fbpx

جامعات لبنان: أزمة امتحانات ودولار ولا استراتيجية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المتابع للوضع الاقتصادي المتدهور وأزمة كورونا وكيف انعكس تربوياً سيلحظ أن مؤسسات تعليمية عدة تمادت بجشعها عبر إجراءاتٍ مختلفة، منها احتكار توزيع الشهادات على الطلّاب قبل أن يدفع الأهالي القسط كاملاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتهى التحرّك الأخير لطلّاب الجامعات في لبنان، الرسميّة والخاصّة، تحت عنوان “التعليم مش سلعة”، بأعدادٍ ضئيلة ولكن بمطالب واضحة. من ناحية الجامعة اللبنانيّة: رفض “امتحانات الموت” – بعد إلزام الطلاب بالعودة إلى مقاعد الجامعة لخوض امتحاناتهم. ومن ناحية الجامعات الخاصّة: رفض دَولَرة الأقساط والتزام العقد الطلّابي.

الوضع الراهن ومشاكله

المتابع للوضع الاقتصادي المتدهور وأزمة كورونا وكيف انعكس تربوياً سيلحظ أن مؤسسات تعليمية عدة تمادت بجشعها عبر إجراءاتٍ مختلفة، منها احتكار توزيع الشهادات على الطلّاب قبل أن يدفع الأهالي القسط كاملاً – علماً أن ساعات التدريس هذا العام لم توازِ قيمة القسط السنوي؛ أو فرض العودة لمدّة ولو قصيرة، بتجاهل تام للظرف الصحّي الراهن، من أجل جباية الأقساط فقط لا غير. 

مالياً عمدت جامعات إلى تحويل عملة الأقساط من الليرة إلى الدولار، ما يعني أنّ الأقساط أصبحت عرضةً لسعر الصرف الذي يحدّده المصرف المركزي.

توزّع تشخيص الأزمة التعليمية التي يعيشها طلاب الجامعات على المستوَيَين الأكاديمي والمالي وفق العناوين التالية: 1) في حال التعلّم من بعد، 2) في حال الامتحانات، 3) في حال الصعوبات المادية، و4) في حال الإدارة والعمليّة الديموقراطيّة. وبعيداً من الطلّاب، ذكر التشخيص مسألة “التخفيض من أعداد العمال والأساتذة العاملين والعاملات في الجامعات بشكل تعسفي في سياق سياسات تقشفية غير عادلة إطلاقاً”.

أمّا النقطة الأخطر، والّتي تتطلّب الحل الأسرع، ولكنّها في الوقت عينه لم تحظَ بأي اهتمامٍ جاد من الجهات المعنيّة، ارتفاع قيمة الليرة بشكل غير مسبوق لتتجاوز الـ4000 ليرة/ دولار، ما وضع التلاميذ اللبنانيين في الخارج، الذين هربوا من غلاء الأقساط في لبنان، في أزمة كبيرة. عمليّاً، ماذا يعني هذا الكلام؟ تخيّلوا طالباً مغترباً، يتابع دراسته في الخارج، يتلقّى القليل من الأموال عبر التحويلات من أهله ويقبض راتباً زهيداً مقابل عمل جزئيّ. أمام الأزمة الحاليّة، لا التحويلات بقيَت مُتاحة (كَون قدرة الأهالي على إعالة أبنائهم شُّلَّت كلّياً والمصارف زادت تشدّدها)، ولا الراتب الّذي يقبضه الطالب بقيَ موجوداً بعدما أقفلت المؤسّسات أبوابها بسبب “كورونا”. هذا يعني أن الطلّاب المغتربين صرفوا ما تبقّى لهم، ونفدت مدخّراتهم، وها هم اليوم يتديّنون من هنا وهناك فقط لشراء الطعام والحاجات الأساسيّة.

الأزمة المقبلة مقبلة

لن نغوص أكثر من ذلك في الشق المتعلّق بالمشكلات السابقة أو الحاليّة، لا سيّما أنّها أُشبعت بحثاً. في كل حال، مكامن الخلل الحاليّة كثيرة، إلّا أنّها ليست الهم الوحيد لدى النشطاء في العمل الطلّابي. هؤلاء يفكّرون بالعام المقبل منذ اليوم، بخلاف إدارة الجامعة. في هذا السياق، يعرض الناشط السياسيّ في العمل الطلّابي علي اسماعيل، 3 نقاط أساسيّة: “أوّلاً، هناك العدد الطبيعي من الطلّاب الموجودين في الجامعة اللبنانيّة، وهو أصلاً عدد كبير، لدرجة أن الإشكاليّة العدديّة باتت تؤثّر في النوعيّة في الأعوام الأخيرة. ثانياً، الطلّاب الّذين تخرّجوا بموجب الإفادة – وهناك تجربة سابقة مع الموضوع، إذ ستتوجّه غالبيّتهم إلى الجامعة اللبنانية، لا سيّما الاختصاصات التي لا تفرض امتحاناً للدخول. أمّا ثالثاً، وبسبب تفاوت سعر الصرف، ستنتقل شريحة من الطلاب تلقائيّاً من الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانيّة – اللّهم إلّا أولئك الّذين شارفوا على الانتهاء، سيعضّون على الجرح ويتحمّلون كلفة إضافية في عامهم الأخير. أمام هذا الواقع، ستشهد الجامعة اللبنانيّة اكتظاظاً لا سابقة له، وحتّى اللحظة، لم نلامس أي مسعى جدّي من الإدارة للمعالجة والتخطيط على المدى البعيد”.

عمدت جامعات إلى تحويل عملة الأقساط من الليرة إلى الدولار.

بالمناسبة، الإشكالية ذاتها تنسحب على التعليم الرسميّ – ما دون الثانويّ. أساساً، هذه المدارس مكتظّة. يبلغ العدد أحياناً 45 طالباً في غرفة صُمّمت لـ20 طالباً. اليوم، نسبة الطلّاب في المدارس الخاصّة تتراوح بين 60 و70 في المئة، أي يتبقّى 30 في المئة للمدارس الرسميّة، وهي تعاني من الاكتظاظ مع هذه النسبة. ماذا بعد هجرة الطلاب من الخاص إلى الرسميّ إذاً؟”. ويشير علي إلى أنّ “التعليم في لبنان أصبح امتيازاً طبقيّاً بالمطلق. سابقاً، كانت التخريجة في الجامعة اللبنانيّة وقسطها الرمزيّ. لكن اليوم، بسبب أزمة الليرة، حتّى هذا المبلغ لم يعد رمزيّاً”. 

تخطيط قصير النظر

أمّا في أوساط الكادر التعليمي، فيبدو التململ واضحاً لدى الشريحة الأوسع من الأساتذة، لا سيّما أن رواتب هؤلاء أصبحت بلا أي قيمة تُذكَر كَونها بالأساس بالليرة اللبنانيّة. كذلك الأمر بالنسبة إلى التقديمات الاجتماعيّة. أمّا الضمانات الاجتماعيّة والمعاشات التقاعديّة والصناديق المخصّصة لهم، فهي تواجه اليوم خطر الانقراض بسبب السياسات الاقتصاديّة للسلطة ووضع يدها على الصناديق لسد العجز، عوضاً عن التوجّه لحلولٍ بنيويّة بطبيعة النظام.

لا يخفى على أحد أن فئة من الأساتذة لم تتمكّن من تقديم الدروس بشكلٍ مفيد لدواعٍ “تكنولوجيّة”، وأن شريحة أخرى كانت تضغط من أجل البدء بالتعليم “أونلاين” باكراً كي يُسجّلوا ساعاتهم فقط لا غير. لكن فئة منهم، للأمانة، أعادت النظر بكل مقرّراتها وعدّلتها بما يتلاءم مع شكل التعليم الجديد وأرسلت للطلاب المراجع المطلوبة، لعلّهم بذلك يردمون هوّة التعليم من بعد. 

الدكتور باسل صالح، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، من ضمن هذه الفئة، يقول لـ”درج” إنّ “نمط التفكير لدى الإدارة يدور في خانة اللحظيّة، ولا أحد يفكّر بشكلٍ استراتيجيّ. لم يُناقَش بعد الصراع المتعلّق بدور الجامعة اللبنانيّة؛ وهو، برأيي، أوسع من الدور التربوي المباشر وأهم من دورها التعليمي. فعلياً، مهمّة الجامعة الوطنيّة اللبنانيّة قيادة المجتمع وتحريره. هو دور طليعيّ بالضرورة. هذه هي الإشكاليّة في الجامعة اللبنانيّة اليوم، ومنها نؤسّس الخطط المستقبلية لتلقّف الطلاب الجدد”. وعلى رغم سلبيّات الاكتظاظ الطلّابي في العام المقبل، يرى صالح أن “الأزمة واقعة لا محال، وازدياد عدد الطلّاب مسألة كيفيّة أيضاً، لا كمّيّة فحسب. ولكن اليوم، بعدما فُرض واقع التسجيل في الجامعة اللبنانيّة على عددٍ كبير من الطلّاب، بسبب الأزمة الاقتصادية (وكان يجب أن يحصل ذلك بدون الأزمة حتّى)، فالسؤال هو في كيفيّة تلقّف هؤلاء داخل جامعتنا؟ أعني، هناك شريحة طلّابية ستتفاعل داخل الجامعة اللبنانيّة في العام المقبل، ولكنّها معتادة على نمط مختلف تماماً من الحياة الجامعيّة (إن كان من حيث الانتخابات الطلّابية أو علاقاتهم بالدكاترة أو حياتهم السياسيّة-الاجتماعيّة في الجامعة). برأيي هذه مسألة إيجابيّة، كونهم يملكون طروحات مغايرة لتلك الموجودة أساساً في الجامعة اللبنانيّة اليوم، وقد يكون لها أثر إيجابي وفعّال. يبقى السؤال: هل الجامعة، ببنيتها الحاليّة، قادرة على هذا التحوّل؟”. 

بات واضحاً أن الأزمة ليست محصورة بالجامعة اللبنانيّة فحسب، بل تطاول القطاع التعليمي والتربوي كله، ضمناً الجامعات الخاصّة. فهي أمام تحدٍّ كبير إن أصرّت على دولَرَة أقساطها. أساساً، أزمة هذه الجامعات من أزمة النظام، كون المنظومة القائمة في لبنان فرّخت جامعاتٍ خاصّة بلا تخطيطٍ علميّ من أجل المنفعة المادية لرجال الأعمال والسياسة فقط لا غير. وهذه هي مشكلة قطاعات الدولة، في تفضيلها الخاص على العام، أو بالأحرى في تعزيز القطاعات الخاصة لما تحمله من منفعة ماديّة وايديولوجيّة وزبائنيّة لقلّة قليلة – وبالمقابل ضرب القطاع العام وبشكلٍ ممنهج، لترويج أن التعليم الرسميّ “ما بيسوى”، وأن الحلّ في الخصخصة. 

يبدو التململ واضحاً لدى الشريحة الأوسع من الأساتذة، لا سيّما أن رواتب هؤلاء أصبحت بلا أي قيمة تُذكَر كَونها بالأساس بالليرة اللبنانيّة.

لكن لا، الحل ليس بالخصخصة، ولا بالعمل وفق ردود الفعل. على وزارة التربيّة وإدارة الجامعة اللبنانيّة أن يقدّما مشروعاً استراتيجيّاً لإنماء الجامعة اللبنانيّة، يتضمّن حلّاً لإشكاليّة المركزية/ اللا-مركزيّة، مع التشديد على ضرورة تطوير المناهج وربط الاختصاصات بسوق العمل والحثّ على البحث العلميّ. بالمقابل، ضرورة لجم الجامعات الخاصّة. والأهم، قبل الإعلان عن أي إجراء، ضرورة الأخذ في الاعتبار كل الجوانب (المادية، الأكاديمية، النفسية…) لدى الطلاب والأساتذة وعمّال الجامعة، عوضاً عن اتّخاذ قرارات تلقي عبء الأزمة بكامله على عاتقهم، من ثمّ تبريرها بإطلالاتٍ إعلاميّة منمّقة للـ”تكنوقراطيّين”. بالمختصر، مصلحة الطالب أهم من مصلحة رأس المال، وعلى الجامعة اللبنانيّة أن تتقدّم الصراع الاجتماعيّ- السياسيّ في البلد، بدورٍ ريادي، وبانحيازٍ كامل للفئات المهمّشة. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!