ تولي الأسد الأب السلطة وحتى الوقت الحالي.

أين أموال الشعب؟

إذاً، القضية هنا تتعلق بأموال الشعب السوري التي نهبت وسرقت من جيوب السوريين والدولة السورية، ومواردهم الطبيعية على مدار عقود واستقرت في حسابات رجال الأعمال المقربين من عائلة الأسد وفي مقدمتهم رامي مخلوف، وهي مبالغ تم تهريب معظمها من سوريا إلى دول أوروبا الشرقية وروسيا وتقدر بعشرات المليارات.

وفي هذا الصدد، يبرز ملف الأموال المنهوبة والمهربة من قبل رفعت الأسد في قضايا يتم محاكمته فيها حالياً أمام القضاء الإسباني والفرنسي، فقد أوصى قاضي تحقيق إسباني قبل عامين بإحالة إلى المحاكمة، للاشتباه بتبييضه “أكثر من 600 مليون يورو”. وبحسب وسائل إعلام إسبانية يشتبه قاضي التحقيق بأن رفعت الأسد يرأس “شبكة إجرامية” مؤلفة من 8 من أبنائه، واثنين من زوجاته الأربع، وشركات وهمية، يخضعون جميعاً لأوامره، وفق ما ورد في قرار المحكمة الجنائية في مدريد.

وبحسب القرار، فإن جميع المذكورين “كرسوا أنفسهم منذ الثمانينات لإخفاء أموال منهوبة وتحويلها وتبييضها بشكل غير قانوني من الخزانة الوطنية السورية في بلدان أوروبية عدة”.

 كما يحاكم في فرنسا، بتهم “غسل الأموال المنظم” عبر التهرب الضريبي واختلاس الأموال العامة السورية.

ومن الجدير بالذكر إدراج الاتحاد الأوروبي على لائحة عقوباته، مئات رجال الأعمال المقربين من نظام الأسد ومن ضمنهم رامي مخلوف. وكان آخر بيان صادر عن الاتحاد الأوربي في شباط/ فبراير عام 2020، تحدث عن إضافة 8 رجال أعمال وكيانَيْن مرتبطَيْن بهم إلى قائمة الأفراد والكيانات الخاضعة لعقوبات يفرضها الاتحاد على النظام في سوريا وداعميه.

وفرضت تلك الإجراءات العقابية ابتداءً من عام 2011، وتضم القائمة حالياً 277 شخصاً و71 شركة، يخضعون لحظر السفر ولتجميد أصولهم، وتشمل العقوبات الأوروبية حظراً نفطياً وقيوداً على استثمارات معينة، وتجميداً لأصول يملكها البنك المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي وقيوداً على تصدير معدات وتكنولوجيا، قد تستخدم في القمع الداخلي ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية أو التقاطها.

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى قرار الجامعة العربية رقم (7442) الصادر في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، والذي نصت الفقرة الرابعة منه على تجميد الأرصدة المالية للحكومة السورية.

كيف تعاملت المعارضة السورية الرسمية ونظام الأسد مع ملف الأموال المنهوبة؟ 

أشارت تقارير صحافية إلى أن ثروة “الأسد” تتراوح بين 35 و40 مليار دولار، فضلاً عن الأموال المنهوبة بأسماء مقربين، ليصل حجم الثروة الفعلية إلى حدود 122 مليار دولار.

على الصعيد الرسمي للمعارضة السورية بكياناتها المختلفة، لم يحظَ هذا الملف الحيوي بالاهتمام المطلوب والعمل اللازم لاستعادة هذه الأموال والمطالبة بها، ولم تشهد السنوات التسع السابقة جهداً يذكر من قبلها باستثناء تشكيل لجنة برئاسة المحامي هيثم المالح عام 2012، لمتابعة استرداد الأموال المنهوبة، بعد قرار الجامعة العربية تجميد أرصدة حكومة الأسد، ولم يصدر عن هذه اللجنة أي عمل فعلي أو نتائج حقيقية.

 أما النظام السوري فهو لا يرى أن في سوريا أموالاً منهوبة إلا بعد عام 2011، ولا يعنيه من قريب أو بعيد تلك الأموال التي نهبتها عائلة الأسد أو المقربين منه، وعلى رغم ذلك يلحظ عمله الدؤوب على هذا الملف. وبحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” السورية عام 2018 عن رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية السوري، محمد برق فإن “حجم الأموال المكتشفة والمستردة تجاوز خلال عام 2017، 7.6 مليار ليرة سورية، في حين تجاوزت هذه الأموال منذ بداية عام 2018 (5) مليارات ليرة بزيادة نسبتها 25 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي”.

وبحسب ما نشرته صحيفة “البعث” السورية  في شهر نيسان/ أبريل الماضي كشفت المستشارة هدى الصواف رئيسة إدارة قضايا الدولة لدى النظام السوري عن بدء المشاركة الفاعلة في تمثيل سوريا بالدعاوى الخارجية أمام المحاكم الدولية.

وأوضحت الصواف، أن تمثيل سوريا بدأ أمام محاكم دول عربية عدة مثل لبنان والأردن والعراق ومصر. كان آخرها رد مبلغ 154 ألف دولار لمصلحة سوريا، بعد دعوى إيقاف بث من قبل النايل سات.

ثروة “الأسد” تتراوح بين 35 و40 مليار دولار، فضلاً عن الأموال المنهوبة بأسماء مقربين، ليصل حجم الثروة الفعلية إلى حدود 122 مليار دولار.

ووفقاً للصواف، فإن محامي الدولة يبذلون جهوداً فعالة في أعمال لجان القروض المتعثرة المكلفين بها من قبل مجلس الوزراء، أثمرت عن تحصيل ما يقارب 300 مليار ليرة سورية حتى الآن.

وأمام هذا الثالوث السوري المتمثل في حكومة الأسد، ومعارضته ورجال أعمال نهبوا أموال الشعب السوري وهربوها خارج سوريا، تضيع حقوق السوريين وأموالهم بين مقصر وسارق، ويترك السوريون قضيتهم الرئيسية في حقهم باستعادة هذه الأموال المهربة منها أو المجمدة، والتي يخشى أن يفرج عن أرصدتها لمصلحة حكومة الأسد فتنتشلها من أزمتها المالية قبل إنجاز عملية الانتقال السياسي، بدل أن تكون عند استرجاعها واستعادتها عماداً اقتصادياً لعملية إعادة إعمار سوريا وبنائها من جديد.

ويبقى أمل السوريين الوحيد لاستعادة أموالهم المنهوبة، قيام حكومة انتقالية تأخذ زمام المبادرة عبر إنشاء هيئة وطنية مستقلة لها صلاحيات قانونية في البحث والتحري والتقصي والتعقب والكشف عن تجميد الأموال العامة المنهوبة واستردادها، سواء كانت في الداخل أو الخارج، وذلك وفقاً للإجراءات المبينة في قانون استرداد الأموال المنهوبة واللائحة التنفيذية له والقوانين النافذة والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وبخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.