أخذنا وقتاً طويلاً قبل أن نتخلّى عن البودرة البيضاء ونقتنع بأن البشرة السمراء التي نحملها ليست أقلّ شأناً أو جمالاً من ذوات البشرة البيضاء. أخذنا وقتاً مؤلماً حتى نفهم أن لا ضرورة لتبييض هذه البشرة لتنميطها مع الجميلات الشقراوات البيضاوات، المزروعات في رؤوسنا كمنافسات لا يُقهَرن، وعلينا دوماً أن نشعر بالدونية تجاههن. لكنّ هذا الوقت ما زال يمرّ مؤلماً على كثيرات في بلدان كثيرة، يحاولن في المناسبات على الأقل تغيير “وصمة السمرة” والإكثار من البودرة ووضع عدسات ملوّنة والكثير من المكياج، ليبدين بتلك الصورة المنمّقة للمرأة الجميلة الخارقة، فتبدو وجوههن بلون يختلف كثيراً عن لون الرقبة والجسم. إنما يقبلن بذلك من أجل الحصول على وجوه بيضاء صافية. إنها مشهدية كاملة لتلك العنصرية الضمنية وغير المعلنة وتلك النظرية المدمّرة التي تعتبر أن البيضاء جميلة، أما السمراء فيقال لها لمواساتها (على مصابها) “عندك جاذبية”.
وهكذا يتم التقسيم، القوّة للأبيض، والضعف والعيب للأسود!

في بلادنا لا تبطل موضة الصبغة الشقراء، حتى يمكن أن نجازف ونقول إن كل امرأة هنا صبغت شعرها أشقر لمرة واحدة على الأقل، رغبة في سرقة الأضواء قليلاً، فالأضواء في بالنا لا تُعطى إلا لامرأة شقراء.
حتى أننا نستغرب أحياناً حين يغازل أحدهم سمرتنا، وكأنه أمر غير معتاد واستثناء.
مرّة أخبرتني عاملة منزلية إثيوبية كانت تساعد قريبتي في بعض الأعمال، عن صديقها، طلبت منها أن تريني صورته، فقالت: “هو أسود مثلي”. ثم أضافت: “ليس جميلاً”. تناقشنا كثيراً، لكنني عجزت عن إقناعها بأن الجمال ليس حكراً على البيض. أكدت لي “آستر” أنني أجمل منها، لسبب واحد، هو أن بشرتي ليست “سوداء”. شعرت بالأسى وقد فشلت حيلي في إقناعها بأننا لسنا مختلفتين، وأن الألوان ليست معيار البشر. لكنني أفهمها. يصعب تغيير هذه الأفكار التي تجلدنا فيما ما زلنا لا نملك قوانين فعلية تدين العنصرية ولا نملك ما يكفي لحماية أنفسنا والآخرين من الأفكار السامة والأشخاص السامّين.
أتذكّر أن شخصاً من قريتنا تزوّج امرأة من أصول أفريقية، كانا يتمشيان كل ليلة ويضحكان سعيدين. ما قاله كثيرون إنه تزوّجها لأن أي امرأة أخرى لن تقبل به. وكانت سعادتهما مصدر دهشة واستغراب، ثم حين أنجبت بنتاً وتبيّن أنها متفوّقة في دراستها زاد الاستغراب، ربما لأنها تشبه والدتها، فكيف يأتي الذكاء ببشرة سوداء؟ وحين كبرت الفتاة وبدت رائعة الجمال، وصل الاستغراب إلى أوجّه، أن يأتي الجمال ببشرة سوداء!
مرّة أخبرتني عاملة منزلية إثيوبية كانت تساعد قريبتي في بعض الأعمال، عن صديقها، طلبت منها أن تريني صورته، فقالت: “هو أسود مثلي”.
أما البيضاوات في بلادنا أو في بلاد أخرى قد يعشن عنصرية أخرى، تقع ضمن خانة “كره الذات”. فقد يلجأن إلى جلسات “السولاريوم” وغيرها التي قد تحرق جلدتهم للحصول على بشرة سمراء!
شاهدت فيلماً عربياً على “نتفلكس” قبل أيام، يبدأ بحفلة زفاف، بدت العروس كأن أحدهم طلاها بالأبيض، مع الكثير من المكياج. بدا شكلها غريباً جداً، حتى ملامحها لم تكن ظاهرة. حين أزالت عدّة العرس والمساحيق عن وجهها، بدت جميلة وناعمة، لكنني استغرقت وقتاً لأتأكد أنها هي. لكنّ الرجل في مخزوننا الثقافي يرغب دوماً بالمرأة الغربية البيضاء، وهو تفكير قد لا يكون دقيقاً، لكنّ المنطق العنصريّ عبر التاريخ ما زال يتحكّم بكيف نرى أنفسنا والآخرين.

إنه مشهد يتكرر في حفلات زواج ومناسبات أخرى وأحياناً في الأيام العادية، حيث يكون على النساء إخفاء ملامحهن بملامح بيضاء بما يرضي نظرة المجتمع التقليدي إلى المرأة الجميلة، وبذلك يتم طمس جمالهن الحقيقي واعتباره عيباً عليهن إخفاؤه والتخلّص منه.
هكذا تنشأ كثيرات مع كره كبير لذواتهنّ وأشكالهنّ ووجوههن، وتستمرّ حفلات الجلد حتى النهاية، مع شعور دائم بأنّ أي فتاة بيضاء بشعر أشقر ستدخل في المشهد، بوسعها سرقة قلوب الرجال، لتختفي الأخريات، على رغم كل ما بذلنه من جهود ووقت ومأساة.
حتى أننا ما زلنا نفاجأ للوهلة الأولى حين نرى عارضة أزياء بشرتها سوداء، ونستغرب كيف أنها لم تفعل شيئاً حيال ذلك.
تلك العنصرية المتجذّرة في المجتمعات، والتي تدمّر كثيرات، وكثيرين لا سيما من الذين اختاروا شريكات من أصول أفريقية أو غير ذلك، تبدأ ربما بمنع استخدام البودرة البيضاء لطمس البشرة السمراء، واعتبارها دليلاً على تخلّف العالم!