fbpx

“تيك توك” مصر… فضاء افتراضي يعاقب فتياته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيديو منة عبد العزيز صفع سذاجتنا وألصق أنوفنا في مشهد شديد العفونة، مشهد يقول للمرأة إن انسحبتِ من المجال العام سيتم جلبك من الفضاء الافتراضي ليُمارس عليك الانتهاك اليومي ذاته، وهذا الجسد الذي تتباهين بجماله ستحملينه مثل صخرة سيزيف على ظهرك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عيد بأي حال عدت يا عيد”، ربما كانت احتمالات الإجابة على هذه الجملة أقل قتامة لو تعاطينا معها قبل يوم واحد من عيد الفطر في مصر، لولا حادثة اغتصاب منة عبد العزيز، إحدى فتيات “تيك توك” التي تم اغتصابها وضربها، كما نُشرت فيديوات اغتصابها على مواقع التواصل الاجتماعي.

 قبل يوم واحد كنا نغازل “كورونا” بسذاجة شديدة قائلين، “بفضلك لن تكون هناك حوادث تحرش في العيد في مصر أو على الأقل ستقل معدلاتها، ليس لأن الفايروس ساهم في ضبط معادلة تقدير المرأة واحترام جسدها وحفظ خصوصيته في المجال العام، بل لأنه حجبنا جميعاً في بيوتنا وحرم المتحرشين من طقس الانتهاك السنوي الفاحش لأجساد النساء في الشوارع في العيد”.

لكن فيديو منة عبد العزيز صفع سذاجتنا وألصق أنوفنا في مشهد شديد العفونة، مشهد يقول للمرأة إن انسحبتِ من المجال العام سيتم جلبك من الفضاء الافتراضي ليُمارس عليك الانتهاك اليومي ذاته، وهذا الجسد الذي تتباهين بجماله ستحملينه مثل صخرة سيزيف على ظهرك، لكن الصخرة ستكون بمثابة جثة مضرّجة بالكدمات والسحجات.

بثت منة عبد العزيز (17 سنة) ليلة وقفة عيد الفطر، فيديو مباشراً على “فايسبوك” تطلب فيه من المتابعين التجمع ومشاهدة البث الخاص بها وكأنها تقف في الشارع وتصيح في المارة “أرجوكم اتجمعوا أنا عايزة قضيتي تكون قضية رأي عام، أرجوكم اعتبروني زي أختكم”. لم تسلط الكاميرا على وجهها في البداية، وبعد دقيقتين أو أقل ألصقت الكاميرا بوجهها فيما عيناها مغلقتان من شدة التورم، وفمها يتعثر في تكرار العبارات “أنا يتيمة ومازن اغتصبني”. كررت كلمة “اغتصبني” وكأنها تمزق أربطة تكبلها، وتمزق معها عبارات التجمل والمواربات. تلفظها بإيقاع مفزوع، تخيلت كيف تفزع فتاة مراهقة من وقع كلمة تنطقها للمرة الأولى، تتعثر في إيقاعها وفي مشاهد عاشتها كاملة. هذه المشاهد التي إذا جُسدت في الدراما بمواربة كانت ستُرفق بتنويه +18، لكن منة لم تكمل حتى عامها الثامن عشر كي تتحاشى متابعة مشاهد تمثيلية، بل عاشتها وسقطت في مراراتها وهي ما زالت طفلة تلهو في فضاء “تيك توك”.

صوبت منة عبد العزيز جسدها نحونا، نحو “الأخوة” و”العائلة الكبيرة” التي طمحت في دعمها، تخيلت أن احتضانها سيكون مؤلماً، وجسدها عبارة عن مسامير حادة، لكن علينا جميعاً أن نختبر هذا الألم الجماعي، ونسعى إلى رحلة الشفاء منه دفعة واحدة، ملتصقين، ككتلة واحدة.

تعرضت منة عبد العزيز لهجوم واسع باعتبارها “تستحق” الاغتصاب لأن فيديواتها على “تيك توك”، “جريئة وغريبة على مجتمعنا”.

لكن الأخوة والعائلة الكبيرة، هم أيضاً انتُهِكوا، فهذا المجتمع الحاضن الذي تتخيله منة عبد العزيز لم يعد قادراً على التحكم في انحناءة ظهره، لم يعد قادراً على الاحتضان، فهو يتعثر في أحكامه حتى إذا رفع وجهه قد تفزع منة عبد العزيز مرة أخرى، وقد تجد في وجهه وجه مغتصبها نفسه.

تعرضت منة عبد العزيز لهجوم واسع باعتبارها “تستحق” الاغتصاب لأن فيديواتها على “تيك توك”، “جريئة وغريبة على مجتمعنا”، فعلمت أن الحاضنة المجتمعية متهتكة، لم تجد هذا الحائط الداعم المتخيل، فخرجت بفيديو آخر تعلن فيه انسحابها وأنها لم تتعرض للاغتصاب، مضمرةً في الخفاء كواليس المساومات التي تعرضت لها، فالمجتمع يضيق صدره بكل شيء، وليس مستعداً لتحمّل إزعاج فتاة مراهقة تلهو على “تيك توك”.

انسحاب منة عبد العزيز من الفضاء العام وفضاء “تيك توك” هو الواقعة الثالثة بعد اتهامات أخلاقية لاحقت فتاتين، وبذلك قبض على حنين حسام ومودة الأدهم بذريعة “خدش الحياء العام”!

قالت منة عبد العزيز في الفيديو الأول لها، أنها تعتبر ظهورها على “تيك توك”، “غلطة” لكنها لا تستحق عليها الاغتصاب والتنمر، لكن لماذا وصل الوضع إلى اعتبار حق الفتيات في استخدام أحد المواقع الافتراضية كوسيلة للتعبير عن النفس من دون إيذاء الآخرين، “غلطة”، ستجبر فتيات أخريات على الانسحاب من هذا التطبيق الذي صار مروعاً؟

“تيك توك” وجد مساحة موضوعية للانتشار في مصر، لأسباب كثيرة لن نسارع في اعتبار القمع المجتمعي للفتيات أحد الأسباب الرئيسة لانتشاره، لكنه من دون مواربة، هو السبب الرئيس بالفعل، فالفتيات يستطعن اختبار مدى خفتهن في التعبير بحرية عن لغة أجسادهن خصوصاً لغة الوجه، بأصوات بديلة مازحة، تحفظ مساحات حجب الصوت الفعلي، المحتجب داخل خزانة من القيم والأخلاق.

وجدت فتيات مصريات في تطبيق “تيك توك” وفي الصوت البديل أنهن قادرات على خلخلة الفضاء العام بفضاء آخر بديل، يسمح لهن بإعادة ترسيخ أنفسهن مرة أخرى، لكن هذا الفضاء بدا هو الآخر سهل التقويض لسحب الفتيات منه مرة أخرى إلى حيز “الحريم”.