fbpx

“كورونا” ونظريات المؤامرة وحكومة العالم الخفية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أصحاب نظريات المؤامرة يميلون إلى أن يكون لهم شيء واحد مشترك وهو إيمانهم بأن قوى سرية تحرك الأحداث الجارية حولهم وأنهم بالتالي لا يمتلكون مقدرة التحكم أو السيطرة على حياتهم”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الأيام الأولى حين بدأت وسائل الإعلام الدولية نقل أخبار فايروس “كورونا” وتجلياته وانتشاره في الصين، كنت استقليت سيارة أجرة لإنجاز عمل طارئ. وحال جلوسي على المعقد الأمامي نظر إلي السائق بتفحص، وقال لي: ألست أنت الصحافي الذي يتحدث عن حروب الشرق الأوسط وظاهرة الإرهاب الإسلامي في القنوات التلفزيونية؟ ثم واصل كلامه من دون أن ينتظر إجابتي، وبقناعة لا تتزعزع قائلاً: “أميركا هي الشيطان الأكبر الذي يؤجج هذه النزاعات المسلحة، فهي التي صنعت القاعدة ومن ثم داعش وهي التي تقف وراء إرهاب 11 أيلول/ سبتمبر، وهي التي تنشر الفايروسات وآخرها كورونا. وسابقاً كانت نشرت الايدز وإيبولا وإنفلونزا الخنازير وجنون البقر وانفلونزا الطيور، وذلك بالتآمر مع شركات الأدوية الأميركية وبيل غيتس وجورج سورس لكي تتحكم بالعالم وتسرق أموال البشر”. سألته كيف وصلت إلى هذا الاستنتاج، وهل قرأت وجمعت أدلة أقنعتك لهذه الدرجة بما تقوله، إلى الحد الذي يصعب علي هضمه. فأجابني، “ولماذا علي أن اقرأ وأبحث عن الأدلة، فكل شيء واضح بالنسبة إلي حدسي لا يخونني أبداً”، ثم التفت إلي وقال: “أنت من عليه أن يراجع نفسه ويتخلص من أوهامه”!

عندها وصلت إلى محطتي المقصودة، وهممت بالنزول قال: “نصيحتي لك ألا تتخلى عن عقلك”، فشكرته وقلت له مبتسماً “بالتأكيد سآخذها على محمل الجد”!

ما قاله هذا الرجل يشبه كثيراً من يتداوله كثر من العامة من دون تدقيق أو تحقق من المصدر.

أفاد تقرير نشره موقع “بزنس أنسايدر” بأن 44 في المئة من الجمهوريين رأوا ان جهود مؤسس شركة “مايكروسوفت”، بيل غيتس لإيجاد لقاح لـ”كورونا”، هدفها زرع شرائح الكترونية لتتبع الأفراد. وأشار إلى أن هذه الفرضية التي تندرج تحت “نظريات المؤامرة”، اكتسبت رواجاً بين الكثير من المحافظين وفق استطلاع أجرته “ياهو نيوز” و”معهد يوغوف”. وبحسب بيانات الاستطلاع فإن 26 في المئة من الجمهوريين لا يدعمون هذه الفرضية، فيما يتابع أكثر من نصف داعمي الفرضية قناة “فوكس نيوز”، كمصدر رئيسي للأخبار. وأشار الاستطلاع إلى أن هذه الفرضية لا تلقى رواجاً لدى الجمهوريين فقط، إذ إن 19 في المئة من الديموقراطيين و24 في المئة من المستقلين، و15 في المئة من متابعي شبكات “سي أن بي سي” يؤمنون بهذه النظرية أيضاً. واعتمد الاستطلاع على آراء عينة ممثلة على المستوى القومي الأميركي من 1640 شخصاً من البالغين، شاركوا في الاستطلاع خلال يومي 20 و21 أيار/ مايو. وأظهرت النتائج أن 55 في المئة من الأميركيين يرغبون بالحصول على لقاح فايروس “كورونا” عندما يصبح متاحاً، أما الآخرون فلم يحسموا أمرهم حتى الآن. 

في كل دول العالم بلا استثناء وبخاصة في وقت الأزمات والكوارث والحروب يزداد عدد زبائن نظرية المؤامرة ومستهلكيها، وفي هذا تتساوى تقريبا كل مجتمعات الدنيا، وربما يقع فريسة لهذه النظريات حتى المتعلمون وخريجو الجامعات. ولا أتفق مع الذين يقولون إن العرب والمسلمين هم أكثر شعوب العالم ولعاً بهذه النظريات، ولو أنها تمثل اتجاهاً عاماً في التفكير العربي، وتحديداً السياسي، على الرغم من كوننا نعيش في عالم التقنيات المتطورة. 

أجرى مركز دراسة اتجاهات الرأي العام (ترند) استطلاعاً أظهر أن 45 في المئة من الناس يؤمنون بأن تنظيماً سرياً يحكم العالم “مجموعة بيلدر بيرج”، او ما يسمى “حكومة العالم الخفية”. وقال 66 في المئة إن “مختبرات سرية تنتج الفايروسات القاتلة لكي تبيع ما تنتجه من لقاحات”. واعترف أكثر من 50 في المئة بأنهم يخافون من السحر، وأكد واحد من بين كل ثلاثة أنه يحمل في جيبه خيطاً أحمر يحميه من الحسد والمؤامرات. فيما أكد 73 في المئة أنهم يدقون على الخشب عندما يتحدث بإيجابية خوفاً من أن تداهمه التعاسة. 

لا تستند نظريات المؤامرة إلى وقائع محددة أو حقائق ثاتبة، بل هي خادعة ومخادعة في الوقت نفسه

حكومة العالم الخفية

ويشير مصطلح “حكومة العالم الخفية” إلى ما يعتقده كثيرون في كل مجتمعات العالم بوجود حكومة سرية تتحكم بأحداث العالم تخطيطاً وتنفيذاً، بما يحقق مصالح قوى عالمية نافذه سياساً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً. ويعود استخدام مصطلح “الحكومة الخفية” إلى الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت (1858-1919) الذي حذر من هيمنة شبكات مالية على سياسة بلاده، ثم جاء الكاتب الأسكتلندي شريب سبيريدوفيتش فأصدر عام 1926 كتابه “حكومة العالم الخفية”، وعثر عليه بعيد ذلك مقتولاً في أحد فنادق الولايات المتحدة. وتعزز هذا المفهوم أكثر بنشر كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” عام 1958 واغتيال مؤلفه وليام غاي كار، الذي تحدث فيه عما اعتبره كثيرون “توثيقاً لأسرار ما يحصل في العالم من أحداث جسام”، كاشفاً عن “الأيدي الخفية” التي تدير العالم وتتحكم في حكوماته، وتقف خلف معظم الحروب والأزمات والاغتيالات فيه. ووفقاً للمحلل السياسي مايكل باركون، فإن نظريات المؤامرة تعتمد على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث مصادفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه. ونمت وتطورت نظريات المؤامرة لتدمج في تفاصيلها أي دليل موجود ضدها، لتصبح بذلك جملة مغلقة غير قابلة للدحض، وبهذا تصبح نظرية المؤامرة “مسألة إيمان بدلاً من دليل”. 

 ظهر مصطلح نظرية المؤامرة لأول مرة في إحدى المقالات الاقتصادية عام 1920، وأصبح متداولاً بين الناس عام 1960 ودخل إلى قاموس أوكسفورد Oxford Dictionary عام 1960. إلا أن تعريف هذا المصطلح يتغير بحسب وجهة نظر أصحابه. والمؤامرة Conspiracy، لها حدان أساسيان: الأول المتآمرPlottere، والثاني المتآمر عليه Conspirator، والمتآمر في العادة هو الحكومات Governments، بينما المتآمر عليه هو الشعب Peoples، وذلك بهدف إخفاء الحقيقة عليه. وكما هو واضح فالاسم مقتبس من فعل “التآمر”، أي بمعنى صوغ الأكاذيب بطريقة منظمة، وفعل التآمر قد يحدث في أي مكان (في المنزل أو في العمل مثلاً، وقد يحدث في الدولة وعلى مستوى عالمي، هذا بالنسبة إلى المكان. أمّا بالنسبة إلى الزمان فحدوث “التآمر” غير محدود ومن الثابت أنه لا بد من وجود المتآمر، ووجود المتآمر عليه. وقد يكون المستهدفون بالمؤامرة على علم بها أو لا علم لهم بها أو قد يعلمها البعض منهم. وذلك بحسب البروفيسور في جامعة وارويك البريطانية قاسم قسام. 

الواثقون من وجود نظرية المؤامرة يقدمون لها تعريفات لها تتجاوز كونها مصطلحاً: مثل قيام أحد الأطراف معروفاً كان أم لا بعمل ما منظم سواء كان هذا العمل بدون وعي أو كان بوعي، علانية أم بشكل سري، إذ يقوم التآمر مع طرف آخر بالتخطيط الذي يهدف إلى الوصول إلى هدف ما، وتحقيق هذا الهدف غاية أو مصلحة أو قد يؤدي إلى السيطرة على جهة أخرى، ومن ثمّ يبدأ العمل لتحقيق ذلك الهدف أو المصلحة. 

تتصدر نظريات المؤامرة العناوين في الصحف والجرائد بصورة مستمرة، وقد بينت إحدى شركات البرمجيات الأميركية (SEMrush) عن “نظريات المؤامرة”، أنها الأكثر بحثاً في كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وكانت مؤامرات يُبحَث عنها بانتظام، وذلك منذ رواج نظرية المؤامرة في العالم، وشكلت بعض النتائج الواردة في تلك القائمة مفاجأة كبيرة إلى حد ما. وأعلنت الشركة أن نظرية “المتنورون الجدد” The Illuminati قد جاءت في المرتبة الأولى في البحث. 

يعود ظهور نظرية مؤامرة “المتنورون الجدد” The Illuminati، إلى ما يعرف بـ”المتنورين” إلى عام 1776، عندما تم الاعلان عن تأسيس حركتهم على يد الألماني آدم وايشوت Adam Weishaupt الذي وصف بأنه أكبر المتآمرين في العالم، إذ توجهت أفكاره إلى مكافحة الفكر الديني بمختلف ألوانه والسيطرة على الإعلام، بهدف إيجاد نظام عالمي جديد New World Order، قائم على اثنتين من الطبقات الاجتماعية، طبقة الأسياد Masters، وطبقة العبيد Slaves، مع السعي إلى تخفيض عدد سكان العالم. 

المؤامرة كفكرة ونظرية عالمية

انتشر مصطلح “نظرية المؤامرة” على يد الأكاديمي فرانك. ب. ممينتز (Frank P. Mintz) في ثمانينات القرن العشرين، إذ وصفه بأنه “الاعتقاد في أسبقية المؤامرات في كشف التاريخ”. وقال إن “المؤامرة تخدم الاحتياجات للمجموعات الاجتماعية والسياسية المتنوعة في الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى، فهي تقوم بتحديد النخب وفرزها، وتقوم بإلقاء اللوم عليها عند الكوارث الاجتماعية أو الاقتصادية، وتفترض بشكل مسبق أن الأمور ستكون أفضل بحال قام أو تمكن العمل الجماهيري الشعبي من إزالة تلك النخب من المواقع التي تتربع عليها في السلطة، وبالتالي فنظرية المؤامرة لا تميز بين فكر ايديولوجي معين أو حقبة زمنية معينة. يقول الكاتب الأميركي كريستوفر هيتشنز إن “نظرية المؤامرة ليست سوى نتاج (دخان عوادم الديموقراطية)، فالنتائج لا يمكن أن تبتعد عن الكم الهائل والكبير من المعلومات المنتشرة بين أيدي عدد كبير من عامة الناس”. وأضاف: “قد تكون تلك النظريات مرضاً عاطفياً، إذ نقوم بإلقاء اللوم على مجموعة قد لا ينتمي لها مفبرك أو مصدق تلك النظريات، وبالتالي يعفى من المسؤولية السياسية أو الأخلاقية في المجتمعات”. وحول الموضوع نفسه كتب أيضاً روجر كوهين الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قائلاً: “إن الكثير من الناس يلجأون إلى نظرية المؤامرة كونها الملاذ الأخير للضعفاء، فإذا كنت لا تستطيع تغيير شكل حياتك وجوهها، لن يكون أمامك إلا أن توجه أصابع الاتهام إلى قوى كبرى خفية مسيطرة على العالم”. 

انتعشت نظريات المؤامرة لمرة جديدة وبشكل أكثر تطوراً، يناسب تقنيات العالم الافتراضي مع ظهور فايروس كورونا وانتشاره. وكشفت مراجعة أجراها موقع “بوليتكو” لآلاف المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وما أجراه من مقابلات مع خبراء مكافحة التضليل الاعلامي الذين يتعقبون نشاطات المؤيدون لنظريات المؤامرة على الانترنت، أن أحزاب اليمين الشعبوي المتطرفة أصبحت مصدراً نشطاً لاستخدام الجائحة للدفع بأجندتها السياسية في وقت يتزايد الغموض المترافق مع الآلام الاقتصادية. وتلعب روسيا والصين دوراً محورياً في حملات التضليل الاعلامية. وبحسب تقرير “بوليتكو” الذي حمل عنوان “بينغو نظريات المؤامرة: المتطرفون عبر الأطلسي ينتهزون فرصة الوباء” وأعده مارك سكوت وستيفن اوفرلي، فإن “كورونا تحول إلى صرخة تعبئة للداعين إلى نظرية المؤامرة على جانبي الأطلسي”. واشار الكاتبان إلى أن “الجماعات المستفيدة من الجائحة تتمثل في الداعين إلى تفوق العرق الأبيض والمعادين للقاحات في أميركا، والجماعات الفاشية والمعادين للمهاجرين في أوروبا”. وقالت تيانا سيتجيتفاكنين التي تقوم بفحص المعلومات في منطقة البلقان، “بصراحة هذا حلم أصبح حقيقة لأي جماعة كراهية، والمحتال الذي يتاجر بزيت الثعابين واي شيء بينهما”. 

مختبرات الفايروسات واللقاحات والعالم السري

بذلت شركات التكنولوجيا المتقدمة في وادي السيليكون الأميركي، جهوداً مضنية راهناً، لإزالة فيديو مدته 26 دقيقة، يروّج نظرية المؤامرة بشأن “كورونا”. أنتجته الناشطة المناهضة للقاحات جودي ميكوفيتش، وحصد ملايين المشاهدات، على مدى أيام، وأثار تفاعلاً كبيراً على موقع “فايسبوك”. 

تتأسس النظرية التي يروجها هذا الفيديو على أن الفايروس المذكور تم تصنيعه في مختبر، ويتم حقنه في أجساد البشر ضمن حقن مصل الإنفلونزا، وارتداء الكمامات سيؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من وباء كوفيد-19. وتم تبادل الفيديو على نطاق واسع بسبب عدم وجود إجابات قاطعة حول فايروس “كورونا” الجديد، ووسط التشكيك في المصادر المطلعة التي تدلي بتصريحات عن الفايروس. وانتشر المقطع على “يوتيوب”، و”فايسبوك”، و”إنستاغرام”، بل فشلت محاولة حذفه من تلك المواقع! ووجد ترويجاً، خصوصاً بين الجماعات المعادية لاستخدام اللقاحات، والفوضويين المطالبين برفع التدابير الاحترازية الرامية لكبح تفشي الوباء. وساعد هذا الفيديو ميكوفيتش على ترويج كتابين كانت الفتهما واحتلا مركز الصدارة في قائمة أفضل الكتب مبيعاً على موقع أمازون، ما دفع محرري القنوات الفضائية إلى التسابق والتنافس لاستضافتها في برامجهم الإخبارية، ويحمل الفيديو عنوان “الوباء المخطط”. وأجمعت شركات التواصل الاجتماعي على أن محتوى هذا الفيديو أكاذيب، ومعلومات مضلِّلة. وفي أوروبا انتشرت شائعات حول أن منظومة فايف جي 5G، لها علاقة بالفايروس، ما أدى لعملية تخريب على أعمدة الاتصالات، وتكرر ذلك في كندا وبلدان أخرى. ورأى مدير أبحاث التشخيص الرقمي في المجلس الاطلنطي غراهام بروك أنه “مثل الفوز بلعبة بينغو، ولكن لنظريات المؤامرة”. ووجدت رسائل مروجي نظريات المؤامرة فرصة كبيرة على المنابر الهامشية مثل فورتشان، وتلغرام، وساحة ألعاب اسمها ديسكورد، وعبر هذه المنابر تجد هذه الأخبار والقصص طريقها إلى “فايسبوك” و”تويتر” و”غوغل” و”يوتيوب”، والتي يصل عدد مستخدمي كل واحد منها إلى ملياري شخص. 

في إيطاليا غمرت الجماعات المتطرفة الإنترنت برسائل حملت فيها المهاجرين مسؤولية انتشار “كورونا”، ما أسفر عن اعتداءات ضد لاجئين ومهاجرين

أقرت شركة “فايسبوك” بوجود مجموعة من الحسابات المزيفة والصفحات التي حذفتها في نيسان/ إبريل مرتبطة بمواقع معادية للمهاجرين في الولايات المتحدة اجتذبت أكثر من 200 ألف متابع وبرسائل تضم هاشتاغ “تشاينا فايروس”، ومزاعم أخرى وهي أن الفايروس يصيب الناس البيض فقط. وبدأت شركة “تويتر” وضع علامات للتغريدات لكي تحدد إذا كانت تحتوي على معلومات مضللة أو ضارة عن فايروس “كورونا”. إلا أن الإجراءات التي اتخذتها شركات التقنيات لم تتمكن من إيقاف مشاهدة فيلم أخرج وأنتج بطريقة متقنة “بانديمك” (وباء) وحصل على ملايين المشاهدين في “يوتيوب” و”تويتر” و”فيسبوك”، وذلك لأنه روج علاجاً كاذباً للفايروس ونظريات مؤامرة أخرى. وظهر مصطلح مرتبط بالفايروس “كورونتشان”، وظهر أولاً في كانون الثاني/ يناير وجذب 120 ألف مشاركة على “تويتر”، وفي أسبوع واحد من نيسان/ أبريل، وذلك بحسب معهد الحوار الاستراتيجي في لندن. وفي ألمانيا، ضاعفت مجموعات تستخدم تطبيق “تلغرام” لنشر الكراهية ضد المجتمعات الضعيفة، وحصلت خلال فترة اسبوع على 100 ألف مشاركة، وهي في مجملها تضمنت مزاعم تروجها قوى اليمين المتطرف مثل نشر المهاجرين الأمراض ودعوات لدعم الجدار الذي يريد ترامب بناءه على الحدود الجنوبية ومعاداة الاتحاد الأوروبي أو معارضة تقييد استخدام السلاح. وزعمت شائعة على الإنترنت أن مؤسس “مايكروسوفت” بيل غيتس هو من خلق فايروس “كورونا” بشكل يذكر بالنظريات المعادية للسامية والتي تتهم اليهود بالسيطرة على العالم. وتساهم الرموز العامة في تغذية نار الكراهية الصادرة من الزعيمة المتطرفة لليمين في فرنسا مارين لوبان التي يتبعها 5.1 مليون على “فايسبوك”، وترامب الذي أصر على استخدام تعبير “الفايروس الصيني” على نطاق واسع. وتقول تشولي كوليفر التي ترأس وحدة البحث الرقمي في معهد الحوار الاستراتيجي، “بالنسبة إلى اليمين المتطرف الأوروبي لم يعد بحاجة لمصادر جديدة من داعمين عبر الجانب الآخر من الأطلنطي”. في إيطاليا غمرت الجماعات المتطرفة الإنترنت برسائل حملت فيها المهاجرين مسؤولية انتشار “كورونا”، ما أسفر عن اعتداءات ضد لاجئين ومهاجرين، كان أحدها على موظف باكستاني في مطعم صيني في شمال إيطاليا. وفي فرنسا دعا ناشطون إلى ترحيل غير البيض إلى “أوطانهم”، وقالت لوبان إن المسلمين يستغلون حالة الإغلاق ليطلقوا الأذان بشكل عال من مكبرات الصوت في المساجد. 

في بريطانيا، روج تومي روبنسون المعادي للمهاجرين “هاشتاغ جيرم جهاد”، أي جرثومة الجهاد وأعاد نشر منشورات لأعضاء في الحزب القومي المتشدد الحاكم في الهند، وأرسلها لمتابعيه الـ36 ألفاً على تلغرام”. ورصد “معهد أوكسفورد للإنترنت” وجود مجموعات منظمة تنسق عملها على “فايسبوك” في 23 ولاية أميركية تسعى إلى تحريض الناس ضد الحجر الصحي باعتباره يحرمهم حريتهم والحصول على لقمة العيش”. لاحظ عالم الاجتماع البروفيسور تيد غورزيل “نوعاً مشابهاً من المنطق لدى مروجي نظريات المؤامرة، وهو عدم إيداع أي اهتمام لإثبات أن ما يقولونه يتمتع بالرصانة أو الدقة المعلوماتية بقدر إيجاد عيوب في ما يردده الطرف الآخر، وبشكل خاص الرسمي”. وبرأي عالمة السلوكيات كارولين أور فإن “نظريات المؤامرة خطيرة للغاية، كونها توفر فرصة الحد من الضيق العقلي من طريق تغيير تصوراتنا عن مشكلة معينة أو حدث محدد، فضلاً عن أنها لا تقدم أي حل للمشكلة أو القضية ما يحولها إلى ما يشبه المهدئات للتوترات العصبية”. 

تجسيد الكسل العقلي

يتفق باحثون وخبراء في التضليل الاعلامي على أن “نظرية المؤامرة تجسيد للكسل العقلي”، فكثيرون من غير العرب، وإنما أيضاً الأوروبيون، وبينهم أساتذة جامعيون ومحللون سياسيون يستخدمون في الأحاديث التلفزيونية يرددون نظريات المؤامرة عند تفسير الأحداث والوقائع والازمات. وفي الكثير من الحالات يقول طلابي في جامعي صوفيا بكليتي العلوم السياسية والصحافة عندما نتحدث عن الجماعات الجهادية في الشرق الأوسط وأفريقيا “إن القاعدة وداعش ليستا إلا صناعة أميركية”. وهو تكرار لما يردده صحافيون ومواطنون عرب مضيفين إلى أمريكا دولاً أخرى مثل إسرائيل وإيران. ما يشير إلى أن هذه الإشكالية لا تقتصر علينا كعرب وكمسلمين. يقول الخبير في الشؤون الدولية ايفان كريستيف: “واقع أن فايروس كورونا يمثل كارثة عالمية سببها لا يزال مجهولاً، يجعل منه أرضاً خصبة لنظريات المؤامرة على المستوى العالمي. وما يساعد على ذلك هو أولاً انعدام الثقة بصدقية الأنظمة الحاكمة، وثانيا أن هذه النظريات تساعد ملايين الناس على قبول هذه التفسيرات للأحداث والأزمات، التي يعجز عن تقديمها لهم الخبراء الذين تتنازعهم الانقسامات والخلافات، ما يؤدي إلى مزيد من التوتر النفسي والعصبي لدى فئات واسعة داخل المجتمعات المتعددة”. في دراسات نشرتها مجلة “علم النفس المعرفي التطبيقي” عام 2017 إشارة متكررة إلى أن “أصحاب نظريات المؤامرة يميلون إلى أن يكون لهم شيء واحد مشترك وهو إيمانهم بأن قوى سرية تحرك الأحداث الجارية حولهم وأنهم بالتالي لا يمتلكون مقدرة التحكم أو السيطرة على حياتهم”. 

لا تستند نظريات المؤامرة إلى وقائع محددة أو حقائق ثاتبة، بل هي خادعة ومخادعة في الوقت نفسه أولاً، وقوامها الثاني هو أنها مغايرة لوجهة النظر الرسمية. فعلى سبيل المثل، التقرير الخاص بالهجومين الإرهابيين في 11 أيلول 2001 لا يعبّر عن نظرية مؤامرة، على رغم من أنه اعتبر الهجومين مؤامرة خطط لها ونفذها تنظيم “القاعدة”. هذا كان التوضيح الرسمي، ولكن نظرية المؤامرة هي عكس هذا الإعلان تماماً. أما العنصر الثالث الذي تقوم عليه هذه النظرية فهو صعوبة نفيها أو دحضها، ولكن يمكن تقديم ما يكفي من الأدلة للبرهان على أنها ملفقة.



سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.