fbpx

الأردن والحرب على “كورونا”: الحل الصيني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تختلف حالة الأردنيين عما تعيشه معظم دول العالم، إذ وقع عليهم فايروس “كورونا” كالصاعقة، ووجدوا أنفسهم للمرة الأولى منذ عقود طويلة أمام قوانين وأنظمة وسلوك غير تقليدي أو معتاد…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

  فمن تفعيل قانون الدفاع وحظر التجول، إلى استخدام الأرقام الفردية والزوجية من المركبات. وبعض تلك الإجراءات كان جديداً بالكامل كالتعليم من بعد، والعمل من المنزل، والوقوف في صفوف تحفظ التباعد الجسماني أمام المحلات التجارية والمخابز، في مشاهد تذكّر بالحرب، ومن قال إنّها ليست حرباً؟!

يصف المحلل السياسي الأردني، فهد الخيطان، حالة الحكومة الأردنية في بدايات التعامل مع الأخبار المتداولة عن فايروس غريب اسمه “كورونا” ينتشر في الصين، وبعض الدول، بأنها “كمن قادته الظروف فوجد نفسه وسط عراك، لا علاقة له به، ولا يعلم ماذا يفعل، على رغم من ذلك لم يطل الوقت حتى تم تفعيل قانون الدفاع، وحظر التجول وإغلاق القطاعات العامة والخاصة والمؤسسات التعليمية ومنع التنقل بين المحافظات”.

المفارقة أنّ شعبية الحكومة (التي كانت وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التراجع قبل الفايروس) ارتفعت نسبياً، واستعاد رئيس الوزراء، عمر الرزاز، جزءاً من شعبيته في الأزمات والمراحل السابقة، فيما تحوّل وزير الصحة الأردني، سعد جابر إلى “بطل شعبي” ووصلت أصداء هذه الشعبية إلى الخارج، حتى لُقّب بـ”فاوتشي” الأردن!

احتواء الفايروس… خطة الحرب

لم تكن الصورة واضحة في البداية عن “كورونا”، ففيما كان العالم يتحدث عن هذا الفايروس الغامض الذي ينمو في ولاية ووهان الصينية، كان الأردن منشغلاً في محاولة إيجاد حلول للأزمات المالية والاقتصادية، بل والتفكير في الانتخابات المقبلة، إلى أن صدر نداء استغاثة من طلاب أردنيين عالقين في المقاطعة الصينية. فقرر الملك أن يرسل طائرة لإعادتهم في بداية شباط/ فبراير 2020، علماً أنه لم تسجّل إصابات، لكنهم أرسلوا جرس إنذار للحكومة بأن تراقب الوضع واحتمالات الانتشار، وتقوم بالإجراءات الاحتياطية. وهو ما حدث فعلاً في شهر آذار/ مارس، إذ بدأت الخطوات تباعاً، من إغلاق الحدود البحرية ووقف الرحلات إلى بعض الدول التي انتشر فيها الوباء، إلى أن تمّ اكتشاف أول حالة إصابة بالمرض، وخُصّصت غرف في مستشفيات حكومية لعزل المصابين. 

الخطوة الأكثر أهمية التي اتخذها الأردن هو التعامل مع موضوع الفايروس كأزمة ونقل مركز الإدارة من مجلس الوزراء إلى مبنى مركز الأزمات، وهو مبنى من طراز حديث جداً أعدّ منذ أعوام للتعامل مع الكوارث والأزمات، من خلال توحيد جهود الأجهزة الحكومية جميعاً، لتدارك أي ثغرات أو فجوات في عملية التنسيق، واتخاذ القرارات المناسبة بتوافق الجميع.

 من الواضح أنّ الحكومة كان عليها أن تتحرك لتجد حلاً لأوضاع شريحة واسعة جداً من الأردنيين الذين على وشك الغرق

قبل أن تعلن الحكومة الأردنية إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية، فُتح المجال لمن يرغب بالعودة من الأردنيين، فعاد قرابة 5 آلاف مواطن أردني من الخارج، في منتصف آذار، على متن عشرات الرحلات، وجهّزت لهم فنادق في البحر الميت لتمضية فترة الحجر الصحي، ما يزيد على أسبوعين، مع إجراء الفحوصات اللازمة ثم جاء تفعيل قانون الدفاع، والمرسوم الأول الذي يعلن حظر تجول شامل، وهكذا بدت الحكومة وقد اختارت طريق منع انتشار الفايروس باتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة.

يقول وزير (رفض الكشف عن اسمه)، “لم تكن هناك نظريات واضحة في كيفية تعامل العالم، صحيّاً، مع الفايروس، وما هي المقاربة المثلى. كانت هناك التجربة الصينية الناجحة في التغلب عليه، والتجارب المقلقة في كل من إيطاليا وأسبانيا وفرنسا، التي تهاونت في التعامل معه، وخيارات متعددة مرتبطة بخصوصية الدول، فكان علينا أن نضع نظريتنا ومقاربتنا، تبعاً لظروفنا وقدراتنا”.

كان صانع القرار أمام خيارات، أبرزها اثنان؛ الأول الصيني، الذي يعني إغلاقاً كاملاً، والالتزام بالمعايير والبروتوكولات الصحية القاسية. أما الثاني فهو الذي سمّي “مناعة القطيع”، ويتمثّل في السماح للفايروس بالانتشار والتفشّي، لتحقيق مناعة اجتماعية، لكن بثمن إنساني باهظ، يتمثل بإصابة الآلاف ووفاة أعداد كبيرة بخاصة من كبار السنّ.   

حسمت “الدولة” قرارها، وتم التوجه نحو النموذج الصحي الصارم، والتضحية – موقتاً- بالحسابات الاقتصادية، فقد كانت المخاوف شديدة من أن يؤدي انتشار المرض إلى انهيار النظام الصحي الضعيف أصلاً، ما سيجر أيضاً آثاراً اجتماعية وسياسية وأمنية، عندما لا يجد المواطنون أجهزة تنفس لمرضاهم، ففي الحالة الأردنية يمكن أن تكون النتيجة عنفاً مسلّحاً، ولأنّ عدد الأجهزة المتوافر محدود، بالمئات، ولأنّ الدولة ليست مستعدة للدخول في هذا السيناريو المقلق، كان الخيار هو منع انتشار الفايروس.

في الأثناء كان وزير المالية يجيب على شاشة تلفزيون أردني عندما سئل عن الخسائر المالية المترتبة على الفايروس، بأنّ “التكلفة هي إصابة 56 إنساناً عزيزاً، نتمنىّ لهم الشفاء، والباقي تفاصيل”، حينها صفق المواطنون، وكان العنوان واضحاًـ حماية الأردنيين من الفايروس، أيا كانت الكلفة المالية، وهو ما أدى، كما ذكرنا، إلى تحسين العلاقة بين المواطنين والدولة وردم فجوة الثقة بالحكومة، وتحسين صورة الأردن حتى في الأوساط العربية والعالمية.

“اليوم خمر وغداً أمر!”

أيام العسل بين الحكومة والشعب والغزل المتبادل بدأت تتراجع بوضوح، مذ بدأت شريحة عريضة من المواطنين تسأل: وماذا بعد؟! كيف سنتكيف مع الضغوط المالية والاقتصادية، وكيف سنعيش؟ وهنالك ملايين المواطنين الأردنيين، ممن ينطبق عليهم القول “خبزنا كفاف يومنا”، من أصحاب المهن الصغيرة وعمال المياومة. وكذلك ستوفر الشركات الخاصة رواتب مئات آلاف العاملين لديها وهم لا يعملون وهي لا تعمل؟ ثم إلى متى يمكن الصمود؟ ومتى يمكن الخروج من الحظر واستعادة الحياة الاقتصادية؟ طالما أنّ علماء الصحة يقولون إنّ اللقاح يتطلب عاماً في الحدّ الأدنى؟ وطالما أن هناك مخاوف شديدة من تحذيرات أطلقها علماء أوبئة منهم أردنيون بأنّ هنالك موجة ثانية قد تكون أكثر شراسة وقوة؟ 

 سؤال المليون الذي حبس أنفاس الأردنيين وعزز قلقهم ومخاوفهم المالية والاقتصادية، هو هل كان الثمن الباهظ الذي دفعوه، سواء الدولة بخسارة 150 مليون دولار يومياً جراء الكارثة، أو الشرائح العريضة من المواطنين، بلا مقابل، لأنّ المجتمع حُرم من بناء “مناعة” وفوّت الفرصة على نفسه، وبالتالي قد نكون بذلك دفعنا الثمن مضاعفاً صحياً واقتصادياً؟

بالضرورة لا يملك أحد أن يجزم بصحة أيّ من الافتراضات المتداولة، لكن من الواضح أنّ الحكومة كان عليها أن تتحرك لتجد حلاً لأوضاع شريحة واسعة جداً من الأردنيين الذين على وشك الغرق، وإنقاذ الاقتصاد قدر الإمكان، فجاء القرار رقم 6، وما بعده لتحديد حقوق العمال وتنظيم أمور التعليم من بعد وحسم الكثير من القضايا الشائكة، ولتبدأ بعدها فتح الأسواق تدريجاً وبحذر، وتراقب حركة المواطنين وتعتمد على استراتيجية جديدة، هي حظر جزئي (أوقات المساء)، استمرار إغلاق أماكن العبادة، حظر أيام العطل، إغلاق أي منطقة يتم اكتشاف انتشار المرض فيها بسرعة شديدة، توسيع قاعدة الفحص اليومي لفايروس “كورونا”.

 المصطلح الذي استعانت به الحكومة هو الانتقال من “احتواء كورونا” إلى “التكيف” معه، ومع خطوات الانفتاح التي كانت تسير بحذر شديد، كانت الجدالات ترتفع وتيرتها، والمطالب بعودة “السوق” تمثل ضغوطاً شديدة، والانقسام داخل الفريق الحكومي يتعمّق، بين من يريد “الحدّ الأدنى” من الانفتاح، ومن يرى أنّ علينا فتح الأبواب بدرجة كبيرة حتى لا نقع في حبائل كارثة مالية واقتصادية أكثر قسوة من الكارثة الصحية، مع توقعات بارتفاع كبير في معدلات البطالة والفقر، ومخاوف كبيرة من عودة أعداد من العاملين الأردنيين في الخليج، بسبب انخفاض أسعار النفط واستغناء الشركات هناك عنهم.

خطوات الانفتاح كانت بالتدريج، بفتح قطاعات ورفع نسبة التصاريح للعاملين فيها، وتخفيف ساعات الحظر، والسماح للمركبات الخاصة بالتنقل، لكن على نظام الأرقام الفردية والزوجية، والحفاظ على سياسة منع التجمعات. وهذه الخطوات إضافة إلى ارتباطها بالتعليمات، وقرارات الدفاع من الحكومة، فإنّها تضع جزءاً من المسؤولية على كاهل المواطنين بالتزام الإجراءات الصحية، كالتباعد الجسماني واستخدام الكمامات والقفازات الطبية. بعض الحوادث كان يثير القلق، فشخص واحد يعدي عشرات، وتضطر الدولة إلى الاستنفار لعزل المناطق التي تقع فيها الإصابات، ما يطرح سؤالاً ماذا لو زاد عدد الإصابات وبدلاً من العشرات أصبحنا أمام المئات؟! ثم كانت هنالك خطوة التجاوب مع ضغوط عودة آلاف الطلاب والمغتربين الأردنيين، وتم تجهيز الفنادق والكرفانات لهم، لكن مع مقاربة أكثر واقعية (إلزامهم بدفع مبالغ معينة، وتشديد إجراءات العزل) من المقاربات التي كانت في بداية الأزمة.

على صعيد القرارات الاقتصادية، أجريت خصومات على علاوات القطاع العام، ووضع تعليمات للشركات في ما يتعلق برواتب موظفي القطاع الخاص، وأصدر البنك المركزي تعليمات مخففة بخصوص الشيكات المرتجعة، وأُطلقت حملات لجمع الأموال لأجل الإجراءات الصحية، وبلغت قيمتها 100 مليون دينار أردني، وفرضت تعليمات لدفع رواتب بدل بطالة لمن يفقدون وظائفهم.

بين الأزمتين الصحية والاقتصادية لا تزال الحكومة تسير بحذر، في خطوات محاطة بمناخ من “عدم اليقين” والمخاوف الرسمية والشعبية من حجم الركود الاقتصادي المتوقع، وقد حذّر الملك نفسه من أنّ الركود قد يستمر لمدة عامين، ما يعني تكدس المصاعب المالية والاقتصادية.

ماذا بعد؟! قد تشهد الأيام المقبلة، في شهر حزيران/ يونيو 2020 انفتاحاً شبه كامل للأسواق والاقتصاد، ما يعني انتظار النتائج لمعرفة إذا كانت البلاد ستعود إلى المربع الأول، وبالتالي تحقق فرضية أنّ هناك معدلاً من الإصابات والوفيات لا بد أن يحدث في كل دول العالم جراء هذه الجائحة.

مع كل تلك المصاعب وبحر الفرضيات ومناخ الهواجس المتنامية، فإنّ “الدولة” قدمت نموذجاً إيجابياً في قدرتها على التكيف مع الظروف الصعبة، وفي استعادة قدراتها وتوظيف إمكاناتها بصورة فاعلة، وعلى تطوير منظومة القرار، وعلى الاستجابة السريعة للتحولات والتطورات. إلا أن طبيعة هذا الفايروس صادمة ومفاجئة، ومن الصعب توقع السيناريوات بصورة قطعية، لذلك فإنّ الأردن، سلّم بمقولة “لا يغني الحذر من القدر”!