fbpx

لبنان: ليس مطمراً… هذا بحر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عملياً، البحر هو المساحة التي نخزّن فيها نفاياتنا، نصب الباطون فوقها بعد فترة زمنية محددة، ننفذ “مشاريع اقتصادية” في مبانٍ حديثة لكي نبيع شققاً فخمة ذات “مناظر خلابة”، تماماً كما حصل في منطقة الضبية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظهر مجدداً عنوان “عودة أزمة النفايات إلى منطقة المتن”، بعدما وصلت قدرة استيعاب المطمر في منطقة “الجديدة” إمكانيته القصوى. لكن ما نشهده اليوم ليس عودة أزمة النفايات، الأزمة لا تذهب ولا تعود، الأزمة هي نحن، وكذلك النفايات. أذكر يوماً عام 2016، كنت خلاله أنكش الأرض في حديقة منزل أبي (في منطقة الفنار) وظهرت أمامي بين التراب، نفايات جده الذي كان يعيش في المنزل منذ 40 عاماً. كبسولة زمنية تصل مشكلات الماضي البعيد بمشكلات الماضي القريب وتصبّ زومها في بحر الحاضر. وعلى سيرة البحر، لا يوجد «مطمر صحي» في منطقة جديدة المتن، يوجد بحر، خلف مجمع تجاري مشهور (المخالف في العمار)، حيث ذلك الجسر المقطوع الذي لن يكتمل يوماً من جهة نهر الموت بسبب المخالفة. 

تمّ “افتتاح” هذا المطمر منذ 4 سنوات بقرار من مجلس الوزراء وتكلّف مجلس الإنماء والإعمار بالتنسيق مع شركة “رامكو” بإدارته. كان يفترض أن يكون موقتاً إلى حين إيجاد حلّ حقيقي، ولم يظهر الحلّ حتى اليوم. تأتي الشاحنات، تجمع النفايات، تكبسها (ما يجعلها غير قابلة للفرز) وتتوجه بها إلى “الكورال”، حيث يتم تغليفها بأكياس بلاستيك ومن ثم تتوجه إلى المطمر. وفي المطمر نجد حائطاً لكسر الموج، حيث تمّ إخلاء المياه لتوفير مساحة، في كعبها تمّ وضع أرضية بلاستيك سميكة، من فوقها ألواح خشب، ردم، فوج من النفايات، ردم، فوج من النفايات، ردم… وتتكرر هذه “الاستراتيجية” ويرتفع معها مستوى النفايات. في الجديدة اليوم أصبح المطمر 13 أو 14 متراً وهو يستقبل نفايات من جبل لبنان، كسروان وقسم كبير من بيروت كون الكوستابرافا على حافة استنزاف إمكاناته القصوى. ومنذ شهر كان قرار الجهات المعنية (أي الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار) زيادة متر أو مترين على مطمر الجديدة إلى حين إيجاد حلّ آخر “خلال مهلة ثلاثة أشهر”، وعلى الأغلب سنشهد المطمر “يتوسع” أكثر بعد ثلاثة أشهر بهدف اكتساب مساحة من الأرض تستحق الخصخصة والتوزيع على السياسيين وأصدقائهم. 

عملياً، البحر هو المساحة التي نخزّن فيها نفاياتنا، نصب الباطون فوقها بعد فترة زمنية محددة، ننفذ “مشاريع اقتصادية” في مبانٍ حديثة لكي نبيع شققاً فخمة ذات “مناظر خلابة”، تماماً كما حصل في منطقة الضبية. هناك كورنيش اليوم فوق النفايات في الضبية، وفي الجديدة هناك واجهة Mall زجاجية، ومن الجهة الأخرى من الزجاج هناك مطاعم حيث باستطاعة المتبضع أن يتأمّل منظر المطمر مع عشائه المبالغ في سعره. 

ماذا عن النفايات الطبية التي نكتشف أثارها عندما نتشمس على شاطئ البترون أو جبيل؟

أتشوّق للتنزه في “الحديقة العامة” التي ستنشأ حيث كان جبل برج حمود الشهير (الجرافات وضعت قسماً منه في الباحة المجاورة من الشاطئ، والعواصف أغرقت الباقي). عام 2017، حاولنا الحصول على إذن من بلدية برج حمود للتصوير في المطمر من دون جدوى، قالوا لنا في بداية الحديث “وين ما كان فيك تصوّر، ما في أماكن محظورة”. “حتى بجبل الزبالة؟”، سأله زميلي مكرم، كان الجواب “لا بجبل الزبالة ممنوع… شو بدك الأجانب يشوفو زبالتنا؟”. 

قمنا بزيارة المطمر على رغم ذلك، وصلنا إلى المدخل فاستقبلنا رجل عجوز ودود ومنعنا من المرور، حاولت الإصرار مازحةً: “هي زبالتي أنا، بس بدي إطمن عليها”، لكن الرجل اللطيف صمد أمام جميع محاولاتنا، 25 سنة وهو يحرس نفايات جبل لبنان ويسكر يومياً من روائحها، كان يستحيل خداعه. استسلمت وسألته في النهاية، “وين راحت الزبالة يا عم؟”، أجابني ضاحكاً: “وين بدها تروح؟ بالبحر”. وضحكنا سوياً من سذاجة السؤال. 

تجرأت آن أحلم

تجرأت أن أحلم في صغري بأنني سأتمكن من السباحة يوماً ما في بحر المتن، مخيلتي الطفولية كانت تظن بأننا سننظفه في المستقبل، وفي المستقبل أي عام 2015، عاد الحلم من مرقده حاملاً معه استراتيجيات لإدارة النفايات من دون ضرر على البيئة والصحة العامة. بدأت تظهر من حولنا مشاريع منظمة من قبل مختصين منهم المهندس البيئي والصناعي زياد أبي شاكر الذي يؤكد على إمكان “تسبيخ 80 في المئة من النفايات (كونها عضوية)، وإعادة تدوير الـ20 في المئة المتبقية”. وبحسب أبي شاكر “الصناعات بحاجة إلى المواد التي تمكن إعادة تدويرها والمزارعون بحاجة إلى المواد التي يتم تسبيخها لتغذية الأرض بعيداً من الكيماوي”. تمكنت بلديات في المتن من إنشاء معامل تكرير والاستفادة من المواد، مثل بلدية بيت مري وبلدية بكفيا حيث يتم فرز النفايات ومعالجتها وتدويرها وتسبيخها (Composting) من دون ضرر على البيئة المجاورة.

تلك المفاهيم، أي “الفرز”، “المعالجة”، “التدوير”، “التسبيخ”، “تشجيع التخفيف”، “إعادة الاستعمال”، ترد جميعها في «قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة» الذي نشر عام 2018، إلى جانب أفكار متطورة أخرى من نوع “إعداد نظام معلومات وقاعدة بيانات خلال 3 أشهر”، ومواد غامضة من نوع “التعاون مع المجتمع المدني للتوجيه حول تخفيف إنتاج النفايات الصلبة”. يجعلنا ذلك نطرح السؤال نفسه الذي طرح خلال مؤتمر البلديات المعنية في 16/2/2018، “لماذا لم يتم اعتماد استراتيجية متكاملة لإدارة النفايات حتى الآن؟”. كان الجواب آنذاك لصاحب الجملة الشهيرة “ما حدا يسمعني صوته” الوزير جريصاتي الذي أوضح أنه «على رغم وضع خطة طوارئ للحد من التلوّث الناتج عن الوضع القائم، يبقى ضعف الوعي العام بما يتعلق بالنفايات واعتماد مبدأ (ليس في عقر داري) من قبل الجميع، العائق الأساسي أمام أي حل لهذا الملف». قد يكون جزء من جواب الوزير السابق شبه واقعي، ومن دون شك هناك ضعف في الوعي العام، فنحن نغلّف جميع منتجاتنا بالبلاستيك، نضعها بأكياس منفردة ونجمعها بأكياس شاملة ونستخدمها مرةً واحدةً فقط. لكن لنفترض أننا أصبحنا شعباً يتحلى بالوعي البيئي فجأة، لنفترض أننا خففنا من الاستهلاك، أخذنا أكياسنا معنا إلى السوبرماركت وبدأنا الفرز في المنزل، سوف تأتي الشاحنات في النهاية لتجمع نفاياتنا المفرزة وتحملها إلى المطامر البحرية. 

لا أحد يعرف فعلياً كيف نحدد قدرة المطمر الاستيعابية القصوى.

غير أننا عندما نتحدث عن النفايات، ذلك لا يشمل النفايات المنزلية حصراً، ماذا عن النفايات الطبية التي نكتشف أثارها عندما نتشمس على شاطئ البترون أو جبيل؟ ماذا عن المصانع والمعامل الكبيرة؟ من يراقب مدى تطبيقها المعايير البيئية؟ لماذا لا يشمل القانون منع الشركات والسوبرماركات من الاستهلاك المفرط لمادة البلاستيك؟ قدّ تنصّ الاستراتيجية التي يتمّ تطبيقها على أهمية التدوير والبحث عن حلول بديلة لكن “لا يتم تطبيق شيء من ذلك”، بحسب موظف في  وزارة البيئة (فضّل عدم ذكر اسمه حفاظاً على وظيفته). وأكد الموظف أنه في النهاية “تذهب النفايات جميعها بعد كبسها في الشاحنات وتغليفها في الكورال إلى المطمر”، أي أن الاستراتيجية تلفّ وتدور، تكاد تمسك بالبديل قبل أن تحتضر في المطامر البحرية. 

وبينما تؤجل السلطات العمل الجدي على الملف من جلسة وزارية إلى أخرى عبر السنين من دون الوصول إلى الحلول الواضحة (التي شهدنا نموذجاً عنها في بيت مري وبكفيا)، تسعى إلى تحويل المسؤولية من خصخصات الأحزاب والسياسيين وهوسهم باكتساب مساحات من الأرض إلى “عدم وجود تمويل”، “دور البلديات” أو ضعف “الوعي العام”، بينما ننتظر امتلاء المطمر مرة أخرى، لكي نقول “وصل المطمر إلى قدرته الاستيعابية القصوى”. ومن ثم نوسعه قليلاً إلى حين توسيعه مجدداً، ولا أحد يعرف فعلياً كيف نحدد “قدرة المطمر الاستيعابية القصوى”. هل تنتهي مع دخولنا أملاك جزيرة قبرص البحرية؟ ربما “الاستراتيجية” الحقيقية هي بناء معبر من النفايات يصل لبنان بقبرص لتسهيل زيارتنا شواطئ العراة في فصل الصيف.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.