fbpx

“نساء السفارة”: اعتقال حقوقيات سعوديات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أرسلتْ لي صديقة، وهي سيدة غربية عادت من زيارة عمل في السعودية أخيراً، رسالة هاتفية قالت فيها، “هناك أجواءُ خوف لم تشهدها المملكة من قبل”. قرأتُ كلماتها هذه فيما كنتُ أتابع عبر “تويتر” كيف تحولت ٣ نساء، هنّ أصوات نسوية دافعن عن حقوق السعوديات وطالبن بتغييرات سياسية، إلى “عميلات” وإلى “مخرّبات”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أرسلتْ لي صديقة، وهي سيدة غربية عادت من زيارة عمل في السعودية أخيراً، رسالة هاتفية قالت فيها، “هناك أجواءُ خوف لم تشهدها المملكة من قبل”. قرأتُ كلماتها هذه فيما كنتُ أتابع عبر “تويتر” كيف تحولت ٣ نساء، هنّ أصوات نسوية دافعن عن حقوق السعوديات وطالبن بتغييرات سياسية، إلى “عميلات” وإلى “مخرّبات” يتواصل التبريك باعتقالهن.

ذكّرني ذلك سريعاً بسهولة الاتهامات التي تطلق عندنا هنا في لبنان وأنا ممن سبق أن طاولتهم تهمة “العمالة” المزعومة هذه، خصوصاً من ينتقد علناً هيمنة “حزب الله” على الحياة السياسية والأمنية في البلد، أو من يطالب بحريات عامة وفردية بعيداً من القيود الدينية والطائفية، لذلك بدا ما يحصل في السعودية من حملات تخوين وإطلاق هاشتاغ “عملاء السفارات” بمثابة صدى لواقع مشابه في لبنان، وفي ذلك مفارقة ساخرة. فمقابل “شيعة السفارة” في لبنان هناك نساء السفارة في السعودية. العقل التخويني يزود عقلاً تخوينياً بقاموس فيه من العبارات ما يدعو إلى التأمل.

وبحسب الصديقة العائدة من السعودية، فإن أجواء الانفتاح الأخيرة شجعت عدداً من الوفود الغربية على زيارة السعودية والتواصل مع ناشطين وناشطات في المجال الحقوقي، وأحدث تلك الزيارات حصلت الأسبوع الماضي، وواحدة ممن تم توقيفهن كانت من بين من اجتمعن ببعثات أوروبية ناقشت معهن قضايا حقوق المرأة وحرية التعبير. ومما نقلته إلي الصديقة عن أجواء الحذر والخوف، أن البعضر كان يضع هاتفه في غرفة مجاورة أثناء الحديث، قلقاً من احتمالات المراقبة.

فمقابل “شيعة السفارة” في لبنان هناك نساء السفارة في السعودية. العقل التخويني يزود عقلاً تخوينياً بقاموس فيه من العبارات ما يدعو إلى التأمل.

قبل أقل من شهر على بدء سريان قرار السماح للسعوديات بقيادة السيارة، نشرت مواقع إخبارية سعودية أسماء سبعة أشخاص بينهم ٣ نساء اعتقلوا بتهم تتعلق بـ”عمل منظم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية في ما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف النيل من أمن المملكة واستقرارها وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية …”.

بسرعة تحولت الحقوقية لجين الهذلول التي سجنت 3 أشهر لأنها طالبت بحق السعوديات في القيادة، ومعها عزيزة اليوسف التي لم يتراجع صوتها المنادي برفع الظلامة عن النساء، وإيمان النفجان، اللواتي عملن جميعاً من أجل حق قيادة النساء ورفعن الصوت من أجل إسقاط نظام ولاية الرجال على النساء السيئ الذكر، إلى “عميلات سفارات” و”مجرمات” يسعين إلى هدم الوطن، حتى أن صحيفة “الجزيرة” السعودية عنونت “الوطن يلفظ الخونة”. حصل ذلك قبل التحقق من التهم والأهم قبل إجراء أي محاكمة. وكأنما صدر تعميم بإدانة هؤلاء وهذا ما حصل فعلاً.

وقراءة بيان التوقيف تظهر أن التهم الموجهة لم تخرج عن سياق العبارات العامة التي غالباً ما تسبق أو تلحق اعتقالات من هذا النوع، فيتم التسلل عبرها للنيل ممن يتم توقيفه على قاعدة استهداف الدين والمجتمع والدولة. لكن التدقيق في أسماء الحقوقيات الثلاث وفي سيرهن وفي أسماء باقي الموقوفين وهم إبراهيم المديميغ ومحمد الربيعة وعبدالعزيز محمد المشعل، سيظهر قاسماً مشتركاً أساسياً وهو أن هؤلاء ممن يرفعون الصوت في قضايا تتعلق بحقوق النساء وحرية التعبير. وفي بيانها عن حملة الاعتقالات، قالت منظمة “هيومان رايتس واتش” إن من بين المعتقلين من سبق أن اتصلت بهم السلطات السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي للتحذير من مغبة الإدلاء بتصريحات إعلامية. حصل ذلك التحذير في اليوم ذاته الذي صدر فيه قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة السعودية للسيارة.  

فهل دخلت دفعة الموقوفين والموقوفات هذه في دائرة الاحتجاز بسبب قضايا الرأي وحرية التعبير والحقوق السياسية داخل السعودية، وهي توقيفات تزداد حدتها…

هنا تماماً يكمن جذر المشكلة، ففي حين تمكنت الإصلاحات التي نفذت في السعودية من تحرير مجالات اجتماعية واقتصادية مهمة وضرورية، وهذا مجال وإن اجتذب قطاعات واسعة من السعوديين والسعوديات التواقين للعيش بحرية وانفتاح، إلا أنه يقصر الإصلاح على الترفيه، في حين لا يزال المجال السياسي والحقوقي خارج التداول. فسياسة العلاقات العامة التي تديرها شركات غربية أميركية في الغالب لا تغير حقائق ثقيلة وهي أن الواقع الحقوقي لا يزال بعيداً من الإصلاح الحقيقي. فالإصلاحات المتعلقة بحقوق المرأة، على رغم أهميتها، غير كاملة. ولا تزال قواعد الوصاية التي بموجبها تطلب المرأة موافقة ولي الأمر الذكر للسفر إلى الخارج، أو الحصول على جواز سفر، أو الزواج في مكانها، وهي لا تزال تمثل أكبر عائق أمام النهوض بالمرأة في السعودية. وكأن ما حصل في الأيام الأخيرة بمثابة رسالة للسعوديات، بأن عليهن قيادة السيارات وهنّ صامتات..