fbpx

السويداء: تظاهرات تطالب بالخبز وبإسقاط الأسد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“من وفي أعلى درجات الخيال كان يتوقع أن يمتد الحريق السوري تسع سنوات ويلتهم ما التهم؟ أرجو أن يعالج الأمر بحكمة وأن يستفيد البعض من فلسفة النار، لا أحد يشتهي النار إلا من تخدمه النار”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بصوت واحد ولحن بات يعرفه معظم السوريين غنى مئات المدنيين أمام مبنى المحافظة وسط مدينة السويداء جنوب سوريا: “سوريا لينا ما هي لبيت الأسد”، لتنتقل بعدها التظاهرة إلى شوارع رئيسة في المدينة، وتطالب بسقوط النظام ورحيل حليفيه روسيا وإيران. 

هذه التظاهرات تأتي بعدما فقد أهل السويداء وغيرهم الأمل، بسبب تدهور الوضع المعيشي والأمني، والفوضى المرافقة لانخفاض قيمة الليرة السورية. 

ردد المتظاهرون خلال احتجاجاتهم، الشعارات ذاتها التي حملها السوريون عام 2011، عام انطلاقة الثورة السورية. وقال أحد المحتجين، إن المشاركة تزداد يومياً، والنظام إلى الآن لم يواجه المتظاهرين بالقمع، ما قد يزيد من نسبة المشاركة في حال استمرار التحركات.

كسر حاجز الصمت؟

رفع المتظاهرون شعارات من قبيل “الشعب يريد إسقاط النظام”، “سوريا حرة حرة إيران تطلع برا”، “هي سوريا والأسد جرثومة فيا”، منددين أيضاً بالواقع الاقتصادي والأمني المتردي، كما رفعوا شعارات تطالب النظام بالإفراج عن المعتقلين في سجونه.

وحمّل المتظاهرون النظام السوري مسؤولية تدهور الواقع الأمني والاقتصادي في البلاد، كما هتفوا تضامناً مع إدلب وبقية المناطق السورية ضد النظام. وطالبوا القوات الروسية والإيرانية بالخروج من سوريا.

وتأتي التظاهرات في السويداء بعد دعوة من نشطاء تزامناً مع استمرار انهيار قيمة الليرة السورية، وتداعيات ذلك الانهيار على السوريين في ظل العقوبات المفروضة على النظام، واقتراب تطبيق قانون قيصر ضده وضد حلفائه.

كما أُغلقت معظم المتاجر وبخاصة متاجر المواد الغذائية وملحقاتها، تضامناً مع المحتجين، الذين قلقوا أيضاً من أن يكون ذلك فاتحة على الاحتكار.

وقالت تاجرة رفضت ذكر اسمها: “الناس أصبحوا يقبلون بشكل كبير على المتاجر المفتوحة لتأمين حاجاتهم الأساسية، وعلى رغم ارتفاع الأسعار كل يوم وبشكل مخيف إلا أن المواطنين يخزنون للأيام المقبلة خائفين من المستقبل، ومن لا يستطيع التموين يشتري قوت يومه. أتت امرأة واشترت كأس زيت لتطبخ لأطفالها. وهناك فئة ثالثة لا تستطيع شراء إلا الخبز وأحياناً تعيش من دونه”.

منذ بداية العام الحالي حتى وقتنا الحاضر الأسعار بارتفاع مستمر، وبخاصة أسعار المواد الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها من أرز وسكر وزيت ومحارم، هذا ما أوضحه أحد التجار مقدماً لنا قائمة بأسعار المواد الأساسية حالياً مقارناً إياها مع أسعارها في بداية العام:

سعر المادة في بداية العام الحاليسعر المادة حالياً
أرز 1 كيلو500 ليرة سورية 1300 ل.س.
سكر  1 كيلو450 ل.س1600 ل.س
برغل 1 كيلو300 ل.س1300 ل.س
عدس 1 كيلو450 ل.س1000 ل.س
زيت 1 ليتر500 ل.س3000 ل.س
سمن 1 كيلو800 ل.س4000 ل.س
محارم ورقية /علبة250 ل.س1900 ل.س

إذا أراد الموظف العادي شراء القائمة السابقة من راتبه، فلن يستطيع ذلك أكثر من مرتين في الشهر، هذا إضافة إلى المصاريف الأساسية المختلفة من دواء وتعليم ونقل وغيرها. ولا ننسى أن هناك نسبة كبيرة من غير الموظفين العامين في المحافظة، منهم من يعيش بفضل تحويلات مغترب من أفراد الأسرة، وهؤلاء ساءت أحوالهم بعد تفشي مرض كوفيد 19. وهناك من يعيش من دون راتب شهري، على أمل أن يجد عملاً يؤمن له مصروف يومه. 

وبحسب مصادر محلية وشهود عيان فإنّ النظام أرسل تعزيزات أمنية إلى المدينة لحماية مبنى المحافظة الذي تجمّع حوله المتظاهرون، فيما توافد عدد من مسؤولي النظام إلى السويداء واجتمعوا داخل المبنى، ليجروا بعد ذلك اتصالات مع وجهاء ورجال دين من طائفة الموحدين الدروز وناشطين، في محاولة لوأد الحراك في بدايته بطرائق سلمية، مع التلويح بخيارات أخرى.

همّ الدواء في السوداء لا يقلّ ثقلاً عن الغذاء وبخاصة للذين يعانون من أمراض مزمنة. قالت صيدلانية من المحافظة فضلت عدم ذكر اسمها: “بعد منشورات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تتنبأ بغلاء الدواء وانقطاعه، شهدنا هجوماً من الناس على الصيدليات لشراء كميات كبيرة من أدويتهم وبخاصة من لديهم أطفال وكبار سن يحتاجون إلى أدوية ضغط أو سكري… رأينا أفراد العائلة الواحدة يذهبون بالتناوب إلى الصيدلية لإحضار كميات من الدواء ذاته لمريضهم”.

وأضافت: “الصيدليات في السويداء لم تحتكر الدواء أو تقطعه ولكن خوف الناس من انقطاعه تسبب بالأزمة الحالية، الصيدليات الكبيرة والتي كانت تمتلك دواء يكفي زبائنها 6 أشهر أصبحت خالية في غضون أسبوع، وهذا لم نشهده خلال السنوات الـ10 الماضية. وعقب صدور نشرة الأسعار الجديدة التي تخص الأدوية من وزارة الصحة، بدأت الصيدليات شراء الدواء من المستودعات، ولكن الكميات تتوافق مع رأسمال الصيدلية أي الصيدليات الصغيرة صاحبة رأس المال المتواضع قلت الكميات لديها، وهذا ينذر بقلة كميات الأدوية مستقبلاً”.

لا حسيب ولا رقيب

الاستغلال هو ما يخنق المحافظة، كل شخص يستغل الموضوع بحسب مصلحته، ففي القرى الصغيرة والبعيدة من المدينة، والتي يعرف تجارها أن السكان يحتاجونهم، يرفعون الأسعار كما يرغبون من غير حسيب ورقيب.

تضاف إلى هذه الأزمات كلها، أزمة الغاز إذ أصبحت العائلة تستلم اسطوانة الغاز المخصصة لها كل 60 يوماً، ما أدى إلى انقطاع الكثير من الناس من مادة الغاز، واعتمادهم على الكهرباء وزيت الكاز بدلاً منه، ولا أحد يعلم إذا كانت هذه البدائل ستبقى متوفرة أم لا.

اليوم المحافظة تقع في أزمة اقتصادية واجتماعية، على رغم أن أهلها لم ينزحوا، ولم يعيشوا في الحصار وتحت القصف. لكن المشكلات الاقتصادية والأمنية تفاقمت، وتأثيرات الحرب لم تفارق الناس منذ بداية الحرب السورية.

وزادت الطين بلة أزمة “كورونا” وفقدان الأهالي مصدر رزقهم بسبب توقف الكثير من الأعمال في دول الاغتراب وضعف التحويلات المالية في هذه الفترة، وعدم توفر المواد الأساسية مثل المحروقات وتقنين الكهرباء وتوقف المشاريع الكبيرة والصغيرة، فزادت أعداد العاطلين من العمل. كما شهدت المنطقة مشكلات أخرى مثل تجارة السلاح والمواد الغذائية وتهريبها، تبعتها أحداث أمنية من سرقة بيوت وسيارات وخطف ناس مقابل فدية.

وعلى رغم أن محافظة السويداء تمتاز بالأراضي الزراعية إلا أنها تواجه أزمة غذائية مستشرية، على رغم الأراضي الشاسعة المزروعة بالقمح وغيره. كما أن الحرائق طاولت هذه السنة الكثير من الأراضي الزراعية في المحافظة، وأحرقت محاصيل منها القمح والحمص والأشجار المثمرة، ولم يُعرَف سبب هذه الحرائق. وفي الآونة الأخيرة شهدت السويداء إقبالاً شديداً على شراء الخبز أكثر من السابق، بسبب اعتماد الكثير من العائلات على الخبز الحاف في طعامها اليومي.

بدأ الناس زراعة المحاصيل التي يمكن أن يوفروها، بخاصة بعد إغلاق الحدود والاستيراد، بسبب وباء “كوفيد19″، وتهريب البعض الخضار والفواكه إلى لبنان وبيعها بأسعار مرتفعة، ما رفع الأسعار بشكل خيالي في السويداء، مقابل انخفاض قيمة الليرة السورية السريع والكبير، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، الأمر الذي دب الرعب في الناس، والقلق على المستقبل.

إلى أين يمتد الحريق؟

“حين تشتعل النار، لا أحد يستطيع التنبؤ إلى أين يمتد الحريق، وكم سيحرق من المساحات المزروعة، ومن سيتطوع لمعالجته وإطفائه، ومن سيندفع لسكب البنزين عليه وتوجيه الحريق نحو الجهة التي يريدها. من وفي أعلى درجات الخيال كان يتوقع أن يمتد الحريق السوري تسع سنوات ويلتهم ما التهم؟ أرجو أن يعالج الأمر بحكمة وأن يستفيد البعض من فلسفة النار، لا أحد يشتهي النار إلا من تخدمه النار”. هذا ما قاله فواز خيو وهو من سكان السويداء، موضحاً أن سبب التظاهرات ضيق الناس وذعرهم من الأوضاع المعيشية والأمنية المتدهورة، في غياب أي جهود حقيقية من أجهزة الدولة لمعالجتها.

وأضاف خيو: “سبب وصولنا إلى هذه النقطة هو الفساد الذي استشرى وإمكانات البلد المعدومة. أصبح حلم الشاب ليس تأمين وضع يليق به في البلد، إنما صار حلمه الرحيل والهجرة. خسرنا أجمل شبابنا خلال 9 سنوات على امتداد المساحة السورية قتلاً وسجناً وهجرة. ولم يبقَ سوى العاجزين عن الهجرة والزعران”.

في ظل هذا الحاضر الفوضوي والمخيف والمستقبل الغامض لم تُعلن قرارات من جانب الحكومة والمحافظة، ولم تحدد الحكومة موقفها ولا قراراتها حيال ما يعيشه المواطنون، على رغم اجتماع المحافظ مع مسؤولين وضباط، الذي توقع المواطنون عقبه حلاً ما.

ولكن محافظ السويداء همام الدبيات اكتفى بتصريح لإذاعة المدينة “أف أم”: “يتم التواصل مع المحتجين، للاستماع إلى المطالب المنطقية وهناك من يخرج عن الإطار العام ويتم التواصل مع الجهات المعنية لمتابعة هذا الأمر”. 

من جهة أخرى، أصدرت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين دعوة إلى أبناء الطائفة “لضبط النفس وعدم التمثل ببعض الأشخاص الخارجين عن طاعة الأهل والدين”، الأمر الذي أدى إلى عدم مشاركة متدينين في التظاهرات.

من صرخة “بدنا نعيش” التي رافقت الاحتجاجات في بداية عام 2020، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي مع انخفاض قيمة الليرة السورية وضيق أحوال فصل الشتاء على مواطني السويداء، إلى المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وإسقاط النظام وحلفائه. من يتحمل مسؤولية ما يحدث؟ وهل ستكون محافظة السويداء مثل غيرها من المحافظات التي ثارت، أم ستكون شعلة نحو التغيير إلى الأفضل؟

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!