fbpx

قصة مليارات البنك الدولي في “ملاذات الأردن الآمنة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كسر البنك الدولي صمته بنشره بياناً توضيحياً، ربما لقطع حبل الشائعات حول دراسة نشرت عن ضلوع النخبة الأردنية في مسارات تهريب ثلاثة مليارات دولار من المساعدات الخارجية الآتية منه إلى ملاذات آمنة بين عامي 1990 و2010.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الخبر الأول فجره صحافيان أردنيان يقيمان خارج البلاد ويتابعهما عدد لا بأس به من الأردنيين. كشفا عمّا وصفاها بعمليات سرقة لمساعدات تلقّاها الأردن من البنك الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وقال أحدهم إن رئيسة الجهة التي وضعت الدراسة أقيلت من منصبها لأنها أصرّت على نشرها بعكس رغبة البنك الدولي. وقال آخر إن أحد الباحثين قرر نشر الدراسة على موقعه، رداً على موقف الإدارة. وسارعت وسائل التواصل الاجتماعي إلى التقاط الخبر ونشره.

جاء رد البنك الدولي ليوضح أن ورقة السياسات التي صدرت عن أحد هيئات البنك البحثية قبل ثلاثة شهور بعنوان “استحواذ النخب على المساعدات الخارجية: أدلة من حسابات الملاذات الآمنة”، لم تجد أي دلائل تثبت تحويل الدعم المالي من الأردن إلى حسابات في الخارج.

وكان معدّو الدراسة الثلاثة أشاروا إلى أن طبقة المتنفذين في الكثير من الدول ربما استولت على قروض قدّمها البنك لبلادهم، على مدى عقدين واحتفظت بها خارج البلاد. واشتعلت منصّات التواصل الاجتماعي بفحوى الدراسة التي أشارت إلى الأردن ضمن أحد جداول المقارنة قبل أن يردّدها نواب، وكتاب زوايا وهيئات إعلامية عربية وغربية.  

وشرح البنك الدولي في بيانه أن الدراسة لم ترّكز على الأردن، بل “وثّقت أن تدفق مساعدات البنك الدولي لـ22 دولة مصنّفة ضمن الأكثر اعتماداً على مساعدات البنك – وغالبيتها أفريقية – تزامن مع تنامٍ في ودائع خارجية تدفّقت إلى الملاذات الآمنة. كما أن الداتا لا تعطي معلومات عن المودعين”.

يوضح البنك الدولي في بيانه المتأخر أن الأردن يصنف ضمن الدول التي تعتمد بدرجة متوسطة على مساعدات البنك الدولي والبنك العالمي للإنشاء والتعمير (IBRD)، إذ تشكل مساعدات البنك 1.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام، مقارنة مع الدول الأكثر اعتماداً على هذه المساعدات بنسب تفوق 2.2 في المئة. 

وبالتالي فإن “إدراج الأردن ضمن هذه العينة كان سيضعف الربط التبادلي (Correlation) بين البلدان المعنية لدرجة تصبح معها عملية إحصائية بلا أهمية تذكر”.

ولم تنس مجموعة البنك الدولي التذكير بأنها “تأخذ الفساد والمخاطر المتصلة بتوزيع الأصول على محمل الجد. فهذه أمور لطالما شكّلت محور اهتماماتنا لأن ضمان الاستخدام الأمثل لمواردنا هو أولوية قصوى”.

ستظهر الأيام المقبلة إذا كان بيان البنك الدولي المتأخر سيترك أي أثر في إقناع الغالبية بهذه “السرقة” التي تبدو دسمة وبشعة في آن واحد، إذا ما كانت صحيحة. الجهة التي أعدت الدراسة استبقت الجدل بالتأكيد على أن الورقة البحثية لا تمثل بالضرورة وجهة نظر البنك العالمي للإنشاء والتعمير (IBRD) أو البنك الدولي. وأوضحت مجموعة أبحاث التنمية أن الهدف من نشر الدراسة – التي أعدّها ثلاثة باحثين- يكمن في فتح باب النقاش حول أثر المساعدات على الفئات المستهدفة في الدولة المستفيدة وتشجيع المناقشات الصحّية، حول ما إذا كانت المساعدات تصل بالفعل إلى المجموعات المستهدفة.

بالطبع لا يعني بيان البنك الدولي الأخير أن الأردن خال من الفساد. 

لكنه قد يساعد على فهم وتحليل ما وقع فيه مؤثرون في الرأي العام حين حاولوا تناول هذه الورقة ومؤشراتها الاشكالية أو تفسيرها. 

 الحكومة الأردنية صدمت، بحسب أحد أعضائها، من هذه الاتهامات ولم تستبعد تأثيرها السلبي لدى الدول المانحة.

شخصياً تابعت السرعة المذهلة لماكينة الأخبار الجدلية، مدعومة بوسائل التواصل الاجتماعي ومنصّاته المتعددة. وأقر بأنني صدّقتها، وظننت بأن البنك الدولي سيوفر لمعشر الصحافيين الاستقصائيين فرصة نادرة لبناء فرضية تفضي إلى إثبات آليات تحويل الدعم إلى ملاذات آمنة وكشف الجهات المستفيدة. فالباحثون لا تتوفر لديهم حتى معلومات عن هوية أصحاب الحسابات.

ووجه أعضاء في مجلس النواب الأردني سؤالاً رقابياً للحكومة حول ما ورد في التقرير باسم قروض نقلها متنفذون إلى الخارج. ثم انضمت هيئة محلية تعمل في مجال نشر ثقافة الشفافية إلى الحملة الإعلامية. بل أصرّ أحد وجوهها على أنّ معظم الأموال المشار إليها حوّلت عبر شركة للصرافة ذات مسؤولية محدودة مملوكة لشخص اسمه “أ.ك”.

ونشرت وسائل إعلام عربية وواحدة غربية- بعضها معروف بالرزانة- مقالات وأعمدة رأي حول أموال البنك الدولي التي “سرقتها” النخب وخبأتها خارج بلادها. وبدا محتوى المنشور وكأنه مبني على أدلّة حقيقية لا جدال فيها.

 الحكومة الأردنية صدمت، بحسب أحد أعضائها، من هذه الاتهامات ولم تستبعد تأثيرها السلبي لدى الدول المانحة. وراسلت الحكومة البنك الدولي وطلبت توضيحات عما ورد في الدراسة مثيرة الجدل تمهيداً لدراسة الملف قبل توضيح حيثياته للرأي العام.  

في الأثناء بادر مجلس الاستراتيجيات الأردني – الذي يديره وزيران سابقان – إلى عقد ندوة الكترونية مع ممثلي البنك الدولي، بمن فيهم ميرزا حسين عميد مجلس المديرين التنفيذيين هناك. ناقش المشاركون في الوبينار، مستقبل العلاقة بعد “كورونا” بين الأردن والذراع الأمّمية. وأوضح حسين لمحاوريه في الأردن أن التقرير المشار اليه ليس رسمياً أصلاً، ولا يعكس الموقف الرسمي للمؤسسة. واستتباعاً، أوضح أن البنك الدولي لم يرد على “اللغط” الذي أثير في الأردن جرّاء هذه الدراسة لعدم وجود علاقة بين الملاذات الآمنة والتحويلات والنخبة الأردنية.

على رغم هذا التوضيح، وقعت حيثيات التغطية الإعلامية لتلك الحوارية على آذان صّماء.

لم يعد كثر منّا يصدقون الحكومة وفريقها المدعوم من “الشخصيات الإعلامية” وقوات “التدخل السريع” ممن يحاولون اختطاف الرواية، أو التأثير في الجمهور بتكرار الخطاب الرسمي من “باب حكلي لحكلك”.

خلال الأيام الماضية تحدثت مع مهنيين، ووزراء وسفراء وباحثين ونقّاد غربيين في الأردن وخارجه، بحثاً عن إشارات لبدء التحقيق في تلك التسريبات. قرأت وثيقة الدراسة أربع مرات بحثاً عن أدلة لا مؤشرات. لكنني لم أجد الكثير. لم يكن الأردن حتى محور الدراسة لأنه لا ينتمي لفئة الـ22 دولة التي شملها البحث. 

وبعد أيام من الانتظار، تحدثت إلى أحد الباحثين الثلاثة، وهو بوب ريكرز. مررنا على محاور الدراسة التي تطرح أسئلة مثيرة للاهتمام تجب مناقشتها واستكشافها لدى مراكز البحوث، والاستشاريين الاستراتيجيين والبرلمانات ووسائل الإعلام. وأكّد لي مرة أخرى أنها لا تقدم أدلة على تحويل أي مساعدات من الأردن (الحديث عن هذه الدراسة فقط). 

الأحداث الراهنة وفّرت دليلاً على كيفية تحول أخبار ضعيفة إلى روايات مقنعة ومؤثرة ومحبطة. لكن السياق في جزء كبير من منطقتنا يوفر بيئة حاضنة لتحويل الزيف إلى حقيقة.

لماذا؟

لأن الثقة تضاءلت بين الشعب الأردني والحكومة والبرلمان والصحافيين والقضاء.

تظهر المسوح أن هناك نسبة لا بأس بها من الصحافيين الأردنيين يمارسون الرقابة الذاتية لتفادي العقاب. كثر من كتاب الأعمدة المؤثرون خضعوا لمعادلة الاحتواء أو الإقصاء خلال السنوات الماضية. واليوم تدفع الدولة بأدواتها الرسمية ثمن سياسة السيطرة على الخطاب العام واحتكار الحقيقة عبر تكميم أفواه النقاد في وسائل الإعلام وفي الفضاء العام. 

تظهر المسوح أن هناك نسبة لا بأس بها من الصحافيين الأردنيين يمارسون الرقابة الذاتية لتفادي العقاب.

لا أحد يستطيع التشكيك في حقيقة إساءة استخدام السلطة أو الاقتراب من عش دبابير الفساد، على برغم الوعود الرسمية المتكررة بمحاربة هذه الآفة. والدولة بدورها تدفع ثمن غياب الحرية في الوصول إلى المعلومات العامة رغم أن الأردن كان أول دولة عربية تقرّ هذا القانون. 

ويتنامى شعور بالإحباط لدى شرائح المجتمع كافة، لأن مراكز القوى لم تتخذ إجراءات فعلية لمعاقبة “كبار الحيتان”. معظم الجمهور بات على قناعة بأن هناك تحالفاً بين الدولة العميقة، والبرلمان، والحكومة والنخب. فالغالبية تسعى إلى حماية مصالحها. ثمّة 300 شخصية عامّة في الأردن من المصنفين ضمن فئة “الموالين”، تشكّل الخزان الاستراتيجي لمن سيتبوأ المناصب العامة ومن سيرسل سفير ومن سيخدم في مجلس الأعيان أو يتولى رئاسة إحدى الهيئات المستقلة.

يستحيل الوقوف اليوم في المنتصف ومناقشة الحقائق، في عصر تسود فيه “ثقافة الخوف”. فالجميع متأهب للنيل من الآخر الذي لا يشبهه فكرياً أو ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً. ثم جاءت جائحة “كورونا” فرصة لفرض قانون الدفاع. 

صحيح أن الحجر بفعل قانون الدفاع ساهم في تقليل عدد الإصابات، لكنّ هذه الحال سمحت لصاحب القرار بأن يحاول نقل الأردن إلى مساحات فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة تناسب ما سيتكشف بعد انقشاع غبار الحرب على هذا الفايروس. 

نخب جديدة تتحكم بالمشهد السياسي والاقتصادي رويداً رويداً. وتسعى إلى تسييس “كورونا”. والخشية من أن نجد تقاطعات بين مراكز نخبوية سائدة تحاول إعادة إنتاج “ثقافة القطيع” وإنهاء مفاهيم الرقابة العامة بالاتجاهين: من أعلى إلى أسفل والأهم من الأسفل إلى الأعلى. 

فئات جديدة توظف التقدم العلمي والاقتصاد المعرفي والتشاركي لإقصاء مراكز اقتصادية وسياسية نمت كطفيليات خلال العقدين الماضيين لمصلحة مراكز جديدة بعيدة من أي قناعات بالتغيير الحقيقي. ولكن الجديد فيها أنها ثقافة تدعي “الرقمنة” وتعمل على تعميم منصات وتطبيقات إلكترونية، قد يكون هدفها الأساسي إعادة توزيع الثروة، لكن ليس بعدالة بين فئات الشعب، بل للإجهاز على ما يسمّى “ديناصورات” اتهمت سابقاً بعرقلة جهود تحديث الأردن لمصلحة قوى جديدة لا تؤمن بما تقوله بالحد الأدنى. 

الأردن بعد “كورونا” سيعجّ بالمفاجآت. تسييس الوباء قد يعطي الانطباع بأن الواقع السياسي والاقتصادي المأزوم قد يتغير إلى الأفضل. لكن انعكاسات الفقر والبطالة وغياب البرلمان وإسكات الصحافة ستقف بالمرصاد. فهل نستغل الفرصة لإحداث إصلاحات حقيقية، ترسخ مبدأ فصل السلطات وفرز مجلس نواب جديد، يكون أرضية لتشكيل حكومات برلمانية تحمي الأردن من الشرور المتطايرة داخلياً وخارجياً؟ 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!