fbpx

قانون قيصر… الممانعة تعيد إنتاج إنسانها بمساعدة معارضين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وزعت الممانعة فهمها لناسها، على مدار المعتقلون الذين صور قيصر جثثهم الهزيلة والموشومة بآثار التعذيب الوحشي، هم تكثيف لإنسان الممانعة الذي إن خرج عن ترسيمة “الأداة” أو “الشهيد”، اقتلعت عيناه أو انتزع عضوه الذكري أو شويت يداه أو أو أو…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تستأنف الممانعة، دعاية واختلاقاً واستغلالاً، في تلقيها قانون قيصر المفروض على النظام السوري وداعميه، تقليداً عربياً في التعامل مع العقوبات الغربية التي تُفرَض على الأنظمة الاستبدادية للضغط عليها وإجبارها على تقديم تنازلات. 

والتقليد المقصود يقوم على ذرائع السيادة وتدخّل الغرب في شؤوننا ونظريات المركز والأطراف والاستعمار وتركيع الشعوب المقاومة وإهانة الكرامة الوطنية، أي، خلطة يأخذ صنّاعها من كل نظرية جزءاً ما، ينتزعونه من سياقه، ويضخّمونه مسقطين إياه على أحوالنا، بحيث يخدم النظام موضوع العقوبات. 

وهذا النظام يصبح بطلاً يواجه بـ”صموده” و”التفاف شعبه حوله”، “الشر الاستعماري”. والمواجهة غالباً ما تحشد تعاطفاً وتضامناً من شخصيات “عالمثالثية”، هوايتها المفضلة الوقوف إلى جانب “المستضعف”، من دون الانتباه، إلى ضعيف آخر (الشعب) يبتلعه هذا المستضعف (النظام). والممانعة لا تكتفي بالخلطة التلفيقية المذكورة بل تضيف المقاومة إليها، فالنظام الأسدي موضوع العقوبات، جزء من محور مقاوم يريد الغرب إضعافه ومحاصرته ودفعه للاستسلام كي تنعم إسرائيل بالهدوء. 

الهولوكوست هو جواب الممانعة عن خروج إنسانها عما تريده، والتباكي على تجويعه بسبب العقوبات، هو ليس سوى توسيع للترسيمة الوظائفية، بحيث تشمل “الأداة” و”الشهيد” و”المجوّع”. إذاً، سيزيد استخدام مصطلح “المجوّع” في عالم الممانعة من الآن فصاعداً، بعدما اعتدنا “المقاوم” و”الصامد” و”الشهيد”

والتقليد العربي المدافع عن المعاقبين غربياً، يمحو الشعوب ويبتلعها، لمصلحة قيم، تستورد من مستودعات النضال “العالمثالثية”، فالبشر جنوداً ومقاتلين، مستنفرون دائماً للحرب، ومستعدون للصمود في الحصار، وإحالة هؤلاء إلى أدوات ووظائف ووسائل، أي تجريدهم من حيواتهم، بما ينسجم مع نظرة المستبد للإنسان، لكنه يتنافى مع إعادة إنتاج الأخير بوصفه “مجوّعاً”، وفق ما تقترح علينا الدعاية الغوبلزية للممانعة. والتنافي يتسع أكثر فأكثر، عند أدوات دعاية “حزب لله” التي غالباً ما ترفع فردها الصالح، إلى مصاف “الشهيد” حيث الجوع والعطش وكل ما هو إنساني، يذوب في الغيبي ويكتسب معاني أخرى، لا تبالي بالمعاناة والألم.  

بين الأدوات الأيديولوجية و”الشهداء” الميتافيزيقية، وزعت الممانعة فهمها ناسها، على مدار سنوات، ماحية إياهم، وراسمة وجودهم، دوراً وفعلاً في قضايا كبرى، ما يحوّل  شعار “تجويع الشعب”، إلى دعاية ركيكة لا تتسق مع تاريخ الممانعة مع إنسانها.

فالأخير، يعاد إنتاجه بالضد من هذا التاريخ، بوصفه ضحية العقوبات التي يتم بشكل متعمد فصلها عن سببها، والتركيز على نتائجها. فالمعتقلون الذين صور قيصر جثثهم الهزيلة والموشومة بآثار التعذيب الوحشي، هم تكثيف لإنسان الممانعة الذي إن خرج عن ترسيمة “الأداة” أو “الشهيد”، اقتلعت عيناه أو انتزع عضوه الذكري أو شويت يداه أو أو أو… ما يعني أن الهولوكوست هو جواب الممانعة عن خروج إنسانها عما تريده، والتباكي على تجويعه بسبب العقوبات، هو ليس سوى توسيع للترسيمة الوظائفية، بحيث تشمل “الأداة” و”الشهيد” و”المجوّع”. إذاً، سيزيد استخدام مصطلح “المجوّع” في عالم الممانعة من الآن فصاعداً، بعدما اعتدنا “المقاوم” و”الصامد” و”الشهيد”. 

وللممانعة، كالعادة، امتداد داخل المعارضة السورية، التي وجد بعضها في القانون معاقبة للشعب وليس للسلطة الحاكمة في دمشق، على ما دلت التجارب، لا سيما العراق، فضلاً عن أن العقوبات تصعب إزالتها بعد سقوط النظام ما يعني استهدافها الدولة أكثر من العائلة الأسدية ومتفرعاتها. والمقاربة الأولى، تتعمد عدم التمييز بين الطرفين، الشعب والنظام، لا سيما أن الأول أو سواده الأعظم ثائر على الثاني ويسعى إلى إسقاطه، كما أن الثاني مسبب رئيسي لمأساة الأول بما يشمل البعد الاقتصادي. بمعنى أن بدهية شعب معارض لنظام، ونظام يجوّع شعب ويقتله، معادلة أساسية لفهم عقوبات قيصر. فالشعب السوري يعاني من ضائقة اقتصادية وسعر صرف الليرة مقابل الدولار مرتفع، قبل فرض العقوبات. ثمة مسار يتعلق بالضغوط على محور الممانعة بكامله وانحسار سيطرة الأسد على الثروات، وأيضاً بالصراعات داخل العائلة الحاكمة. مؤكد أن العقوبات ستزيد الأوضاع تدهوراً، لأن الغرب المتمثل هنا بالولايات المتحدة، يتعامل مع أنظمة ابتلعت الدول، وأفرغت المؤسسات من مضامينها، وأحالتها إلى أدوات سلطوية، فصار التمييز مستحيلاً بين مصالح الشعب ومصالح النظام، الذي وضع خصومه بين خيارين، إما تركه يستفيد من الاقتصاد ليقتل ويشرّد ويعذب ويمول آلة الحرب، أو يُفرض عليه عقوبات تحرمه من الموارد، ويكون لها أثر على وضع معيشي هو بطبيعة الحال سيئ ورديء بفعل ممارسات النظام نفسه. والمأساة التي سترسم لاحقاً من نقص أدوية ومواد تموينية سيتحمل مسؤوليتها صاحب هذه المعادلة، وليس من يريد المساعدة في إسقاطه أو محاصرته، من دول غربية. 

والقلق المعارض، على أثر العقوبات على الدولة ما بعد سقوط النظام، يكشف عن التمسك بوهم وجود دولة، لم يبقَ منها حقيقة، ومنذ زمن، سوى هياكل تدار من أجهزة الأمن. بدل التطلع إلى تأسيس لجديدٍ، يعيد بناء علاقة متينة مع العالم، يصبح إزالة العقوبات حيالها مجرد تفصيل. 

هكذا تلتقي الوجهة المعارضة تلك مع الممانعة في النظر إلى قانون قيصر عبر، الالتباس في مفهوم الشعب، المحال إلى الصمود والشهادة وزمن ما قبل الثورة وحسم الانحياز ضد النظام، وكذلك عبر استبقاء النظام بذريعة الدولة المفرّغة من مضامينها. وما استحضار المثال العراقي والعقوبات على نظام صدام حسين، سوى تكثيف للالتباس (الشعب) والاستبقاء (النظام) المذكورين. فالشعب العراقي، كان “بطلاً” و”صامداً” و”مجوعاً” في دعاية السلطة المعاقبة والتي ظلت خمس سنوات تماطل قبل أن تقبل بمعادلة “النفط مقابل الغذاء”. أما النظام فاستبقي 13 سنة إضافية، مات خلالها عشرات الآلاف من نقص الغذاء والدواء، وكانت صورهم تغزو العالم، وتؤمن دعاية للبعث وتريحه من اللوم الأخلاقي، فالعقوبات على العراق لا على نظامه الذي يمحو الشعب، هي المسؤولة عن المأساة. والبشر يعاد إنتاجهم على ما تفعل الممانعة اليوم بوصفهم “أدوات” و”شهداء و”مجوعين”.

خلال العقوبات على نظامه، أعاد صدام ترميم قصوره وتقصد الظهور بمظاهر الترف، وعلى المنوال ذاته يسير بشار الأسد، مشترياً لزوجته لوحة بمبلغ ضخم. 

وبين المستبدين، يتبدى الكثير من توزيع الأدوار قسراً على البشر، ومحوهم في وظائف مصيرية، تحيل المعترض منهم إلى جثة متعفنة في معتقل، والخاضع إلى “مجوّع” يخدم دعاية النظام، والموالي إلى “شهيد”، تضاف نعوته إلى آلاف النعوات المنثورة على الجدران.