fbpx

عن البرازيل التي هاجر إليها أبي ويخنقها جايير بولسونارو

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُوكّد بولسونارو في تصريحاته دائماً أن قدوته في الحكم هو ترامب، فالأخير هو أستاذه الذي يستقي منه فن الجنون السياسي والانحياز للمصلحة لا المواطن. والمخيف حقاً في ذلك، هو أن يتفوّق التلميذ على أستاذه، كما يحصل أحياناً بدافع رغبةٍ لا واعية لدى التلميذ لإثبات الذات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أتواصل مع والدي المهاجر إلى البرازيل منذ أكثر من عشر سنوات أسبوعياً، أسأله عن صحته وعن الحجر وعما إذا كان محتاطاً في ظل انتشار الوباء هناك، وأتابع معه عدّاد الإصابات والوفيات التي تتصاعد بشكلٍ جنوني. 

يُخبرني أبي، الذي أُرغمت على الابتعاد منه لظروفٍ كثيرة آخرها وباء “كورونا”، أن هناك نسختين لدونالد ترامب في العالم. الأولى هي النسخة الحقيقية، الرجل الأميركي اليميني ذو الشعر الأصفر وربطة العنق التي غالباً ما تكون حمراء. أما الثانية، فهي لتلميذه المدلّل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الرجل الذي “ينحر” البرازيل باسم الاقتصاد. يخبرني أن الحياة في البرازيل ازدادت فيها التناقضات، فالفقير ازداد فقراً، بينما يختبئ أغنياء المدن خلف متاريس خفيّة. يستطيع أبي أن يرى هذه الصورة جليّاً، في رحلة أسبوعية واحدة إلى متجرٍ مجاورٍ لمنزله.  

بحسبه، فإن الأحاديث التي تدور في الشوارع وبين الناس لا تعكسها وسائل الإعلام، رغم ما تحمله من حقائق. يسود لدى شريحة واسعة في البرازيل قناعة أن السبب الأساس وراء الغرق البرازيلي في أزمة الوباء، هو “الكرنفال” السنوي، الذي رفضت السلطة البرازيلية إلغاءه رغم تزامنه مع بداية الإعلان عن الحالات الأولى.

هذا الاحتفال يدرّ أموالاً طائلة على البلد، حتى إنه يعتبر دعامة أساسية لاقتصاد البرازيل، كونه يضمّ وفوداً من مختلف دول العالم. ولذلك، تفضيل الأرباح الاقتصادية على صحة الناس، جعل من البرازيل ثاني أكثر دولة تضرراً من فايروس “كورونا” بعد أميركا، على رغم أنها تسجّل أحياناً إصابات يومية يفوق عددها تلك التي تسجّلها أميركا. إذ تخطّت البرازيل عتبة الـ28 ألف وفاة بالوباء، بينما أُصيب أكثر من نصف مليون شخص، وفقاً للأرقام المعلنة، التي يؤكّد أبي أنها أدنى بكثير من الأعداد الفعلية، فكثيرةٌ هي الحالات المصابة التي يعرفها، والتي لم تزر طبيباً أو تخضع لفحص طبي. 

مدافن جماعية في البرازيل

يخبرني أبي، أنه ولسوء الحظ، يعيش في الولاية الأكثر تضرراً بالوباء، وهي ساو باولو، حيث بات النظام الصحي، الذي هو ركيك أصلاً، على وشك الانهيار، وكذلك الحال في ولاية ريو دي جنيرو وعدد من ولايات الشمال والشمال الشرقي. فالأسرّة لا تكفي المرضى، والمستشفيات تعاني من نقص في المستلزمات الطبية. حتى أن وزارة الصحة البرازيلية توصي باستخدام عقار “هيدروكسي كلوروكين” لعلاج مرضى “كورونا”، على رغم تحذير منظمة الصحة العالمية من تعليق التجارب السريرية لهذا العقار. هذا عدا عن مقابر البلاد التي عجزت عن استيعاب الارتفاع الكبير في عدد الجثث، والذي أجبر السلطات البرازيلية على حفر آلاف المدافن لاحتواء الأعداد الكبيرة… يصف لي أبي المشهد، وأنا أرى صورهُ المنتشرة في الوكالات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأفكّر أيّهما أشدّ إيلاماً، وجوده في بلدٍ، بقي غريباً فيه على رغم مرور سنوات، تُحفر فيه قبورٌ جماعية لموتٍ مرتقب… أم خوفي من أن تطول عزلته واشتياقي له إلى ما لا نهاية. 

بحكم بُعد البرازيل جغرافياً وسياسياً عن بلداننا، لا نوليها الكثير من الاهتمام حتى ولو كان الأمر متعلقاً بموتى الجائحة التي تسيطر على العالم. إلا أن ثمة ارتباطاً بيني وبين هذا البلد، الذي انتزع مني والدي، يدفعني إلى متابعة أخباره اليومية والاهتمام لمصيره، الذي يبدو قاتماً في ظلّ وجود هكذا رئيس. 

“الناس سيموتون، أنا آسف، لكن لا يمكن إيقاف مصنع للسيارات بسبب وقوع حوادث مرورية…”، هكذا لخص بولسونارو منهجه في التعامل مع الوباء، الذي يعتبره مجرّد “إنفلونزا محدودة” لا تستدعي إجراءات العزل والضرر بالاقتصاد.

بولسونارو يتوسّط الحشود

فبولسونارو، الذي يلقّب بـ”ترامب الاستوائي”، يخرق باستمرار إرشادات التباعد الجسماني، فيقيم حفلات شواء ويمارس رياضة الرماية في أوج انتشار الوباء. وآخر فصوله كانت مشاركته في مسيرة لأنصاره، متخلياً عن كمّامته، ومنتهكاً إجراءات التباعد الجسماني، من أجل تحيّة الحشد المبتهج ومصافحة أنصاره واحتضانهم، حتى أنه رفع صبيّاً صغيراً على كتفيه.

قراراتٌ مريبة وأحداثٌ كثيرة تؤكّد أن بولسونارو هو نسخة ترامب، التي قد تكون أسوأ.  

حذفت إدارة “إنستغرام” منشوراً للرئيس بعد تحميله أخباراً مضلّلة، إذ قال إن عدد الوفيات انخفض في الأيام الأخيرة. وردّت عليه تعقيباً على الحذف قائلةً، إن الواقع يقول إن الوفيات زادت بنسبة 33 في المئة. كما فعل ذلك معه موقعا “فيسبوك” و”تويتر”. هذه الحادثة تتطابق مع حادثة ترامب و”تويتر” الأخيرة، والحرب الشرسة التي فتحها على مواقع التواصل الاجتماعي. 

في حادثة غريبة سابقة، أقال الرئيس وزير الصحة هنريك مانديتا لأنه نصح المواطنين بالتزام إجراءات التباعد الجسماني والبقاء في منازلهم للوقاية من الإصابة بالفايروس. 

وفي السياق ذاته، فإن تهوين بولسونارو من وطأة الفايروس لم يساعد البرازيل، بل وضع البلاد في معاناة شديدة. كما لم تكن دائرة بولسونارو القريبة في منأى عن الوباء، إذ تأكدت إصابة مستشاره للأمن القومي، ووزير التعدين والطاقة، ورئيس مجلس الشيوخ وغيرهم… 

يُوكّد بولسونارو في تصريحاته دائماً أن قدوته في الحكم هو ترامب، فالأخير هو أستاذه الذي يستقي منه فن الجنون السياسي والانحياز للمصلحة لا المواطن. والمخيف حقاً في ذلك، هو أن يتفوّق التلميذ على أستاذه، كما يحصل أحياناً بدافع رغبةٍ لا واعية لدى التلميذ لإثبات الذات، فيُبيد بولسونارو البرازيل بحجة الاقتصاد، وبدعمٍ من معلّمه. وتطول رسائل البُعد بيني وبين أبي…   

كريم شفيق - صحفي مصري | 29.03.2024

محمد جواد ظريف… حبال السلطة الصوتية في إيران بين المنع والتسريب!

ظريف، وبحسب التسريب الأخير، قام بعدّة أدوار وظيفية، ربما جعلته يتفادى هجوم الأصوليين، وجاهزيتهم للعنف والاتهامات سواء كانت بـ"الخيانة" أو "العمالة" أو "الجهل".