fbpx

رقصة موت في صحراء ليبيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن المنافسة التي احتدمت بين روسيا وتركيا على الأراضي السورية انتقلت إلى ليبيا أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحتفل قوات “حكومة الوفاق الوطني الليبية”، مع تقدم قواتها بسرعة نحو الشرق لدرجة أنها لا تملك وقتاً لإصدار بيانات تحتفي بالنصر. فقد وضعت الانتصارات الأخيرة لقوات “حكومة الوفاق الوطنية” حداً لحملة منافستها، قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، الساعية إلى فرض سيطرتها على طرابلس. خلال الأشهر القليلة الماضية، حلت ليبيا محل سوريا بوصفها الميدان الجديد للعبة الجيوسياسية التي تدور رحاها في منطقة جنوب البحر المتوسط: فمن جهة تدعم قطر وتركيا حكومة الوفاق الوطني، ومن جهة أخرى تدعم الإمارات ومصر وروسيا الجيش الوطني الليبي.

ولفهم ديناميات الصراع الليبي، علينا أن نتأمل الأطراف المتحاربة المحلية وكذلك أسباب التدخلات الخارجية. أولاً، لدينا حكومة في طرابلس تعترف بها الأمم المتحدة وتعتبرها شرعية، في حين تخضع المدينة لسيطرة تحالف ميليشيات إسلامية خرجت من رحم ثورة 2011. وفشلت وساطة الأمم المتحدة في سد الفجوة المؤسساتية من خلال إنشاء برلمان موحد مقره مدينة طبرق ويحظى بدعم “الجيش الوطني الليبي” وبرلمان طرابلس. خلافاً للانهيار المؤسساتي والانقسامات الأيديولوجية التقليدية التي تميز الشرق الأوسط- جبهة الإسلاميين مقابل الجيش- على المرء التفكر في مسائل هيكلية أعمق بين الهويات المحلية والولاءات القبلية والتحالفات المتغيرة في ظل انعدام الأمن العام. والأهم من ذلك، أنه لا توجد مؤسسة واحدة أو جماعة اجتماعية بعينها مسؤولة بمفردها عما يحدث، وقادرة على توحيد الأمة.

تتهم حكومة الوفاق الوطني منافسيها بأنهم يحنون إلى الدكتاتورية العسكرية، في حين يتهم أنصار الجيش الوطني الليبي منافسيهم بأنهم ليسوا سوى ميليشيات تابعة للقاعدة و”داعش”، وبأنهم عملاء لتركيا. لكن من المهم للغاية عدم التهويل من قدر هذا الانقسام الأيديولوجي في ليبيا. في الواقع، يمثل الطرفان تحالفات ثانوية مكونة من مجموعات مسلحة انبثقت من الحرب الأهلية عام 2011. وتعد شبكات الهويات الإقليمية والقبائلية والعشائرية أكثر ارتباطاً بديناميات الصراع من المبادئ الأيديولوجية. ويجسّد الاستقطاب المتزايد في ليبيا حالياً شقاقاً أقدم بين محورين متنافسين، أحدهما في طرابلس والآخر في بنغازي شرقاً، والذي يجسد بدوره الانقسام التاريخي بين إقليم طرابلس أو “تريبوليتانيا” في الغرب وبرقة أو قورينائية (وباليونانية كيرينايكي) في الشرق، وهما كانتا منطقتين منفصلتين حتى في ظل حكم الرومان. وكان توحيد هاتين المنطقتين يُمثل تحدياً مستمراً على مدار التاريخ. وتشكلت هذه الشقاقات بحكم الموقع الجغرافي، إذ يفصل بين بنغازي وطرابلس ألف كيلومتر من الصحراء الشاسعة. 

خلال ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، كانت بنغازي معقلاً للجماعات الإسلامية، التي تعارض الحكم المركزي في طرابلس. كانت المنطقة أيضاً مصدراً لتوريد الجهاديين: فقد أرسلت درنة -وهي بلدة تقع شرق بنغازي- جهاديين لمقاتلة الاحتلال الأميركي في العراق خلال العقد الماضي، أكثر من أي مدينة سعودية. اندلعت شرارة ثورة 2011 من بنغازي أيضاً. ويعد تيار السلفية المدخلية من أشد الداعمين لقضية حفتر، وقد دمر أولئك المداخلة أضرحة ومقامات قديمة، ما أثار غضب الجماعات الصوفية التقليدية في ليبيا. ما يحدث في ليبيا هو صراع على السلطة -يستتر خلف ستار رقيق من الخطاب الأيديولوجي-  بين تحالفات مبهمة، مع تغيير مستمر في الولاءات، وفي ظل مناخ عام يفتقر إلى سلطة شرعية.

لا ينبغي على المرء أن يعطي حكومة طرابلس المُعترف بها دولياً حجماً أكبر من حجمها، فسلطة القائد الرسمي فايز السراج محدودة وتستمد قوتها من تحالف ميليشيات تُمثل شمال غرب ليبيا أو “تريبوليتانيا”، وهي طرابلس والزاوية، ومصراتة بوجه خاص. لم تتوحد هذه الفصائل المتناحرة إلا عندما وصل عدوهم المشترك إلى طرابلس، وبعدما كان يتقدم إلى قلبها. 

حرب خاطفة

في أوائل نيسان/ أبريل 2019، أطلق حفتر عملية ضخمة على طرابلس، مع وعود بإحلال الاستقرار في ليبيا. وأحرز تقدماً بفضل الدعم المالي الكبير الذي أتى في معظمه من الإمارات، ومشاركة بضعة مئات من مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية. وفي غضون أيام قليلة، احتلت قوات الجيش الوطني الليبي مدينة غريان التي تقع على قمة الجبل الغربي جنوب طرابلس، قرب الضواحي الجنوبية للعاصمة، واجتاحت مطار طرابلس الدولي، واحتلت كذلك قاعدة الوطية العسكرية جنوب غربي العاصمة، التي تُعد أهم قاعدة إستراتيجية في غرب ليبيا. لكن بعد التقدم السريع المبدئي في الأسابيع الأولى من العملية، واجهت قوات الجيش الليبي الوطني صعوبات في ضواحي العاصمة الجنوبية. كانت الاستيلاء على مدينة سرت المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط هو الاستثناء الوحيد في حرب قوات الجيش الوطني الليبي الثابتة إلى حدٍ كبير، وهي مدينة استراتيجية تقع في منتصف الطريق بين بنغازي وطرابلس، ومسقط رأس الزعيم الليبي معمر القذافي. فقد استولت عليها بلا معركة نتيجة تحول ولاء غالبية الميليشيات المحلية.

وبعد اتضاح الصورة الآن، يمكن القول إن انتصار سرت في 6 كانون الثاني/ يناير كان كارثة على حفتر. فبعد أيام قليلة من ذاك الانتصار، رفض حفتر وساطات عديدة لوقف إطلاق النار، منها الاتفاق الروسي التركي المشترك بموسكو في 12 كانون الثاني، ونتائج مؤتمر برلين في  19 كانون الثاني. لكنه بعد ذلك بأشهر قليلة سيطالب بأقل القليل.

تتهم حكومة الوفاق الوطني منافسيها بأنهم يحنون إلى الدكتاتورية العسكرية، في حين يتهم أنصار الجيش الوطني الليبي منافسيهم بأنهم ليسوا سوى ميليشيات تابعة للقاعدة و”داعش”.

في تلك الأثناء، غيرت التدخلات التركية الجذرية موازين القوى. أرسلت تركيا مع نهاية 2019، أعداداً كبيرة من الطائرات المسيرة من نوع بيرقدار تي بي 2 إلى ليبيا، كما نقلت ما يقدر بـ11 ألف معارض سوري منتمين لكل من فيلق الشام، والسلطان مراد وصقور الشام وآخرون إلى ليبيا. يمكن أن يشكل عدد المقاتلين الكبير فارقاً على الخطوط الطويلة الرفيعة لمناطق القتال الحضرية في طرابلس. لكن الهجمات المستمرة بالطائرات من دون طيار على الخطوط اللوجيستية الممتدة للجيش الوطني الليبي هي التي كسرت ظهر قوات حفتر. تدخل الجيش التركي بشكل مباشر في العمليات العسكرية الجارية، وكانت أول حالة من حالات هذا التدخل في الأول من نيسان، عندما أطلقت فرقاطة تركية صاروخاً من طراز SM-1MR وأسقطت طائرة مسيرة تابعة للجيش الوطني الليبي بالقرب من صبراتة.

سرعان ما آتى التدخل التركي ثماره، فاحتلت حكومة الوفاق بلدات في الساحل الغربي شملت صرمان وصبراتة وزالتان، ووصلت إلى الحدود التونسية. هنا أيضاً كان تغيير الولاءات والتحالفات، من غيَّر الخريطة لا المعارك الضارية. لكن قاعدة الوطية كانت مختلفة، إذ سيطرت عليها حكومة الوفاق الوطني في 18 أيار/ مايو بعد محاولات ومعارك ضارية، واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ بانتسير-إس1 المضادة للطائرات، وعرضت لاحقاً في شوارع طرابلس. فقد الجيش الوطني الليبي قاعدة أساسية مع سقوط الوطية، وانهارت خطوطه الأمامية في غرب ليبيا. وتتالت عليه الخسائر، إذ فقد ضواحي طرابلس وبلدتي ترهونة وبني وليد. غزت قوات الجيش الوطني الليبي مناطق في غرب ليبيا في حرب خاطفة. لكنها فقدتها بالطريقة ذاتها.

تدخلات خارجية

يبدو  أن المنافسة التي احتدمت بين روسيا وتركيا على الأراضي السورية انتقلت إلى ليبيا أيضاً. إلا أن هذه المنافسة بين الدولتين لا تخلو من الغرابة، فالدولتان المتنافستان تجمعهما شراكة قوية. تشتري تركيا أسلحة روسية متطورة، مثل نظام صواريخ S-400، في حين تنافس طائراتها بيرقدار تي بي 2 منظومة بانتسير-إس الروسية. تقاتل كل منها في طرف مختلف من الصراع سواء في سوريا أو في ليبيا، لكنهما تضبطان أيضاً شروط خوض تلك الحروب. ويستحيل أحياناً فصل المنافسة الروسية التركية عن الشراكة بينهما. لا يهم هنا عدد طائرات البيرقدار التي أسقطت في ليبيا، أو عدد منظومات بانتسير-إس التي فقدت أو دمرت، وذلك لأن قطر والإمارات تدفعان ثمنها قبل أن ترسل إلى ليبيا حتى. عندما كان مقاتلو فاغنر ينسحبون من معارك طرابلس، كان من الواضح أن هناك تنسيقاً يقضي بألا تشن الطائرات التركية هجومها حتى ينسحب المقاتلون إلى بر الأمان.

 في الوقت الذي تتخذ فيه روسيا وتركيا مواقع جيدة تسمح لهما باستغلال الوضع الليبي، كشف هذا الوضع مرة أخرى عن انعدام كفاءة دول الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الجغرافيا السياسية المتوسطية. سبق أن رأينا ذلك عام 2011، عندما اندلعت احتجاجات “الربيع العربي”، ولكن بعد مرور عقد تقريباً، فإن افتقار الاتحاد الأوروبي لسياسة موحدة يدل ببساطة على غياب الحنكة والبراعة في التعامل مع الأوضاع. تدعم إيطاليا ومالطا حكومة الوفاق الوطني بينما تدعم فرنسا واليونان الجيش الوطني الليبي. إيمانويل ماكرون هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي استقبل حفتر شخصياً، في حين رُصدت الطائرات العسكرية الإيطالية في مصراتة، وأسقطت واحدة منها فوق ترهونة. وهذا دليل على انعدام المسؤولية لدى أعضاء الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك القوى الاستعمارية السابقة، التي لا ترى في المأساة الليبية سوى فرصة لعقد بعض الصفقات المربحة، بدلاً من اعتبارها جاراً يشرف على أبواب القارة العجوز الجنوبية.

حكومة الوفاق تتجه شرقاً

سقط النظام الليبي على عكس النظام السوري الذي تمسك بالحكم على حساب حياة ضحايا كثيرين، لكن على رغم ذلك ما زالت المأساة الليبية مستمرة. يعني هذا أن الأزمة في دول “الربيع العربي” أعمق من مسألة تغيير نظام، بل تكمن في غياب المؤسسات التي يمكن أن تحافظ على الشعب بعد سقوط الدكتاتور، وتمنع حدوث فوضى في البلاد. الآن، بعد عام واحد من حملة حفتر الشرقية، أصبحت ليبيا أكثر فقراً اقتصادياً، وأكثر انقساماً داخلياً، وأكثر اعتماداً على الخارج. ساعدت الحملة تركيا على زيادة نفوذها داخل حكومة الوفاق وزيادة نفوذ روسيا داخل الجيش الوطني الليبي. كما هو الحال في سوريا، فإن الأطراف المتقاتلة في ليبيا، تفقد استقلالها شيئاً فشيئاً أثناء تقاتلها.

تتخذ قوات حكومة الوفاق الآن موقع الهجوم. وتقف الآن على أبواب سرت، ثم ستصل بعد ذلك إلى محطات النفط في رأس لانوف وبريقة. وهي بذلك تخاطر بارتكاب الخطأ الذي ارتكبه حفتر -أو أحد جنرالات ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية- عبر استنزاف خطوطها اللوجستية. يتوقف الأمر أيضاً على قدرة حفتر على الحفاظ على تحالف قوات الميليشيات المحلية في الشرق. في النهاية، إن الاقتراب من المنشآت النفطية سيزيد من التوتر الجيوسياسي، إذ قامت روسيا بالفعل بتجديد سلاح حفتر الجوي، وحتى كتابة هذا المقال، تحشد مصر قواتها بالقرب من الحدود.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.