fbpx

لبنان: لا نريد عفواً عاماً للسجناء… العدالة فقط!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من نكد الدهر أن يُطرح قانون العفو العام في البرلمان اللبناني قبل طرح قضية استقلالية القضاء وقبل رفع أيدي الزعماء السياسيين عن المحاكمات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من نكد الدهر أن يتم تقاسمنا انتخابياً منذ الآن عبر محاولة إقرار عفو لمساجين مقسّمين وفق طوائفهم. يبدو الأمر كحملة انتخابية مبكرة. وإن كان فايروس “كورونا” هو الذريعة التي أعادت موضوع العفو العام إلى الواجهة، خوفاً من انتشار الوباء في السجون، فطرحه تأخّر كثيراً من وجهة نظر المرض. لذلك يمكن القول إنّ الذريعة سقطت.

لكنّ من يحكم هذه البلاد يملك تلك القدرة على تدجين الأحداث لمصلحته، وبدل محاكمة المظلومين في السجون وإعلان براءتهم مثلاً، يراد الآن إقرار عفو عام، يشمل الشيعة لجهة المرتكبين في قضايا المخدرات، السنة الإسلاميين، والمسيحيين المبعدين في إسرائيل. ولم يكن أسهل من تقسيم اللبنانيين بين المصطلحين، بين من يقول “المبعدين” ومن يؤكد أنهم “عملاء”. وهكذا عاد الانقسام الطائفي التاريخي، بين المقاومة الإسلامية أي أشرف الناس، ومن عداها من الذين يسهل نعتهم بـ”العملاء”.

قوانين العفو العام تكاد تكون غير موجودة في أي دولة محترمة في العالم، بالصيغة التي يحاول مجلس النواب اللبناني إقرارها.

شهدت بلدان أوروبية وغير أوروبية قوانين عفو مع نهاية الحربين العالميتين، وذلك لإعفاء المشاركين في القتال من المحاكمة، وفي فلسفة القانون يعني ذلك إنهاء مرحلة معينة في تاريخ البلاد وقلب الصفحة على الماضي. وإذا كانت هذه النظرية تسري على قانون العفو في نسخته اللبنانية، علينا أن نسأل، أي مرحلة ترغب الدولة اللبنانية في طيها؟ مرحلة ما قبل إقرار زرح الحشيشية؟ مرحلة الإسلاميين والأحداث الدموية مع الجيش؟ مرحلة الحرب الأهلية؟

في حالات أخرى، يمكن أن يحصل سجين ما على عفو بسبب حالته الصحية الحرجة مثلاً أو لحسن سلوكه. أما العفو اللبناني فهو يتجاوز المنطق بأشواط. ومثله وضع السجناء في لبنان، فمنهم من يمضي سنوات في حبسه من دون محاكمة، وقد يكون بريئاً، ومنهم من يمضي أكثر من فترة عقوبته المفترضة وفق جرمه، بانتظار أن يقرّر القاضي مصيره، كما نشاهد مجرمين يخرجون ببساطة من سجونهم بسبب التدخلات السياسية والمحسوبيات… وليس هؤلاء استثناءً!

بدل مسرحية “العفو العام” وتناتش المساجين الذين يمضون فترة حكمهم في سجون غير قابلة للحياة، كان يمكن ببساطة فتح القضاء لإجراء محاكمات عادلة وتقصير العطلة الصيفية الطويلة التي يمضيها القضاة والمحامون في بيوتهم أو في الأسفار، فيما يكون على المساجين انتظار الفرج. كان يمكن بدل الحديث عن العفو، أن تُفتح الجوارير المقفلة على الملفات المنسية لمرتكبين أو لبريئين، جريمتهم الوحيدة أنهم ولدوا في بلد العدالة فيه معلّقة ومؤجلة، إلا إذا تدخّل فلان أو علان أو دُفعت أموال ورشاوى. كان يمكن أيضاً أن يُترك للقضاء التحقيق في ملف الأموال المنهوبة من الدولة اللبنانية بشفافية، بدل الاكتفاء بأكباش المحرقة بين حين وآخر، لتهدئة الشارع ومحاولة ترويض عقولنا.

نريد عدالةً لا عفواً، نريد قضاءً يعمل، ولا يرد على الاتصالات الطائفية والسياسية والمناطقية. ونريد زعماء لا يتّصلون بالقضاة ولا حتى لإلقاء تحية سمسرة أو مسايرة.

أما في ما يخص اقتراح قانون استقلالية القضاء، فهو جرح آخر مفتوح منذ أيام رئيس مجلس النوّاب السابق حسين الحسيني ورئيس الحكومة السابق سليم الحص، قبل عشرات الأعوام، حين قدّما اقتراح قانون هو أشبه بالقانون المقترح حاليّاً. يعني ذلك أننا لم نتقدّم خطوة إلى الأمام وما زلنا ندور في حلقة مفرغة من المراوغات والتأجيل.

أما الدستور اللبناني فأوضح من أي اقتراح وأي قانون، إذ تضمّنت الفقرة (هـ) من مقدمته والمواد 19 و20 و80 منه أحكاماً تتعلّق بمبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وبحفظ الضمانات اللازمة للقضاة والمتقاضين، وباستقلال القضاة، وبصدور القرارات والأحكام من قبل المحاكم باسم الشعب اللبناني.

يعني ذلك أنّنا حتى لا نحتاج إلى قانون جديد، نحتاج أولاً إلى تطبيق مبادئ الدستور الموجود منذ عشرات السنين، قبل إقرار قوانين جديدة قد يشبه مصيرها القوانين الحالية، فتصبح طي النسيان بفضل الممارسات الغوغائية والمصالح الخاصة، وبذلك نبقى دولة تقر قوانين ولا تطبّقها، فتقرّ غيرها ولا تطبّقها أيضاً!

وينسحب ذلك على القانون المقترح بخصوص العفو العام، فالمطلوب من حيث المنطق هو تنفيذ القانون وترك القضاة يعملون ومعاقبة المخلين منهم… لا إخراج مجرمين مع أبرياء من السجون، فيما القضاء ما زال يرزح في مكانه، مفتوحاً على التدخلات والتجاذبات واللااستقلالية.

قانون عفو العام هذا المملوء بالألغاز والألغام الطائفية والمصلحية، يدفعنا إلى أسئلة كبيرة، كيف يحقق هذا القانون العدالة للمجتمع أو للمجني عليهم؟ وماذا عن مرتكبي الجرائم ذاتها في الفترة المقبلة؟ هل يشملهم العفو؟ هل تم إقرار قانون عفو لإسكات الحق والتحقيقات، إرضاءً لمصالح الطوائف التي تتقاسم جبنته؟

وماذا عن البنود الغريبة التي تم حشرها في القانون، مثل بند يلحظ تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر، كما يُخفّض الشهر إلى أسبوعين، أي أن الذين لم تشملهم الاستثناءات سيطبق عليهم بند المدة السجنية. ما هذه الرحمة المبالغة بحق مجرمين وهل نحن مضطرون لتحمّل ذلك في بلد مشرَّع على الجوع والجرائم والهزات الأمنية والاقتصادية؟

قوانين العفو العام تكاد تكون غير موجودة في أي دولة محترمة في العالم، بالصيغة التي يحاول مجلس النواب اللبناني إقرارها.

كانت أسقطت صفة العجلة عن اقتراح القانون في جلسة نيابية سابقة، بعد تسجيل اعتراض مسيحي مدوٍّ عليه، لا سيما “التيار الوطني الحر” الذي يشدد على ضرورة إشراك المبعدين إلى إسرائيل في القانون. يحار الواحد في حيثية الاشتباك. فإعادة المبعدين لَحِظتها وثيقة التفاهم بين التيار و”حزب الله”، التي بني تحالفهما عليها، ألم يكن الحزب يفكّر مثلاً أن ساعة الصفر ستدق وسيكون عليه الوقوف في لحظة الحقيقة هذه وتذكّر الوعود التي عشّم بها حليفه بالموافقة على إعادة من يسميهم هو وجمهوره “عملاء”؟ وهل يخون “حزب الله” نصف جمهوره من أجل النصف الآخر الآن؟ وهل سيسمّي ذلك انتصاراً كعادته؟

وتشتدّ الحيرة مع اعتراض جمهور المقاومة في لبنان على طرح إشراك المبعدين في العفو، فيما كان العميل عامر الفاخوري قد هُرّب بطائرة خاصة من لبنان إلى الولايات المتحدة التي شكر رئيسها دونالد ترامب الدولة اللبنانية على تعاونها في إعادة الفاخوري إلى الولايات المتحدة سليماً سالماً. لم يحصل ذلك في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، بل حصل في عهد الرئيس ميشال عون حليف “حزب الله”!

في المحصّلة، إن وجدت نية لإصلاح هذه البلاد ومعالجة قضايا السجناء العالقة، فليس المطلوب قوانين جديدة على شاكلة قانون العفو، المطلوب تطبيق القوانين الموجودة أولاً ومنح الأجهزة القضائية فرصة لتعمل بلا تدخّلات ولا نفاق: المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مجلس شورى الدولة، المجلس العدلي، الهيئة العامة لمحكمة التمييز، ديوان المحاسبة، المحاكم الاستثنائية، القضاء الطائفي (نعم هناك ما يسمّى القضاء الطائفي قد نتناوله في مناسبة أخرى). وإضافة إلى ذلك بدل بذل الجهود لإقرار عفو عام لتخفيف الضغط عن السجون، يمكن تحسين وضع هذه السجون وجعلها أكثر إنسانية، حتى تكون مكاناً لإعادة التأهيل لا الموت البطيء.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.