fbpx

“كورونا” يرجح كفة روسيا والصين في حربهما الدعائية ضد أوروبا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تركز روسيا والصين في حملات تضليلهما الإعلامي على إيطاليا، كونها الحلقة الاضعف في الاتحاد الأوروبي بخاصة بعد فشل المفوضية الأوروبية في تقديم مساعدات طبية عاجلة لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وجد مروجو الأخبار الكاذبة الذين توجههم دول وأجهزة متعددة، في فايروس “كورونا” ليس تربة خصبة لنشر الأخبار الكاذبة وحسب،  إنما أيضاً كنزاً ثميناً تغرف منه لتحويلها إلى سلاح ايديولوجي لا يقل دماراً وفتكاً عن السلاح البيولوجي والكيماوي. وذلك لأنه يضرب العقل البشري ويعبث به كما يشاء وبشكل أبعد وأسرع وأوسع من الأخبار الحقيقية، إذ كشفت دراسة ميدانية “أن التغريدات المضللة على موقع تويتر على سبيل المثل تنتشر بمعدل ستة أضعاف المدة الزمنية اللازمة بين 1500 شخص”، وأن الأكاذيب هي الأكثر انتشاراً وبنسبة 70 في المئة لإعادة تغريدها، من تلك الحقيقية”. وكان الباحثون في مختبر وسائط الإعلام التابع لـ«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» تابعوا انتشار 126 ألف قصة على «تويتر» وأخضعوها لتحليل عميق أوصلهم إلى منابعها الحقيقية. وتعتبر التغريدة بمثابة قصة إذا تضمنت ادعاءً ما، ما يعني أنه لا يجب ربطها بأي قصة معينة من مؤسسة إخبارية.

تغرق المجتمعات بحجم من المعلومات أكثر بكثير من قدرات افرادها على الاستيعاب، والإشكال الأكثر تعقيداً هو أن المواقف التي يتخدها الفرد أو مجموعة من الناس، تعتمد على معلومات مصدرها مجهول يمر عبرها ما يراد إيصاله إلى العدد الأكبر من الناس الذين تُوجه لهم هذه الأخبار أو المعلومات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والبوتات والترولات التي يزرعها على الانترنت، ويمولها لإدامة استمراريتها، ويسميها البعض الذباب الإلكتروني. في كتابهما المعنون Infostorms، يتحدث الباحثان الدنماركيان فينسنت هيندريكس وبيل هانسن عن هذه العملية التي أطلقا عليها تعبير “عاصفة إعلامية”، أي “التدفق المفاجئ للمعلومات الاجتماعية”. وقالا إن “الكثير من المواقع الأكثر انقساماً في العالم الرقمي هي في الواقع من صنع القرار العقلاني التابع للمعنيين بطبيعة بيئات المعلومات نفسها”. إلا أن المعلومات المتعلقة بالثقافة الرقمية برأيهما “أدخلت شيئاً جديداً في هذه المعادلة النفسية التقليدية، ألا وهو مستوى جديد تماماً من الاعتماد على المعلومات الاجتماعية، ومجموعة جديدة كاملة من المخاطر والقلق حول الأخطاء وعمليات التلاعب وشلالات التأثير”.

عندما ينتشر خبر كاذب على وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت، ومن ثم يقوم عدد صغير من الأشخاص بمشاركته على صفحاتهم على الشبكات الاجتماعية، فإن شكل التعامل معه وجوهره، يختلفان بين متلق وآخر، فبعضهم يجد أن هذا الخبر يضعه بمواجهة خيارين: هل هو صحيح أم كاذب؟ فإذا لم تكن لدى المتلقين معرفة سابقة به أو إذا لم يكونوا شاهدوه سابقاً في مكان آخر، فمن الناحية النظرية يمكن أن يسعوا للتأكد من صحته، ولكن نسبة هؤلاء ربما تكون قليلة للغاية، لأن عملية التحقق تكون شاقة وتنطوي على الكثير من المطبات. ووفقاً لما ذكره هندريكس وهانسن فإنه «عندما لا تمتلك معلومات كافية لحل مشكلة معينة، أو إذا كنت لا ترغب في ذلك، أو ليس لديك الوقت الكافي لمعالجتها، فقد يكون من المنطقي تقليد الآخرين». إن مفاهيم المصادر الموثوقة عالمياً على الانترنت تبقى ذات إشكالية اليوم.

توضح الدراسات المتخصصة “أن معالجة المعلومات التي تدعم معتقدات الشخص تؤدي إلى اندفاع مادة الدوبامين في المخ، ما يخلق مشاعر السعادة”.

من الناحية الفيزيولوجية، توضح الدراسات المتخصصة “أن معالجة المعلومات التي تدعم معتقدات الشخص تؤدي إلى اندفاع مادة الدوبامين في المخ، ما يخلق مشاعر السعادة”. في هذا الصدد، يقول عالم النفس الأخلاقي جوناثان هايدت، إن “الحزبية المتطرفة قد تكون إدماناً حرفياً”. هذا إضافة إلى أن أي تعارض مع المعتقد أو الرؤية المحددة لأي شخص تجعله يرتبك ويتعثر في القرار. وبالتالي فإن المعلومات التي لا تتفق مع معتقدات المرء وأفكاره المسبقة تنتج لديه استجابة عاطفية سلبية”. هذا يعني أن الناس يميلون إلى ما يعتقدونه وما يفكرون به أصلاً حتى وإن كان فارغاً من المحتوى والدليل، ولهذا فهم يصدقون ما يريدون تصديقه،  لأن الأمر المعاكس يجعلهم أمام واقع ينفرون منه لأنه يكشف أنهم ليسوا على صواب، بمعنى التخلي عن وجهات نظرهم، ما يمثل عملياً اعترافاً بأنهم كانوا مخطئين، أو على الأقل كان لديهم فهم غير كامل لقضية ما”.

علم النفس والأخبار الكاذبة

أفادت دراسة أعدها عالما النفس ديفيد راند من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجوردون بينيكوك من كلية إدارة الأعمال في جامعة ريجينا حول الأسباب التي تدعو الناس إلى تصديق الأخبار الكاذبة بأن “الأشخاص الذين كانوا أكثر قدرة على التفكير السريع، كانوا أكثر قدرة على التمييز بين الأخبار الحقيقية والأخبار المزيفة، بغض النظر عما إذا كان الخبر يتفق مع سياساتهم وأيديولوجيتهم أم لا.” ما يشير إلى أن “الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة يتعلق أكثر بعدم الاهتمام”. أشارت الدراسات الأخيرة إلى أن “20 في المئة من مُستخدمي الشبكات الاجتماعية غيّروا آراءهم في قضايا اجتماعية أو سياسية بسبب محتواها. في حين أن 17 في المئة من المُستخدمين أكّدوا أن للشبكات الاجتماعية دوراً في تغيير رأيهم بمُرشّح رئاسي. وهذا يسري ليس على “فايسبوك” وحده، بل أيضاً شبكة تويتر ومُحرّك بحث غوغل الذي يوفّر قسماً خاصاً لمتابعة الأخبار، إلى جانب نتائج البحث التي تظهر بناءً على خوارزميات الذكاء الاصطناعي من دون تدخّل بشري”.

تقوم حروب اليوم على الذكاء والابتكار، فقد بدأت الدول تأخذ بأسباب التكنولوجيا في كل مجالات الحياة، بحيث أن التقنيات المعاصرة تحولت إلى أداة فعالة في الصراعات بين الدول وأصبحت تشكل خطورة على أمنها واستقرارها أكثر من الحروب. هذا يحدث الآن مع جائحة “كورونا” التي جعلت الناس في كل بلدان العالم وكأنهم في معتقلات وسجون برغبتهم لتجنب وقوعهم فريسة للفايروس المجهول، يدفعهم الخوف والرعب إلى تلقي كل ما يصلهم من أخبار ومعلومات بما فيها المضللة من دون تدقيق.

تلعب روسيا والصين الدور المحوري في نشر الأخبار الكاذبة في حربهما الإلكترونية الخفية ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبحسب بحث أجرته مؤسسة “راند كوربوريشن” الأميركية فإن “الدعاية الروسية الحديثة، أشبه بفوهة مدفع تطلق سيلاً متواصلاً من نظريات المؤامرة الواهية أحياناً، والمتناقضة أحياناً أخرى، التي تهدف إلى إرهاق المتلقين ما يجعلهم متشككين في الحقيقة الموضوعية ذاتها”. تتصدر قناة “روسيا اليوم” الحكومية ونشرة “سبوتنيك” الحكوميتان اللتان تقدمان خدماتهما الإعلامية بلغات مختلفة لهذه المهمة بنجاح حتى الآن باعتراف الكثير من خبراء الدعاية والنيوميديا”. إلا أن الباحث في “صندوق مارشال” الألماني بريت شافر الذي يدرس أساليب التضليل الإعلامي له رأي مخالف إذ يرى أن “نظريات المؤامرة في هاتين المنصتين اللتين يدور عملها تاريخياً حول أطراف نظرية المؤامرة، تحرصان عند ترويج هذه النظريات على أن يحصل ذلك بشكل غير مباشر للحفاظ على مظهرها الخادع كمحطات دولية ملتزمة المعايير الصحافية الدولية”.

 حملات التضليل الروسي والصيني

المفوضية الأوروبية التي تتابع بقلق تدفق هذه الأخبار الكاذبة أعربت في بيان أصدرته قبل أسابيع عن استيائها من تزايد المعلومات المضللة والأخبار الزائفة عن فايروس “كورونا”. وحذرت من مخاطر التضليل الإعلامي الممنهج المصاحب للجائحة. ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين شركات التكنولوجيا العملاقة إلى تكثيف إجراءتها ضد هذا النوع من التضليل الاعلامي”. في السياق، تمكنت وحدة مكافحة التضليل الاعلامي التي أنشأها الجهاز الأوروبي للعمل الخارجي من تحديد مصدر بعض هذه المعلومات، إذ سجلت قاعدة البيانات نحو 80 حالة تضليل حول الفايروس منذ 22 كانون الثاني/ يناير وحتى الآن”. وكشفت وثيقة أوروبية أن “هناك حملة تضليل كبرى من وسائل إعلام روسية ومواقع تمولها جهات مرتبطة مباشرة بالكرملين”. أما صحيفة “فاينانشل تايمز”، فأشارت بحسب ما نشره موقع قناة “الحرة” الأميركية إلى أن “رسائل التضليل الروسية الموالية للكرملين تقدم رواية مزيفة مفادها أن الفايروس من صنع الإنسان، انتجه الغرب كسلاح”. ومن الأخبار الكاذبة التي نشرتها الترولات والمواقع الالكترونية التي تمولها روسيا في دول الاتحاد الأوروبي، وفي إيطاليا بالتحديد أن “الأنظمة الصحية الأوروبية لن تكون قادرة على التأقلم، وأن الأطباء سيختارون من يعيش أو يموت بسبب نقص الأسرة والتجهيزات الطبية في المستشفيات”. وتوصل بحث أجراه معهد “رويترز” في جامعة اكسفورد بعد تحليل أكثر من 200 معلومة كانت قد صنفت إما كاذبة أو مضللة، من قبل “منظمة التحقق من صحة المعلومات”، First Draft News، إلى أن 59 في المئة من المعلومات أعيدت كتابتها وتحريرها بعد وضعها في قوالب أقرب منها إلى التزييف،  كما أن 38 في المئة من المنشورات المتبقية ملفقة بالكامل” وفقا لشبكة “يورونيوز” في 9 نيسان/ أبريل 2020.

أنشأت الحكومة البريطانية وحدة خاصة مهمتها التعامل مع الاخبار والمعلومات المزيفة التي يتم تداولها على الانترنت تزامناً مع انتشار عدوى فايروس “كورونا”. وبحسب مجلة “فوربس” فإن تشكيل هذه الوحدة التي يديرها مباشرة مكتب بوريس جونسون يأتي للتصدي لدعايات التضليل التي تقوم بها روسيا والصين. وذكر تقرير لموقع “بوليتكو” نشر في نيسان الماضي أن “روسيا والصين تستمران في نشر أخبار كاذبة بشأن كورونا لزعزعة اقتصادات الاتحاد الأوروبي، وتقويض ثقة مجتمعات بلدانه الاعضاء بالوحدة الأوروبية، ومؤسساتها الديموقراطية”. ورأت الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن سوزان سبولدينغ أنه “لا ضرورة للكثير من الموارد المالية والبشرية لنشر مثل هذه المعلومات المضللة”. وأشارت إلى أن “روسيا تخوض في كل يوم عمليات تضليل إعلامي هدفها ضرب الثقة العامة في ديموقراطيتنا، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أنها ستتوقف”.

“إنفكشن” بوتين السوفياتية

تواصل روسيا سياسة الدعاية والتضليل الإعلامي التي كان الاتحاد السوفياتي ينتهجها ضد الغرب أيام الحرب الباردة قبل سقوطة وانشطاره إلى جمهوريات ودول مستقلة. ومع ظهور الفايروس وانتشاره المتسارع في أوروبا والولايات المتحدة، بدأ جهاز “كي جي بي” العودة إلى عملية “إنفكشن” التي كانت موسكو شنتها مع زيادة أعداد المصابين بفايروس نقص المناعة البشرية “إتش آي في”، إذ تستعير الآن التعابير والافكار ذاتها، التي تقول إن “الفايروس هو سلاح بيولوجي أميركي”،  وهو ما يجد استجابة كبيرة لدى فئات واسعة من السكان في أوروبا التي تفضل تبني الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة في أوروبا”. في السياق، طرح مقدم برنامج شهير على القناة “الأولى”، التي تمولها الحكومة الروسية فكرة أن الفايروس هو إشارة مستترة إلى أصله الأميركي، ذلك أن الرئيس الاميركي ترامب كان قبل سنوات قد سلم التاج (كراون بالإنكليزية) للمرشحة الفائزة بمسابقة ملكة جمال العالم”. وقالت المحللة السياسية في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ايمي ماكينون إن “المحاولات الروسية الهادفة إلى تشويه الغرب وإضعافه على الساحة الدولية سبقت انتشار الفايروس بفترة طويلة، ولكنها تزايدت الآن، وتمثل نموذجاً لطريقة التضليل الإعلامي التي يتبعها الكرملين ويسخر رؤساء تحرير الصحف ومديرو القنوات التلفزيونية الروسية ومعدو برامجها والعاملون عموماً في القسم الأكبر من وسائل الاعلام الرسمية، لتنفيذها لضرورات السياسة الراهنة للكرملين”. ولهذا أصبح الموضوع الرئيسي الطاغي على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية وتلك التي تمولها في أوروبا وأميركا، بغض النظر عن أهميتها وموقعها وحجمها الإعلامي هو فايروس كورونا الذي “تم تصنيعه في مختبرات بيولوجية أميركية لإعاقة التنمية الاقتصادية المتسارعة في الصين”. ولم تقف عند هذا الحد، إذ روجت متبعة طراز أفلام الخيال العالمي، خبراً هو أن مؤسسة شركة “مايكروسوفت” التي تعود ملكيتها إلى المليادرير بيل غيتس،  وكذلك رجل الأعمال والمستثمر الأميركي جورج سورس كان لهما الدور المحوري بنشر عدوى كورونا في العالم!”.

إيطاليا: الحلقة الأضعف

تركز روسيا والصين في حملات تضليلهما الإعلامي على إيطاليا، كونها الحلقة الاضعف في الاتحاد الأوروبي بخاصة بعد فشل المفوضية الأوروبية في تقديم مساعدات طبية عاجلة لها، لمواجهة كارثة الفايروس التي قوضت أسس نظامها السياسي والصحي، ورفعت من منسوب الأصوات الداعية إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على غرار ما فعلته بريطانيا. وليس خافياً أن نسبة ليست قليلة من مواطني هذا البلد الذي يعد أحد أكبر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ترفض العملة الأوروبية الموحدة بسبب الضائقة الاقتصادية التي تمر بها بلادهم منذ عقود، ولهذا فإنهم خلال الانتخابات الماضية صوتوا لمصلحة الأحزاب الشعبوية التي تشكك أساساً في المشروع الأوروبي، وتقيم علاقات وثيقة مع موسكو وتحصل على تمويلات مالية سخية من الكرملين. ومع تدهور الوضع الصحي الحكومة استنجدت روما ولاذت بالاتحاد الأوروبي، طالبة المساعدة من الدول الأعضاء التي بدلاً من ذلك فرضت كفرنسا وألمانيا في البداية قيوداً على صادرات المستلزمات الطبية، كما لم تستجب لهذا النداء الدول الأخرى وتبادر إلى تقديم العون والمساعدة. وكانت أول استجابة لطلبات السلطات الإيطالية، آتية من الصين التي تبعد منها آلاف الكيلومترات. وأعلنت بكين أنه يمكن أن تبيع إيطاليا مليوني كمامة طبية، وألف جهاز لتنفس الرئة و20 ألف لباس واقٍ. وعقب ذلك بفترة قصيرة أرسلت الصين إلى إيطاليا في 12 آذار/ مارس الجاري طاقماً من الخبراء المتطوعين، إضافة إلى أطنان من المستلزمات الطبية، وهو ما قامت به روسيا أيضاً على رغم افتضاح ازدواجية موقفها وتسخير المساعدة لأغراض تجسسية على القاعدة الأطلسية هناك، كما كشف عنه صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية. إلا أن الموقف الأوروبي المرتبك عند استلام الطلب الإيطالي زاد من عدم الثقة بالمنظومة الأوروبية، إذ كان أحد ردود الفعل الشعبية إزالة العلم الأوروبي، ورفع العلمين الروسي والصيني بدله. تراجع ثقة الرأي العام الإيطالي بالأوروبي كشف عنه استطلاع للرأي أظهر التداعيات السياسية التي أفرزها “كورونا” بالتدحرج، إذ كشف هذا الاستطلاع الذي أجري في نيسان الماضي أن “71 في المئة من الإيطاليين يعتقدون أن كورونا يقوض الوحدة الأوروبية، وأعلن 55 في المئة أنهم يريدون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي”. ضخت منابر تمولها بكين وموسكو سيلاً من الأخبار الكاذبة في كل الدول الأعضاء في الاتحاد، وخصوصاً في ايطاليا وفرنسا، ودولاً أوروبية أخرى خارج إطار التكتل. ففي إيطاليا، تنتشر أخباراً لا تحمل أي دليل حول معاقبة الولايات المتحدة الأميركية الدولة الإيطالية عبر نشر “كورونا”، بسبب توقيع الأخيرة اتفاقيات مع الصين في إطار مبادرة “طريق الحرير الجديد”. في فرنسا، مئات الآلاف المواطنين يتداولون مقاطع فيديو حول وثائق “دامغة” تؤكد أن مختبراً فرنسياً صنع “كورونا” عام 1995. وأقر وزير الشؤون الخارجية الإيطالي فينتشينسو اميندولا بوجود شعور متنام بالغضب في أوساط الرأي العام الايطالي تجاه الأوروبي، ولكنه نفى أن يكون لدى بلاده أي سيناريو للخروج من الاتحاد الذي برأيه “يواجه اكبر تحد له منذ نشأته داعياً قيادته إلى حماية مواطنيه ودعم قوته الاقتصادية”. وعلقت ناتالي توسي، مديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما بأن “هذه المساعدة الطبية من روسيا أو من الصين تكاد لا تذكر لكونها هامشية وغير فعالة، بحسب ما أثبتته الوقائع، مقارنة بما أعلنه البنك المركزي الأوروبي من خطط لشراء مزيد من السندات بقيمة تصل إلى 750 مليار يورو، لكن بالنسبة إلى الرأي العام فإنه من الصعب اقتناعهم بعدم أهمية المساعدات الروسية والصينية بسبب ما صاحبها من دعاية واسعة”.

صربيا التواقة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي هي الأخرى تحولت إلى منابر لتمجيد الصين، فيما يواجه نظامها الشيوعي اتهامات أميركية وأوروبية بالتكتم على معلومات حول الفايروس، ولو كانت تشاركت فيها مع الولايات المتحدة وأوروبا والدول الاخرى، لكانت أتاحت فرصاً وإمكانات للسيطرة المبكرة على العدوى وايقاف انتشارها حول العالم. وعلى رغم أن صربيا لم تنضم بعد للاتحاد الأوروبي، وما زالت في طور مفاوضات العضوية، إلا أن رئيسها ألكسندر فوتشيتش شن هجوماً لاذعاً على قيم الاتحاد. وانتشر له مقطع فيديو وهو يقبّل العلم الصيني في مطار بلغراد خلال استقباله شحنة مساعدات طبية من الصين. وقال: “إن التضامن الأوروبي غير موجود، كان هذا كله قصة خرافية على الورق”. وأضاف في كلمته لشعبه حول تفشي وباء “كورونا” أن البلد الوحيد الصديق فعلاً هو الصين المستعدة لمساعدة صربيا، بينما “رئيسة المفوضية الأوروبية أعلنت أنه غير مسموح لنا باستيراد المعدات الطبية من الاتحاد الأوروبي، وقالت إنه ليس هناك ما يكفي لدوله الاعضاء ومواطنيهم”.

كشف الاتحاد الأوروبي أن تيار المعلومات والاخبارالزائفة التي تنتقل عبر العالم منذ كانون الثاني حتى الآن مصدرها موسكو وبكين، وقالت المفوضية الأوروبية إن أكثر من نصف هذه الأخبار تنقلها بشكل مباشر مؤسسات ميديا من بينها RT,Sputnik,Russia Beyond,New Eastern Outlook، فيما النصف الآخر يصدر عن منابر إعلامية من بينها(Geopolitica.ru, Katehon.com, News Front,Strategic Culture Foundation, South Front, Oriental Review,One World,Info Brics,Rissia-Insider,Russian –Faith,The Duran,The Saker,Fort Russ News, Global Research Unz Review, Vetereans Today, The World).

بعد الفشل الذريع لوسائل التواصل الاجتماعي وشركات التقنيات المعاصرة في منع انتشار الأخبار المضللة والكاذبة، على الحكومات المختلفة اتخاذ إجراءات فعالة لوقف هذا الفايروس، الذي رأت صحيفة “واشنطن بوست” أن “مكافحته تعني التصدي بفعالية لموجات متدفقة من الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي على الشبكات الإعلامية والتواصل الاجتماعي”.